المحجوب ابن الصديق يستمر في قبض نقابة الاتحاد المغربي للشغل بيد من حديــد!؟

مصطفى عنترة

الحوار المتمدن-العدد: 790 - 2004 / 3 / 31 - 08:14
المحور: الحركة العمالية والنقابية
    

ماذا يجري داخل الاتحاد المغربي للشغل؟ وما هي الخلفيات الخفية والمعلنة التي تحكمت في قرار إعفاء كل من محمد عبد الرزاق وسليم رضوان من عضوية الأمانة الوطنية للاتحاد؟ وما هي تداعيات هذا القرار على سير القطاعات النقابية؟ وما سر صمت الحساسيات السياسية الممثلة داخل تنظيمات مركزية المحجوب بن الصديق على هذا القرار المبارك من طرف أعضاء المجلس الوطني؟



تصدرت مركزية الاتحاد المغربي للشغل في الآونة الأخيرة واجهة الأحداث السياسية بعد صدور قرار أمينها العام المحجوب بن الصديق داخل اجتماع المجلس الوطني والقاضي بإعفاء كل من محمد عبد الرزاق و رضوان سليم من عضوية الأمانة الوطنية للاتحاد.
وقد قوبل هذا القرار بمصادقة أعضاء المجلس الوطني في اجتماع الحادي عشر من الشهر الجاري بالمقر المركزي للنقابة بالدارالبيضاء. وقد تم تعويض المعفى الأول بخليلي بن اسماعيل المسؤول عن قطاع ليدك فيما تم تعويض الثاني بمحمد بهنيس الكاتب العام للاتحاد الجهوي لنقابات الدارالبيضاء وعضو مجلس المستشارين وأحد الأسماء المعروفة بوصفها آلة نقابية نشيطة يشهد لها بالحيوية والديناميكية.
وإذا كان رضوان سليم، قيادي نقابي منذ عام 1989وأستاذ جامعي في شعبة الفلسفة وأحد الكوادر البارزة داخل مركزية الاتحاد، قد تم إعفاؤه لأسباب تعود ظاهريا إلى غيابه عن اجتماعات الأمانة الوطنية، فإن قرار إعفاء محمد عبد الرزاق، الرجل الثاني كأحد الأسماء التي طبعت بنضالها المشهد النقابي وخاصة في العقود الأخيرة، قد تضاربت حوله العديد من الآراء.
التضـارب
هناك من اعتبر قرار الإعفاء هذا، ناتجا عن كون اسم الرجل الثاني داخل النقابة ورد في بعض ملفات الفساد كالصندوق الوطني للضمان الاجتماعي والقرض العقاري والسياحي، كما تدوول اسمه في سياق فضيحة ابنته التي تصدرت الصفحات الأولى لبعض المنابر الإعلامية، وقبلها رفض وزارة الداخلية تزكيته على رأس لائحة الاتحاد خلال انتخابات تجديد ثلث أعضاء مجلس المستشارين.
ويذهب أصحاب هذا الرأي في طرحهم إلى كون المحجوب بن الصديق أراد أن يتخلص من رفيقه على درب النضال النقابي قبل أن تقوم العدالة بمتابعته، بمعنى أنه مارس نوعا من سياسة الهروب إلى الأمام، مع العلم بأن عبد الرزاق يمثل داخل الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي ـ حسب ما أفاده سليم رضوان ـ الإتحاد المغربي للشغل وليس نفسه، مما يعني مسؤولية الاتحاد في الأخطاء التي قد تكون ارتكبت داخل هذه المؤسسة.
وهذا السلوك يذكرنا بسلوك مثيل كان أقدم عليه المرحوم عبد اللطيف السملالي حين طالب أعضاء المكتب السياسي للاتحاد الدستوري بمباركة قرار إعفاء كل من عبد المغيث السلماني ومحمد كمو من عضويتهما بالمكتب السياسي للاتحاد الدستوري بدعوى أنه علم أن العدالة كانت تستعد لمتابعتها آنذاك، وهو الشيء الذي لم يحصـــــل. فإقالة السليماني من رئاسة المجموعة الحضرية للدارالبيضاء كانت تهدف إلى تضييق الخناق على وزير الدولة في الداخلية السابق نظرا إلى القرابة الموجودة بين الاثنين، وتوفيق كمو من مزاولة مهامه كرئيس للجماعة الحضرية للحي الحسني كان يرمي إلى إبعاده عن المجموعة الحضرية.. وهكذا تم إعفاء محمد عبد الرزاق المستهدف الأول وتم تمويه ذلك بإعفاء رفيقه سليم رضوان إلى جانبه، فكان هذا الأخير بذلك مجرد كبش فداء لتمرير القرار الأول!؟
لكن الملاحظ أن قيادة الاتحاد لجئت إلى المجلس الوطني قصد مباركة قرارها وليست اللجنة الادارية المنتخبة، مما أجج احتجاج سليم رضوان الذي اعتبر عدم قانونية قرار الإعفاء مضيفا أن المجلس الوطني غير منتخب وبالتالي ليس له الحق في أن يتخذ مثل هذا القرار..
أما أصحاب الرأي المعارض فينظرون إلى هذا الأمر من زاوية أخلاقية، ذلك أن العدالة لم تقل كلمتها يعد في حق الرجل الثاني داخل الاتحاد علاوة على أن ابن سطات مريض وأن المسؤول عن صندوق الخدمات الاجتماعية للمكتب الوطني للكهرباء يعد، إلى جانب ابن الصديق وآخرين، من بين مؤسسي المركزية المذكورة يوم 20 مارس 1955 وأن دوره كان كبيرا في إبقاء الثاني على كرسي الأمانة العامة للنقابة منذ ذلك التاريخ. فبالرغم من الخلافات والاختلافات التي كانت قائمة بين الاثنين فإن التكامل كان أقوى، إذ كانا في حاجة إلى بعضهما للاستمرار في مواقعهما، وهذا ما يضمن لهما المحافظة على كراسييها داخل النقابة.. وأصحاب هذا الرأي كان أملهم كبيرا في تحرك ممثلي الحساسيات السياسية المتواجدة داخل الاتحاد على وجه الخصوص والضغط على القيادة من أجل عقد المؤتمر الوطني، لكن ذلك لم يحصل نظرا إلى صعوبة معارضة قرارات المحجوب بن الصديق والأمثلة في هذا الباب عديدة وعديدة جدا.
وتجدر الإشارة في هذا السياق إلى كون الاتحاد المغربي للشغل يضم في مكوناته عدة حساسيات سياسية، تبتدئ من الاتحاد الدستوري وتنتهي إلى حركة النهج الديمقراطي مرورا بالتقدم والاشتراكية، حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي، جماعة العدل والإحسان، جبهة القوى الديمقراطية.. بمعنى أن هناك طيفا من الألوان السياسية داخل الاتحاد يحتل بعضها مواقع متقدمة في صفوف تنظيماته، لكنها لا تشكل معارضة قوية لقرارات الأمانة الوطنية بقيادة المحجوب بن الصديق. فالرجل الأول (ابن مكناس) داخل المركزية النقابية يلقي بكاريزميته على الاتحاد اعتبارا لجدلية العلاقة بين الشخص والمؤسسة إلى درجة تدوب فيها النقابة في ذاته.. فهو لم يسبق له أن استجوب من طرف وسائل الإعلام الوطنية أو الدولية أو تحدث إلى الصحافة، ذلك أن الصورة الوحيدة التي نشاهد له هي تلك التي تظهر له وهو يخاطب جماهير الاتحاد هي التي تظهر له على شاشة التلفزة وهو بصدد مخاطبة جماهير الاتحاد بمناسبة احتفالات فاتح ماي من كل سنة، إذ لم يكن يحضر حتى لقاءات الحوار الاجتماعي والتي كان الإعلام العمومي يمررها إبان فترات التوتر الاجتماعي..

التحــول
لقد استطاع محمد عبد الرزاق المتربع على مكتب "دار الكهربائي" بشارع محمد الخامس بالعاصمة الاقتصادية للمملكة أن يقوي من نفوذه داخل الساحة الاجتماعية نظرا إلى الاستثمارات الهامة التي يقوم بها لفائدة مستخدمي المكتب الوطني للكهرباء.. وأيضا من خلال رئاسته للجنة التدبير ونيابته عن رئيس المجلس الإداري للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي الذي كان يسير من خلال ثلاثية تضم إلى جانب ممثلي النقابات، الباطرونا والحكومة. وهذا الوضع جعله يراكم ثروة كبيرة من خلال خلقه لبعض المؤسسات التي تغذي أوراش البناء المتعددة كمصحات الضمان الاجتماعي، مراكز التخييم..
وأمام ما حققه من نفوذ واسع وما أدركه من غنى ورد اسمه في لائحة الأسماء المتورطة في القرض العقاري والسياحي، الذي كانت أطرافه موضع مساءلة من طرف لجنة التقصي التي أحدثتها الغرفة الأولى لمجلس النواب.
إن الموقع المتميز الذي تحتله مركزية الاتحاد المغربي للشغل داخل الحقل النقابي، اعتبارا لتاريخها النضالي (خلدت في السبت الماضي الذكرى 49 لتأسيسها) وأيضا لدورها كمؤسسة رفعت منذ سنوات الستينات شعار "النقابة الخبزية"، جعلها تقترب من الإدارة بعد أن رأت هذه الأخيرة أنها بعيدة عن توظيف نشاطها النقابي توظيفا سيـاسيا كما هو الحال بالنسبة إلى نقابتي الاتحاد العام للشغالين أو الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، بالإضافة إلى كونها تمتلك إشعاعا دوليا متقدما بفعل عضويتها ومشاركتها في العديد من المنظمات الدولية سواء العربية والإفريقية منها أو الدولية فضلا عن علاقاتها الوطيدة بالعديد من النقابات الشعبية في مختلف بقاع المعمور.
وسيشكل عام 1998 محطة جديدة في تاريخ الاتحاد، ذلك أن صعود الاتحاديين إلى الحكومة وتولي الاتحادي خالد عليوة حقيبة وزارة التشغيل والتنمية الاجتماعية ومهمة الناطق الرسمي باسم الحكومة وإقرارحكومة التناوب التوافقي مبدأ التناوب النقابي على رئاسة الوفد العمالي لمؤتمر منظمة العمل الدولية، كل ذلك بمثابة منعطف واعد في مسار مركزية المحجوب بن الصديق، وهو القرار الذي احتجت عليه بقوة المركزية النقابية المذكورة من خلال تنظيمها وقفة احتجاجية أمام مقرها المركزي، حيث رفعت شعارات ضد الحكومة من قبيل "يا لطيف ي لطيف، من حكومة التزييف"، وضد الوزير الأول عبد الرحمان اليوسفي آنذاك من قبيل "لا إله إلى الله، اليوسفي عدو الله".
وهذا الوضع جعل الاتحاد المغربي للشغل يقوم بدور المعارضة خاصة بعد إقدام الاتحاديين على محاولة ضرب بعض مواقعه (الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي..) ويقاطع جلسات الحوار الاجتماعي بدعوى أن الوزير الأو ل هو طرف في الصراع نظرا إلى تبعية الكونفدرالية الديمقراطية للشغل لحزبه حسب ما كان يرد في بياناته الصحفية.. ومنذ ذلك التاريخ تحركت العديد من القطاعات النقابية الموالية إليه في اتجاه شن الاضرابات وبعث رسائل الاحتجاج والاستنكار إلى الدوائر المسؤولة.. كما بدأ بعض قادته يطلون علينا من خلال تصريحات صحفية نارية (الميلودي مخارق، فاروق شهير...).
ظل السيد المحجوب بن الصديق متربعا على رأس النقابة منذ تاريخ 20 مارس عام 1955 إلى اليوم أي لفترة تمتد على مدى 49 سنة، ( أقـدم زعيم نقابي في العـالم )وهي ظاهرة بنيوية تميز تنظيماتنا ليس النقابية وحدها بل الحزبية أيضا، إذ ليس للمتربعين على رأس هذه التنظيمات من قاهر سوى قانون البيولوجيا. فالأكيد أن خلافة بن الصديق الذي يناهزعمره الثانية والثمانين (أطال الله عمره) تستأثر باهتمام كل المراقبين والمتتبعين لشأن الاتحاد، لكن واقع الأمر داخل البيت الاتحادي لا يؤكد وجود تسابق علني نحو كرسي الأمانة العامة بالرغم من تمثيلية بعض الحساسيات السياسية داخل هياكل النقابة، ذلك أن تدبير أمور المركزية يبقى مركزا بين أيدي مجموعة من المقربين إليه وعلى رأسهم الميلودي مخارق، فاروق شهير، محمد بهنيس.. الذين يشتغلون وفق فريق منسجم مع تفوق رجل التنظيم لاعتبارات يتداخل فيها الذاتي بالموضوعي، كما أن استقرار هذه النقابة لن يبقى بعيدا عن اهتمامات الإدارة نظرا إلى رمزية وقوة الاتحاد المغربي للشغل على الرغم من كونه يحتل الصف الثاني وراء الكونفدرالية الديمقراطية للشغل في انتخابات فئة المأجورين بمجلس المستشارين.
دون شك سيفتح هذا القرار الباب أمام تطورات جديدة قد تعرفها هذه المركزية التي ظلت شؤونها لسنوات في الظل بعيداعن أضواء وسائل الإعلام، ولعل ما يجري اليوم داخل هياكلها يؤشر على وجود مخاض قد تظهر نتائجه بكل تأكيد في المستقبل القريب.

#مصطفى_عنترة (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات