|
مسلسل البدونة بفاس المغربية يمر إلى السرعة القصوى
عزيز باكوش
إعلامي من المغرب
(Bakouch Azziz)
الحوار المتمدن-العدد: 2582 - 2009 / 3 / 11 - 09:10
المحور:
كتابات ساخرة
متسولة في عمر الزهور تقول" لو سئلت ماذا سأكون في مستقبلي بفاس لأجبت دونما تردد " متسولة " يحكي راديو المدينة بجد أن تاجر ذهب معروف من علية القوم اكتشف عن طريق الصدفة ذات ظهيرة والدته تتسول بأحد أحياء المدينة العتيقة ، لم يصدق الأمر للوهلة الأولى ، لكن طوفانا من الشك والارتياب انتابه وحوله الى ثور هائج لا يقوى على السير دون ان يرتطم ، أهو الشبه ؟ أم هي الحقيقة تمشي على أرجلها ؟ لكن إيمانه القوي جعله ويصر على أن يوصل الكذاب إلى باب الدار ، تتبع خطواتها برصد يشوبه الحذر إلى أن ولجت باب المنزل العتيق ،فانغرزت الصدمة عميقا في قلبه ولم يفاتحها بالأمر . وكان الصائغ يستقبل بين الحين والآخر إخبارية من زوجته تقول، أن –الحازة- الحاجة الوالدة تتسلل خلسة عبر السطوان الداخلي للباب الخارجي ما بين الساعة العاشرة والثانية عشرة كل يوم ، خاصة يوم الجمعة من أجل الصلاة ، وهي في كامل زينتها ، وحينما تعود ، تبدو أكثر من حجمها الحقيقي، حيث تزنر بأشياء مادية ومنقولات عينية لا تعرف الزوجة عنها شيئا ، لكن الصائغ ظل يستهجن الأمر، معتبرا ذلك كيدا على درجة كبيرة من الخبث ، إلى أن وقعت الواقعة. والدة الصائغ المليونير على قدر كبير من الإيمان والتقوى وقيام الليل. لكنها وجدت في التسول هوايتها المفضلة ، وتصنف المرويات أن دخل الوالدة الصافي ظل يتراوح ما بين 50درهما و50 1درهما كل يوم. فيما لا يستغرق زمن الجولة الواحدة 3 ساعات كل يوم. طيلة العشر سنوات التي مضت ، هيمنت قيم أخلاقية أفقية غيبت ثوابت الأمة وحولت إجماعها على التفاعل الدينامي الايجابي مع واقع الحياة والناس ، وبالموازاة مع ذلك ، سادت ممارسات ومسلكيات ذات نكهة سياسية غريبة في تدبير الشأن المحلي ،وبالموازاة مع ذلك ، طفت على السطح قيم جديدة لها ارتباط شديد بالجانب السياسي المريض ، حيث ثقافة تدبير الشأن المحلي ضحلة وعقيمة ، و لا تبدي أي تجاوب فعلي وازن مع متطلبات الساكنة ، فأصبحت تلك القيم الهجينة تهيمن على ساحة التعامل ، وتطبع روافد ومسيلات العلاقات الاجتماعية بنوع من الشك والارتياب كما تسمه بالفتور والتوتر الغارق في الشعبوية المزاجية في أقصى خصوبتها .
هذا الوضع جعل قيما بعينها، لعل اقلها الوضوح والشفافية في التعامل مع الناخب والمنتخب على حد سواء ، قيم أصيلة باتت مهددة أكثر من أي وقت مضى بالانهيار، أو في أحسن الحالات بالميوعة والتشويه والمسخ . وهذا لعمري أسوأ وضع تعيشه فاس منذ عقود. يتحكم الآن في تاريخ المدينة العلمية رجل في الأثر هو " القادم من طبقة البسطاء الذين خذلهم أيما خذلان" فمع الانبهار والارتباك بهالة السلطة الممنوحة بالمال والمغالطات والافتراءات ، اختار بل فضل " الاغتناء السريع والانصياع لما يملى عليه ضدا على المجلس واستشارته، وضدا على القانون" المالك بسلطة الجاه والمال هنا والآن يا سادة بلغ به الأمر " إلى حد أن اعتقد أنه القانون، وأنه الإمبراطور، فقط لأنه نظف وأنار شارع الحسن الثاني ، وأنه أصبح زعيما نقابيا من إجماع وورق . إن المتتبع للشأن الفاسي هذه الأيام، يتأكد من شيئين أساسيين، الأول ، الإخفاق الذر يع في" إدارة الاختلاف السياسي وحل المشاكل العالقة في أضيق دائرة " والحالة هذه ، بات الاحتكام إلى القانون، قميص عثمان ، مما سمح لفئة غالبة بحكم المقاعد بالاصطياد في الماء العكر. والنتيجة الصادمة ، أن المجلس الجماعي أصبح حسب الشرفاء والنزهاء " مليئا بالأوساخ والقاذورات، والتي تنهمر على رؤوس أعضائه وأرواحهم وقلوبهم النظيفة إن وجدت، وأصبح المخلص منهم للجماعة والمدينة حائرا لأنه من جهة لا يحقق الأهداف التي تعاقد عليها مع الناخبين" وبذلك اختلط الحابل بالنابل. لذلك يلاحظ الزائر إلى فاس مدينة الروح بلا روح ،والتاريخ بلا تاريخ، أنها حازت نصيب الأسد من هذا التفسخ، حيث باتت ثقافة البدونة معطى سائدا وثقافة تقبيح المكان والسلوك والمظهر عملة رائجة على أوسع نطاق، القبح سيد الفضاءات ، وبات أمر متابعة الزيارات الملكية بأجندة الحفر والردم ، التجريف وإعادة التجريف ، أمرا يوميا ، على خلفية تمرير الصفقات بالملايين من الدراهم للأصهار والأحبار والأنصار ، ومرر الماسكون بزمام الحكم والمتشبطون به ، بها ثقافة البدونة إلى السرعة الخامسة ، فالبؤس عم ، وهو خزان لا ينضب متى حل استحقاق انتخابي ، حيث على وجه السرعة تشتغل آلة الحفر والهدم والتجريف في الأحياء والأزقة التي لا يلتفت إليها إلا مرة كل 5 سنوات ، حتى غدا السائح الأجنبي جسدا محمولا وسط ألغام وكمائن بشرية تتجاذبه ، تتسلق هاماته ، تبحث عن درهم بكل لغات العالم ، باتت مهنة التسول بفاس على سبيل المثال لا الحصر حرفة من لا حرفة له ، كيف لا، والقدوة تتسول الأصوات والأسهم والمقاعد ، حتى أن متسولة في عمر الزهور قالت مرة" لو خيرت ماذا أكون في مستقبلي، لأجبت دون تردد متسولة في فاس". في هذه المدينة التاريخية العالمة فاس ، يحتل الحمار كأقدم وسيلة نقل مكانة خاصة ، تصل أحيانا حد التفضيل عن الكائن البشري ، هنا أيضا تتجلى مظاهر التسول عاداته وتقاليده ممارسات ممأسسة تدخل في صميم أعراف و سلوكيات المجتمع الفاسي ، وقد تتم هذه المسلكيات الغريبة أحيانا برعاية من رب الأسرة ، حيث يتم الترتيب لها من طرف رب الأسرة بطريقة تجعل من التسول سلوكا انحرافيا شعبيا و مقبولا، مثلما يطلب الجار لجاره عود ثقاب ، أو عرش من شاي أخضر .. ، التسول غدا أمرا طبيعيا عاديا، كما لو أنه دخول إلى موسم ديني أو مهرجان مفتوح ، فلا يكاد يخلو درب أو زقاق ، باب متجر صغير أو كبير، حمار صاعد يحمل أثقالا ، أو عربة مجرورة تحمل متاعا من متسول أو ضارع ، ويعتبر الاثنين ديكورا أساسيا لكل فضاءات فاس البالي أو الجديد ، تجدهما يقفان مثل تماثيل منتصبة على أهبة للنشاط المتسول المذر للعملة ، ولهذا السبب يجد الزوار من العرب والعجم في فاس التي يتوجع تاريخها في صمت ، كل ما يريدونه من أشكال التسول الفاسي الذي هو في الأساس يدخل السوق تحت عنوان قطاع إنتاجي كبير خارج سيطرة الدولة . لكن برعاية جماعتها الحضرية ومجلس مدينتها الموقر . أهو القبح يصول ويجول في أرجاء فاس؟ والمدينة، فاس العالمة التي تندب هذه الأيام 12 قرنا على ولادتها هي في الأساس، ببنياتها المتهالكة ومبانيها القديمة المسندة على قوائم من خشب، ما فتئت تصر على الاهتراء تتآكل يوما بعد يوم ، بعد أن أدت وظيفة الكومبارس الحمائي ضد الطبيعة مقابل الملايير من السنتيمات في جيوب مالكي تدبير الشأن العام، والمتشبطين بتلابيب السلطة من الارتزاقيين والوصوليين وفئة منتخبة من فتات مركب مصالحي فاسد ،فلا حرج ، تنهض المدينة الروح مجهزة ومؤهلة كبنية تحتية صامدة للتسول على نحو عولمي ، بدءا من دروبها الضيقة ، وأسوارها المتلاشية بفعل الإهمال و المركونة بأكياس القمامة السوداء ، وبكل أصناف قنينات الخمور المتلفة التي أفرغت في صدور العشرات من الشباب الحنجوري اليائس الذي يتقن الشعارات بمقابل ، كما رطن عشر لغات ، ولا يتقن لحظة وعي بمستقبل المدينة ، تماما كما لا يجيد لف القمامة في كيس بعيد عن أنف الزائرين ، أو حتى رطن كلمات نشيد الوطن . باختصار شديد تتحول فاس في عصر موسوم بكل الصفات التافهة إلى "جامعة عربية للتسول " حيث تعمل كل الأجناس فيها بممارسة التسول بكل اللغات. ويذكر في هذا السياق أن البنت المتسولة ذات الملامح المنفرجة القادمة من أحواز فاس هي من أغلى الفتيات المتسولات دخلا ، وأكثرهن إثارة واستجداء من قبل الزبائن ، وينتشر في فاس ونواحيها جيش عرمرم من المتسولين ، و قبائل المتسولات النازحات من عبدة ودكالة والغرب بأكمله، وهن معروفات بلهجتهن ، وموسميات الهجرة . وقد شجعهم اللاتمركز الذي أحدثته الدولة ، ووجدوا في كل مدينة تطأها أقدامهم، أبناء قراهم ومدنهم، وينالون من العطف والشفقة ما لم يكن يخطر لهم على بال. من غير أن تلتفت جهات رسمية لمعالجة المعضلة ، أين الجماعة؟ أين الوزارة؟ من كل هذه الفوضى ؟ أين الجمعيات والمجتمع المدني إنها تتسول.. إنهم يتسولون ...؟ بل إنهم يرعون الظاهرة لأنها الخزان الطبيعي للأصوات والحناجر المعارة التي تحملهم إلى عمارية الحكم بالزغاريد . التسول في فاس هذه الأيام مع اقتراب موسم الاستحقاقات ، مهنة من لا مهنة له ، وهي الحرفة الأكبر ممارسة ، والأكثر دخلا من غيرها من طرف لوبيات بعينها ، يمارسها الشيخ والمقدم والبزناس وحارس الموقف والبناد والشمكار وجيش عرمرم من اليائسين الذين ينتظرون يونيو من اجل الإدلاء بموتهم ، بحنجرتهم ، والسلطة تخصب الوضع بعناية فائقة ، فعندما تجوع الكلب فانه لا يتردد في اقتفاء أثرك ، والتسول بات شغل الجميع بسبب سهولة الولوج إلى عالمه ، في الأحياء كما في العقار ، والحسابات الإدارية .... وكذلك بسبب ما تذره عطاءاته من آلاف الدراهم كل يوم . ولكن ، في حال وجود فتاة جميلة وبمواصفات مغرية ، يرتفع السعر ،وتعمل المحكيات والمرويات على تناسل الفكرة وتوليدها ، وتخصيبها بمواصفات أجمل . فإن المتسولة القاصر المهتمة بجمالها ومظهرها ، حظها سيكون أكبر، ودخلها سيكون أكثر ارتفاعاً. التسول . لكن الظاهرة اللافتة الآن في مدينة عربية تاريخية كفاس ، يفترض أنها نموذج وعلى شيء من المحافظة والكرامة الإنسانية تسئ إلى تاريخها الذي تندب هذه الأيام 12قرنا من مساره ، أن مسألة التسول أصبحت مفتوحة إلى الحد الأبعد، بحيث صارت ظاهرة شبه ممأسسة ، شبه مقاولة ، علناً في شوارع المدينة ودروبها ، والمتسولون انيقون ، تعلو أساريرهم فرحة عربية سمراء . حنق الكثير من المواطنين التجار بالقيساريات الكبيرة وغضبهم من تواجد متسولين من كل الأشكال والأنواع يدفع بالكثير منهم أحيانا إلى اتخاذ إجراءات ترحيل صارمة بحق هؤلاء المتسولين الوافدين بلا استئذان . فيتفقون مع مساعد سائق حافلة ، يستحسن أن تكون سريعة الشمال والجنوب ، ويؤدون تذكرة لهذا المتسول أو ذاك ، ويسفرونه إلى الوجهة التي لا يريد ، لكنه سرعان ما يعيد الكرة مرة أخرى . عزيز باكوش
#عزيز_باكوش (هاشتاغ)
Bakouch__Azziz#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حادثة الكلم 9 -قصة من صميم الواقع -
-
داء السكري بالمغرب الراهن والتنبؤات في ندولة تواصلية بفاس ال
...
-
أكاديمية جهة فاس بولمان الثانية وطنيا من حيث الاستحقاق والتف
...
-
الانترنيت العربي بعيدا عن العلم ..قريبا من الجنس
-
بناء الوعي وتوجيه الرأي العام في العالم العربي والتأثير المب
...
-
تأملات في جسد-الإشاعة الصحفية - أو عندما تلبس الإشاعة ثوب ال
...
-
إنهم يغشون يا جلالة الملك ، كانت تغوص في الشارع العام ، وأصب
...
-
توقفت الدراسة بفاس لفترة تضامنا مع غزة .. ولم يتوقف الإبداع
...
-
القصيدة العمودية قصيدة لكل الأزمنة حوار كاشف مع شاعر شفيف اس
...
-
الانترنيت .. من أجل نصرة غزة وإرساء ثقافة الاحتجاج الواعي لد
...
-
الحمار يحتل مرتبة الشرف بفاس العالمة
-
حوار مع المخرج السينمائي المغربي بوشتى المشروح
-
حوار مع رئيس النادي التازي للصحافة عبد الاله بسكمار على ضوء
...
-
الكريدي… ذلك الإدمان
-
تحديد السعر الأدنى للتسول بفاس في درهم واحد
-
الوكالة المستقلة للنقل الحضري لولاية فاس بين الحال والمآل
-
المساء والشيشة بفاس
-
الكاتب المغربي أجير بالدولار في المشرق، مناضل ببلاش في المغر
...
-
حذاء يزار
-
الصحافة: سؤال الماهية ومنطق الممارسة تقديم وحوار: عزيز باكوش
المزيد.....
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|