كاظم حبيب
(Kadhim Habib)
الحوار المتمدن-العدد: 2586 - 2009 / 3 / 15 - 09:03
المحور:
السياسة والعلاقات الدولية
شكل العراق بالنسبة للمؤسسات والشركات الاقتصادية الألمانية الاتحادية واحداً من أكثر دول المنطقة أهمية حيث كانت تسعى بشتى الطرق لتأمين التعاون الاقتصادي الواسع معه, سواء أكان بتصدير الكثير جداً من سلعها المنتجة, أم بإقامة مشاريع اقتصادية فيه, أم بتوظيف بعض رؤوس أموالها في بعض المجالات الاقتصادية المهمة. وكانت المنافسة بينها وبين ألمانيا الديمقراطية على وجه الخصوص لغزو أسواق العراق والحصول على عقود إقامة المشاريع معروف جداً وتميز بالكثير من الأساليب غير المرغوب بها من جانب الدولتين الألمانيتين, وخاصة في فترة حكم البعث الصدامي, حيث فتح أوسع المجالاًت أمام الدولتين لتحقيق أقصى الأرباح ودون مخاطر جدية على توظيفاتها أو كوادرها وأصحاب رؤوس أموالها وحيث تمتع العراق بموقع مالي مهم بعد الفورة النفطية وفي أعقاب تأميم مصالح الشركات الأجنبية البترولية في العراق وحين بدأ العراق يمارس سياسة التنمية الانفجارية المجنونة. ولم ينقطع التعاون بين الشركات الألمانية والنظام العراقي حتى في فترة الحرب العراقية – الإيرانية, حيث واصلت الشركات والدولة الألمانية الاتحادية والدولة الألمانية الديمقراطية تعاملها مع العراق وسوقت له الكثير من المواد الأولية والتجهيزات والمعدات التي ساعدت العراق على الاستمرار في حربه مع إيران, كما ساهمتا بصيغ مختلفة واساليب ملتوية في مساعدة النظام العراقي في إنتاج سلاحه الكيميائي والسلاح البيولوجي. وقائمة الشركات الاتحادية معروفة الآن بعد أن نُشرت كلها تقريباً في تقارير لجان الأمم المتحدة الخاصة بالرصد والتفتيش عن أسلحة الدمار الشامل في العراق وتدميرها. وقد استخدمت تلك الأسلحة التي أنتجها العراق بمساعدة تلك الشركات وغيرها من شركات الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا ...الخ في الحرب العراقية – الإيرانية وكذلك في ضرب الشعب الكردي في عمليات الأنفال وحلبجة وفي ضرب مواقع تجمع قوى البيشمركة - الأنصار في كردستان العراق. وكلنا يعرف حجم الضحايا في تلك العمليات التي لم تعد خافية على أحد, علماً بأن هذه الشركات والدول لم تدفع حتى الآن تعويضات مناسبة لذوي الضحايا في كردستان العراق وللعراق بشكل عام, كما لم تعتذر للشعب العراقي بكل مكوناته عن تلك السياسات الخرقاء التي مارستها والتي ساهمت في سقوط ضحايا هائلة وفي استمرار صدام حسين في الحكم. وهو الشأن الذي ينبغي للحكومة العراقية أن تطالب به وأن يعمل الشعب على دفعها لممارسة الضغط بهذا الاتجاه.
كلنا يعرف الموقف الصارم الذي اتخذه مستشار ألمانيا الاتحادية السيد جيرهالد شرودر من الحرب التي شنتها دول التحالف الدولي ودون موافقة مجلس الأمن الدولي ضد النظام العراقي في العام 2003 استجابة لمطلب غالبية الشعب الألماني حينذاك ومن أجل كسب المعركة الانتخابية في ألمانيا التي كانت على الأبواب في آن واحد. وقد حقق النجاح في الانتخابات فعلاً. وقد أدت تلك الحرب إلى إسقاط النظام الدكتاتوري وإلى خلاص العراق من هيمنة صدام حسين ورهطه. وقد أدى هذا الموقف الألماني الصائب من الحرب في ضوء موقف الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي إلى نشوء حساسية كبيرة بين جورج دبليو بوش والدولة الألمانية بشكل عام وإلى برود ظاهر من جانب الحكومات العراقية الثلاث المتعاقبة والدولة الألمانية حيث كان للولايات المتحدة في العراق القول الفصل في ما يخص العلاقات الإقليمية والدولية للعراق.
وحين بدأت واتسعت ظاهرة الإرهاب والقتل والتدمير من جانب قوى الإسلام السياسية الدولية المتطرفة والمليشيات الطائفية المحلية المسلحة وقوى البعث الإرهابية, نصحت وزارة الخارجية الألمانية المؤسسات والشركات الاقتصادية الألمانية وأصحاب رؤوس الأموال والفنيين بعدم السفر والعمل والتوظيف في العراق, مما أدى إلى انحسار شديد في العلاقات السياسية والاقتصادية والتجارية والثقافية بين العراق وألمانيا ووصل إلى أدنى مستوياته, علماً بأن الهدوء كان يسود في إقليم كردستان العراق وكان بالإمكان تطوير العلاقات الاقتصادية والثقافية بين الدولتين في هذا الإقليم.
ثم كانت زيارة رئيس الوزراء العراقي, السيد نوري المالكي, إلى ألمانيا واللقاء الودي مع المستشارة الألمانية السيدة أنجيلا ميركل, وبقية المسئولين فحركت بعض الأمور ولكنها لم تفلح بدورها في كسر الخشية والبيروقراطية الألمانية في تقدير اتجاهات تطور الأوضاع في العراق. ولكن بدأت المؤسسات والشركات الألمانية تضغط بقوة على الحكومة الألمانية ووزارة الخارجية الألمانية لتغيير موقفها الجامد الذي لم يعد مفهوماً والبدء بالتحري عن علاقات جديدة مع العراق. لقد كانت الخشية من الاختطاف والقتل كبيرة لدى المسئولين الألمان على مواطنيها قد بلغت حد الشلل في التحرك الألماني صوب العراق.
ولكن حين قام السيد ساركوزي, رئيس الجمهورية الفرنسية, بزيارة العراق, شعرت المؤسسات والشركات الألمانية وأصحاب رؤوس الأموال الألمان بأن القطار السائر نحو العراق من أوروبا قد سبقهم وأنهم قد تأخروا أكثر مما ينبغي وعليهم التحرك, إذ يمكن أن يخسروا الكثير في هذه المنافسة الدولية للوصول إلى العراق الذي أصبح أكثر أمناً من السابق والذي يمتلك خزيناً هائلاً من النفط الخام والغاز الطبيعي. وبدأت وزارة الخارجية تعيد النظر بحساباتها وقررت الحكومة الألمانية أخيراً إرسال وفد برئاسة وزير خارجيتها الديمقراطي الاشتراكي, السيد شتاين ماير, إلى بغداد للقاء المسئولين في العراق, وعلى رأسهم السيد رئيس الوزراء العراقي, بأمل البدء بعملية تعاون اقتصادي جديد مع العراق أو إحياء المشاريع القديمة التي ماتت بين البلدين.
لا شك في أن الإرهاب الدموي الذي ساد العراق لعب لخمس سنوات عجاف دوراًُ كبيراً في إعاقة تحرك المؤسسات والشركات وأصحاب رؤوس الأموال الألمان والكثير من الدول الأوربية الأخرى صوب العراق, وهو أمر مفهوم طبعاً, ولكن لا يمكن أن يفهم هذا بعد تحسن تلك الأوضاع وبدء الكثير من الدول الأوروبية التحرك صوب العراق, رغم أن ألمانيا احتفظت بسفارتها وسفيرها وقنصلها العام وبقية المسئولين في العراق طيلة الفترة المنصرمة وحافظت على علاقات سياسية معقولة عموماً.
لقد أحست المؤسسات والشركاتت الألمانية بضرورة التحرك من أجل أن تؤمن لها موقعاً تحت شمس العراق, إذ أن إمكانيات وضرورات التعاون قائمة, خاصة في فترة الأزمة الاقتصادية الشاملة التي يعاني منها الاقتصاد العالمي, ومنه الاقتصاد الألماني الذي يعتمد أساساً على التجارة الخارجية في تكوين نسبة مهمة من دخله القومي ومن تصريف منتجاته الصناعية.
تستطيع ألمانيا ذات التقاليد الصناعية والتجارية العريقة أن تقدم الكثير للعراق, سواء أكان ذلك بإقامة الكثير من المشاريع الاقتصادية الصناعية والزراعية والمواصلات والاتصالات وحماية وتنظيف البيئة الملوثة, أم في مجالات التعليم والتدريب والتأهيل العلمي والفني والمهني, أم في الحصول على التقنيات الحديثة والتعاون في مجالات البحث العلمي والتجارة الخارجية, إضافة إلى إمكانية توظيف رؤوس أموالها في العراق. ومن حيث المبدأ يمكن أن يتم التعاون الألماني-العراقي عبر المجالات التالية:
1 . التوظيف المباشر من خلال إقامة بعض المشاريع الاقتصادية التي يتم الاتفاق عليها مع الحكومة العراقية. والتي لا شك في أنها يمكن أن تجلب الأرباح الجيدة لألمانيا , ولكنها في الوقت نفسه تخدم عملية تعجيل التنمية وإعادة إعمار العراق المخرب.
2 . المشاركة مع الرأسمال الخاص لإقامة مثل تلك المشاريع في مختلف فروع الاقتصاد الوطني. وأصحاب رؤوس الأموال العراقية يهمهم كثيراً المساهمة مع الشركات الألمانية ذات الخبرة والمعرفة الكبيرتين في الإدارة والتنظيم واختيار التقنيات والإنتاجية العالية في توظيف رؤوس أموالهم.
3 . المشاركة مع قطاع الدولة في إقامة مشاريع الصناعات البتروكيميائية وفي القطاع النفطي والزراعي والصناعي وفي الكثير من مشاريع البنية التحتية والخدمة والسياحة...الخ.
4 . المشاركة مع رؤوس أموال أجنبية أخرى للتوظيف في العراق.
5 . عبر اتفاقيات خاصة مع الحكومة العراقي في مجالا البعثات الدراسية والتدريب والتأهيل العلمي والفني والتنظيم الإداري والمعاهد العلمية ومراكز البحث العلمي, إضافة إلى تأمين مشاريع حماية البيئة وتنظيف العراق من التلوث البيئي التي ابتلت به الكثير من مناطق العراق.
6 . عبر التبادل التجاري ووالأسواق المالية وشركات التأمين ..الخ.
تمتلك المؤسسات والشركات الألمانية سمعة طيبة جداً في العراق, وعلى ألمانيا استثمار ذلك لصالح تنشيط التعاون مع العراق, كما أن من مصلحة العراق الاستفادة من الإمكانيات والتقنيات والخبر والكفاءات والمعارف التي تمتلكها ألمانيا.
ومن أجل التعجيل في التعاون بين البلدين لا بد من تأمين عدة مسائل جوهرية:
1. تبادل المزيد من الوفود الحكومية بين البلدين من أجل تنسيق وتأمين الأطر العامة للتعاون والتنسيق الاقتصادي والتجاري والفني بين البلدين.
2. تبادل الزيارات بين وفود ألمانية وعراقية من اتحاد رجال الأعمال في العراق واتحاد الصناعات العراقي واتحاد الغرف التجارية في العراق من أجل تأمين المجالات التي يمكن تأمين التعاون والتنسيق والتوظف المشترك.
3. عقد الندوات الاقتصادية في العراق وألمانيا بمشاركة علماء اقتصاد وصناعة وتجارة من العراق وألمانيا, سواء عبر منظمات المجتمع المدني والاتحادات أم عبر المؤسسات الحكومية في البلدين من أجل التعرف على مجالات التوظيف والتنعاون والتنسيق الاقتصادي والتجاري والفني والبيئي والاتصالات والمواصلات .الخ.
4. محاولة الاستفادة من أجهزة الإعلام للكشف عن المجالات التي يمكن الاستفادة منها لصالح البلدين, وخاصة لتحقيق تعاون إيجابي وفعال لصالح تحقيق التغيير المنشود في الاقتصاد والمجتمع العراقي.
5. البدء بفتح معهد غوتيه مع مركز ثقافي ألماني في العراق لضمان المزيد من التعاون والتنوع الثقافي والفني فيه وتطويره.
6. تنشيط وتنسيق الزيارات المتبادلة بين منظمات المجتمع المدني وتبادل الخبرة والمعارف في هذا الصدد, خاصة وأمن لدى ألمانيا معارف وخبرات وتجارب غنية في هذا المجال , ومنها مجالات الشباب والنساء وحقوق الإنسان.
#كاظم_حبيب (هاشتاغ)
Kadhim_Habib#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟