أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - مهدي النجار - قراءة جديدة في الامام علي















المزيد.....

قراءة جديدة في الامام علي


مهدي النجار

الحوار المتمدن-العدد: 2573 - 2009 / 3 / 2 - 09:37
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


قراءة جديدة في الإمام عليّ
الى هاني فحص

يتطلب الامر بإلحاح ان تراجع المجتمعات تاريخها وتراثها كلما المَّت بها القواهر واحست بضعضعات خطيرة تواجه مصيرها الراهن وهذه المراجعات ليست بذات فائدة اذا كانت مراجعات تبجيلية وتعظيمية، تندب على تاريخ سالف تستلهم منه العَبرات وليس العِبر وتذرف عليه الدموع ولاتتمعن فيه وتقف عنده دون حِراك او حركة كأن منظومة التاريخ ليست مثلها مثل كل المنظومات الانسانية والحياتية تتحرك وتتدفق، تتراجع وتتقدم، تنحسر وتتوسع، إنما العودة الى الماضي وقراءة التاريخ لا تصبح مفيدة ولا جديرة بالاهتمام اذا لم تكن اولا وقبل كل شئ من خارج دائرة ذلك الماضي وعلى مسافة واسعة من ذلك التاريخ، بأختصار مفيد ينبغي قراءة التاريخ من منظور معاصر وبأدوات معرفية حديثة تمتاز بصرامتها النقدية وحركتها الغربالية الدقيقة من اجل استخلاص العقلاني من التاريخ ونبذ الترهات والاقاويل الغارقة بالاساطير والخوارق والاوهام حتى يتجلى الحاضر من تاريخ ناصع لا تُسلِب عافيته التعصبات والاهواء ولا يخضع لمشيئة المنتصرين والقاهرين. وحقيقة اوضاع المجتمعات الاسلامية اليوم تدلنا دون شك على انها تواجه أسوء المآزق واخطرها لذا وفق تلك الملاحظات صار مهماً ان يراجع المسلمون تاريخهم وان يتمعنوا كثيراً في سيرة رموزهم الكبار لكي يَتعظِوا ويستخلصوا الدروس والعِبر لا ان يطمسوا معالم تلك الرموز في انبهارات اسطورية وتبجيلات خارقة، لا ان يغرقوها بالندب والعويل والنواح ويستنجدوا بها لتغيثهم، يتوسلوا بها ان تنهض من قبورها لتداوي عللهم واسقامهم، ان تنهض لتخلصهم من مصائبهم والاهوال التي حَلت بهم، لقد شاعت هذه القراءات التقديسية في العالم الاسلامي حتى غَلَبت مظاهر الاحتفال التمجيدي/ البُكائي على الرموز التاريخية على اي اعتبار آخر. المفتاح الوحيد الذي يفتح المعرفة الخلاقة بتلك الرموز التاريخية هي القراءات العقلانية التي تنظر اليها في مجالها البشري وحيزها الانساني وظرفها البيئي والاجتماعي. كان الامام عليّ واحداً من الرموز الاسلامية التي اضفت عليها النزعات التقديسية والتعصبية الكثير من الاوهام واسرفت في تعظيمها ومديحها حتى اخرجتها من المجال البشري العقلاني الى المجال المتعالي الاسطوري.
في البدء حين نقرأ الامام علي ينبغي التعرف على علاقته مع الله وهي علاقة نادرة تختلف عن كل علاقات الناس، حتى عن المؤسسين الاوائل للاسلام، كانت علاقة متمايزة وفريدة، علاقة خوف مستعر من الله، كان يخاف الله حقاً وحقيقة، كان لا يخافه هرباً من ناره وعذاباته ولايخافه طمعاً في جنته وافراحه، لا تُشغله ترغيبات الله ولا ترهيباته، كان يخاف الله لأنه : الحق! وبعد تفكر وتبصر وجدَّ الطريق الصعب، طريق الهُدى/ الحق، الطريق الاكثر وعورة والاكثر خطورة وراح يحرض الناس لأن يسلكوه: " لاتستوحشوا طريق الهُدى لِقلة سالكيه" وكان يتنبأ بالآلام والمتاعب وكان على دراية بأن هذا الاختيار من اصعب الاختيارات البشرية لان معنى الحق في جوهره دعوة لتأسيس العدل في مجال السلوك الاجتماعي بوصفه نقيض للظلم، فهاهو امام لحظات تاريخية حرجة تعاظمت فيها الفتنة بين المسلمين حين ُأسندت له الخلافة وحين وجد نفسه وجهاً لوجه امام سلطان الحُكم والسياسة حتى وصف طه حسين تلك الفتنة بانها "فتنة مشَّبهة معمَّاة إذا اخرج الرجل فيها يده لم يكد يراها" في قلب هذه الفتنة المظلمة الغليظة وجد نفسه كأحسن مايجد الرجل نفسه: يرى الحق فيمضي اليه لا يلوي على شئ، ولا يحفل بالعاقبة ولا يعنيه أن يجد في آخر طريقه نجاحاً او اخفاقاً، ولا أن يجد في آخر طريقه حياة او موتاً، وإنما يعنيه كل العناية أن يجد اثناء طريقه وفي آخرها رضى ضميره ورضى الله. ولكن من الآن فصاعداً بدأ الامر يختلف ويحتقن، بدأت الفتنة تتسع وتشتد ومعها بدأ الانتهاك الهائل للحق يتصاعد وراح المنتهكون يفصحون عن نواياهم وشراهتهم لكسب مغانم الدُنيا، اذن لابد ان تُخاض المعركة الفاصلة، بين مَن ؟! بين الامام علي، هذا الرجل الذي سعى دائماً للتشبه بأخلاق الله وبين معاوية سيد الطلقاء ( كان المسلمون يسمون معاوية وأمثاله من الذين أسلموا بأَخِرة، ومن الذين عفا النبي عنهم بعد الفتح بالطُّلقاء؛ لقول النبي لهم: اذهبوا فأنتم طلقاء) ومهما يقُل الناس في هذا الخصم المداهن العنيد ، مهما يقولوا عنه من خير او شر، من مدح او قدح الا اننا نستخلص خلاصة مهمة من خلال حرب صفين (سنة 656 )، هذه ا الحرب الحاسمة في التاريخ الاسلامي لانها فَصلت بوضوح بين دين الله ودين السلطة، هي لحظة طلاق بين الحق والباطل، بين الاعوجاج والاستقامة وحين كان النصر قاب قوسين او ادنى لجيش الامام علي؛ او كما في تعبير ابراهيم الاشتر، احد ابرز قواد الجيش: "أمهلون عدو الفرس فإني قد طمعت في النصر" إلا ان الامام علي لم ينجح في استحصال ذلك واستطاعت الخدعة ان تخترق صفوفه رغم تحذيرات ابن عباس الذي كان يقول له، سمعت رسول الله يقول: "الحرب خدعة" (تاريخ الطبري ج6 /منشورات جيهان) فقد استجاب معاوية لنصيحة ابن العاص (بعد ان قاربوا على الهزيمة والخسارة) وأمر رجاله برفع المصاحف على أسنة الرماح داعين الى الاحتكام الى كتاب الله. مفاد الخلاصة من هذه الحرب تبرهن ان الاتقياء والزهاد وأصحاب الورع لا يجيدون المراوغة واللعب على الحبال، كذلك نستخلص من هذه المعركة ان معاوية هذا الرجل الذي يُطلق عليه " داهية العرب" هو المؤسس الحقيقي لنظام الاستبداد المطلق وتوريث الحكم الذي هيمن على مجتمعات الارض الاسلامية ومازال يعصف بها فيسلب من شعوبها اللقمة والعِزة، ويعود له الفضل الاول بزج الدين في السياسة وإلغاء العقل لحساب النص واستخدام الدين ورقة رابحة في الامساك بتلابيب السلطة بواسطة استعمال اول وسيلة دينية يبررها الهدف السياسي، ورغم ان الامام علي قد ادرك سر الخدعة وكان قد قال لرجاله: "عباد الله امضوا على حقكم وصدقكم في قتال عدوكم، فإن معاوية وعمرو بن العاص (وذكر اسماء اخرى) أنا اعرف بهم منكم، قد صحبتهم أطفالاً، وصحبتهم رجالاً، فكانوا شر أطفال وشر رجال، ويحكم إنهم ما رفعوها لكم إلا خديعة ودهناً ومكيدة" (الطبري/ج6) الا ان الماء قد انساب من بين اصابعه وانفرط عقد الاصحاب والانصار ولا شك استطاعت " الحيلة" الحربية ان تخترق بإسم النص صفوف قوات الخصوم وأن توقع بينهم خلافاً أنهى الصراع لصالح الامويين ومن توها صار طريق الحق اكثر وحشة واكثر عزلة واكثر آلاماً ومضاضة وكان سالكيه قِلة كالشَّعرة البيضاء في الثور الأسود، أودى بتلك الشخصية الصابرة ان تجزع وتفقد الثقة بأتباعها وأنصارها الى حدود اليأس والخيبة لانهم أفسدوا عليه رأيه بالعصيان وملأوا جوفه غيظاُ، فخاطبهم بمرارة وبلهجة انكسار وتأنيب: " أصبحت لا أطمع في نصركم ولا أصدق قولكم. فرَّق الله بيني وبينكم". وكما يقول نصر حامد ابو زيد: ان هذه المسألة (مكيدة رفع المصاحف) تكشف عن بداية تزييف الوعي، وهي عملية ظل النظام الاموي يمارسها بحكم أفتقاده الى الشرعية التي ينبغي أن يقوم عليها أي نظام سياسي. وقد ظل الالتجاء الى الاسلوب الاموي مسلكاً سائداً في كل انماط الخطاب الديني المساند لأنظمة الحكم غير الشرعية في تاريخ المجتمعات الاسلامية.
كانت فترة الامام علي فترة عصيبة من فترات التاريخ الاسلامي التبست فيها على الناس أمورهم وغصت ايامها بالفتن والصراعات والتشاجرات وسالت خلالها الدماء كثيرة، نستخلص منها في نهاية المطاف: إن دائرة الدين والتدين شئ ودائرة الحُكم والسياسة شئ آخر، وكلاهما يتقاطعان، من حيث في الاولى يتجلى الصفاء والتسامي وفي الثانية يتجلى الرياء والمداهنة، وحين دُفع الامام الزاهد الورع لان تطأ اقدامه دائرة الحُكم لم يستطع أنتزاع نفسه من أصوله النابتة في دائرة الدين والتدين، لم يستبح لنفسه مكراً ولا كيداً ولا دهاء. كان يؤثر الدين الخالص على هذا كله، وكان يحتمل الحق مهما تثقل مؤونته، لذا وقع في محنة عسيرة ومريرة جعلته يخاطب ربه بوجع وجَزع: " اللهم إني قد مللتهم وملوني. وأبغضتهم وأبغضوني. وحملوني على غير خُلقي وعلى أخلاق لم تكن تُعرف لي. فأبدلني بهم خيراً لي منهم، وأبدلهم بي شراً مني، وِمث قلوبهم مَيْث الملح في الماء". نستخلص ايضاً من كل ذلك ان المتدينين الاتقياء ينبغي ان يظلوا على مسافة من دائرة الحُكم يسترشد الناس بنقاء آرائهم وصفاء افكارهم ويتمثلوا سيراتهم الحسنة وأن لايزجوا بأنفسهم في معتركات السياسة بما فيها من ألتواءات ومداهنات ومناورات.
ويروي اشياخنا المؤرخين أن آخر كلام سُمع من الامام عليّ قبل أن يموت مقتولاً هو قول الله عز وجل: " فَمَنْ يَعْمل مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَه* ومن يَعْملْ مِثْقَال ذَرَّةٍ شَراً يَرَه " وقد انتهى نبأ هذا الموت الفاجع، المرِّوع إلى أهل المدينة، وبلغ عائشة فتمثلت قول الشاعر:
وألقت عصاها واستقرت بها النَّوى كما قَر عيناً بالإياب المُسافُر
وفي كتابه المهم والمرموق "الفتنة الكبرى/ ج2 " يذكر طه حسين بأن عائشة كأنها أرادت أن تقول: إن عليِّاً قد أراح بموته واستراح. وليس من شك في أنه أستراح بموته من شقاء كثير. ولكن الشكّ كل الشك في أنه أراح.







#مهدي_النجار (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التقديس في الذهنية الاسلامية
- الاسلام المتشدد وأوهام التفوق
- قراءة جديدة في الرسول الكريم
- علماء الجهالة وحديث الاإبل
- علماء الجهالة وحديث الذبابة
- مهزلة العقل في الاعجاز العلمي للقرآن
- هل يمكن التصالح مع اليهودي ؟!
- المسلمون وسؤال التنوير
- المسلمون وسؤال التخلف
- الاعجاز العلمي ورمٌ في عقل المسلمين
- هل الاسلام دين ام دولة
- الانفجار السكاني في العالم الاسلامي
- خيبة المسلمين في رحلة العلم والايمان
- صورة الرسول كما في القرآن
- المثقف والسياسي
- صناعة الوهم في الاعجاز العلمي
- لماذا الاساءةُ للإسلام
- عن ماذا سكت ابو هريرة!!
- من له عينان فليقرأ: أبوال الإبل!!
- هل أتاك حديث الذبابة!!


المزيد.....




- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...
- ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات ...
- الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
- نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله ...
- الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
- إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة
- “ألف مبروك للحجاج”.. نتائج أسماء الفائزين بقرعة الحج 2025 في ...


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - مهدي النجار - قراءة جديدة في الامام علي