|
محاكمات العصر تعيد الاعتبار لحق تقرير المصير
صلاح بدرالدين
الحوار المتمدن-العدد: 2573 - 2009 / 3 / 2 - 09:38
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
من المنتظر أن تحمل هذه الأيام بشائر خير للمدافعين عن مبادىء الحق والمساواة وللشعوب المغلوبة على أمرها وأيضا بواعث أمل للباحثين عن العدالة في سبيل مقاضاة الطغاة وردع المعتدين واسترداد الحقوق المنتهكة بافتتاح المحكمة الدولية الخاصة بلبنان في لاهاي في الأول من آذار والبدء باجراءاتها حول جريمة اغتيال رئيس الحكومة اللبنانية الأسبق رفيق الحريري بما في ذلك وكما هو متوقع استدعاء رؤوس كبيرة من مسؤولي النظام السوري لعلاقتهم حسب الدلائل والقرائن بتنفيذ الجريمة والتخطيط لها وكذلك احتمال اصدار المحكمة الجنائية الدولية الخاصة بالجرائم ضد الانسانية في دارفور قرارا في الرابع من آذار باعتقال رئيس النظام السوداني بعد اتهامه رسميا بالمسؤولية الكاملة منذ أشهر من جانب الادعاء العام للمحكمة ذاتها ومن الجدير بالذكر أن الرئيس الصربي السابق – سلوبودان ميلوفيتش - الذي شوهد منتحرا في زنزانته كان قد مثل أيضا أمام محكمة الجزاء الدولية الخاصة بيوغسلافيا السابقة بتهمة اقتراف جرائم ابادة الشعب الكوسوفي وكان الرئيس العراقي السابق قد نفذ فيه حكم الاعدام من محكمة جنائية عراقية بتهمة المسؤولية في اقتراف جرائم ابادة ضد فئات من الشعب العراقي كل ذلك يجري في بداية الألفية الثالثة وفي سنوات العقد الأول من القرن الجديد وبعد نحو عقدين من توقف الحرب الباردة والبدء بتشكل النظام العالمي الجديد والانتقال من ثنائية القطبية الدولية الى الاحادية التي لم يكتب لها الثبات حتى الآن في ظل امكانية تعاظم تعددية من نوع جديد متفاوتة في الثقل والدور حسب موازين واعتبارات نابعة من أرض الواقع واذا اعتبرنا ظاهرة اتهام واستدعاء ومحاكمة الطغاة انتصارا للشعوب ولمبادىء العدالة عامة وثمرة من ثمرات تضحيات شعوبنا ونضال حركاتها التحررية وقواها الديموقراطية من أجل الحرية والتقدم منذ عقود وحتى الآن فانها وفي الوقت ذاته لم تكن لتحصل لولا التدخلات الدولية المباشرة وبالتالي لايمكن فصل تلك الانجازات الوطنية ذات الطابع العالمي عن ارادة المجتمع الدولي والقوى العالمية المحبة للحرية والسلام واهتمام الأوساط الغربية عامة الأمريكية والأوروبية على وجه الخصوص وبعكس سياساتها ابان الحقب الاستعمارية وحروبها العدوانية بقضايا حقوق الانسان وارادة الشعوب التواقة للحرية والتحرر وبمواجهة الارهاب وبمراقبة أسلحة الدمار الشامل وتحقيق الاستقرار حيث أن سمة العصر الراهن هي التي ترجح نوعا من التوافق في فترة معينة قد تقصر أو تطول بين هذه المهام والمواقف التي تصب في مجرى مصالح الشعوب من جهة وبين مصالح الغرب الاستراتيجية الراهنة من الجهة الأخرى . ليس من قبيل الصدف أن يكون الرؤساء الذين طالتهم أيدي العدالة والمنتظرون منهم لمصائرهم بترقب والمرشحون لنيل ذات المصير عبارة عن حكام دكتاتوريين في أنظمة شمولية أصولية – ممانعة - بجناحيها العلماني العنصري مثال ( صدام حسين وبشارالأسد ) والديني الأصولي مثال ( سلوبودان ميلوفيتش وحسن البشير ) ومن الواضح وبسبب التداخل الحاصل بين أجندة الجناحين في العصر الراهن وفي مختلف المناطق وغالبية التجارب وتمازج شعاراتهما وتكامل ممارساتهما بحيث يصعب أحيانا التميز الدقيق بينهما فالجناح القومي الأصولي وبعد هزيمته النكراء في مجالات الادارة والحكم والبناء والمهام القومية والوطنية والتنمية والاقتصاد بدأ باللجوء الى – السماء – لاطالة عمره أما الجناح الديني المسيس وبعد اصطدامه بجدران العجز في تحقيق مفاهيمه القروسطية الظلامية لافي المجتمعات التي تخطو نحو الحداثة ولا في مجالات ادارة الدولة واللحاق بركب التطور الاقتصادي والنهضة الثقافية المتسارعة بدأ بالهروب نحو الأمام وهو هروب من أزمته على أي حال بالجنوح نحو استخدام خطاب الفكر القوموي – ويعتبر البعض ذلك بمثابة العودة الى الجذور الحقيقية اعتمادا على تحليل جوهر الآيديولوجيا الدينية ومقارنة بتجارب ثورة الخميني الاسلامية في مظهرها والقومية الفارسية في المضمون وحزب العدالة الحاكم في تركيا الموسوم بالاسلام المعتدل والمتعانق مع مبادىء أتاتورك القومية الطورانية – نقول أن هذا الجناح الديني الأصولي في البلدان العربية والى جانب تكويعته واستخدامه مفردات الراحل ميشيل عفلق ( تأسلم سياسيا قبل وفاته ) وعينه على الفراغ الناشىء من انحسار ذلك النهج الشوفيني المغامر الذي سقط مبدئيا منذ هزيمة حزيران قبل أربعة عقود . أما من حيث البلدان التي ابتليت بأولئك الطغاة اللذين نالوا جزاءهم أو قيد الملاحقة والمساءلة فانها دون استثناء متعددة الأقوام والثقافات عانت من الاضطهاد القومي والاجتماعي والسياسي والتمييز العنصري الى درجة قصوى وحجب عنها حق تقرير المصير ليس بما يتعلق ببناء الدول والتحرر وخصوصية الهوية فحسب بل بخصوص تحقيق الارادة الوطنية في اختيار شكل الدولة ونظام الحكم وسبل التعايش كما في حالة لبنان ذلك الحق المكتسب الانساني كمبدأ يحظى باحترام ميثاق الأمم المتحدة وقبول المجتمع الدولي ومن الملاحظ أن مسألة حجب حق تقرير المصير القومي وما تستتبع من اضطهاد ووصاية وهيمنة وابادة عنصرية وحقوق والانتصار لها تتصدر الأسباب الرئيسية في حالات العراق ويوغسلافيا والسودان وسوريا والحالات الأخرى الشبيهة التي قد تنضم الى القائمة عاجلا أم آجلا مثل : اسرائيل وايران وتركيا فاالتهم جميعها الموجهة الى اولئك الطغاة كأفراد انما تطال سياسات أنظمة وآيديولوجيات لأنهم يعبرون عنها ويمثلونها ويطبقون تعاليمها والمحاسبة تتركز أساسا في غالبية الحالات على : عمليات ترحيل ونقل قسري وتغيير التركيب الديموغرافي وعمليات قتل واضطهاد وارتكاب جرائم حرب ضد الانسانية وابادة وهذه الممارسات وبأشكال متفاوتة تعاني منها الشعوب والقوميات المضطهدة بشكل يومي وخاصة الكرد والفلسطينييون . كانت حركات التحرر الوطني في القرن المنصرم تستمد نجاحاتها في مجالات الثورة والاستقلال والبناء من حليفتها الحركة الثورية العالمية وقوتها الأساسية المعسكر الاشتراكي وما بعد حقبة الحرب الباردة وانهيار الخندق الصديق والتحولات العالمية وموجة العولمة وبروز عملية تشكل نظام عالمي جديد بدأت البقية الباقية من هذه الحركات وفي مقدمتها الكردستانية والفلسطينية التي لم تنجز بعد مهام التحرر القومي والوطني عليها أن تعيد بناءها من جديد وتراجع برامجها وشعاراتها وخطابها السياسي لتتماشى مع عجلة التطور وتلحق بركب التحولات الكونية خاصة وأنها لم تعد على مسافة طويلة كما في القرن الماضي من أعداء الأمس اللذين باتوا من المبادرين الى الاعلان عن دعم قضايا الشعوب وحقوق الانسان وملاحقة الطغاة من الحكام اللذين تسببوا في معاناة الشعوب من ابادة وتهجير وانتهاك ومحاربة الارهاب والارهابيين وكما شاهدنا حلف الأطلسي يتدخل عسكريا لنصرة شعب كوسوفا والقوات الأمريكية تحرر العراق من الدكتاتورية والغرب يدعم العدالة في لبنان وأوروبا الى جانب أمريكا تنتصر لشعب دارفور وتبحث عن السلام في أفغانستان كل ذلك لايجري بصورة عفوية ولا من أجل – العيون الزرق والسود – بل حسب معادلات دولية واقليمية دقيقة تستجيب لمصالح سائر الفرقاء . قد ترمز ظاهرة صون العدالة وعقد المحاكم الخاصة لردع الطغاة والحرب على الارهاب في بداية القرن وقبل ذلك مبدأ التدخل الانساني كخيار حديث أفرزه توافق المجتمع الدولي الى شكل من أشكال الصراع المتبع البديل لصراع القطبين والمعسكرين سابقا للحفاظ على أمن واستقرار العالم وهو يقود في الوقت ذاته باتجاه مناصرة حق الشعوب في تقرير مصيرها القومي والانساني والاقتصادي وتوفير الضمانات الدولية لسلامتها وقد تتحول الظاهرة الايجابية هذه الى مبادىء وبنود ملزمة في ميثاق هيئة الأمم المتحدة لمصلحة حرية الشعوب وستشكل حينذاك احدى انتصارات القرن الجديد ومفاخر المجتمع الدولي .
#صلاح_بدرالدين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
اخوان سوريا والغدر بالقضيتين
-
قراءة في تصريح نيجيرفان بارزاني حول الكرد والعرب
-
ادارة اقليم كردستان : خطوات بالاتجاه الصحيح
-
خذلان - الاخوان - من جديد
-
الاخوان المسلمون : تعليق - معارضة - أم تعليق الطربوش
-
مفاوضات - غير مباشرة ! - مع الكرد أيضا
-
دفاعا عن منظمة التحرير الفلسطينية
-
عنزة .. ولو طارت
-
المتحول في حروب الشرق الأوسط
-
فلسطين بين - الغفران - و - الفرقان -
-
وداعا محمود أمين العالم
-
تعقيب على بيان الاخوان المسلمين
-
اطمئنواحماس بخير تحت أنقاض غزة المنكوبة
-
نتضامن مع فلسطين ونرفض نهج – حماس -
-
الحل : ترميم البيت الكردي
-
- حذاء - الدمار الشامل
-
نهاية جنرال
-
ظاهرة الحوار المتمدن
-
غزوة بومباي
-
عندما يستغرب نائب الرئيس
المزيد.....
-
الجمهوريون يحذرون.. جلسات استماع مات غيتز قد تكون أسوأ من -ج
...
-
روسيا تطلق أول صاروخ باليستي عابر للقارات على أوكرانيا منذ ب
...
-
للمرة السابعة في عام.. ثوران بركان في شبه جزيرة ريكيانيس بآي
...
-
ميقاتي: مصرّون رغم الظروف على إحياء ذكرى الاستقلال
-
الدفاع الروسية تعلن القضاء على 150 عسكريا أوكرانيا في كورسك
...
-
السيسي يوجه رسالة من مقر القيادة الاستراتجية للجيش
-
موسكو تعلن انتهاء موسم الملاحة النهرية لهذا العام
-
هنغاريا تنشر نظام دفاع جوي على الحدود مع أوكرانيا بعد قرار ب
...
-
سوريا .. علماء الآثار يكتشفون أقدم أبجدية في مقبرة قديمة (صو
...
-
إسرائيل.. إصدار لائحة اتهام ضد المتحدث باسم مكتب نتنياهو بتس
...
المزيد.....
-
لمحات من تاريخ اتفاقات السلام
/ المنصور جعفر
-
كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين)
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل
/ رشيد غويلب
-
الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه
...
/ عباس عبود سالم
-
البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت
...
/ عبد الحسين شعبان
-
المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية
/ خالد الخالدي
-
إشكالية العلاقة بين الدين والعنف
/ محمد عمارة تقي الدين
-
سيناء حيث أنا . سنوات التيه
/ أشرف العناني
-
الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل
...
/ محمد عبد الشفيع عيسى
-
الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير
...
/ محمد الحنفي
المزيد.....
|