أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - احسان المصري - رحلة على متن الذكريات














المزيد.....

رحلة على متن الذكريات


احسان المصري

الحوار المتمدن-العدد: 2578 - 2009 / 3 / 7 - 06:19
المحور: الادب والفن
    


الساعة العاشرة في مطار بيروت ، صوت انثوي يرتفع ليعلن قيام رحلة جديدة : " الى جميع ركاب الطائرة المتوجهة من بيروت الى ........."
كان يجلس قرب حقيبته المليئة بابخس المقتنيات ولكن اعزها على قلبه : " كتبه ، ثيابه الوضيعة ، آلته الموسيقية ، تارة يحدق بالمسافرين وطوراً برجال الامن .
ترحال آخر ولكن هذه المرة الى خارج البلاد الموبوءة بكل ما شاء الدهر ان يراكمه فوق ترابها من حروب وطوائف و فساد وتقاليد ....
ترحال آخر الى المجهول الى سبيل وعر جديد . ولكنه اعتاد الطرقات الوعرة الخاوية، في احلك الليالي وبين جميع انواع المركبات .
يحين الوقت، يجتاز دروب الامن نحو الطائرة التي تقلع بعد هنيهة وينفض عنه كل اساليب الحنين المبتذلة لتنهمر عليه الذكريات من كل حدب وصوب .
يتذكر قريته المغرقة في السكون . كم نحره ذلك الريف البليد ، يجتر يومياً نفس التفاصيل والعادات المقيتة .
يتذكر كيف قاوم بصمت وكيف صمد امام خشونة الحياة . يتذكر انه لم يؤذ احداً في حياته ، ولكنه لم يتلق غير السكاكين المغروزة في جسده الغض ، واحياناً من اقرب الاقربين ( ان ظلم ذوي القربى اشد مضاضة ) .
يتذكر كم كان خجولاًُ كذلك الريف ويرشقه بلعنات متتالية : " ريف بلا قلب " . ها هو يعكس معادلة محمد عبد المعطي حجازي .المدينة كانت بالنسبة له اكثر رحمة وشفقة . كم تمنى ان يقطن في شقة في بيروت كي لا يعرفه احد و لكن جرت الرياح بما لا تشتهي السفن . وانقضت اضغاث احلام المراهقة .
يتذكر تفاهات العباد وترهاتهم . يتذكر ذلك البورجوازي الصغير الذي اردف نكتة سمجة عن نوع حذائه المهترئ .
يتذكر ساعات الانتظار في محطات الباصات والمطر الذي تساقط عليه من رأسه حتى اخمص قدميه .
يتذكر الرعاع وهم يسخرون من قلمه ويلعقون قضبان اولاد الرأسماليين .
يتذكر المتنمرين والمختالين والمنافقين الى غيرهم من اصناف يعج بها هذا المجتمع الزائف .
يتذكر طيشه كم قاده الى اخطاء الى ان كان ما كان واستفاق من ضلاله وراح ينقب في بيادي الفكر عن بئر يروي به غليله الدائم الى المعرفة .
يتذكر الفقراء والمشردين، يتذكر ذلك الشيخ الذي لم يستطع ان يبتاع سندويش كفتة يسد بها رمقه ويتذكر نفس الحادثة التي مر بها يوم كان يتضور جوعاً .
يتذكر ابناء المخيمات واحزمة البؤس و القرى النائية .
يتذكر كل الممنوعات والمكبوتات ، يتذكر رؤاه الجنسية ولاوعيه الواعي ابداً .
يتذكر حفلات الهتك والعربدة التي اقامتها العاهرات فوق ضريحه .
يتذكر ما هب ودب من الطوائف والقبائل ومكبرات الصوت التي تلعلع في كل مكان .
يتذكر اغلاطه ويرجم نفسه باحجار الندم .
يتذكر كم من كلمة سمع وكظم غيظه، كم من اذية الحقت به وضمد جراحه، كم من نكبة المت به ولم تزده الا عزيمة، كم من ايام مرت ولم تزده الا حنقاً .
يتذكر ويتوق للانتقام يريد ان يمشي في الشارع ويطلق النار عشوائياً على طريقة بريتون السوريالية .
بين مسامات جلده يخفي اتراحه واحقاده وثوراته ....
حان الوقت ليصب جام غضبه على كل هذا الماضي الذي اغتاله مرات ومرات ....
يتذكر و يفرح ، انه الآن يرمي كل هذا وراء ظهره المحني ، تباً للذكريات .
كان يدرك انه ذاهب الى مكان سيئ وقد يكون اكثر سوءاً . ولكنه لا يكترث ما دام قد تخلص من كل تلك العفونة التي تكلست فوق مفاصله . لم يكن مهتماً بالجمال والحب والحياة السعيدة ولا شيء ....
كان فقط يود الانتقال من هذا الجحيم ولو الى جحيم آخر من عبث الى عبث آخر .
و بعد ان استنفد ما في رأسه ، اغلق شريط الذاكرة ... كفكف دموعه ..... الطائرة على وشك ان تحط ....



#احسان_المصري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- غرابٌ بليد
- تحية متواضعة الى طفل غزاوي
- مرثية لابي العلاء
- معرض الجثث
- صورتك و صلاتي
- هذيان المنافي
- المثقفون العرب بين سارتر وكامو


المزيد.....




- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...
- 24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات ...
- معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
- بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
- بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في ...
- -الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
- حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش ...


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - احسان المصري - رحلة على متن الذكريات