|
امرأة الجهات الأربع
فرات إسبر
الحوار المتمدن-العدد: 789 - 2004 / 3 / 30 - 08:28
المحور:
الادب والفن
قطرات من دمي تكفي لكتابة قصيدة وقطرات أخرى تكفي لإشعال حرب وفتنة
(إلى أمهات العراق) فرات اسبر شاعرة سورية
قبلةٌ بطعم النبيذ من أسوار الشفتين سرقتها العصافير دونت بريش الجناحين رعشةٌ بيضاء من حمم…. مزقُ الثوب هنا وهناك ،مزُق العمر ..أشلاءُ بأشلاء . كما الروح ، بعثرتني يا خالقي ،كما الرمل في الصحراء . امرأة تضيع في المسميات وتتلاشى بلا اسم ولا جسد ، والروح حديثها مؤجل . بعثرني يا خالقي كما تشتهي في الجهات الأربع ، امرأة جاءت من عشتار ،نامت في أحضان مارس فقتلها بحروبه ، تجددت في أخرى ، أنجبت الدنيا بما فيها ، جلجلت السماء بروعتها ، وشقوق الجسد واهية ، طينها لم ينشف بعد، من رحم أمها تكورت وخرجت وإلى الآن لم تجد طريقها. الطين أجبلهُ بمائي والخرزات الزرقاء لتحميني من عيون حاسدي ووهج الألم. لأنني امرأة بأكثر من وجه سأكتب لكّن ، لأنني امرأة بلا أحلام سآخذكن معي إلى مدن الحلم سأطلق الرياح وأدعها تكتسح في طريقها جنوني . أنا في داخلكن أفيض . يا سلالتي أخرجي مني إنك تشبهين الظنون التي تسكنني . لأنني حكاية بلا راوٍ سآخذكن معي إلى التاريخ الأبله في دفاتره أسمائنا ، قيودنا ، أولادنا ، أسلافنا ، إخواننا ، جيراننا، فيه كل آثامنا وخطواتنا، ومنه تفُّح روائحنا ، عفن يأكله عفن ، جثث محنطة نحن ، سأهرب منه ومن براثنه لن أدخل مصيدته. أشباحه تلاحقني ، تركض ورائي ، بعباءته السوداء ودمه الأسود ، وصحائفه الملطخة بالدماء. سـآتيكن امرأة تأتي من اللاوعي ،خرجت لتوها من نار الهذيان. لن تهمني ناركم ، ولن أخاف سياطكم ، أنتم يا قاتلي الأرض ، ومن بعدها تذهبون إلى الصلاة لغسل أجسادكم . أنتن يا نساء ، يا من فصليتي وعرقي ودمي ، أخرجن من عباءاتكن ، من تحتها الأنهار تجري إليكن. لأنني بلا جناحين سأحكي لكّن عن الطيران ، كيف الطيور عالياً تحلقُ بجناحيها ، وترفرف بعيداً في السحاب . أنتن السحابُ مهبط المطر في أوانه ،بكّن تزهر الأرض والحب يتجدد دائما في الرحم. لأنني بلا بيت سأحكي لكّن عن المأوى ، عن البيوت العالية ، عن قطبانها التي تسور الأحلام وتعتقلها ، تعالينّ نهربها عبر الفضاء عبر الحب عبر خيوط الشمس أول الشروق . لأنني بلا آمان سأحكي لكّن عن الوطن ، الوطن الذي ضيّعه الأسلاف ،باعوه بالمزاد وفي السوق السوداء ، باعوه لتجار القتل يعربدون به ولأنني بلا هوية سأحكي لكّن عن الانتماء ، أسمي ليس لي وليس مني ، التابع المتبوع أنا من أمي وأبى إلى أخي وزوجي ، إلى زوجي وأبني ،وهكذا أنا أضيع في المسميات. نسوا أسمي ، وهويتي ليست هويتي ،وهم جميعا خرجوا من رحمي ولكن أنا إليهم أنتمي . لأنني بلا أطفال سأحكي لكّن عن الأمومة عن رعشات الرحم الأولى حيث خطى الكون تخفق ، حيث الصلوات والقداسات تبدأ وبرعشة الخالق مفتوناً بجمال خلقه أصرخ صرختي الأولى والأخيرة وتخرج الحياة إلى الحياة . ولأنني بلا رغبة سأحكي لكّن عن "الرغبات" ، هذه الموسيقى الإلهية التي تسكننا ، السحر الذي ننام عليه والفتة التي تقودنا سلام عليها بما فيها من رقاد وقلق . ولأنني بلا شئ سأتحدث لكّن عن قيمة الأشياء ومعناها وأنا ضيعوني منها ومن كل شئ لم يدخلوها في الأملاك ، وأنما جعلوها من الأملاك . لأنني بلا طفولة سأحكي لكّن عنها ، عن اليتامى الذين فقدوا آبائهم وأمهاتهم ، في الحروب والفتن، سأحكي لكّن عن الطفولة في الملاجئ والسؤال الصعب أين أمك وأين أباك ؟. وعن الأحلام التي هربت ،عن الخيبات التي تعيش في ملاجئ عيون الأطفال ،وفي صناديق الخيبة التي تفتحها وحدك آملاً أن لايراك يراك أحد ، ولكن في ساحات عينيك غزلان الطفولة تلعب . سآخذكّن معي إلى أنهار الطفولة التي لم أغرق بها ،سأحكي لكّن عن أطفال الأرض، عن اليتم الذي لم أعرفه ، ولكنني أعيه ، عن الطفولة التي لا أعرفها ، عن الفراشات التي تسقط أمام القناديل ، كالحلم متوهجة ، تفكر، تنطلق ، تلعب بجناحيها ، وأخيراً تموت في صحون القناديل وتحت أضوائها ، سأحكي لكّن عن علب الكبريت التي رسمت بها أحلامي وبقماش الوسائد أكتب أسماء ألعابي وأولادي الذين سيأتون ، وكيف كانت تولد الأحلام وتموت كديدان بيضاء فقست لتوها من يرقات إلى فراشات وقبل أن ترى الضوء ماتت . لا تبتئسنّ مني ،أنا سارقة النوم من أعضائكّن ، أنا من يزرع القلق فيها ، لتدركنّ سري . ولأنني أحبٌ الحياة سأحكي عن الموت ، الموت الذي لا يشبه أحداً ، هو كائن موجود فينا ، يحيا معنا ، ينتظرنا ، وإذا دخل بابا أغلقه على السواد،وإذا خرج منه لا يعود بالذي أخذه . سره فيه، قوي بذاته ، عصيً على الفهم ، بخيل بالابتسامة، سخي بالدمع ، يأخذ ولا يعطي، أسألنّ الذين ماتوا قبلي هل عادوا ؟ وإذا زلزلت الأرض قل هذا أمر ربي ، وإذا قامت الساعة سيكون موتي ، ولا أدري متى؟!!!! سآخذكّن معي إلى المقابر ، ليس لي هناك أحد ، وكل الذين هناك هم مني ،هناك دمي الذي سفكوه ، وشربوا نخبه ، وطفولتي التي مسخوها بالحقد، والأحلام التي وأدوها بالعنف وأمومة اغتصبوها ، وأبوة أحرقوها. يا قاتلي ، يا قاتلي أخرج من جلدي ، موتي لا يشبهه موت، وصوتي لا يشبهه صوت. وأنا نهر يجرفه نهر ،وفيض يؤسس لأرض ،وبالحب تحيا الأوطان . أنا امرأة الجهات الأربع ،في عتمة الليل أضئ وصوتي صداه في الجهات الأربع .
#فرات_إسبر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
شرقيات
-
الرقص على أنغام عربية
-
امرأة متصوفة
-
حقائب سفر ..للرياح
-
عندما تتعرى الأرض تبكي الحجارةُ بعضُ دمعي
-
نساء
-
كل الأضواء مطفأةٌ… إلا ضوء قلبي إليك
-
البيت الذي اسمه ….. الخوف
-
لأجل الغياب ..الذي أنا فيه
المزيد.....
-
الجزيرة 360 تعرض فيلم -عيون غزة- في مهرجان إدفا
-
من باريس إلى عمّان .. -النجمات- معرض يحتفي برائدات الفن والم
...
-
الإعلان عن النسخة الثالثة من «ملتقى تعبير الأدبي» في دبي
-
ندوة خاصة حول جائزة الشيخ حمد للترجمة في معرض الكويت الدولي
...
-
حفل ختام النسخة الخامسة عشرة من مهرجان العين للكتاب
-
مش هتقدر تغمض عينيك “تردد قناة روتانا سينما الجديد 2025” ..
...
-
مش هتقدر تبطل ضحك “تردد قناة ميلودي أفلام 2025” .. تعرض أفلا
...
-
وفاة الأديب الجنوب أفريقي بريتنباخ المناهض لنظام الفصل العنص
...
-
شاهد إضاءة شجرة عيد الميلاد العملاقة في لشبونة ومليونا مصباح
...
-
فيينا تضيف معرض مشترك للفنانين سعدون والعزاوي
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|