لوحة سرطان الخصية

ممدوح رزق

الحوار المتمدن-العدد: 2575 - 2009 / 3 / 4 - 00:13
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

في الليل سيأتي صديقي .. كان يجب أن يكون لي أصدقاء وبالطبع كان يجب أن يمر الليل على البيت الذي أجلس في شرفته الآن وأنظر إلى الأشياء العادية التي تسقط من العابرين بانتظام .. في الليل ستأتي امرأة أيضا .. ربما من الممكن أن اعتبرها صديقة وعلى أي حال فلديها الأسباب الكافية التي تجعلها تأتي .. أنا أحب صديقي .. لا أعرف تحديدا ماذا تعني المحبة هنا ولكن يكفي أنه بالإضافة لكونه صديقي فهو أيضا يكتب قصائدً جميلة عن نفسه وعني وعن المرأة وعن الليالي التي تمر على البيوت التي يجلس أصحابها في شرفاتها وينظرون إلى الأشياء العادية التي تسقط من العابرين بانتظام .. صديقي يحبني أيضا .. ربما هو مثلي لا يعرف ماذا تعني المحبة حقيقة ولكن يكفي أنني بالإضافة لكوني صديقه فأنا أيضا أرسم لوحاتً جميلة عن نفس الأشياء التي يكتب عنها .. المرأة ربما لم تكتب أو ترسم شيئا في حياتها .. لكنها ستأتي .. ربما لأنها امرأة فحسب .. وربما لأن لديها ما هو أكثر من كونها امرأة ويجعلها بالتالي صالحة أكثر لأن تأتي في الليل إلى بيت له شرفة وبداخله رجلين أحدهما يكتب والآخر يرسم وربما يعتبرانها بالفعل صديقة .

أخرج من البيت .. أعود إلى البيت .. أحافظ على سلامة إيماني بالحياة وكراهيتي لها بكل ما تحويه من أشخاص وأحداث وأماكن لأحافظ على سلامة يقيني بأني لن أُهزم .. الشوارع ساحات متشابكة مخصصة للقنص والجالسون في المقاهي ليسوا ضحايا لأن العدل يقول أنهم يستحقونني .. العدل الذي أعطاني هدوءا غامضا وابتسامة من الخارج وملامح وجه تحرضك إما على الاقتحام أو الاختباء .. أنا في جميع الأحوال انتظرك كي أضعك في مكانك الصحيح بين الأنقاض التي سأخلفها وأنا أسير مبتعدا بتأكد متجدد أنني جدير بالرسالة التي ينبغي أن تُبقي العالم جميلا رغم كل شيء .

العالم يسمح بهذا .. أن يجلس ثلاثة في الليل داخل البيت الذي له شرفة ويفعلون كل ما يشعرون أنه مناسب لهذه اللحظة من الزمن وهذا المكان من الكون : الكلام الغير مهم لمجرد أنه لن يختلف كثيرا عما يمكن أن يتحدث به أي ثلاثة آخرين غيرهم .. الأكل .. الضحك لنفس الأسباب التي من المحتمل أن يضحك من أجلها كل كائن حي عاش بداية الدنيا أو سيموت قبل القيامة بلحظة واحدة ويؤمن ربما أن الضحك تكليف سماوي وليس محض انفعال وارد .. الشرب .. الصمت الذي لن تأتي نتيجته بأي مفاجأة .. التدخين .. ثلاثة يفعلون عامة كل ما يدركون أنه يليق حقا بذاكرة كل واحد منهم .

العالم لا يسمح بهذا .. هو يريد حدوثه بشدة .. العالم يريدني أن أجلس أمام السرير الذي ينام فيه صديقي فوق المرأة .. أجلس وأشاهد فحسب .. أفعل بعينيّ ما يفعله صديقي بقضيبه .. قد يكون هذا محزن بالفعل ولكنه ليس مؤلما جدا .. مهما استمتع صديقي بهذا الجسد الجميل فهو جالس ومشاهد مثلي قي نهاية الأمر .. جالس ومشاهد أمام الحياة والموت .. صديقي لا يستمتع فقط .. هو يفعل ذلك من أجلي أيضا .. يساعدني على الاستفادة بما تبقى من قائمة المتاح بالنسبة لي .. أن أجلس وأشاهد .. لأنه صديقي ، ويحبني مثلما أحبه ، ويكتب قصائدً جميلة عن ضرورة الأصدقاء وعن اللوحات التي تخرج من صور الأشعة المقطعية وعن المرأة التي تظل صديقة بقدر ما تمتلك مما هو أكثر من كونها امرأة .. صديقي يكتب مثلما أرسم أنا عن الليالي التي تمر كأنه لا يوجد بيت ولا يوجد أحد يجلس في الشرفة بعد رحيل الأصدقاء وينظر إلى الأشياء العادية التي تسقط من العابرين بانتظام .

* * *

#ممدوح_رزق (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات