|
في الاعلام الاماراتي (1)
ابراهيم اسماعيل
الحوار المتمدن-العدد: 2585 - 2009 / 3 / 14 - 03:35
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية
يفتقر النسيج الاعلامي في دولة الامارات الى الشفافية والمصداقية في طرح الامور التي تعتبر في نظر المشاهد الاماراتي "ساخنة من حيث المحتوى الانفعالي والاستثارات" وينتج عن هذا نشوء جيل "اعلامتثقيفي" اذا صح التعبير لا تتوافر عنده الجدية والموضوعية والاتزان في طرح المشاكل الوطنية الراهنة وفي حال ادارة النقاشات تتخذ الاخيرة منحنى "البرزة والسوالف" والمجاملات الملطفة او في حالة عدم التوافق مابين المتحاورين الناتج من تباين المواقف الفكرية "المستثقفة" مابين الاطراف وعدم الاتفاق على صيغ حوارية معينة تبدأ النعرات القبلية والانفعال العنصري وتبدأ الدوائر تكبر لتستوعب المضامين القومية العربية والمقدس الديني التي يكاد ان يكون جرعات مهدئة تتفق عليها الاطراف في أغلب الاحيان.
اود الاشارة الى قضية مهمة في هذا السياق وهو قضية الاختصاص الأعلامي او الاهلية الاختصاصية للاطراف المشاركة في العملية الاعلامية. التحليل الاقتصادي للأسواق المالية مثلا يتطلب وجود خبير ميداني اقتصادي "محايد" يحلل الوقائع الاقتصادية على ضوء التعامل مع المعطيات الموجودة في فترة زمنية ومكان معين والسياسي يسلط بعض الأضواء الموضوعية في شأن سياسي لدولة معينة ام حدث عالمي دون ارجاع مركزية الحكم على الاشياء الى بلد معين او مصلحة خاصة وهذا السياق يعمم على جميع الجوانب الحياتية دون تخصيص بغرض تحقيق اعلى قدر من التحري والدقة والانتاجية الاعلامية الفعالة.
احدى مشكلات الاعلام الخليجي والاماراتي على الاخص هي مشكلة الرمز وابعاده الاجتماعية والنفسية على المستوى الشعبي وتدخل نظرية الرمز في منحنى "سياسة القطيع". السياسي يتصف بالشمولية وهي احدى الطرق التي تهدف الى تعزيز "الكريزما الزعامية". فالقيادة الامارتية "او بالاحرى السياسين الاماراتين" متمثلة بالشيوخ حكام الامارات وحاشيتهم هم نقطة البؤرة الاعلامية الشعبية فمثلا تبدأ البرامج المحلية بشكل التالي:
تحت رعاية صاحب السمو...؟ بتوجيهات من صاحب السمو...؟ محمد بن راشد..فارس العرب..الخيال المُسيس..القناص السديد..حمدان الرمز الشبابي الصاغد..الشخصية البيئية ..الثقافية..الدينية..شاعر الكلمة..وغيرها مما يزخر به القاموس الزخرفة الاعلامية في الامارات.
مركزية القرار في العمل المؤسسي في كل امارة من امارات الدولة هي للحاكم من حيث التعيينات في المناصب او الميزانيات او القرارات التنفيذية او "مشروب زيادة الرواتب المنعش" مما يؤدي الى نشوء ذهنية اتباعية لدى فئات الشعب الى رموز القيادة "الشيوخ" وتنعكس ارهاصات الذهنية الاتباعية الى الجوانب والنشاطات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية مما يدعم شمولية الرمز على المستوى المحلي. بالأضافة الى ذلك تخدم الصحافة الاماراتية الشمولية الكاريزمية من خلال "قصائد المدح" المتخذة أشكال مقالات في بعض الصحف مثل "الامارات اليوم" امثال سامي الريامي الذي يبتعد عن الموضوعية في طرح قضية الازمة العالمية ويفند الاشاعات بطريقة سحرية من خلال استخدام مصطلحات عروبية متداولة "دبي مفخرة للعرب" "السياسة الحكومية الرشيدة" اليس بالاحرى ان يكون هناك متحدث رسمي مختص بالشؤون الاقتصادية لامارة دبي وغيرها من الامارات ؟ اليس بالجدير ان نترك الحس الوطني العاطفي ونتحجج بالوطنية المجنونة ؟ ثم ان الصحافي سامي الريامي لا يدعم نظرياته المختلقة بشأن المثلث الهجومي على اقتصاد دبي "الكرتوني" وهو بدوره يلقي أتهاماته على محور العدائية العربية الزائفة وهي اسرائيل ودول غربية لم يذكرها بالتفصيل ويلقي بالتضرر من الازمة العالمية عليها ومسؤولية مسبباتها الى جانب دول عربية في حد قوله وهو في حالة لا توصف من اليقينية "الاقتصادية".
والعجيب ان سامي الريامي اخذ في كتابة سلسلة من المقالات بخصوص الاشاعات التي يمكن ان تكون حقائق مخفية بالدراسة والتمحيص الاقتصادي لوضع دبي ومما زاد الطين بلة هو ردود القراء المؤيدة بشكل تسليمي لما يبثه من سموم وافكار عقيمة لا تدخل في دائرة المنطقية بل في دائرة الانفعال "العربي-القومي" الشائع.والاكثر من ذلك ان الاستاذ سامي يؤكد في احدى مقالات السلسلة الدفاعية انه بعيد عن الكليشات العربية الشائعة فهل هناك اكثر من ذلك ؟
بالرجوع الى المحور الاول من المقال وهي الاساليب الحوارية في الاعلام الاماراتي, ارسل الي صديق مقابلة مسجلة من برنامج على الصميم BBC Arabic مع قائد شرطة دبي الفريق ضاحي خلفان تميم وكان النقاش يدور حول قضايا اماراتية بحتة كالتركيبة السكانية ووضع دبي المالي في ظل التداعيات المالية العالمية والتجنيس وغيرها. وقد كان البرنامج بمثابة دليل على التصرف و"manner" الاعلامي الرفيع (ولا اقصد بالرفيع الاتيكيت وانما الاهلية الاختصاصية والموضوعية والموازنة الحوارية) للمسؤولين في دبي الذين يعتقد ان يمتلكوها كأعيان الامارة المتصاعدة ومنظروها الفاعلين. من الملاحظات الجادة ان "الفريق" استطرد في الحديث مع المذيع حسن معوض عن قضايا عامة في الطرح الاعلامي المحايد مثل الميزانية الخاصة للأسرة الحاكمة والميزانية العامة للدولة و ابعادها على تقييم الوضع المالي للدولة والتي تم الرد عليها بشكل قاطع وحاسم بعد سلسلة من التناقضات في الاجابات والارتباك الغير مبرر الذي يؤدي بدوره الى غموضية المسؤولين وعدم شفافيتهم وكان رده انها "فلسفة خاصة لا يعرفها الا الخليج..امثالنا" وقد كان "الفريق" يقاطع المذيع لا بغرض الايضاح والتعقيب بل بغرض "نفث الارتباك" من خلال "الديكية" في الحوار (كما قال الشاعر والمترجم العراقي صلاح نيازي) بقوله "خذ الكلام مثل ماقولك".
وبخصوص التجنيس كشف المذيع عن عدم منطقية الربط بين التخوف الامني"كظابط شرطة" وعدم وجود رؤية خاصة بشأن العمالة الوافدة في الامارات "كرجل صاحب طموح سياسي على حسب تأكيده" وقد رأى "الفريق" أن يتجه الى الجرعات المهدئة التي تخفف التوتر عند الاطراف المركبة للعملية الاعلامية من خلال التأكيد على السوق العربي "النشيط" وقوله "لقد وفرنا الحياة الكريمة وفرصة العيش للعمالة ولكن ليس على حساب التجنيس..أذا فالجنسيات العربية أفضل" و"الاستثارة العاطفية التي تبين المظلومية بشكل عام والتذمر بشكل خاص" وتارة باستخدام العاطفة الدينية الشعبية في تشريع "الديموغرافية المتوازنة" التي صرح بها من قبل نقلا عن تعقيب المذيع في المقابلة وهذه احدى السمات الكلامية للمواطن الاماراتي وقد تساءل المذيع عن أهلية "الفريق" في الحديث عن جميع المحاور المتداولة "كمتحدث رسمي لامارة دبي" وأجاب بالتأكيد وختمها بكلمات مديح للقيادة الرشيدة الرحبة الصدر ليضفي شرعية شعبية على التأكيد وردوده المرتبكة التي سبقها "وخاصة ان (الفريق) من الحاشية الكريمة" والتي تنم عن عدم اتزان أعلامي موضوعي وأسلوب خطابي تعبوي واعتداد نفسي ينم عن قصر النظر الجاد الى المواضيع المطروحة وافتخار ذاتي لا يتصل بسلك التحليل من خلال قوله "انا ضاحي خلفان الحكومة تعرفني والمواطنين يعرفوني ايضا"!!
#ابراهيم_اسماعيل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لحظة..من لحظات
-
حلم مرور..لماذا تُركنا..
-
هذيان الأنتظار
-
تساقطوا..
-
غربة..حب..شجرة
-
سأقولها
-
احتياجات
-
(خرج..)
-
نار..حلم..يقظة
-
محطات..
المزيد.....
-
رقمٌ قياسيّ لعملة فضية نادرة سُكَّت قبل الثورة الأمريكية بمز
...
-
أهمية صاروخ -MIRV- الروسي ورسالة بوتين من استخدامه.. عقيد أم
...
-
البرازيل.. اتهام الرئيس السابق جايير بولسونارو بالضلوع في مح
...
-
اكتشاف عمل موسيقي مفقود لشوبان في مكتبة بنيويورك
-
وزيرة خارجية النمسا السابقة: اليوم ردت روسيا على استفزازات -
...
-
الجيش الإسرائيلي يوجه إنذارا إلى سكان الحدث وحارة حريك في ال
...
-
أين اختفى دماغ الرئيس وكيف ذابت الرصاصة القاتلة في جسده كقطع
...
-
شركة -رايان- للطيران الإيرلندية تمدد تعليق الرحلات الجوية إل
...
-
-التايمز-: الغرب يقدم لأوكرانيا حقنة مهدئة قبل السقوط في اله
...
-
من قوته إلى قدرة التصدي له.. تفاصيل -صاروخ MIRV- الروسي بعد
...
المزيد.....
-
واقع الصحافة الملتزمة، و مصير الإعلام الجاد ... !!!
/ محمد الحنفي
-
احداث نوفمبر محرم 1979 في السعودية
/ منشورات الحزب الشيوعي في السعودية
-
محنة اليسار البحريني
/ حميد خنجي
-
شيئ من تاريخ الحركة الشيوعية واليسارية في البحرين والخليج ال
...
/ فاضل الحليبي
-
الاسلاميين في اليمن ... براغماتية سياسية وجمود ايدولوجي ..؟
/ فؤاد الصلاحي
-
مراجعات في أزمة اليسار في البحرين
/ كمال الذيب
-
اليسار الجديد وثورات الربيع العربي ..مقاربة منهجية..؟
/ فؤاد الصلاحي
-
الشباب البحريني وأفق المشاركة السياسية
/ خليل بوهزّاع
-
إعادة بناء منظومة الفضيلة في المجتمع السعودي(1)
/ حمزه القزاز
-
أنصار الله من هم ,,وماهي أهدافه وعقيدتهم
/ محمد النعماني
المزيد.....
|