دلور ميقري
الحوار المتمدن-العدد: 2578 - 2009 / 3 / 7 - 10:06
المحور:
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
1
يستحضرُني لمّا أسمع إسم مَيْ شدياق ، إسمان آخران من لبنان ؛ مي زيادة ، الكاتبة المعروفة ، وفارس شدياق ، شيخ مؤرخي زمانه. الإسم الأول ، يستدعي الرقة ورهافة الشعور وقبل كل شيء ، الإبداع في مجال الكلمة ، سواء بسواء إن كان على الصعيد الأدبي أو الصحافي . هكذا كانت مي زيادة ؛ امرأة طليعية في معترك يستحوذه الرجال : وأيّ رجال ؟ أدباء مصر الأكثر شهرة في المشرق ، والذين تراموا كآلهة إغريقية أمام عرش إلهة للحكمة والحسن في آن ؛ إلهة لم تعشق سوى الكلمة الخالدة ، وربما قائلها أيضاً ، جبران ؛ صاحب كتاب " النبيّ " وإبن موطنها الأصليّ ، المغترب مثلها. والإسم الثاني ، يفيدنا بداهة ً أنّ مي ، هي سليلة ذلك الشيخ الأسطوريّ ، فارس شدياق ، الذي منح جبلَ لبنان سجلاً تاريخياً حافلاً ، مُدركاً أنه بعمله هذا ، إنما يُجذر أيضاً مفاهيم الوطن والإستقلال والحرية ؛ المفاهيم التي جاهد المتسلطون محوَها من أذهان اللبنانيين من العهد العثماني وإلى العهد البعثي .
2
مي شدياق ؛ المرأة الطليعية ، أيضاً ، ومن شاء مقدورها ألا تنعم بطفولة هادئة ، مكتملة ، ولا بمراهقة حالمة ، طبيعية ، لما إجتاح جنون الحرب الأهلية عالمها الصغير وقوّضَ سلامَهُ. على أنّ فتاتنا تجدُ ، كذلك ، في الكلمة ملاذاً آمناً وكنفاً حامياً لروحها القلقة . أو هذا ، على الأقل ، ما بدا لها في مستهل دربها الصحافي ؛ الدرب نفسه ، المحفوف بالمخاطر والذي سارت عليه بلا وجل ، حتى حافة هلاكه : وكأنما مقدور مي شدياق شاء لها إمعاناً في الإقتداء بسميّتها ؛ مي زيادة . فهذه الأخيرة ، كما نعلم ، دفعتها الكلمة ، هي الأخرى ، ضريبة ً باهظة جداً ؛ الجحود والغدر من لدن أقرب الأقارب ، بعدما عزّ الأهلُ والأصدقاء .
3
وأيّ جحود وغدر أكثر من خيانة أقرب الأقارب ؟ فلبنانُ مي شدياق ، أيضاً ، تُرك وحيداً ، هشاً ، ولمدة ثلاثة عقود مديدة ، مضنية ، بقبضة حديدية لا ترحم ؛ قبضة الديكتاتور الدمويّ . فقد خلالها أهلُ وأصدقاء لبنان ، أو كادوا ، مما أدى بالطاغية إلى أن يستعذب سومَ الخلق داخلاً وخارجاً بجوره وعذابه ؛ ناعتاً ذلك بالعروبة التي تجمع " شعباً واحداً في بلديْن " !
4
قلبُ لبنان ؛ هكذا أحبّ أمين الريحاني أن يكون عنوان سجلّه الضخم ، الأخاذ ، عن رحلته عبْر موطنه الرائع ، المعبود ؛ جولته في ربوع الفردوس الأرضيّ ؛ سهوله وجباله ومجاهل أدغاله وسرّ حضارته ولغز أرزه ؛ أرز الربّ .
5
قلبُ لبنان ، جريحٌ . جراحُهُ تنزفُ من جسد مي شدياق ؛ جسد المرأة / الوطن . وإذ نوّهنا ، منذ البدء ، بالمقدور ؛ فكأنما قدرُها ووطنها نهوضاً ، من جديد ، مُتحاملاً على الجراح البليغة ، في قيامةٍ ربانيّة .
* هذه المقالة تنشر للمرة الأولى ، وكنتُ قد كتبتها عام 2005 ؛ حينما تناهى نبأ محاولة إغتيال مي شدياق ، وأنشرها هنا لمناسبة إعتزالها العمل الإعلامي مؤخراً
#دلور_ميقري (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟