حامد حمودي عباس
الحوار المتمدن-العدد: 2574 - 2009 / 3 / 3 - 09:33
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
كان من المفروض قبل التعقيب على مقال الاستاذ سيد القمني المنشور في العدد 2573 من الحوار المتمدن والمعنون ( ألبيعة لسيت هي ألتصويت ) أن انتظر ولحين اكمال الاستاذ القمني مساهمته القيمه في الجزء الثالث منها كما أشار ، ولكنني وجدت بأن ما ينوي الوصول اليه من أفكار في هذا المضمار ، وكأنه قد بلغه قبل أن يستمر في معالجته عميقة الرؤى .. فلا حاجة بعد اليوم لكل عناء ظاهر كي يثبت الباحثون قصور الفكر الديني المقحم على السياسة اقحاما سافرا الامر الذي كبد الشعوب مزيدا من المعاناة وفقرا فوق الفقر والجهل فوق الجهل .
وما يثير حفيظتي دائما هو ذلك الاصرار على محاورة أحداث تاريخية عافها الزمن عندما يحاول كتابنا المحدثين أمثال سيد القمني تصحيح ألمسار الفكري المسيطر على شرائح المعوزين من أبناء الشعوب العربية والاسلامية ، باعتبار أن الفكر الديني وفي جل نشاطه يجد متسعا له بالانتشار وسط الفقراء ومن لا يملكون وعيا كافيا لاستقراء الامور فحسب . اذ لم يعد من المفيد وحالنا كما هي عليه من تدني يحمل المأساة في كل شيء ، أن نبقى مصرين في عقد محاورة بائسة مع أفكار بائسة خاطها لنا على مقاسات ثابتة دعاة الفقه الديني من القدماء والجدد ، والذين أمعنا نحن من نعيش عصر الحداثة في التمسك بمحاكاتها في حين عافها زمن العلم والتقدم وعصر الفضاء والبث عبر الاثير .
لقد أصبح من العبث حقا أن ننشغل ونحن نحمل صفات التردي المستمر ، بمحاكمة حذيفه بن اليمان والتصدي لتداعيات افكار الحسن البصري أو عبدوس ألعطار ، في الوقت الذي يحاكم العالم المتمدن حاليا أفكار تتعلق بجدوى فكرة الاستنساخ والانصهار وسط قيم الصراع مع عوالم الطبيعة كي يتم تدجينها لخدمة البشرية باتجاه خلق عالم يؤمن للانسان متطلبات حياته الضروريه . فأين نحن الان من كون بيعة الخليفه عثمان بن عفان صحيحة أم لا ، وماذا ينفعنا أن يكون رأي الحسن البصري في تفسير علاقة الحاكم بالمحكوم افضل من رأي عبد الله بن عمر ونحن أمام خطر يستمر فيه عتاة حملة الفكر الديني بحصد الرؤوس وتطليق النساء من ازواجهن وهدم الحضارة والتهديد بافناء أي شيء بدعوى التكفير؟ .. عثمان بن عفان انسان قبل أن يكون صحابي جليل ، وقد مارس حياته الخاصة والرسمية عندما اصبح خليفة وهو يحمل كل أهواء حب السلطة والنزوع الى عدم التخلي عنها لاي سبب كان ، شأنه في ذلك شان الخليفة الاول حينما عقد تحالفا قسريا لابعاد الهاشميين عن مركز القرار ، وكذلك الخليفة الثاني عندما جعلها شورى وما حملته من تآمر واضح لابعاد علي بن أبي طالب عن الخلافه . وما تبقى من التاريخ كان يحمل لنا صورا شتى من عدم حسن النوايا وكيل الاتهامات وتزييف السرد لما جرى من أحداث جلها يحمل صراعا تآمريا أسود الملامح ، تجسد جميعه في قضية التحكيم وما تبعها من انشقاقات أدت فيما بعد الى أخزى صور القتل العمد والاستهانة بدماء الناس وسبي العوائل وتخريب المدن وذبح الرجال وتعليق رؤوسهم على الرماح ، وما يعد أكثر امعانا في ألخزي هو قولنا برفعة قدر البعض من ابطال محاولات النيل بالاسلام ذاته فأسمينا شوارع مدننا بأسمائهم كما فعلنا مع عمر بن العاص كواحد من أشد الذين حملوا كيدا مبيتا لعلي بن ابي طالب ابن عم الرسول واقوى دعاة البعثة النبوية في مهدها واشد المحاربين من أجل نصرتها .. فأي تاريخ هذا الذي نحتكم اليه في وضع أسس لموقعنا الحالي من البشريه ؟ .. وأي رجال أولئك الذين نصر على الاحتكام بهم في محاورتنا مع العالم ؟ .. أنحتكم لتاريخ ذبح فيه مئات الرجال لا لشيء الا لمجرد قولهم بخلق القرآن مثلا ، أم لتلك الاعجازات في انماط التآمر على الاخرين من اجل كسب السلطه كما حدث في زمن خلفاء بني العباس والذين تحمل اسمائهم في أغلب نصوصها أسم الله ؟.
وان كان عمقنا التاريخي المأزوم بكل أمراض الفكر الديني وما يحمله هذا العمق من أصول تدعو للدوران في ذات المكان ، فان ما يحدث اليوم من ردة فكرية تتأسس أركانها على ذات الاسس وتأخذ مفاهيمها من ذات ألمعين ، هي الاخرى تحاول صنع مجتمعات تعج باركانها سبل التداعي الى البقاء خلف الركب المتقدم من البشريه ، وأهم هذه السبل هو محاولة الهاء الجميع من كتاب ومفكرين تقدميين وعلمانيين محدثين للبقاء في نفس الدائرة من الجدل العقيم ، وشدهم عنوة للتحاور والمساجلة الكلامية ومن خلال الكتابة وعقد الندوات العامه عبر وسائل الاعلام للبحث في أمور تبدو هزيلة بل ومضحكة ، مواضيعها لا تمت للحياة الحاضرة بصله ، والهدف من ذلك أولا وقبل كل شيء هو اظهار أهمية مصطنعه لاحداث اندثرت وانقضت فصولها ولا شأن لها الان بما يرسمه العالم بقواه الحاضرة من اتجاهات .
العالم يسير حثيثا نحو الانتقال من فصل الى آخر أكثر تقدما وهو يسعى للتغيير ، ونحن لا زلنا ولحد الان نتوقف ونتقاتل ويموت الكثير منا بسبب الموقف من ألخوارج اثناء معركة صفين ، ألعالم يبني لنفسه مسارات تهديه نحو بناء حياة لا تلوث فيها فيخترع ويتنافس في عملية الوصول الى افضل دواء لسرطان الثدي ، ونحن تأكلنا غبرة قذارات القمامة في شوارع مدننا لا ينتج منا الا ضجيج ممقوت واصوات تثير خلايا المخ السمعية ونحن نصرخ بوجوه الاخرين ، أن استفيقوا فهذا عكرمة بن عجرمه الاسدي يطل عليكم بفضائله ويقول لكم ماذا عليكم فعله مع انفسكم ومع نسائكم وابنائكم ، اسمعوا أحاديث أسلافكم كيف ينظمون لكم حياتكم ، وكيف يعلمونكم طرق النكاح وانجاب الاطفال ومضغ الطعام والتأدب بآداب الانصات لمن يعلمكم طرق الاقتراب الى الله ، ولا تتذمروا حتى لو نزع منكم لقمة العيش ، اسمعوا عبد الله بن عمر وهو يصنع لكم عقولا نيرة فيعلمكم طرق العبادة ويسهب في وضع حكم تنير لكم دروب الخير ، فيمنع عنكم الاحساس بالحب ويبعدكم عن مباهج الحياة الحديثة خشية أن يغضب الله عليكم فيسكنكم النار ، اتركوا كل التفاعلات الفكرية المتقدمة بخصوص علم النفس والتشريح والاقتصاد وعلم التجميل وفن الموسيقى وما اكتشفه علماء الغرب المتفسخين اخلاقيا في حقل الفضاء والطيران وعلوم الحاسوب وغير ذلك من فجور الدنيا الفانيه ، موتوا وانتم أحياء ، احفروا قبوركم وأمعنوا في زيارة قبور الاخرين فهي افضل من حدائق مدينة باريس العامره ، تباكوا ولا تبتسموا فان ذلك يذهب الحشمه ، انكحوا ما طاب لكم من النساء فاسلافكم نكحوا نساء محيطهم برمته دون خجل ولا رادع من عدل ، أسهموا في اغناء رجال دينكم فهم فقهاؤكم وأحق الناس باموالكم واعراضكم وخبزة أفواهكم ، ولا تهنوا ولا يحيط بكم بأسا ما دامت الجنة مثواكم والحور العين تنتظركم على نار ، أسيلوا الدماء من هاماتكم بالسيوف اللامعه واضربوا ظهوركم حتى تدمى وسيروا الاف الكيلومترات على أقدامكم قاصدين زيارة أولياء الله فانهم سوف يزعلون منكم لو أحسوا بانكم ركبتم سيارات او عربات تجرها الحمير ، أو امتطيتم دراجات هوائيه ، وعلى قدر المشقة يكون ألاجر ، أصرخوا من خلال المآذن ولا يهمكم مستشفيات الارض ومرضاها ما دام القصد هو ايصال فقه الصحابة الميامين لآذانكم أينما كنتم ، لا تسألوا من هو الخطيب ولا عن شهادته الابتدائية ولا عن تحصيله التربوي ، فهو معمم بخرقة سيدلكم لونها على مذهبه وممن يستقي الفتوى .
انها سلسلة من الصور الحمقى والتافهة يشكلها طيف ذلك الاستذكار غير المجدي لاحداث جلها مصطنعة ومزيفة وجرى تشكيلها على هوى صانعيها ، وما أريده من وراء طرحي هذا هو أن أدعوا كافة المتنورين من كتابنا وفقهاء العلم الحديث أن ينزعوا الى ترك الخوض في غمار ما لا ينفع ، كي يتفرغوا للبحث والتمحيص في سجلات حديثة تؤدي بنا لوضع دلالات نحن احوج ما نكون لها لدفعنا الى أمام ، علنا نستطيع تقصير المسافة الشاسعة بيننا وبين من نكفرهم ونمعن في قتلهم والابتعاد عن مسيرتهم ، ويبقى سيد ألقمني واحد من ألطاقات العظيمة في مجال ألتنوير ألحديث جاهد طويلا في محاربة الفكر الديني المتخلف ، وتحمل الكثير من موبقات حملة النزعة السلطوية للدين حينما طاردته المؤسسات الدينية المتنفذة وبكل ضراوة ، وما نطمع به هو أن لا يجهد الاستاذ القمني نفسه وفكره في عملية حوار يبدو غير متكافيء طرفه الاخر لا يمت للموضوعية بصله ، ويبدأ بتوظيف طاقاته الفكرية المتميزة باتجاه خلق وعي أكثر حداثة وأبلغ معنى .
#حامد_حمودي_عباس (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟