ناجي الغزي
الحوار المتمدن-العدد: 2570 - 2009 / 2 / 27 - 09:06
المحور:
ملف: الانتخابات والدولة المدنية والديمقراطية في العراق
الوعي السياسي هو ادراك الفرد لواقع مجتمعه ومحيطه الاقليمي والدولي, ومعرفة طبيعة الظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي تحيط به, ومعرفة مشكلات العصر المختلفة, وكذلك معرفة القوى الفاعلة والمؤثرة في صناعة القراروطنياً وعالمياً. والوعي السياسي هو طريق الفرد لمعرفة حقوقه وواجباته في كل الانظمة الديمقراطية أوالشمولية. والمجتمعات التي تنوي التحول من النظام الدكتاتوري الى النظام الديمقراطي بحاجة الى منظومة من المعارف السياسية التي تتضمن قيم وأتجاهات سياسية مختلفة, يستطيع من خلالها الفرد التعرف على الظروف والمشاكل التي تحيط به محليا وعالمياً, ويحدد مكانه وموقفه منها والمساهمة في تغييرها أو تطويرها. ولذلك يحتاج الفرد الى رؤية سياسية واعية وشاملة بالظروف والازمات التي تعتري المجتمع, ليكون مدركاً لمسؤليته وناقداً للسلوكيات الخاطئة التي تمارس من قبل السلطات الحكومية.
والمجتمع العراقي شهد تطورات ومتغيرات متسارعة في منظومة القيم, بعد سقوط النظام الدكتاتوري البائد، وتلك التطورات طالت مختلف مناحي الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، لتؤكِّد ضرورة متابعة مجريات وتغيرات الحياة اليوميَّة، ومدى تأثيرها على المشهد السياسي بشكلٍ خاصٍّ، وما يتطلَّبُه ذلك مزيد من التعديلٍ والتطوير في منظومة الفكر البشري وأعادة انتاج الوعي السياسي .
ومفهوم الديمقراطية في العراق مفهوم غائم وغير واضح بسبب عدم توفر أسس ومسلتزمات البناء الديمقراطية. لان التحول والبناء الديمقراطي يتطلب تنسيق ثقافي وسياسي في أنماط السلوك والعلاقات بين الدولة والمجتمع وبين مختلف القوى السياسية والاجتماعية وبين الأفراد والجماعات .
والديمقراطية ليس فقط مجموعة من الأفكار والمبادئ تكتب في نص الدستور, وإنما هي ممارسة وسلوك مجتمع متكامل لتلك الأفكار والمبادئ والحقوق. لذلك يعتبرالوعي السياسي للمجتمعات هو الأساس في التطبيق الفعلي للديمقراطية. وأن أي أنخفاض في نسبة الوعي يهدد الديمقراطية كمفهوم وسلوك. وعلى الرغم من تطلعات الشعب العراقي الى بناء مجتمع ديمقراطي, إلا أنه يعيش حالة من التسطيح الفكري لمفهوم الديمقراطية. وهذا التسطيح ينعكس سلباً على الانجاز الديمقراطي البطئ في العراق الذي جاء من أجله التغيير. وتقع مسؤلية الوعي السياسي على عاتق منظمات المجتمع المدني وبالذات الاحزاب السياسية التي تساهم في بلورة الفكر السياسي لدى الشعوب. إن كانت تلك الاحزاب تحمل نضوج سياسي متكامل ومؤهلة لمسؤلية تصديرالوعي السياسي للمجتمع!! وأي بناء ديمقراطي يتطلب تجديداً مؤسسياً وثقافياً وسلوكياً لكل المنظمات السياسية والاجتماعية والثقافية في المجتمع.
أهمية الوعي السياسي
أن تكوين الوعى السياسى في المجتمعات المتقدمة يخلق تغيرات ثقافية وسياسية وأجتماعية كبرى وبالتالى يخلق تغيير فى الوعى السياسى للفرد. ومن أهم مصادر تمويل الوعي السياسي وسائل الاعلام المملوكة والمستقلة ومنظمات المجتمع المدني المختلفة, أضافة الى التثقيف الذاتي عن طريق القراءة والمطالعة للصحف والكتب والدوريات السياسية الشهرية والفصلية, والامسيات والمحاضرات. وتتسع قاعدة الوعي السياسي للفرد من خلال المشاركة والشراكة السياسية في المجتمع, كالانتخابات والاحتجاجات والتظاهرات والتصويت والاستفتاء وغيرها. وتلك الممارسات تمد الفرد بخبرات سياسية وفكرية تساهم في تنشئته السياسية والاجتماعية, وتقويم رؤيته وافكاره السياسية, وتخلق مناخات سياسية إيجابية وقيم إجتماعية ذات تأثير فعال على تنمية العمل الديمقراطية.
ولأهمية الوعي السياسي في المجتمعات النامية ديمقراطياً يعزز من رؤية الفرد لقضايا وطنه وأمته والظروف التي تأثر في المجتمع بصورة تحليلية واعية. والعراق اليوم هو أحدى الدول النامية ديمقراطياً, فهو بحاجة الى وعي ثقافي وسياسي شامل وواسع, لينظم من خلاله صفاته وأهدافه ويحرك مفاهيمه للديمقراطية الوليدة نحو الممارسة والسلوك في المجتمع. وتعبئة المجتمع ثقافياً وسياسياً يحصن الجبهة الداخلية الوطنية ويوحد صفها, ويقوي هيبة الدولة ويعزز دورالحكومة والقانون, ويفسر حالة المجتمع وظروفه. وأهمية الوعي السياسي في المجتمع يعد مطلباً لتحقيق الديمقراطية وتجذيرها في عمق المجتمع لتحقيق العدالة والمساواة , وكذلك يعمق معاني الانتماء والولاء للوطن. لان التنمية السياسية هي حالة أجتماعية ثقافية لايمكن ان تقوم بمعزل عن المجتمع .
وتنشيط الوعي السياسي في المجتمع له أهمية في تنوير بصيرة المواطن بحقوقه المدنية والقانونية والتزاماته الدستورية في المجتمع. ودائرة الوعي السياسي يجب أن تركز على شريحة الشباب لانهم أكثر ضرورة في تفعيل السلوك السياسي والديمقراطي في المجتمع. لكون الشباب طاقة كبيرة تساعد المجتمع في القضاء على ظواهر ومظاهر العنف والاكراه والاقصاء والتهميش. واللجوء الى لغة العقل والحوارفي كل الأزمات والتداعيات على أسس ديمقراطية. ودعوة الشباب من كلا الجنسين لاشراكهم في العمل السياسي يعزز دورالتجربة الديمقراطية في ميادين العمل السياسي والاداري من خلال توليهم مناصب قيادية في الدولة. وتعزيزالثقة والايمان بتلك الشريحة الواعدة ينظم العمل السياسي في الأطرالديمقراطية للمجتمع .
غياب الوعي وآثاره السلبية
إن غياب الوعي السياسي له آثار سلبية على بناء المجتمع سياسيا وديمقراطياً, وكذلك يفقد الرؤية الواضحة لنضوج المجتمع سياسياً وثقافياً, ويجعل قيم الحياة تنهار وتفقد توازنها وبريقها من فضاء المجتمع. وأن أي تراجع أوضمور في مسيرة بناء الوعي السياسي يعطل دور المجتمع ويطفئ جمرة العقل البشري. وفي ظل غياب الوعي لايمكن لأي شعب أو مجتمع التعرف على واقعه ورصد مواطن القوة والضعف والعوامل المؤثرة فيه. وبذلك من الصعوبة جدا التكهن بتداعيات الظروف السياسية التي تحيط بالمجتمع, وذلك بسبب عدم فهم أسلوب اللغة السياسية المثالية التي يستقرء بها العالم المتحضرلأحداثه السياسية .
وأن التناقضات والانقسامات والاحتدامات التي تعيشها معظم القوى السياسية العراقية داخل تنظيماتها وخارجها, التي تركت ظلالها على الشارع السياسي. سببها هو عدم قدرة تلك القوى على وضع خطط ستراتيجية مناسبة لتطويرعلاقاتها السياسية وتحريك أجوائها السياسية الراكدة. وربما تعمل بدون قصد لنحر نفسها بتقديم المشارط على طبق من ذهب للجهات المعادية للعملية السياسية الجديدة بسبب ابتعادها عن مفاهيم العمل السياسي الديمقراطي. والكثير من القوى السياسية تخطط للمواجهة مع خصومها في زمن التحول الديمقراطي بأدوات بدائية واساليب بدوية, ولذلك تقع في مصيدة القصوروالاختراق الفكري والسياسي مما يشوه صورتها ويضعف من أداءها السياسي وينسف تاريخها ويقلل من تجاربها. وأن السبب الرئيسي لتلك التداعيات التي تثير الكثير من العواصف السياسية داخل المؤسسة الحكومية والحزبية وبين القوى السياسية المتشاركة, هو عدم وجود وعي ونضوج سياسي يرتقي الى مستوى الفهم الحقيقي للديمقراطية كمفهوم وكممارسة داخل الاحزاب وخارجها. مما ينعكس ذلك سلباً على المجتمع الذي يعتبر صدى الأحزاب والمنظمات الجماهيرية, ويساهم في تكريس غياب الوعي السياسي لمفهوم الديمقراطية.
وأن غياب الوعي السياسي يضع الديمقراطية الواعدة في خطر, ويفتت مفهومها ويفقد سلوكها السليم, ويضيع الفرص المناسبة على الشعب العراقي للالتحاق في صفوف الدول المتقدمة ديمقراطياً, فلابد للقوى السياسية الاهتمام بالوعي السياسي لانجاز مشروع الديمقراطية في العراق وتعزيز مفهومها بشكل صحيح. وان مسؤلية الوعي تقع على عاتق الاحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني والوسائل الاعلامية والبرامج السياسية الناجحة. فلابد للمجتمع أن يدرك أهمية وقيمة الوعي السياسي وسبل تكريس حالة الوعي لمفهوم الديمقراطية , ومساندة الاصوات والقوى السياسية التي تنادي بالاصلاح السياسي وتطوير المجتمع العراقي ديمقراطياً, وتحريك عجلته السياسية والديمقراطية من الركود والتحجر الذهني الى الانفتاح الفكري السياسي والثقافي, وذلك من خلال تطبيق مفهوم الديمقراطية باساليب وأدوات حديثة تتناسب مع مقاييس الفهم الدولية, وتنسجم مع منظومة المجتمع العراقي الأخلاقية والثقافية والتاريخية والدينية.
#ناجي_الغزي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟