|
ما يشبه الابتسامة
آسيا علي موسى
الحوار المتمدن-العدد: 791 - 2004 / 4 / 1 - 09:13
المحور:
الادب والفن
أتـــوارى عـــن الأصـــوات الـعالـيــــة و الـمتـــداخـلـــة بـحـدّة ، أخـتـفـــي وراء الـبـاب الـذي أصـبـــح يـحدّد مـســـاحــــة قـاتـمــــة لا يـــلازمـنـــي فـيـهـــا إلاّ إحـســـاس وحـيـــد ، شيء شـبـيـــه بـالقـــرف مــــن جـســـدٍ و كـيـــــان كـلّــــه أشـتّـــــم فـيـــه رائـحــــة أقـــرب ما تكــــون إلـــى رائـحـــة الـقـــذارة ، أدفــــع الـبـاب بـرفـــقٍ ، كــســـيـّدة مـهـــذّبــــة لا تتـــــعـــــــدى حــــدود اللّـــبــــاقـــة مـهــــمـــا حـصـــل ، عـيـنــاي المـنخـفـضـتـــان جـفــــونـهـــمــــا و الـمـرتـكـزتـــان عـلـــى الأرض تـثـبـتـــان ذلك ، لـكـــنّ ما يخفيه الـوجـــه الـخـاضــع ، قـلـب مـتـنـامــــي الـدّقـــات ، مـتـــزاحـــم النّبـــض، مـتــدفــق الدّمـــاء ، ثــــائــر ، يـغـلــي غـيـضــــا و نـقـمـــة ، و صــــوت يـتـكـركـــر بـأعـمـاقـــي لـو اخـتـــرق صـــدري لأصـبـــح صـرخـــة تـزلـزل الـبيـت و الـشـارع . . . و الـقـريــة كلّـهـــا ، لـكـنّــــه لا يـفـعـــل ، لـكنـنـي لـــن أتـركـــه يـفـعـــل ، كـلّ مـا أفــعـلـــه ابتسامة شـاحـبـــة بــاردة صـفـــراء تـبـرز لـوحـدهـــا عـلـى شـفـتـــي و تـسـتسـلــم لـهـــا أسـاريــري آلـيـا كـمــا تـعـــوّدت دائـمـــا أن أفـعـــل فـــي حـــالات الـقـهـــر الـمشــابهـــة . . لـسـت أعـلـم مـــن أيــن ابـتــدعـــت عـادة الـتـبــسّــــم هــــذه ، و لا مـتـــى ؟ لعـلّـهـا شيء طـبـعـنــي مـنـــذ الـصّـغـــر ، و أنـــا أرى أمـــي تـهـــزّ رأسـهـــا كـلّـمــا تـحـدّث أبـــي و أسـنـانـهـا الـمخـــرومـــة الـسـوداء لا تـنـحـجـب حـتـى يـنصــرف . كـثـيـــرا مـا كـنـت أتساءل : كـيـف تـضـحـك أمـي و أبـي يـشـتــم أبـاهـا و أمّـهــا ، و كـلّ سـلالـتـهــــا ؟ لـكنـنـي لـم أكـن أســألهــــا أبـــدا ، لأنّهــــا بـعــــد خــروج أبـــي ، لـــم تـكـــن تـنـبـس بـبـنـت شـفــــة ، تـنـصـــرف إلــى الأعـمــال الـتـي لا تـنتـهــــي و رأسـهــا مـطـرقـــة إلــى الأسـفـــل . . . دائـمـــا . . .
لـكـــنّ الـمـفـارقـــة الـكبـرى ، أن تتـوقّـــف أمّـــي عـــن التـبـسّـــم ، و أغـــدو أنـــا مـــن يـمــارس هـــذه الـعـادة نـيـابــة عـنـهـا ربّمـــا ، أو . . عـلـــى الأصّـــــــح ، تـعـبيـــرا عـــن وضــــع شـبـــيـــه إلــى حـــدّ مـــا بــوضـعـهـــا . نـعــم فـــأمّــي لـم تـبـتـسـم مـنـــذ ذلك الـيــــوم . . أخـبــرهــا أبـــي آمـــرا طـبـعـــا : - الـبـنت سـتتـزوج بـعـــد أسـبـــوعـيــن ، هـيّئـــوا كــلّ شيء لـذلك ، فـالشـيــخ " الـعــربـــي" لا يـمـكـنــه أن يــنتـظـــر أكـثـــــر ، و أنـــا أيـضـــــا لا يـمـــكنـنــي أن أنتـــــظـــر أكـثـــــر عـلـى "بـنــــــــاتـــــك" . . . . . . . . اخـتـفــــت أسـنــــان أمّـي فـجــأة خـلـــف الـشـفتـيــــن الـمـطبـقـتـيـــن بـشـــدّة ، أحـسسـتـهـــا تـعـــضّ عـلـــى شـفـتـهـا السـفـلـــى حـتـــى كــــدت أسـمـــع أنـيـنـهـــا . لـعـلّــــه أنـيـنـــي أنــا ، لـكـــن مـا كـان بـــاديـــا بـجـــلاء أنّ ابتسامتها الـصـفـــراء امـحّـــت كظل قــاتـــم تـقـصـيـــه الظّلـمــة . . و رفـعــت أمّــــي لأوّل مـــرّة رأسـهــا إلــــى أبـــي ، كـانـت تـنـظـــر إلـيـه مـبـاشـــرة كـادت نـظـراتـهـــــا تـخـتـــرق صــــدره ، خـلـتـهـــا تـفـتّــش عـــن قـلـبـــه . . فـهـــل كـــان لأبــي فـعـــلا قـلب ؟ لـــم تـقــل أمّـي شـيـئــا ، لــم تـعـلّـــق ، لـــم تـسـتـفـســر ، لـــم تـهـــزّ رأسـهـــــا نـفـيـــا و لا إيـجـــابـــا لـــم تـــرفـض ، و لـــم تــوافـق . . . سـكـتـــت ، و لــم تـبـتـســم بـعـدهـــا إلـــى الـيـــوم . أمّـــا أنـــا ، تــلازمـنــي الابتسامة الـمـــرّة الـصـفــراء مـــن يــومـهـــا . . هـــي فـي اصـطــلاح الـبشـــر قــد تـكـــون ابـتـســامـــة و إن كـانـت صـفـــــراء، لـكنّـهـــا بـالنسـبـــة لــي ، حـســــــرتـــي و مــرارتــــي ، شـفــرتـــي الـخّـاصـــة الـتـي أدسّ وراءهــــا قـهـــري و ألـجّـــم بـهـــا فـــي رضـــوخ و ذلّـــة ريـــاح الـثـــورة الـمـهـسـهـســــة فـي جـنـبـــاتـي ، الـرافـضـــة قـطـعـــا لـحـيـاة تــدوسـنـــي تـحــت أقـــدامـهـــا كـمـــا تـــداس الـحـشـــرات الـضّـــارة . تتـنـــاوشـنـــي خـــواطــري ، و الأصـــوات الـمـرتـفـعـــة فـــي الرّواق تتـنـــاوش بـغـيـــر انـقـــطـــاع . . يـنـطـلـق الـصّـــوت الـمبلّـل مــتــعـبــا مـــن رأســـي : - لا تـســألـــي اللّــه أن يـخـفف حـمـلك ، اســألـيـــه أن يـقــوّي ظـهـــرك . . أتلـمّـــس ظـهـــري بـســـذاجـــة فـلا أحـسّ لـــه وجـــود،،،،! كـــلّ مـــا أحـــسّ بـــه خــواء و فـــراغ ، أســـنـــد كـيــانــي عـلـى الـبـاب و عـنـــدهــا يـغـشـــانـي هـمّ خـانــق يــربـض عـلـى روحـــي ، يـمـحـقـهــا ، حـتّــــى يـخـــال إلي أنّـــي أسـمـــع طـقـطـقـــة بــداخـلـــي و صـــوت انـكـســـار . . . . . . . . . . . . . . . . . يـتـعـالــى الـشّـجـــار ، تـتـداخـــل الـكلـمـات ، تتـلاقـــى ، تتـنـــافـــر ، يـتـنـاهــى إلــيّ دويّ اصـطـــدامـهــا ، و ارتـطـامـهـا . . - " الـدنـيـا مـقـلـوبـــة بـسـببـك ، و أنـت كـعـــادتـك عـنــدمــا يـتـعـلّـــق الأمـــر بـك تـــدفـعـــين الـبــاب بــرفـق، و تـخـفـضـيــن بـصـــرك ، و تـســألـيــن اللّــــه مـــزيـــدا مــزيـــدا مـــن الـصّــبـــر . . . تـنـاهـــى إلــيّ رنـيـن صـــوتـهـا ( نـفـســـي ) ، و خـلـت للـحـظــــة أنّـــي لـمـحــت طـيـفـهـا يـنـفـصـــل و يـصـفـق البـــاب وراءه . . كـانـت نـفـســي ثــائـــرة و كـان كـــلّ شيء فــي يــدفعـنــــي إلـــى الـهـــدوء، إلـــى الاستسلام ، كـانـت نـفـسـي تـسـتـحثّنـــي عـلــى . . الـعصـيـــان . . و الـتّـمـــرد . . عـلـــى تـخـطّـــي أســـــوار الـقـهـــــر و الـظـلــم و الإقـصـــاء، عـلـــى قـهـــر الـخـــوف الـمنـصـهـــر بـــداخـلــي ممـزوجـــا بـمـرارة سـنيـنــي كـلّـهـــا ، و كــانت عـلى صـغـــر سـنـــي قــرونــا طـــويـلـــة ثـقـيــلة . . لـكـنّـنـــي كـعـادتـــي دائـــمـــا ، شيء مــا بـــداخـلــي ، لازمـنــي مـنـــذ وعـيـت الـوجـــود ، لـســت أدري إن كـان مـولـودا مـعــي، أم أنّــــي اكـتـسـبـتـه ، يــدفـعـنـي إلــى الاستكانة و الاستسلام ، إحـســــاس بـالضــآلـــة و الـضـعـــف ، و إحـســـاس بــأنّ الأشيــاء، لا يـمـكـنـهـــا أن تكــــون عـلـــى غـيـــر مـــا هـــي عـلـيـــه ،، نـظـــرت حـــولــي فـــإذا الـدّنـيـــا خـــواء ، فـعـــلام الـثــــورة ، مـــادامـت وحـــدهـــا "الـحقـيـقـــة ثــوريـــة " . . و مــادام مـا أعـــرفـــه كـلّــــه زيــــف . مـــا دام الـثـائـــرون يـحـلـمـــون دومـــا بـتـغييـــر إيـجـــابـــي ، و أنـــا ، لـــم أعـــرف فـي حـيـــاتــي آفــــاق الـحـلـــم ، فـكيـــف و لِـــم أثـــور ؟ تـبـعــث فــي " الـثـــورة " رغـمـــا عـــن إدراكـــي ، دفـقــــة حـــرارة قـــويــــة ، و أنـــا أصـــرف نـظـــري عــــن الـسـريـــر ، و الـرأس تـسـكـنـــه تــداعـيــات مــرعبـــة ولّـدتــهـــا فــي أشـيـــاء هـــذه الـغـــرفـة ، الـتـي يـقـــال لــي أنّــهـــا غـرفـتــي و الـــذي أعـتـبـــره زنـزانـــة تـعـذيـب . . . فــي بـيـتٍ ، ســـجـــنُُ آخــــر يـخـتـلـف كـثـيـــرا عـــن سـجـــن بيـتـنــا و سـجّـــان يـشـبــه أبــي إلـى حـدٍّ بـعـيـــد ، كـلاهـمـا يـسـتـحــثّ بـــداخـلـــي نـيـرانـا مـهــولـــة تـشـتعـــــــل لـتـــحـييـنـي و تـنـطـفـئ لأمـــــوت ثــانيـــة . . ! . . . . . . . . . . أنـتـبـه إلــى الأصـــوات الـتي انـخـفـضـــت ثـــم تـلاشـــــت تـدريـجـيـــا ، أرفـــع نـظـــري الـمنكّس إلـــى ســاعــة الـحـائـط ، مـنتصـف الـنّـهــار ، تـجـتـــازنــي مـقـــولـــة : " تتـوقـــف الـكلاب عـــن الـنبـاح عـنــدمـــا تـنحـنـي . . لـتـأكـــل " يـسـتـرخـي تنـفـسـي ، ألـقــــي الـهـــواء الـمحـبــوس فـــي داخـلـي ، أهــمّ بالارتماء عـلى الـسريـــر . . لـكنـنـي أتـمـالـك نـفـســـي بـغـتـــــة و كــأنّ أشــــواكـــه تتـــرصّــــد بـــي مـدبّبـة مـكـشّـــرة لاختراقي ، أنـفــر مـنـه كــمـا تـنـفـــر الـقـــذارة ، أنــحّــي راحـتـي بـسـرعة و أرتمي بـنـزقٍ عـلـى البـــلاط . لــذّة نـــديـــة عـبـرت جـســـدي الـملتـهـب، فـتنـــامـت مـعـهـــا احساسات مـريــحــة أسـلـمـت لـهـا وجـهـي و أطــرافـي كـأنّنــي جـمـرة تتـضــرّم ، تتـآكـــل جـــزيئــاتـهـا فـتـطفئـهــا عـذوبـــة الـميـــاه . تـنـازلـت وتـيــرة خــوفــي وارتـعــاشـــي ، و تـبـدّدت مـشـــاعـــر الـتـوجــس و الـقـلــق مــؤقـتـــا . . . . . . . . . . . أحــدهــم يـقـتـــرب مـــن الـبـاب، يـتـحـسّس أنـفـــاســـي ، يـتـأكـــد مـــن وجـــودي ، لـعـلّـــه أحـــد ربـائـبــي أو إحـــدى زوجـــاتهـــم ، أكـــاد أجـــزم أنّ الـجـمـيـــع يسـتـثـقــــل بــرودة دمــي ، و قــــدرتـــي الـعـجـيـــبــــة عـلــــى تـحـمّـــل رفـضــهـــم وجـــودي فـي هـــذا البـيـت، و مـن قـــال أنّـــي لا أرفـضـــه أنــا أيـضـــا ، و إن لـــم أقـلـهـــا إلاّ اللّــحـظـــة . . . . ســـألـنــي أبـــي كـعـــادتـــه غـــاضـبــــا آمـــرا و عـيــونـــه الـشـــزراء تتــربّـص بـمـلامـحــي ، (كـــي لا يـثـقـــل ضـمـيــــره بــي ) - هـــل أنـت مـــوافـقـــة ؟ عـلـــى الـفـــور أجـبـــت فــي امـتـعـــاض . - مــوافـقــــة ... ردّ أبــي ســـاخـــرا - لا بـــدّ أن تـــوافـقـــي، ثـــم أردف ، أربــع بـنــــات بـلا زواج عـــار كـبـيـــر . أجـــل مـــوافـقــة . . . لـكـــن عـلــى أن أكـــون كـبــش الـفــداء . . فــأربـــع بـنـــات بـغـيـر زواج كـما يـقـــول أبـــي عـــار و عـبء ثـقـيـــل . مـــوافـقـــة عـلـى التّـــخلـــص مـــن إحساسي، خـلـف حــاجـــز الـطــاعـــة، بـالـنـفـــور مــنْ مَـــنْ كـــان يـفـتــرض أن يـكـــون أبـــي ،، كـنـت أصـبـــو فـقـــط إلــى الـتّـخلــص مـــن الـعـــذاب الـمـريـــــر ، الـذي سـمـمّ حـيــاتــي ، فـلا هـــو قـتـلـني و لا هـــو مـنحـنـي فـسـحــة جـــديــرة فــي مـا تسـمـــى عـنـــد بــاقـي البـشـــر ،، " حـــيـــــاة " فـــوافـقـــت عـلـــى مـــوتٍ قـــاضٍ ، بـــدل الـمـــوت البـطيء . وافـقـت عـلـى سـجـــن يـسـهـــل عـليّ ، هـــذا مـــا اعـتقـدتـــه ، أن أتقبل قـســـاوة سجّـــانـــه و لا يـشــقّ عـلـي الـبتّــة أن أمـقـتـه و أتـمـنى مـوتـــه ، أو أحـتـقــره . . دون تـأنـيـب الـضـمـيـر ، و دون خــــوفٍ مـــن عــــقـــاب اللّـــــه ،، نـعـــم ، فـهـــو اخـتـــارنـي ، اخـتـــار الشـبــاب الـذي يـعـتـصــر رحـيـقـــه حـتّــى الـيـبـوس ، و أنـا قـلـت مـوافـقـــة و لـم يـكـن لـديّ خـيــار آخـــر .
و زفّ الـشـبــــاب، بـلـبـــاس ابيــض و قـلـــب قـــاتــم أســــود . زعـــق الـقـــرف بـــداخـلـــي و أنـــا أتـقـــاســـم أنـفـــاس شـيــخ سـنــه يـــربـــو عـــن الـثـمـانـيـن ، يـرتـفـــع شـخـيـــره لـيـطـمــر أنـفــاســي الـبـاهـتـــة الـخـائـفـــة . . و يـــرهـــق روحـــي بـــدنـــس فـــروض الـطـاعــة . . يـحـشـر جــســـده الـبـارز الـنـتـــوءات مــن كـــلّ جـهـــة فـــي عـبــاءة فـضـفـاضـة يـــرتـعــش و هو مـنـهـمـك أو شـبـــه مـنـهـمـك ، فــي عـبــادات ، و يـلــوي لـســـــانــه بـتـــراتيـــل و تـســابيـــح ، و أصـــابـعـــه الـضــامـــرة الـجـافـــة تتـلـمــس حـبّـــات مـسـبـحـتــه ، أمّــا عـيـنـــاه فـتتـلـصّـصـــان بـــي ، عـنـدهـــا يــرســل بـصـــوت مـسـمـــوع جـــدّا تـعــــويـــذات ، يومئ لـــي بـهـــا أن أتـنـحّـــى عـــن طـــريـقــه ، و يـــرمــي بـــي بـنـزقٍ إلـــى مـمـلـكـــة الـشـيـــاطـيـــن . عـنـــدهـــا أتـــذكـّــــر ذلك الـذي يـمـكـــن للـجـمـيـــع أن يــجـــزم بـمــا لا يـــدع مــجـــالا للـشـك ، انّــــه أبــي ، فـــدمـــي و جـيـنـــاتــي الـوراثـيـة ، جـمـيـعـهــا تـثـبـت ذلك أكـيـــد . . لـكـنّنـــي أسـتـطـيــــع الآن أكـثـــر مـــن أيّ وقـــت مـضــــى ، و بـغـــضّ الـنـظـــر عـــن كـــلّ عـــذابـاتـــي الـسّــــابقــــة . . أن أراجــــع حـقـيـقـتـــه . . . . . . . . . . . . بـــدأت البـرودة الـــنـدّيـــة ، الـتـي تـعـبـــر جـســـدي مـــن الـبـلاط ، تتـحــــول إلـــى بـــرد . . ثــم تـــدريـجـيـــا ســـرت فـــي مـــوجـــات قـشـعــــريـرة اصـطــكّـــت لـهـــا أسـنـانــي ، و ارتـعشــت لـهــا أوصــالـي كـلّهــا . . انـتـقـلـت بـــعـدهـــا إلـــى داخـلـــي، إلــى أعـمــاق أعـمــاقــي ، فـأحـسســت أحـشــائــي تـهـتــزّ و تـــرتـعــد . . نـظــرت حــولــي ، فــإذا الـفراش اللّـعـيـــن يـقـابـلـنـي بـأغـطـيـتـــه الـصـوفـيــة الـوثـيـــرة و وســــائـــده الـحــريـــريــــة . . حـــولـــي و داخـلــــي و عـلـى رأسـي و فـي قـلـبـي . . و فـي روحـي بـــرودة مـهـــولـــة ، قـــطــعُُ ثـلجـيــة تـحطّ عـليّ . . و الفـــراش الــوثـيـــر يـقـابـلـنــي بـلعـنـــتـــه . . قـابلـنـي ضـوء حـــادّ يـخـتــرق ســتـائـــر النّـــافـــذة ، عـبــر شـقـــوق ألــواحـهـــا هـببـت واقفـة ، أزحـــت الـسّـــتـائـــر بـقـوّة ، دفـعـــت دفّتــــي الـنافـــذة الـخـشـبيـــة . . . بـغــيـــر رفـــــقٍ . . . فـالبـــرد كـــان بـــداخـلـــي شـــديـــد . . و . . . الـشـمـــس خـــارج البـيـت كـــانـت تـشّـــع الأرض بـنــورهـــا ، و تدفئ الـشـــوارع الـرّطـبـــة . . كـــانت الـشّـمـــس لـحظـتـهـــا أو هــكــذا خـلـتـهـا ، تـبـحــث عـنّـــي . تـقـتـــرب مـنّـــي رويـــدا رويـــدا . . أحسست وهـجـهــا يحـوطـنـي و نـــورهـا يـبـدّد الـوحـشـــة بــداخـلـي . . فـمـددت يــدي بـعـــد أن بــدأت تـسـري فـي سـخــنــة و راحــــة . . احـتضـنـت الـشّمـــس ، كــأمٍ رؤوم ، فـعـانـقـتـنـي ، انـبـعـث الــدّفء عـــذبـــا مــن مـكــان مـــا فــي قـلـبـي . . عـنـــدهــا فـقـــط خـــرجــت مـــن . . روحـــي . . لا يـمكـنـنــي أن أحــدّد كـيـــف ، خـــرجــت ابـتـسـامـــة . . او تـعبـيــر يـشـبــه الابتسامة الـعـميـقــــة . . تــفاعـــل مـعـهـا كـيـــانـي كـلّـــه ، أســتــلــذّ حــلاوتـهــا . غرق حـتّى الـهـامـة فـيـهـــا . . انـتـشى و أسـلــم لـهــا مـقــاليــده . . . . فــوجــدتنــي أدفـــع الأبـــواب ، بـغـيـــر رفـقٍ . . . و أتّـجــــه إلـــى حـيــث ســتبيـت الـشّـمــس، و إلــــى حـيــث تــركتـنــي نـفـســي و غـــادرت ، لألـحـــق بــــما ضـــاع مـنّــي . . بـكــلّ الـذي ضــــاع مـنّـــي . . لأنّــــنـــــي لـــــــم أعـــــــد أحــــــسّ بـالنّــدم عـــلى مـــا فـعـلــــت . . . بـــل عـــلـــى مــــا لـــم أفـعـل . .
#آسيا_علي_موسى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ما زال الحب مُزهراً
-
العمود الثامن: ليس حكماً .. بل مسرحية كوميدية
-
-نون- عنواناً لجلسة شعرية عامرة في اتحاد الأدباء
-
مجدي صابر.. رحلة كاتب شكلته الكتب وصقله الشارع
-
البحث عن الملاذ في أعمال خمسة فنانين من عمان في بينالي فيني
...
-
تادغ هيكي.. كوميدي أيرلندي وظف موهبته لدعم القضية الفلسطينية
...
-
الحكم بسجن الفنان الشعبي سعد الصغير 3 سنوات في قضية مخدرات
-
فيلم ’ملفات بيبي’ يشعل الشارع الاسرائيلي والإعلام
-
صرخات إنسانية ضد الحرب والعنف.. إبداعات الفنان اللبناني رودي
...
-
التراث الأندلسي بين درويش ولوركا.. حوار مع المستعرب والأكادي
...
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|