|
لماذا يَسْجِدون؟
نضال نعيسة
كاتب وإعلامي سوري ومقدم برامج سابق خارج سوريا(سوريا ممنوع من العمل)..
(Nedal Naisseh)
الحوار المتمدن-العدد: 2573 - 2009 / 3 / 2 - 09:37
المحور:
كتابات ساخرة
لا شيء يشق على النفس مثل تلك المظاهر الاستعراضية و"الدروشانة" التي يمارسها البعض، أحياناً، وتأتي فجة وبلا معنى وخارجة عن السياق ومن قبيل النطوطة الفاضية والاستفزاز. فناهيكم عن مظاهر الأسلمة التي تجتاح المنظومة الاستبدادية الشرق أوسطية المفلسة والتي لم يتوفر لها أي شيء تمنحه للبشرية فعادت إلى زواريب القرون الغابرة لتنهل من معينها الجاف ما يمكن أن يسعفها في معاركها الخاسرة مع العولمة والحداثة والعصرنة والتنوير، نقول ناهيكم عن مظاهر الأسلمة كالحجاب، واللحية، والزبية والدشداشة، فقد امتدت هذا المظاهر إلى ميدان الرياضة لتشمله برعايتها الكريمة كالقيام بالسجود بعد تسجيل أي هدف يحرزه لاعب ما في فرق المنظومة الاستبدادية الذين يشارك معظمهم باللعب بناء على محسوبيات وواسطات وتداخلات وقرابات مع أولي الأمر الأبرار، ومرضي عنهم، طبعاً، من أجهزة الأمن والمخابرات.
ولا أدري ما علاقة هذه الحركة التي يقومون بها بتسجيل الهدف الذي هو نتيجة جهد فردي، وجماعي على الغالب مشفوعاً بسلسلة أخرى من المجهودات والتسهيلات اللوجستية والتدريب والموهبة واللياقة والرغبة في الانتصار، وربما يعود الأمر، وبشكل رئيس، للمدرب الأجنبي، "الكافر" وقد يكون من اليهود والنصارى والعياذ بالله ( لا يحلو للمنظومة الاستبدادية أن يدرب فرقها سوى مدربين أجانب ...هكذا)، ناهيكم عن ضعف الخصم أحياناً، وقلة خبرة الحارس، لا بل والصدفة وحدها في أحيان كثيرة. وأولاً، تعتبر هذه الحركة نوعاً من التبشير والدعاية الدينية الرخيصة في مجال رياضي يتحول فيها اللاعب من رياضي إلى داعية إسلامي. وهو نوع من الاستغلال الإعلامي، أيضاً، وخلط لشيء بشي آخر لا علاقة به على الإطلاق، وانتهاز فرصة تسليط الأضواء والكاميرات على اللاعب لإرسال رسالة تتنافى مع طبيعة الفعل الذي يقوم به، وهذا الأمر ينطوي على مضامين كثيرة أقل ما يمكن القول فيها بأنها غير لائقة ولا تجوز، ومعيبة، وخارجة عن السياق. فليس ثمة ربط بين الأمرين، ولا علاقة لأي هدف أو إنجاز رياضي بالغيب والماورائيات، فالهدف هو ثمرة جهد بشري ومتابعة وتدريب وتصميم وموهبة...إلخ. وإلا لماذا يحتكر أولئك اليهود والنصارى المونديالات وكل الأولمبيادات والميداليات ولم تفز دولة مسلمة يوماً بما يستحق أن يذكر، رغم أن أنظمتهم تقطع المباريات الرياضية والبرامج التعليمية والأفلام القيـّمة والمسلية لتذكير شعوبهم بالصلاة( لا أدري لماذا يجب على الدول المستبدة والظالمة أن تذكر مؤمنيها دائما وتحثهم على بالصلاة، فهل يحتاج المؤمن لمن يذكره بعباداته وقيامه وقعوده؟).
وإذا كان هذا السجود يجدي هنا، ويحرز الانتصارات فلماذا لا يقومون باستقدام وعاظ وفقهاء وأئمة يؤمون باللاعبين وتعليمهم الصلاة، وتدريبهم على السجود، بدل تدريبهم على مختلف الألعاب، وعدم الاعتماد، نهائياً، على المدربين الأجانب من الكفار، والسيخ والهندوس وعبدة الشيطان والنار، طالما أن الأمور بتلك السطحية والبساطة والسذاجة، وتقاس على ذاك المنوال. وهنا لا يستبعد أن تكون مافيات دينية، وجهات وعظية، ومنظمات أصولية ، وشخصيات إرهابية تدفع للاعب لكي يقوم بهذه الحركة التي يثاب عليها، ربما، بالدولارات الأمريكية.
وإذا كان هناك من داع للسجود فإن اللاعب في هذه الحالة يقوم بالسجود، وبشكل غير مباشر، لأسباب النصر تلك التي ذكرناها مجتمعة قبل أي شيء آخر. ثم إن السجود في أرض "مدنسة" بأقدام اللاعبين، وبصاقهم وعرقهم ومفرزاتهم الاخرى، ويمكن أن يكون قد نجسها بعض اللاعبين اليهود والنصاري والملحدين والعياذ بالله، أمر غير جائز شرعياً على الإطلاق وبإجماع جمهرة وعاظ السلاطين وفقهاء البترودولار. ثالثاً والأهم من ذلك كله، وفي غمرة الاندفاع السجودي هذا، لا يتيقن اللاعب المؤمن، واللهم قوي إيمانه، من اتجاه الكعبة المقدسة، ويخالف ركنا أساسياً من أركان الصلاة القاضي بأن يولي المسلم وجهه باتجاهها أينما كان.
ثم الا ندري لماذا وبرغم سجود اللاعبين المسلمين في الملاعب، فتراهم ينهزمون على الدوام، من قبل فرق عادية و درجة ثالثة و"كافرة"، ويتكبدون الخسائر الفادحة، ويخرجون من الأدوار الأولية في كل المنازلات الدولية التي يحصد جوائزها الذهبية والفضية والبرونزية وحتى البلاستيكية الملحدون واليهود وفرق النصارى وكل "أعداء الله" الآخرين باستثناء فرق المنظومة الاستبدادية المشهورة عالمياً. والكل يتذكر الهزيمة المذلة التي أُلحقت بالفريق السعودي القادم من أرض الحرمين، والديار المقدسة، أمام الفريق الألماني وبدستة من الأهداف، علماً بأن الفريق الألماني احتفل بعد فوزه الكبير بفتح زجاجات الشمبانيا وشرب الخمر ومعاقرتها، وأستغفر الله لي ولكم على كل حال، بينما ذهب الفريق السعودي بعد تلك المباراة المذلـّة لإقامة ما فاته من صلوات، وزاد عليها من النوافل، والوتر، والتجهدات، وربما قاموا الليل حتى الصباح. وفي نفس السياق، ايضاً، نرى الفريق البرازيلي الأسمر، وجلـّه من الكاثوليك، وربما اللادينيين، لا يسجد أي لاعب من "أعداء الله هؤلاء"، بل يرقصوا، وتصوروا، رقصة السامبا، بعد تسجيلهم أي هدف، ويحققون البطولات ويربحون المونديال وراء المونديل، واحتفظوا بكأس جول ريميه إلى الأبد بعد أن فازوا بالمونديال لمدة ثلاث مرات، ومن ثم ألحقوه بفوزين آخرين بكأس العالم لتصبح مرات فوز راقصي السامبا بالمونديال خمساً، فيما لم يتخط الراكعون والساجدون لله في الملاعب الأدوار التمهيدية وخرجوا مدحورين ومهزومين منها، وكل الحمد والشكر لله.
ومناسبة هذا الكلام، أنه تدور اليوم رحى معارك ضارية، وحامية الوطيس، بين الشيوخ في كل من مصر والسعودية، بين مؤيد ومعارض للسجود في الملاعب. ويمكن لعشاق هذه الأفلام والخرابيط و"الهمروجات"، متابعة فصولها على الشبكة العنكبوتية.
وكلمتنا الأخيرة، هي ليجرب أولئك اللاعبين ألا يسجدوا، في المرات القادمة في الملاعب ويركزوا على القيم الرياضية لا الدينية والغيبية الماورائية، فلربما يوفقهم الله، تبارك وتعالى، أكثر في المرات القادمة، لأنه ربما، لا يطيق هو كل مظاهر الأسلمة الفارغة، والاستعراض الزائف، أيضاً، الذي لا ينفع ولا يفيد في مجالات التألق الموهبة والإبداع، والتي تطلب بالتأكيد أكثر، بكثير، من مجرد سجود وقيام وقعود.
#نضال_نعيسة (هاشتاغ)
Nedal_Naisseh#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
محاكم وتقارير أي كلام!!!
-
المطلوب رأس العرب فقط
-
هَذه بَضَاعَتُكُم رُدّتْ إِليْكُم
-
هل يتكرر سيناريو العراق في إيران؟
-
سنة إيران وشيعة الخليج الفارسي
-
رداً على فؤاد الهاشم
-
حروب خمس نجوم
-
العرب وتركيا: القرعاء وبنت خالتها
-
لماذا لا يرحّب العرب بإيران؟
-
نضال نعيسة في حوار صحفي عن ادراج اسمة ضمن قائمة الكتاب العرب
...
-
هذا هو مقال الخارجية الإسرائيلية!!!
-
القوميون العرب: تاريخ أسود وفكر خبيث
-
مَن هُم الكتاب العرب الصهاينة ؟
-
تعقيب على رؤية إسراطين للعقيد معمر القذافي
-
نقد للنظام أم جهل بموقع الذات؟
-
الشأن السوري واقتراح حول نظام التعليقات
-
الهزيمة الأخلاقية للمعتدلين العرب؟
-
هل بدأ أوباما عملية التنظيف -وراء- بوش؟
-
ماذا تبقى من المعارضة السورية؟
-
بين المخابرات والمغامرات
المزيد.....
-
تونس: أيام قرطاج المسرحية تفتتح دورتها الـ25 تحت شعار -المسر
...
-
سوريا.. رحيل المطرب عصمت رشيد عن عمر ناهز 76 عاما
-
-المتبقي- من أهم وأبرز الأفلام السينمائية التي تناولت القضية
...
-
أموريم -الشاعر- وقدرته على التواصل مع لاعبي مانشستر يونايتد
...
-
الكتب عنوان معركة جديدة بين شركات الذكاء الاصطناعي والناشرين
...
-
-لي يدان لأكتب-.. باكورة مشروع -غزة تكتب- بأقلام غزية
-
انطلاق النسخة السابعة من معرض الكتاب الفني
-
مهرجان الأفلام الوثائقية لـRT -زمن أبطالنا- ينطلق في صربيا ب
...
-
فوز الشاعر اللبناني شربل داغر بجائزة أبو القاسم الشابي في تو
...
-
الموصل تحتضن مهرجان بابلون للأفلام الوثائقية للمرة الثانية
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|