|
إستعادة أسماء القرى المصرية القديمة ، إستعادة لتاريخنا و هويتنا
أحمد حسنين الحسنية
الحوار المتمدن-العدد: 2577 - 2009 / 3 / 6 - 02:03
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
أسماء المدن و القرى ليست فقط قطعة حية من التاريخ ، بل و جزء أصيل من هوية الفرد من سكانها أو المنحدرين منها ، و كذلك جزء من هوية الأمة ككل ، و لكن هذا الشق من الهوية المصرية قد تعرض للأسف لكثير من التشويه و التلاعب خلال الحقب الماضية ، و لازال يتعرض له . قمة التلاعب كانت في عصر عبد الناصر حين أقدم على إرتكاب ما لم يرتكبه أي شخص أخر في التاريخ المصري ، فمحى إسم مصر كلية ، لتصبح الجمهورية العربية المتحدة ، أو الإقليم الجنوبي أبان الإتحاد المصري - السوري القصير العمر . تلي جريمة عبد الناصر من حيث الحجم ، ما حدث أبان العصر العثماني ، حين تم محو الأسماء العريقة للكثير من قرى و المدن المصرية ، و بعض تلك الأسماء تعود بأصولها للعصر الفرعوني ، و أستطاعت البقاء للعصر العثماني . العجيب أن الكثير من المسميات التي إستجدها عمال الخراج في العصر العثماني ، هي مسميات لأصحاب مقامات مدفونين بتلك النواحي ، أي ليسوا بالشخصيات الهامة المؤسسة للقرية أو المدينة ، و ليسوا بالشخصيات التاريخية التي تستحق ما أسبغ عليها من تكريم و شهرة ، مثل كفر الشيخ التي كانت دُمِينقون ، و غير إسمها إلى كفر الشيخ نسبة إلى الشيخ طلحة الشاذلي صاحب المقام الكائن بها ، و الشيخ فضل التي كانت أهريت . ما حدث في الماضي هو كمن يقرر اليوم إطلاق إسم البدوية أو كفر البدوي أو الشيخ البدوي على طنطا . أو هي أسماء لقبائل بدوية إستقرت خلال العصر العثماني بتلك القرى ، مثل فزارة بمركز المحمودية و التي كانت من قبل منية الزناطرة و من قبل بلهيب الشهيرة التي ورد ذكرها مراراً في حوادث فتح مصر و في ذكر ثورات الشعب المصري في العصرين الأموي و العباسي ، و كذلك فزارة بمركز ديروط التي كانت بلهمة . ما أرتكب بحق أسماء القرى المصرية جريمة ، و يجب تصحيحها ، و لكن دعوتنا لتصحيح تلك الجريمة التاريخية و الماسة بهويتنا ، يحكمها عدة قواعد ، لأنها ليست حرب على أحد ، و تلك القواعد هي : أولا : العودة للمسميات القديمة للقرى و المدن التي محيت أسمائها العريقة الموغلة في التاريخ لصالح أسماء قبائل حديثة القدوم ، وفد بعضها في القرن السابع عشر للميلاد ، على أن تكون العودة لأقرب الأسماء التاريخية من ناحية الزمن أو أشهرها . الأولوية يجب أن تعطى لهذه الفئة ، خاصة أن حمل ناحية ما لإسم قبيلة ما ، يعطي إنطباع خاطىء بأن كافة أبناء تلك البلدة ينتمون لتلك القبيلة ، فعندما أصبحت بلهمة هي فزارة ، أصبح على المنتمين لتلك القرية أن يدعوا أنفسهم بالفزاريين ، بينما بعضهم في الحقيقة يعلمون إنهم لا ينتمون لتلك القبيلة ، بهذا فإنهم يرتكبون وزر نسب أنفسهم لنسب لا ينتمون له ، فمن المعروف أن القبائل البدوية عندما كانت تستقر بأحد القرى ، فإنها كانت في الغالب تستقر بناحية ما من القرية تقيم عليها خيامها ثم مساكنها ، و تلك القبائل لم تكن في الغالب تقوم بعملية تطهير عرقي بطرد السكان الأقدمين ، لهذا لا يصح أن يعمم إسم قبيلة ما على كافة سكان أية ناحية ، و لنا أسوة حسنة بما كان في العصور الإسلامية السابقة على العصر العثماني الذي فشت فيه هذه البدعة . ثانيا : القرى التي أبدلت أسمائها القديمة بأسماء أصحاب أضرحة كائنة بتلك القرى ، هي أيضا يجب تعود لأسمائها القديمة التي كانت تعرف بها قبل ذلك التغيير ، فتعود على سبيل المثال الشيخ زياد لتصبح ديروط بلهاسة ، بدلاً من إسمها الحالي نسبة للشيخ زياد بن مغيرة صاحب أحد الأضرحة بها ، و مثل قرية أبو الغر التي إسمها الأصلي ألطا . ثالثا : القرى التي إستغل بعض العمد و كبار ملاك الأراضي بها نفوذهم لإطلاق أسمائهم أو أسماء أجدادهم أو عائلاتهم عليها ، مستغلين بجانب نفوذهم جهل سكان القرى في ذلك العصر ، مثل الرجبية بمركز السنطة التي كانت نوية البغال ، ففي حالة كهذه يمكن الإكتفاء بإسم نوية فقط ، إذا كان الشق الثاني من الإسم يثير الإستهجان . رابعا : القرى التي تغيرت أسمائها مراعاة لخاطر بعض المشاهير أو تملق لهم ، هي أيضا يجب أن تراجع ، مثل القرية التي خرج منها المشير الراحل أبو غزالة ، و التي كان إسمها الأصلي نبتيت ، ثم أصبحت : قبر المرأة ، و لإستهجان أهل القرية للإسم عدل الإسم إلى : قبور الأمراء ، و لما أشتهر أمر الراحل المشير أبو غزالة أصبحت : زهور الأمراء . أعتقد إنه في مثال كهذا يمكن العودة لأخر إسم وارد في القاموس الجغرافي للعلامة محمد رمزي ، أي قبور الأمراء ، فلا هو يثير الإستهجان كما إعتقد سكان القرية مع إسم قريتهم القديم ، و لا هو تملق لشخصية شهيرة ، و الأفضل الرجوع للإسم الأصلي : نبتيت . خامسا : يلاحظ مما سبق إننا لا نحمل أي دعوة للعودة للعيش في الماضي ، فالمعايير المذكورة أعلاه كلها منطقية ، فلا رغبة لدينا لتغيير إسم مدينة مثل شبراخيت لتعود لإسمها الفرعوني الأصلي ، فنحن نقبل بالتطور التاريخي للأسماء ، و نقبل بكل التحريفات التي وردت على الأسماء ، لأن تلك التحريفات هي جزء من التاريخ أيضا ، و بالمثل لا نقف ضد الأسماء القديمة التي نبعت من الشعب ، فمدينة مثل السنطة التي إسمها القديم سدمنت ليس المطلوب العودة لإسمها القديم سدمنت ، لأن إسم السنطة عرفت به بجانب إسمها القديم سدمنت منذ العصر الفاطمي على الأقل ، و إستمرت تعرف بهذين الإسمين معا في الوثائق الرسمية خلال العصرين الأيوبي و المملوكي . كما لا نرغب في العودة لأسماء تغيرت لأنها تثير السخرية أو الإستهجان ، و لو كانت أسماء تاريخية ، مثل بني كلب ، و نزلة كليب ، و دار البقر . كما يجب أن يلاحظ إننا لا نرغب في المساس بأسماء النواحي التي تحمل أسماء قبائل أو أسماء أشخاص أو عائلات ، إن كانت تلك القرى و المدن أسست بالفعل بمعرفة هؤلاء الذين تحمل أسمائهم ، مثل الكثير من القرى في محافظات صعيد مصر و الشرقية و البحيرة ، مثل قرية مزينة بمركز ديروط ، و بني حسين الأشراف بأسيوط ، و منية الأشراف بمركز فوة ، و الجعفرية و القرشية بمركز السنطة ، أو كما الحال مع بعض المدن الحديثة مثل بورسعيد و الإسماعيلية و بورتوفيق و بورفؤاد و مدينة السادات . و لا نفكر في إعادة قرى مندثرة للوجود ، مثل منية الشريف بمركز السنطة . دعوتنا عملية لأنها منطقية ، فلا هي تسليم بالواقع الحالي الذي يقطع الصلة بين القرى المصرية العريقة و تاريخها ، مثلما أيضا ليست دعوة رومانسية للعودة للإنحصار في أي زمن مر على مصرنا ، و لا هي حرب على أي حقبة تاريخية ، لأننا نقبل بالتطورات التاريخية التي عاشها الشعب المصري . بذكر التطورات التاريخية ، فإنني أنتهز هذا المقال لأرجو أصحاب التخصص لإصدار جزء مكمل يضاف للكتاب المتميز للعلامة الكبير الراحل الأستاذ محمد رمزي ، القاموس الجغرافي ، ليغطي ما أستجد و ما تغير من أسماء القرى و المدن المصرية خلال الفترة من 1945 و إلى اليوم . كما أدعو كافة المهتمين بالهوية المصرية ، و المعتزين بمصريتهم ، أن يبادروا بإضافة نسخة من القاموس الجغرافي للعلامة محمد رمزي إلى مكتباتهم الخاصة ، و أن يعلموا الأجيال الناشئة تاريخ أسماء القرى التي إنحدر أجدادهم منها ، فأسماء قرانا المصرية العريقة جزء من هويتنا الفردية و الوطنية المصرية ، يجب الحفاظ عليها ، و إستردادها عندما تفقد . ما نرفضه هو السلخ من الهوية ، ما نقاومه هو القلع من الجذور .
أحمد محمد عبد المنعم إبراهيم حسنين الحسنية بوخارست - رومانيا حزب كل مصر تراث - ضمير - حرية - رفاهية - تقدم - إستعيدوا مصر 04-03-2009
#أحمد_حسنين_الحسنية (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
إلى العقيد القذافي : إتحادنا الأفريقي هدفه الخير ، لا الإستق
...
-
مبارك هو الإرهابي الأول في مصر
-
إلى متى ستبقى الديمقراطية العراقية الحالية ؟ هذا هو السؤال
-
ثورات الطالبيين ، ثورات من أجل العدالة الإجتماعية
-
لننفتح على العالم بإتقان العربية الفصحى و الإنجليزية ، و لا
...
-
البقاء فوق الخراب ليس إنتصار
-
الإضرابات يجب أن تستمر ، إنها حرب إستنزاف نفسية
-
سلاح مبارك لحماس ، سلاح لقتل الديمقراطية الإسلامية و الديمقر
...
-
نشر الديمقراطية ، كلمة حق لا يجب أن يخشى أوباما النطق بها
-
البقاء لمن يعرف متى و أين يقف ، على حماس أن تتنحى
-
أثر أحداث غزة على مصر ، الإخوان أكبر الفائزين و آل مبارك أكب
...
-
لماذا لا يتصالح اليساريون و الليبراليون العرب مع الدين ؟ لما
...
-
إلى غزة قدمنا العرض الأسخى ، و الأكثر واقعية و ديمومة
-
الإنقلاب الغيني بروفة للإنقلاب المصري ، و لكن أين نقف نحن ؟
-
آل مبارك الأسرة الثانية و الثلاثين الفرعونية ، بدعة المواطنة
...
-
الإمساك بالبرادع ، لن يأت بالحكم القوي لحكومة متمدنة
-
اللوم في غير مكانه ، لن يأت بالحكم القوي لحكومة متمدنة
-
ذئابنا ليس بينهم ذئبة روميولوس
-
شريحة ضخمة من صغار المستثمرين ستأتي بالرفاهية ثم الحرية
-
شريحة ضخمة من صغار أصحاب الأعمال ستأتي بالرفاهية ثم الحرية
المزيد.....
-
دام شهرًا.. قوات مصرية وسعودية تختتم التدريب العسكري المشترك
...
-
مستشار خامنئي: إيران تستعد للرد على ضربات إسرائيل
-
بينهم سلمان رشدي.. كُتاب عالميون يطالبون الجزائر بالإفراج عن
...
-
ما هي النرجسية؟ ولماذا تزداد انتشاراً؟ وهل أنت مصاب بها؟
-
بوشيلين: القوات الروسية تواصل تقدمها وسط مدينة توريتسك
-
لاريجاني: ايران تستعد للرد على الكيان الصهيوني
-
المحكمة العليا الإسرائيلية تماطل بالنظر في التماس حول كارثة
...
-
بحجم طابع بريدي.. رقعة مبتكرة لمراقبة ضغط الدم!
-
مدخل إلى فهم الذات أو كيف نكتشف الانحيازات المعرفية في أنفسن
...
-
إعلام عبري: عاموس هوكستين يهدد المسؤولين الإسرائيليين بترك ا
...
المزيد.....
-
كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل
...
/ حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
-
ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان
/ سيد صديق
-
تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ
...
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
المثقف العضوي و الثورة
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
الناصرية فى الثورة المضادة
/ عادل العمري
-
العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967
/ عادل العمري
-
المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال
...
/ منى أباظة
-
لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية
/ مزن النّيل
-
عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر
/ مجموعة النداء بالتغيير
-
قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال
...
/ إلهامي الميرغني
المزيد.....
|