|
القصة القصيرة
عبد الغفور خوى
الحوار المتمدن-العدد: 2570 - 2009 / 2 / 27 - 09:08
المحور:
الادب والفن
الإهـــــــــــــــــــــــــــــــداء
إلى: إبني أشــــــرف. إلى: كل الذين أحبهم، إني أعرفهم
وتقدير خاص ل: زهير فخري.
لماذا نكتب؟
هو الحكي المر. مر مذاقه كطعم العلقم، لكن لماذا نكتب؟ لماذا نعتقل أنفسنا في مغارات معزولة ومتربة، ونضغط على أعناق الأقلام ليسيل دمها مدادا أسود على أديم البياض؟ الكتابة نوبات ألم،تجتاحك كالطوفان في اللازمان واللامكان. ولا تعطيك خيارا آخر سوى أسر القلم والقرطاس. الكتابة ركن من أركان الوجود تسافر كالأعاصير على ضفاف الذاكرة،تشعل مواقدها في دواخلنا فتحيينا. وعندما نحيا نتذوق طعم وجودنا. وجودنا المالح كمذاق العرق في يوم قائظ. نرتكب القصائد، نقترف النصوص لنرغم القمر على مغادرة كهفه المظلم ثم ندحرجه ككرة ثلج ليكبر ومعه تكبر آمالنا لنواصل الكتابة. الكتابة امتداد للروح. تصْلب الكلمات، تغتال البيان لتعبر في صمت عن أصل الوجود وتعمق فينا الإحساس بالأمل لنواصل الكتابة.
عبد الغفور خـــوى(ابن جرير:خريف2008)
حرقة الكتابة
وأنا اختلي بنصوص الصديق/ الأستاذ/ الفنان التشكيلي،والشاعر عبد الغفور خوى، وأمارس عليها نوعا من اللصوصية لعلها تكشف عن أسرارها. نصوص تنم عن هوس داخلي، عن ضيق يكاد يخنق دواخل الكاتب العاشق للحياة. نصوص تتشعب تضاريسها، تحلق فوق فضاءات متنوعة: البادية، المدينة..... لتبحث لنفسها عن وهج في هذا الزمن الأغبر، هذا الزمن المثقوب الذي وصل حد التعفن والتقيح، فتتساقط أوراقه كتساقط أوراق الشجر في فصل الخريف، وإن كانت ثمة مفارقة كبيرة بين الشجر وهذا الزمن: فالشجر يحمل بذور الأمل، ويستطيع استعادة أوراقه. أما هذا الزمن فلا. ورغم ذلك يظل صاحب النصوص متسلحا بخيط من الأمل، بل يرى في نصوصه سبيلا للحياة، فبها يحيى ويرسم آفاقا شاسعة. إنها نصوص إبداعية يحضر فيها المحلي ليمتزج بالوطني والقومي وليمتد إلى الإنساني.... إنها عبارة عن فراشات هاربة.... حلم يستجيب لمكبوتات كامنة زمنا طويلا في دواخل الكاتب، تنتظر الفرصة لتخرج إلى عالم الوجود لتنحت لنفسها مكانة في عالم التاريخ. نصوص عبارة عن لوحات تشكيلية مادتها اللغة العربية، تفاعلت ألوانها وقدمت صورا ونماذج عن إنسان يحترق في زمن رديء باحثا عن خلاص. نصوص يحيى شخوصها حيوات متباينة ومتناقضة، لكنها تشدها إلى بعضها البعض خيوط خفية تلتقي كلها حول هدف واحد. إنه عشق الحياة، والإصرار على البقاء.
ذ:عبدالله نجباح
القــــــاص
.
أصبحت تعتريه حالات يخلو فيها لذاته، لم يعد يطلب اللجوء العاطفي إلى حضنها أو يتطهر بأنفاسها كما كان. أصبحت زوجته تشك في تصرفاته: هل يقترف الحب في حق امرأة أخرى؟ ذات أصيل تعقبت خطواته: وجدتهما معا رأسا لرأس. كانت قصيرة جدا لكنها كانت قادرة على تحمل قلقه. كان متلبسا بكتابة قصة قصيرة.
من يوميات السي أحمد
تحسس السي أحمد جيب قميصه الذي كان أسودا فصيرته أشعة الشمس رماديا،ليطمئن على ورقة نقدية كان قد بذل مجهودا كبيرا لتوفيرها. السي أحمد رجل في الخمسينات من عمره،شكل وجهه دائري ولونه ترابي،له لحية نصف محلوقة بشكل دائم،شعيراتها بيضاء. صلبة كأشواك الصبار. أهل القرية يفضلون مناداته ب "حميدة" لخفة حركاته وتواجده في عدة أمكنة في أوقات متقاربة، بعض أقرانه يسمونه ب "العجاج" وهو اسم قديم لا يعرف سكان القرية ما هو مصدره. نظرت إليه السعدية بوجه مقطب وحاجبين أحدهما مرتفع و آخر منخفض، وقبل أن تتفوه بكلمة واحدة فهم السي أحمد ماذا تريد منه:فهما متزوجان منذ مدة طويلة، فكيف لا يقرأ قسمات وجهها بسرعة ولا يستجيب لنبضات قلبها قبل أن تتكلم. السعدية امرأة في سن الخمسينات أيضا، لكنها تبدو أكبر من سنها. تفسر السعدية ذلك بتوالي نوائب الزمن وبعض المشاكل التي غالبا ما يتسبب فيها السي أحمد. "هه....تريدين تذكيري بأن اليوم هو يوم السوق" قال السي أحمد . ثم أضاف بافتخار كأنه أحرز نصرا ثمينا."لا لا تخافي فزوجك ياعزيزتي كما تعرفين، دائما يحتفظ بالدرهم الأبيض لليوم الأسود، هيا أسرعي، هات السلة الكبيرة." ركب السي أحمد دراجته العادية، إنها قديمة جدا. اشتريتها عام البون. هذا هو الجواب الذي كان يردده السي أحمد عندما يسأله أحد من أهل القرية عن عدم توفرها على مكابح. لا بد أن السعدية ستكون مسرورة جدا هذه الليلة، سأشتري كل ما تشتهيه، إنها تحب العنب والباذنجان هه هه ...ستكون راضية عني تمام الرضا. هذا ما دار بمخيلة السي أحمد ليجد نفسه أمام الجزار فخاطبه: ـ أريد كيلوغراما من لحم الخروف، من هذا الضلع بالضبط. لف الجزار اللحم بعد وزنه في ورق ثم وضعه في كيس بلاستيكي وناوله للسي أحمد قائلا: ـ مائة درهم السي أحمد. دس السي أحمد يده في جيب قميصه الذي كان أسود ثم صار رماديا، وأخرج ورقة لونها أصفر فاقعا كتب عليها: "إن لم تحضر في وقت السفر لن تقبل منك شكاية".
المطر الأحمــــــر
المطر الأحمر يتساقط على المدينة، ثم يتحول نخيلا بلون الرماد،يتصاعد، يتسابق، يتعانق ثم يمد جذوره في عمق الطين الصلصالي. الناس يجوبون الدروب الطويلة والملتوية. وجوههم متشابهة كالمثلثات. ليس لهم أفواه، لهذا فهم يتجولون صامتين كالقبور... إلا واحدا. فهو لا يشبههم، له وجه مستدير شديد الغلظ وفي عينيه بلادة وحركة، رقبته قصيرة وأصابع يديه منتفخة كأثداء كلبة، يرتدي زيا عسكريا، وحده يستطيع أن يصرخ. أطفال المدينة لا يلعبون ، فالمطر الأحمر جعلهم يؤجلون شغب الصغار إلى أجل غير مسمى .الممرات تزداد ضيقا، رائحة الدروب لها طعم البارود، الطيورالكبيرة تتراءى في خط الأفق، تعود إلى أعشاشها البحرية آمنة. صاح في وجهي صاحب الوجه المستدير: ـ قف، قف. من أنت؟ ـ أنا صابر إسمي صابر. ـ من أين جئت؟ ـ من حقول الزيتون . ـ إلى أين تمضي؟ ـ إلى حقول الزيتون. ـ وما قصتك؟ ـ المطر الأحمر قصتي ، أوقفوا هذا المطر الأحمر.
حوار مع المتنبي
الوقت مساء ،شمس الأصيل تنزلق كد معة حمراء.المكان : مدينة ما من مدن الملح ،شرق المتوسط أو غربه لا أعرف ...المهم الآن هنا في عالم بلا خرائط. سكان المدينة يسيرون بسرعة نحو منازلهم أونحو المقاهي ذات الواجهات الزجاجية:فالرذاذ المسائي أرغمهم على ذلك،رائحة التين المختمر تملأ المكان. سأسير على هذا الرصيف الطويل الطويل إلى آخر العتمة لأستأنس بفراشات الليل عندما تحط على نبات الحبق وعطر البنفسج عندما يراوده نسيم ما بعد منتصف الليل . بعد خطوتين ووردة ذابلة سمعت صوتا يناديني : - صابر صابر أنت صابر؟ - نعم أنا صابر،من أنت؟ - أنا المتنبي ...أبو الطيب. - ماذا تريد يا أبا الطيب ؟ - أريد أن أمزق سكان مدن الملح إربا إربا.قال ذلك واستل سيفا مهندا من غمده . - لماذا يا أبا الطيب؟ - لأنهم لم يتركوا في هذه المدن مكانا لارتكاب القصائد وعشق الندى في الساعات الأولى من الصباح، والخيل والليل لم تعد تعرف الشعراء. - لالا يا أبا الطيب لم يعد سيفك يجدي نفعا.ألم تعرف أن الكوفة التي كان فيها أبوك سقاءا قد قصفت بالنابالم؟ - وما النابالم؟ - سلاح أفتك من سيفك صنع في أمريكا. - وما أمريكا؟ - إقليم في مكان ما على أديم الجغرافيا،لكنه في كل مكان. انفرجت أسارير المتنبي وبدا كأنه ارتاح لحديثي ثم سألني باستغراب: - وما الحب عندكم؟ - أنشودة للذين يصعدون لحتفهم باسمين. - وما السياسة؟ - تراكيب في أقاصي الكلام. - وما المرأة؟ - تضاريس جسد للروح. - وما التاريخ؟ مكان للتبول الإرادي عند الكبار. أعاد المتنبي سيفه إلى غمده ونظر إلي بتمعن ثم ابتلعته الدروب.
رواد المقهــــى
تستقر مقهى" الأمل" في الزاوية الحادة للشارع. لها واجهتان زجاجيتان تجعلانها تشبه حوض السمك.خالد النادل بقامته القصيرة ولونه الترابي دائم الابتسامة. تلفاز المقهى مستقر على قناة ANIMAUX وبدون صوت:ربما لأن رواد المقهى كثيرو اللغط أو أن خالد لا يفهم اللغة الفرنسية. السي خليفة أحد زبناء المقهى، شيوعي قديم يأتي للمقهى في الصباح الباكر بربطة العنق ومعطفه الأخضر، يحب الحديث عن الإتحاد السوفيتي السابق وعن الثورة وأركان الإسلام، لكنه غالبا ما يغافل خالد ويختفي دون أداء ثمن قهوته السوداء. في الركن الأيسر من المقهى تتحلق جماعة من الرجال بشكل يومي وفي نفس التوقيت تقريبا،يتجاذبون أطراف الحديث عن خيول السباق. يمارسون هذه اللعبة بهوس منذ سنين. يدخنون التبغ الرخيص ثيابهم ليس لها لون محدد، يبدو أنها من سوق الملابس المستعملة مما يدل على أنه لم يسبق لأحدهم أن ربح أي رهان، لكنهم عازمون على مواصلة المسار. في الركن الأيمن من المقهى وبالضبط بجانب الثلاجة الحمراء،تتكوم جماعة أخرى من لاعبي الشطرنج.يتحلقون حول السنفوري. السنفوري شاب ثلاثيني لكن لحيته اشتعلت شيبا قبل الأوان حتى بدت كجزة صوف قديمة، يتحدث بصوت عال حتى وإن كان مخاطبه لصق جنبه. إذا تأخر السنفوري عن القدوم إلى المقهى فإن المكالمات الهاتفية تنهال عليه من جماعة الشطرنج كحبات المطر مما يسبب إزعاجا لزوجته في كثير من الأحيان . عندما ينتصر السنفوري على أحدهم في لعبة الشطرنج فإنه يحتفل بطرق بدائية:يزغرد أو يردد أغنية شبقية قديمة. هذا السلوك غالبا ما يقلق خصومه في اللعبة ويعمق من إصرارهم على معاودة اللعب معه حتى النصر وخصوصا البودالي الذي ينزح من ضواحي المدينة من أجل ذلك. البودالي يلعب الشطرنج بتلذذ، يعاشر الرقعة بإخلاص زائد. ما يقضيه من وقت في مغازلة اللعبة أطول مما يقضيه صحبة أبنائه. سكان المقهى يقبلون بشراهة على التدخين والقهوة السوداء، يمارسون الأمل بلا هوادة، يطاردون الثروة. إنها أمامهم على مرمى بصر، يجرون وراءها على صهوات خيول السباق. والآخرون يمارسون لعبة الإنتصار:ينتصرون على بعضهم بعض فيحسون بالانتشاء. في المساء يغلق خالد المقهى فتتبخر الثروة كالدخان ويغادر المراهنون بعد أن يسرق أحدهم جريدة "الصباح"أو"المساء" من المقهى ويدسها تحت إبطه ويختفي. ثم يتصالح الشاه الأبيض والأسود في كيس بلاستيكي فيفهم السنفوري انه لم ينتصر.
عابرون
وقف على حافة الرصيف.يريد أن يعبر إلى الجهة الأخرى لشارع الحرية الذي يفصل المدينة إلى شطرين.السيارات و الشاحنات نهر من الحديد يتدفق عبر مسام المدينة.انتظر طويلا، دام انتظاره زمنا لم يستطع تقديره، تراكم الناس خلفه.أحس بذلك عندما داهمه صدر نافر لإمرأة طويلة ،في جيدها حبل من ذهب .تراجع خطوة إلى الوراء بغية التقدم خطوتين إلى الأمام.الحشد من ورائه عرقا ساخنا وأنفاسا مالحة،الفولاذ من أمامه هديرا صاخبا .تقدم ،تراجع،ثم خطى بنزقية نحو الأمام وبصره ملتصق بالواجهات الزجاجية لبنايات الجهة المقابلة.تبعه الجمع الغفير الذي كان وراءه.توقفت السيارات ،نفخ شرطي ذميم في صفارته بكسل واعترض طريقه. ـ أنت موقوف. ـ أنا لماذا سيدي؟ ! ـ لأنك تقود هجوما عبوريا نحو المعسكر الآخر. ـ وما المشكل سيدي؟ ألسنا كلنا عابرون في زمان عابر؟ في هذه اللحظة وصل إلى عين المكان عدد كبير من رجال الشرطة.صاح أحدهم ـ يبدو أنه كبيرهم ـ ملء حنجرته: ـ أيها العابرون :إسمعوا وعوا.حرم عليكم السفر والعبور والحلم والعشق وحب الندى ووجه القمر، فاجتنبوا ذلك لعلكم تفلحون. صاحت المرأة ذات الصدر النافر: ـ أنظر من حولك أيها الشرطي،أنظرمن الرمل حتى الرمل:العابرون من كل فج عميق،يتدفقون على بوابة التل وعلى هيكل السيناتور. صاح الذي يبدو أنه كبير الشرطة بغضب: ـ قلت أوقفوا هذا العبور الآن الآن لأنه في الإتجاه المعاكس. حينها قال شيخ من الحشد: ـ إنهم يريدون منا أن نعبر في الإتجاه الذي يشتهون لأنهم يخافون علينا من الإختلاف :ففيه ضعفنا وتفرق كلمتنا.هكذا يريدوننا. كانت المساحات الزرقاء في السماء قد بدأت تضيق ورائحة المطر تعبر المكان. توقف العابرون، انسحب رجال الشرطة، واصلت السيارات طريقها عبر شارع الحرية.
مجمر السعدية
وضعت السعدية في "مجمرها الجديد" بعض الحشائش اليابسة وروث الحيوانات،أضرمت النار،وأخرجت من كمها ورقة كان الفقيه السي عبد النبي قد كتب عليها حروفا ورموزا،ورسم خطوطا على شكل شبكة للكلمات المسهمة ،وطلب من السعدية أن تقوم بحرقها يوم الخميس قبل صلاة العصر مع قليل من "الشبة والحرمل"وجزء من ثوب كان السى عباس زوجها قد استعمله . السي عباس أصبح قاسيا في تعامله معها في الأيام الأخيرة،لذلك يجب أن يعود إلى الصراط المستقيم .ما سر هذه القسوة؟تساءلت السعديةبحيرة، ألم تقل لي طامو زوجة الرباع "أن السي عباس عندما صافحها يوم أمس ضغط على يدها بطريقة شبقية ؟ألم تقل لي "الشوافة" أن السي عباس "تابعاه المرا الطويلة البيضة مولات الخال"؟ السي عباس رجل في الخمسينات من عمره ،له وجه مستطيل حفرته التجاعيد حتى أصبح كأنما مرت فوقه عجلة سيارة.أشعة الشمس صيرت لونه كلون الصدأ.عندما يضحك تظهر داخل فمه بقايا أسنان متباعدة ورمادية من فرط تدخين" الكيف" والتبغ الرخيص. في ذلك الخميس كان السي عباس عائدا من عمله يحمل على كتفه فأسا ،بعد يوم عمل شاق في حقل الزيتون. ماكاد السي عباس يقترب من الدوار حتى رأى ألسنة اللهب تلتهم كوخه ودخانها يتصاعد نحو السماء،وزوجته السعدية تصرخ ملء صوتها "وااااعتقوا الروووووووح اعباد الله " لقد فقدت السعدية السيطرة على مجمرها.
حلم
العصافير تردد أنشودة الربيع.تنتقل من غصن لآخر برشاقة.أغاني الرعاة تصل متقطعة من وراء الروابي.المزارعون يعملون بمرح طفولي في بساتين القمح والذرى. المارة يتبادلون التحايا بوجوه بشوشة.تكاد البراءة تطيرمن عيونهم . حاكم القرية يطوف بين الأ زقة لتدوين حاجيات الناس البسطاء.انه يلبي كل الطلبات تقريبا ولا يظلم عنده أحد. على الشاطئ القريب يجلس عاشقان فوق صخرة صماء تنكسر عليها أمواج البحر.يتجاذبان أطراف الحديث عن أشياء تخصهما.لاأحد يهتم بوجودهما . الناس في هذه القرية يحبون بعضهم بعضا. يتعاونون في السراءوالضراء.ينتخبون حاكمهم كل سنة إبان موسم الحصاد.لايفكرون في مغادرة موطنهم .فهم لايحتاجون لأي شيء:التطبيب بالمجان.التعليم بالمجان.كل حقوقهم محترمة على التل المجاور يدغدغ الفلاحون الأرض بمحاريثهم.من شقوق الأكواخ تنبعث رائحة القهوة.إنها بالفعل قهوة أمي الصباحية التي جعلتني أستيقظ.
الحريــــــــــق
في ذلك الربيع لم يزهر الليمون، لم تمطر السماء، لم ترحم الأرض سكانها. في ذلك الربيع رقصت الأجساد في حفل من النار، تآكلت الهياكل تدريجيا بصدأ أحمر. كنت على حافة الإنهيار وأنا أنظر إلى نخيل رمادي يكبر بسرعة ليضيع في غياهب السماء. ما كان الوقت ربيعا ولكن كان أجساما تعانق لهبا، تغني أنشودة الموت الأخيرة تتسلل من كل النوافذ: فكل النوافذ تؤدي إلى روما أيام حكم نيرون فيها إلا نافذة واحدة، لكنها كانت مغلقة. سكان ما وراء النوافذ منخرطون في حفلهم الأخير، يرقصون على أنغام موسيقى بطعم الدخان وصيحات آخر الباحثين عن كسرة خبز حلال. على حافة الجمجمة حط طائر أبيض وبدأ يصيح ملء صدره: ليس الموت هو الصعب يا أهل المحرقة، بل الحياة بلا كرامة يا أهل المحرقة.
الفياق بكري
استيقظ السي العربي باكرا كعادته ،فرك عينيه الناعستين وتثاءب عدة مرات واضعا يده على فمه كأنما يريد إخفاء ما تبقى من أسنانه . ما أجمل أن يستيقظ الإنسان باكرا !.فالطقس هادئ والنسيم عليل والسكون يخيم على القرية الصغيرة .ترى لماذا لا يستيقظ الناس باكرا؟ لكن حتى وإن فعلوا ذلك ماذا سيصنعون؟عديدة هي الأسئلة التي دارت بمخيلة السي العربي وهو يراود سيجارته الأولى عن نفسها ،لكنه دائما يعجز عن العثور على جواب مقنع. لقد كانت أمه توصيه دائما بأن" الفياق بكري بالذهب مشري" لذلك واظب السي العربي على الإستيقاظ باكرا منذ حوالي أربعين سنه،لكن دون فائدة:فالصباحات العربية تتشابه في هذا الزمن الردئ. تنحنح السي العربي وأدار زر مذياعه الصغير.رافقه هذا المذياع كظله منذ أيام الدراسة :فهو يستأنس به في خلوته لأنه لم يعد هناك أصدقاء أوفياء يمكن الركون إليهم ساعة الشدة .ياله من زمن ملعون أصبح فيه الإنسان يربط علاقات حميمية مع أشياء تافهة !انتبه السي العربي بعد إنبعات صوت من مذياعه يشبه النعيق :إنه صوت مغنية عربية شابة وحدت الأمة العربية بسهراتها وحب الملايين لجسدها الإصطناعي وتغنجها ودلالها.تأفف السي العربي ولعن كل الأغاني الرخيصة ثم ترحم على أم كلثوم . حاول السي العربي أن يبدأ يومه بشيء أجمل من هذا الصوت،فا تجه نحو جهاز التلفاز.ضغط على الزر وبدأ رحلته المعتادة من فضائية إلى أخرى:فالهجرة عبر الفضائيات أمر هين لا يحتاج لوثائق ثبوتية.توقف السي العربي عند قناة إخبارية عربية .أطل عليه من وراء الشاشة وجه نسائي طلي بأصباغ من عدة ألوان.يبدو أن صاحبة الوجه حاولت قدر المستطاع إخفاء آثار مسغبة قديمة كانت قد ألمت بها في زمن ما، وتحمل على كتفيها شعرا حريريا قص بعناية، لونه قمحي لإخفاء سنها الحقيقي لكن صدرها نصف العاري والمترهل ينوب عنها في قول الحقيقة. بابتسامة متكلفة ووجه متكلس سردت المذيعة أخبار الصباح بسرعة كأنما تريد التخلص من عبء ما "سيداتي سادتي أدى القصف الإسرائيلي العشوائي الى استشهاد طفلة في عمر الزهور.أما في العراق فقد قصف الطيران الأمريكي حيا سكنيا مما أدى الى استشهاد عائلة بأكملها.دمتم في رعاية الله وأطيب المنى". تنهد السي العربي وقال "الصباح لله" الآن فهمت لماذا لايستيقظ الناس باكرا. أبودينـــــــــــــــــار
اسمه أبودينار. له وجه مستدير تحيط به لحية سوداء حتى بدا وكأنه يطل من داخل عجلة عربة. لحيم الجبهة، رقيق العنق، غليظ الأنف. أبو دينار كثير الكلام في أمور الدين ونواقض الوضوء، يهذي بخرافات يسميها علم التفسير، قليل التفكير سريع التكفير،يحرص بشدة على ضرورة الطهارة إذا تبول أو تغوط أو مس أشياءه. يطيل النظر في الصدر إذا أقبلت هيفاء وفي الأرداف إذا أدبرت بضة بيضاء. يكثر من البسملة أثناء الحديث وعند الفسو والتضرط ، يتلو الأذكار ، يحب السواك يوم الإثنين ، ويوم الجمعة الكسكس بالسمن والبهار. سألت يوما أبا دينار عن أمريكا، قال كافرة، وعن المرأة قال سافرة، وعن الطرب قال أم الكبائر، وعن الديمقراطية قال بدعة، وعن المساواة قال فتنة، وعن الحب قال رجس من عمل الشيطان، وعن حظه من التعلم قال أعوذ بالله من الشيطان.
محاكمة
يخيم السكون والأسى على قاعة المحكمة .الحيطان بلون الصلصال، الكراسي بلون البلح، رائحة العرق والعفونة تملأ المكان. في الواجهة الأمامية يجلس ثلاثة أشخاص بزي موحد.يتوسطهم رجل له أنف غليظ رأسه صغير.ردئ الشكل له صلعه مشعة يحيط بها شعر أشعت فبدت كمؤخرة قرد.على اليمين صف للرجال وعلى اليسار صف للنساء وبينهما شرطي يتبختر بكسل. يتوسطهم رجل بجلباب قصير ومخطط بالأبيض والأسود بشكل عمودي. صرخ صاحب الأنف الغليظ : ـ أنتم متهمون بتكوين عصابة مسلحة والهجوم على قواعد عسكرية للغير وقتل أجانب منهم ضابط بدرجة جنرال. قال صاحب الجلباب القصير: ـ لقد صدر في حقنا حكم بالنفي في العشرينات من القرن الماضي.ماذا تريدون منا صاحت امرأة شقراء من الضفة الأخرى للمحكمة: ـ يحيا العدل أجاب شيخ من صف الرجال ـ يموتون ثم يموتون لكي لا يموتوا. ضرب صاحب الأنف الغليظ على الطاولة آمرا بالهدوء ثم قال بنبرة المنتصر. ـ إذن أنت تعترف بالمنسوب إليك ـ نعم رد صاحب الجلباب القصير. ـ حكمت المحكمة عليكم بالنفي من الوطن أحياء ثم أمواتا مع النسيان الشاق هكذا صرح صاحب الأنف الغليظ. صاحت شابة من صف الرجال: إني حامل. رفعت الجلسة.
المهاجرون
كانت جماعة من الرجال تتقادفهم أمواج البحر غرب المتوسط ،في منطقة وسطى بين الحب والكراهية ،بين العقل واللاعقل،تراودهم أنوار الشمال عن نفسها. رجال بملامح غير واضحة:فالرذاذ يطوف في الفضاء والظلام يحجب الرؤية. على حافة المركب ،وقف شاب ثلاثيني وجهه بلون أوراق الأشجار اليابسة،فمه بدون شكل حتى بدا كجرح قديم، على أديم وجهه شعيرات متباعدة وواقفة كالإبر. صاح الشاب ملء حنجرته: ـ لماذا تكرهوننا؟ لماذا تطردوننا من بيوتنا؟قال ذلك وهو ينظر إلى الضفة الجنوبية للمتوسط. قال شاعر من الجماعة: ـ يطردوننا لأننا اقترفنا الحب في حق عشب أرضنا عندما يبلله الندى، في حق رائحة الخبز في الصباح الباكر، في حق هذا الفضاء الواسع الذي يسمى الوطن، يطردوننا لنموت مجانا في مكان ما كما تموت القطط الشاردة. صاح شاب آخر له وجه قاس وبدائي، يحمل ندوبا قديمة، يبدو أكبر من سنه نظرا لفقدانه لأسنانه حتى بدا فمه كمؤخرة بغلة: ـ الله يلعن دين أمهاتكم أيها الأوغاد، أيها اللصوص، يا أبناء العاهرات، سأشنقكم بأربطة العنق ذات يوم لم تشرق فيه الشمس لن أرحمكم، ليس لذي قلب…لا لذي قلب لكنه مليء بالقيح والصديد، ثم أخرج إحليله وبدأ يتبول موليا وجهه شطر الجنوب. قال رجل ملتح: ـ استغفر الله العظيم، استغفر الله العظيم من كل ذنب عظيم. في اليوم الموالي قالت إذاعة جنوب المتوسط:لفظ البحر صباح اليوم العديد من الجثث لمهاجرين سريين.
الملهـــــــــــــــــــى
المكان شبه مظلم،الأضواء خافتة،رائحة النبيذ تمتزج بدخان السجائر ورائحة المراحيض فيصبح لها طعم هجين يؤجج الارتباك. في وسط القاعة أجساد بشرية ترقص على إيقاع ضجيج منظم يشبه تلك الموسيقى التي كان يترنم بها البدو في غياهب صحراء الجزيرة العربية. الأجساد لها نفس التضاريس تقريبا:للبنات نهود نافرة كالأحصنة،وللفتيان شعور حريرية ناعمة وخدود وردية أضيفت لها مراهم فصارت كالكريستال .كل رواد المكان يرتدون ملابس شبقية تبرز لحما أبيض متوسطا.الأجساد في معرض جماعي هائل. اقترب مني جسد برونزي مكتنز ومتصلب كالثمتال،لم استطع تبينه،ذكر أم أنثى.ضغط على معصمي بغنج ودلال ثم ابتسم بتكلف وقال: هيا لماذا لاتنخرط معنا في حفل الرقص؟ أجبته:إني لاأتذوق هذا الشيء الذي يطربكم. رد بخبث واحتقار: كم أنت متزمت ورجعي. قال ذلك ثم اختفى وسط الجموع الراقصة.
أحلام
اسمها أحلام . قصيرة القامة، لها وجه موغل في النقاء كقطعة ثلج، في العشرينات من عمرها، لكنها تبدو أكبر من ذلك بقليل. لها شفتان شهيتان ، عندما تزمهما يتشكل خاتم وردي على وجهها . لها نهدان صلبان يدفعان قميصها نحو الخارج بعناد. أحلام: فراشة ليلية تتاجر في سوق اللذة مع رجال ليلين أيضا.يبدؤون زحفهم نحو ملاهي المدينة مع بداية قدوم كل ظلام. ترافقهم إلى مخادعهم السرية ليتآمروا على ثقة زوجاتهم أو ينتقمون منهن . أحلام فتاة طارئة في زمن طارئ .تغتال العنفوان فيها بتؤدة . تؤجل أحلامها باستمرار، لكنها لا تؤجل زبون اليوم إلى الغد .فللغد زبون آخر،لأن للجوع وجه قاس ، وله حضور متسم بخاصية الخلود . أحلام فقدت التواصل مع تضاريس جسدها الذي أصبح له طعم البلح القديم، وأصبحت تكره الرجال والكلاب والغلاء ورائحة الندى بعد منتصف الليل وتخاف البوليس وزحام الأوتوبيس وكل ما يفعله إبليس. لكن أحلام تريد أن تعيش وفي قلبها لا تزال مساحة للحب.
عندما تغادر العصافير أقفاصها
"ما الحياة دون حرية ياماريانا...؟ قولي لي: كيف أستطيع أن أحبك إذا لم أكن حرا؟ كيف أهبك قلبي إذا لم يكن ملكي؟ " الشاعر الإسباني: لوركا
فتح القفص: العصفور الأول: عصفور أبيض أطل برأسه. تحسس المكان كأنما يتوقع هجوما مباغتا. خرج من القفص: حرك جناحيه، يريد أن يجربهما، فهو لم يستعملهما منذ مدة. رنا نحو الأعلى، فالعصافير تحب الصعود نحو الأعلى، لكنه عصفور خارج لتوه من السجن، فقد غريزة التطلع إلى الأغصان الخضراء والطيران فوق الحقول والبساتين. حرك جناحيه مرة أخرى، لم يستطع التحليق، حاول أن يمشي، لم تطاوعه ساقاه. نظر إلى الخلف، عاد إلى القفص. العصفور الثاني: له منقار معقوف،رأسه أصغر من الأول وشكله مختلف. خرج بدون توجس، نفش ريشه، حاول أن يحلق، لم يستطع لكنه مشى. فالسير أضعف الإيمان بالحرية لأنه يمكن العصافير من الابتعاد عن الأقفاص. العصفور الثالث: خرج من القفص. نظر نحو السماء، فيها غيوم تتقارب بسرعة لتغطي ما تبقى من زرقة السماء. أسرع الخطى. ضرب بجناحيه حلق، سقط، جرى ثم حلق مرة أخرى فطار بعيدا بعيدا وراء الغمام. أغلق القفص.
إبليــــــس
الطيور تسافر نحو الغرب في أسراب متتالية، الرجال يضعون أجسادهم على كراسي المقاهي المنتشرة كالفطر، ويتلصصون على سيقان العابرات.كعوب النساء تداعب الرصيف محدثة رنات متوازية كدقات القلب فتجعل مؤخراتهن ترتعد كسمكات خارجة لتوها من الماء. منازل المدينة تنمو نحو الأسفل، فتتوغل في الثرى، نوافذها ضيقة تلخص وجه السماء ببخل، ويصبح معها التطلع نحو الأعلى معكوسا. كان يذرع المدينة وحيدا، يمشي بتثاقل، من نخلة إلى نخلة، المساء القائظ يعمق فيه الإحساس بالكسل. بينما هو يخطو استوقفه شيخ ذو لحية بيضاء، وملابس بلا لون قائلا: ألم تعرفني، ألم تتذكر ملامحي؟ ! رد بعبث: ـ لا. ـ أنا صديقك القديم ، أنا إبليس. ـ آه كم تغيرت أيها الشيطان !لقد وهن العظم منك واشتعل رأسك شيبا، وتقوس ظهرك فأصبح كالهلال. منذ قرون لم نلتق، أين كنت ياصديقي؟ ـ في كل أقاليم الأرض. ثم استطرد:كنت أنشر السلام بين بني البشر وأعقد المصالحات بين الأعداء. ـ ومتى كانت الشياطين تصلح ذات البين ياإبليس؟ ! ـ إبليس مظلوم يا صديقي:فإبليس لا يملك دبابة ولا سيارة جيب. إبليس لا يسرق وجه القمر ولا يمنع نور الشمس في يوم دافئ.هم الذين يغتالون الأمل ويداعبون الغوايات ثم يلعنونني. فلا أنا انتهكت عرضا ولا خنت عهدا ولا غزوت أرضا، أعوذ بالله منهم.لقد تخليت عن مهمة الوسواس الخناس لفائدة بعض الناس.
المتحـول
صالح رجل طيب، لكنه مل آدميته، ففكر في التخلص منها، لأنها لم تجلب له سوى الضجر. فكر صالح في التحول إلى كلب: فالكلاب على الأقل تتميز عن بني البشر بالوفاء وتجاهر أعداءها بالنباح ولا تتآمر عليه خلسة. لكنه سرعان ما لبث أن عدل عن الفكرة لأن الكلاب لا تستحيي: فهي تمارس الجنس بطقوس جماعية، وهو لا يستطيع فعل ذلك، كما أنه لا يحب الهراش في الحدائق والساحات العمومية. وماذا عن الحمار؟ ! لو تحولت إلى حمار؟ هكذا تساءل صالح: فالحمارية لها خصلتا الصبر و التفاني في العمل. هه....سيقولون لي ياغبي . وماذا بعد؟ من قال لي يا غبي أقول له يا أخي. آه يبدوا أنهم على حق فالحمر أغبياء. لا ليس كلها: الحمر الوحشية هي فقط الغبية، وإلا لماذا لا تقاتل وحوش الغابة بشكل جماعي، فتشبعها ركلا بحوافرها القوية؟؟ وتتخلص من رعبها نهائيا. تسابقت الأفكار في مخيلة صالح كسرب من العصافير.إن الله قد كرم الإنسان، قال صالح ذلك ثم ضحك بصمت وتساءل: أهذا القتل والدمار والبطش والحرق هو التكريم؟ ! لا لا لابد أن أتخلص من هذه الإنسانية وأغير شكل وجودي ولو بقط شارد.إنه ليس على القطط الشاردة حرج، لكنها تقتات على القمامة وتقضي معظم أوقاتها تحت السيارات الواقفة، فلا ترى من العالم سوى الأحذية. وماذا أرى أنا ؟ هل أرى غير ذلك؟ فكر صالح في التحول إلى فراشة فغمره إحساس بالارتياح:فالفراشة تؤثث خضرة الربيع بألوانها الجميلة وتتذوق رحيق الأزهار بأرجلها وتعشق النور. عندما عبرت كلمة النور مخيلته قطب حاجبيه وتذكر أنه كل من يعشق النور مهدد بالاحتراق ثم طرد خيار التحول إلى فراشة من دماغه. أخيرا تخلى صالح عن فكرة التحول إلى حيوان لأن آدميته أحسن من ذلك بكثير. لكن رأيه استقر على التحول إلى شجرة : فالأشجار لا تنحني وتموت واقفة.
الإخوة الأربـــــــعـــة
كانوا أربعة إخوة: الأخ الأكبر: ذو لحية، لا تفارقه السبحة، يقبل بشراهة على الطعام والنساء. له مال وفير وذهب بكل الألوان وجوار حسناوات:البربرية منهن للمتعة، الفارسية للولد والرومية للخدمة. الأخ الثاني: كثير الكلام في أمور السياسة، يسب أمريكا في كل صلواته السرية.يعشق الخوض في موضوع الحداثة يلعن الإمبريالية. يكره الغرب لأنه إباحي ويمج الشرق لأنه إصلاحي، وإذا ما خلا إلى نفسه في المساء يقول الحمد لله على نعم الله. الأخ الثالث: بدد تروثه بين العواصم، مدمن خمر وميسر وأزلام حتى أصيب بداء فقدان الذاكرة وأصبح عنده العدو والصديق سيان والظلم والعدل متساويان. الأخ الرابع: أصغرهم سنا،شريف النفس ،عظيم الهمة مفعم بالآمال، يحلم بالحرية والخبز لفقراء الأرض. كل مساء يصعد فوق التلال المجاورة للمدينة قبل أن يرسل القمر خيوطه الذهبية ويصيح بصوت مدو: ياإخوتي والعصر إنكم لفي خسر، يا إخوتي والتين والزيتون إنكم لفي ظلال مبين. ضاق الإخوة الثلاثة درعا بأخيهم. في إحدى الليالي الباردة قتلوه . ثم جاؤوا بدم كذب على قميصه وقالوا لأبيهم :يا أبانا لقد أكله الموساد.
الحصــــــــار
ستون عاما وأنتم جاثمون على ضفاف ذاكرتي، تأكلون من زادي، تنامون فوق أعشاب قبري القديم، تسرقون مني رائحة الليمون. تمنعون عني الأغنيات وصهيل الخيل وكل المرادفات التي تركب كلمة الوطن. ستون عاما وأنتم تمنعون عني ارتكاب الحب في حق الياسمين الذي ينبت على حافة الولادة،وتقتلعون الصبار والدفلى من بساتين قريتي.يالكم من قتلة؟ ! منذ حوالي ستين عاما وأنتم تضربون حولي الحصار وفي النهاية أنا الحر فيكم وأنتم وحدكم خلف الأسوار. حطمتم لعب أطفالي، تلصصتم على مفاتن وطني، سرقتم العنب من حقولي، عريتم سيقان نخيلي الطويل، الطويل.لكنكم لن تستطيعوا أن تمنعوني من الحب قيد أنملة ومن الموت قيد قنبلة.حاصروني ما شئتم .ستون عاما ،ستون قرنا ،ستون لاأعرف.سأظل أحب رائحة التراب عندما يدغدغه المحراث الخشبي لحظة ندى ونو ارس البحر عندما تحملني بعيدا بعيدا لحظة شذى.
المســـــرحية
كان المسرح قاعة كبيرة،تشبه حلبات الصراع الرومانية. الممثلون يتفرجون. الجمهور هو الذي يلعب أدوار المسرحية. في المشهد الأول: شاب بثياب مهملة،يستجدي المارة. الراجلون يمرون من أمامه كالشريط.منهم من يد س في يده شيئا ما، ومنهم من يقول له "الله يسهل". في المشهد الثاني: شاب آخر ببنية قوية، يعمل حطابا، ما يجنيه من ربح لا يسد رمقه. ذات غفلة هاجمته الذئاب من كل صوب وحذب،قاتلها بإصرار وعناد لكنها ما إن تموت حتى تحيا من جديد. في المشهد الثالث: يجتمع المتسول والحطاب فيكتبان أغنية عنوانها:عجبت لمن يتضور جوعا ولا يخرج على الناس شاهرا شعره. في هذه اللحظة ،تراجع الجمهور وتقدم الممثلون وبدأت المسرحية.
الرحيل
لم يكن القمر قد أرسل خيوطه الذهبية من وراء التلال الشرقية، لكن ومضات البرق كانت ترشده بين الفينة والأخرى. كان يمشي وحيدا إلا من صوت خطاه وصرير الجنادب. لم يعد يرغب في العيش في ديار القصيدة وبطون البيان، جوار تراكيب سيبويه: فالشعر لم يعد جليس نشامى بني عبس . إنهم فقدوا ملكة التواصل مع الأبجديات وأصبحت أحلامهم وأفكارهم بصيغة التأميم. بني جلدته يخربون بيوتهم بأيديهم كالحمقى. لهم في بلاد خيبر أولياء وفي أمريكا أحباء. ومن يشاق أمريكا فإن أمريكا شديدة الانتقام. وما جاءت به أمريكا هو عين الحق عند أهله، وما نهتهم عنه فإنهم ينتهون. يتآمرون على أطفالهم، يئدون بناتهم، يجلدون زوجاتهم، ينفقون مما رزقوا من ذهب وفضة وبترول على غربهم ولو كانت بهم خصاصة. أهل بلدته ترجلوا عن خيولهم... وضعوا سيوفهم في أقرب متحف عبري...وقدموا الحسناوات من نسائهم لكبير الروم. وإذا ما كتب شاعر منهم قصيدة تتغنى بالحب والعصافير والزيتون وضوء القمر، يجتمع حكماء القبيلة ليعلموه سيرة أيوب. إنه لم يعد قادرا على أن يجعلوه أيوب مرة أخرى، لهدا قرر الرحيل.
فتاة المتجر
رمى بجسده المتهالك على الأريكة في إحدى زوايا المقهى، بعد يوم عمل شاق في ورشة البناء. على الواجهة الزجاجية قطرات مطر تنزلق بسكون. داخل المتجر المقابل للمقهى كانت هي واقفة. لمحها بزاوية عينه، ثم انزلق بصره نحو كعبها وزحف على صدرها ثم مسح كل جسدها بتلذذ. التقت نظراتهما، ابتسم بخجل ثم رمى ببصره نحو فنجان القهوة السوداء الذي وضعه النادل أمامه في غفلة منه. كان دخان سيجارته يرسم نخيلا يواري بسعفه وجهها الطفو لي، لكن سرعان ما يختفي الدخان وتتوضح معالم الوجه. في عينيها جاذبية ناذرة، في أردافها أنوثة زائدة. بدأ الدم يتدفق بسرعة في كل أقاليم جسده. عيناه تبحثان عن مرفأ: تسافران وراء الزجاج حيت قطرات المطر لا تزال تنزلق بكسل، تعودان إلى فنجان قهوته لتغوصا فيه. ماذا تريد مني هذه الفتاة؟ ! لماذا عيناها مصوبتان نحوي كبندقية؟ قد تكون فردا من عصابة . لكن العصابات لا ترصد الفقراء البدو مثلي :فبالكاد أوفر قوت يومي.قد تكون معجبة بي :ففتيات المدن فقدن الثقة في شباب الحواضر وتعجبهن في أبناء البادية السذاجة والفحولة.عندما مرت كلمة فحولة بخلده ضحك في خفاء. في هذه اللحظة قرر أن يتخلص من خجله البدوي ويتقدم نحوها.كانت الأفكار تتسابق في رأسه بسرعة الضوء وهو يعبر الشارع نحو المتجر. وجدها لا تزال واقفة. السلام عليك.هكذا حياها وبصره مصوب نحو الأرض. لم ترد التحية.قال كم أنت جميلة وفاتنة ! لم تتكلم. أرسل يده نحو صدرها ،وجده صلبا كالجلمود، مس خدها بشبقية فوجده باردا.حينئذ أدرك أنها دمية بلاستيكية لعرض الملابس. نعجة الحاج
أدار قرية صغيرة، بيوتها متناثرة بشكل غير منظم على أديم التلال.إذا نظرت إليها من التل المجاورتتوضح معالمها أكثر،فتظهر تفاصيل حيطان الأكواخ المبنية بالأ حجارالصلبة ،خيوط من الدخان تتعانق في سماء القرية لترسم لوحات بلا شكل ولا معنى. الأكواخ تحيط بالمسجد من كل ناحية حتى بدا كشكل الكعبة، لكن بلون أبيض. سكان أدرار طيبون،أو هكذا يبدون :فهم حريصون على أداء الصلوات الخمس في المسجد،يثرثرون كثيرا في أمور الدين.يجتمع شباب القرية كل مساء للحديث عن الزراعة والزواج وجمال بنات قريتهم. لكل فرد من أدرار آراؤه الخاصة في أمور الحياة،لكنهم يجتمعون في إحساس واحد:هو خوفهم الجماعي من حاكم القرية . يفسر الشيخ رحال هذا الخوف بما تعرض له سكان البلدة من رعب يوم سرقت للحاج ـ وهو أحد الأعيان ـ نعجة من قطيعه. الشيخ رحال رجل مسن، ودع آخر أسنانه منذ مدة فأصبح فمه منكمشا ودائريا، لكن لسانه لاذع إلى حد أن سكان القرية يتجنبون إثارته. يحكي الشيخ رحال أنه ذات ربيع سرقت للحاج نعجة هزيلة من قطيعه فاتصل بصديقه الحاكم.هذا الأخير أرسل عساكره على التو إلى القرية ليبحثوا عن اللص الذي تجرأ على ممتلكات الحاج. ساق الجنود كل شباب القرية إلى المعتقل القريب .مارسوا عليهم كل أشكال التعذيب،ولعدة أيام.لم يعترف أي منهم بالتهمة.هذا الإنكار زاد من حدة التعذيب إلى أن قتل شاب على أيدي الجند. حمل سكان أدرار قتيلهم إلى مثواه الأخير .ليصلوا إلى المقبرة كان عليهم أن يعبروا حقول القمح والذرى. أثناء مرورهم عثروا على نعجة الحاج تائهة داخل البساتين.كانت قد ظلت طريقها ولم تسرق.
الراعــي
ليست له عصا يهش بها على غنمه، لكن لديه هاتف محمول برنات خليجية. ليس له ناي ليرسل بواسطته خيوط الأغنيات الحزينة لتتوغل عبر مسام الروابي، لكنه صنع لنفسه كمانا بعد أن تبت قصبة في طرف إناء أصفر مكتوب عليه Shell باللون الأحمر. إنه" برطوم". برطوم" الراعي: سنه يلامس الثلاثين، له فم واسع كالضفدع مما جعل نساء القرية يلقبونه" بالزين"استهزاء منه. برطوم ينطق الكاف قافا فيسمي القلب كلبا وهذا ما يدفع أهل القرية إلى جره للكلام باستمرار قصد التسلي. برطوم لم يلج المدرسة قط ولا زار كتاب القرية الموجود على مرمى حجر من كوخه، وفي الحساب يستطيع أن يعد من واحد إلى عشرة. وبعد العشرة تتداخل الأرقام على لسانه. يقضي برطوم معظم أوقاته في الشعاب والتلال المجاورة، يغادر الكوخ في الصباح الباكر ،ويعود أثناء غروب الشمس. يداعب حملانه برفق زائد، ينادي كل شاة باسمها وإذا تناطحت الخراف فإنه يسبها بشتائم لا تليق إلا بالإنسان، يحفظ العديد من الأهازيج والأغاني المنقرضة. في المساء يجالس برطوم أهل القرية بجانب المسجد الذي يتوسط الأكواخ. يناقش معهم أمورا عديدة، يقارن بين موسم المطر لهذه السنة والعام الفارط. يحب الخوض في أمور السياسة. أثناء حديثه لا يفرق بين الحكومة والمحكمة، يسمي البرلمان "برنمان" ويسمي الشهادة الطبية "سرفتيكا". تعب برطوم من امتهان الرعي.وبين وجبة انتخابية وضحاها أصبح برلمانيا مشهورا. ولتعميم تجربته ونشر أفكاره جمع رهطا من الذين يعرفون القراءة والكتابة من أهل قريته وأسس جريدة أو ما يسميه هو "جرنان" اختار لها عنوان: من"كلب"الحدث.
بلا رأس
أخيرا قرر أن يتخلص من رأسه:فهو يحملها على كتفيه منذ سنوات بلا فائدة. يحملها ثقيلة كسطل مليء بالتراب. لهذا أخذ آلة حادة وضرب بها عنقه فتدحرجت رأسه كحبة تين برية. ثم التقطها ووضعها في كيس بلاستيكي وخرج يجوب شوارع المدينة. وهو يذرع الشارع تذكر أنه لم يعد قادرا على مغازلة سيجارته الصباحية كالمعتاد لأن شفتيه في رأسه، لكن سرعان ما تنبه إلى أن التدخين مضر بالصحة، وهذه هي المناسبة للتخلص منه. بعد ذلك قال لنفسه بصوت غير مسموع:والقراءة؟ ! إني أحب القراءة.كيف سأقرأ إذن؟. هه...... ولماذا تصلح القراءة ؟؟؟ تصلح للجوع، للفقر، للتبول في السراويل ! لم أعد أرغب في ذلك.لكنني قد احتاج لساني لقول كلمة حق. ومتى قلتها عندما كنت أحمل تلك البطيخة؟ لكن لا بأس إذا ما أردت تغيير المنكر فبقلبي وذلك أضعف الإيمان. عندما عاد إلى منزله وضع رأسه فوق جهاز التلفزيون مكان باقة الورد البلاستيكية، فهو لم يعد في حاجة إليها لأن عينيه اللتان تعشقان ألوان الورود لم تعودا في مكانهما. استلقى على سريره ثم تخيل جميع البشر بلا رؤوس فاعترته حالة من السكون والطمأنينة لأن الناس سيتواصلون بقلوبهم فقط. آنئذ ستتسع دائرةالبصيرة وتتوقف الحروب.
القنـــــــاص
الغابة كثيفة، سقوط أشعة الشمس على أوراق الأشجار المبللة بالندى يؤثر على الرؤية مما جعله يستعين بوضع راحة يده على حاجبيه ليرى ما أمامه جيدا. كان قناصا شابا ، يهوى صيد الأيائل والحمام البري. يمارس هذه الهواية منذ صباه، لقد ورثها عن أبيه الذي ورثها بدوره عن جده. من داخل أجمة باغته شئ ما. لم يتبين ملامحه. ظن أنه ذلك الوحش ذو العين الواحدة الذي حدثه عنه جده ذات مساء. وثب القناص فوق صخرة صماء كالنمر وصوب بندقيته نحو ذلك الشئ وعالجه بطلقتي حذاء من عيار"44" ، لكنه أخطأ الهدف فانزلقت يده نحو جيبه بسرعة وأخرج مسدسا بلا كاتم للصوت وأطلق عيارات صوتية أصابت الهدف هذه المرة. في هذه اللحظة لاح في الأفق سرب من الصقور الصلعاء، هاجمت القناص بلا هوادة أما ذلك الشئ فقد غادر مهانا بخفي "منتظر".
طـفل ينتصـر
بين أشجار الزيتون المغسولة بمطر الصيف ووفاء الذين يصعدون إلى نهاياتهم باسمين، طفل صغير، يمارس لعبة الانتصار ويرسم لوحته الأخيرة لمشاغبين في مثل سنه. أسمالهم بالية لكنهم يموتون عشقا في طعم الحرية. يرسم بالأخضر زيتونا، وبالأبيض حماما، وبالأسود حجرا يصلح للرجم، وبالأحمر وطنا يتاخم كل المحيطات إلا أرضا اسمها فلسطين. قبل أن ينتصر يترك وصية لكل الكبار، يقول فيها "إن أمريكا إذا دخلت قرية أفسدتها وجعلت أعزة أهلها أذلة. لهذا العنوا أمريكا إذا أصبحتم. وإذا أمسيتم العنوا أمريكا.واطردوا أمريكا من قراكم ما استطعتم لذلك سبيلا."
المدينة
دخلت المدينة صباحا. كانت أطرافها مترامية كالمحيط. على حيطانها أيقونات ملونة، داخل كل أيقونة تتحزب رزمة من محترفي الخطابة وإلى جانب الأيقونات صور لأناس مبتسمين بتكلف. الناس كثيرون، يركضون في كل الاتجاهات، يقهقهون بأصوات بذيئة، يتكلمون: بحزن، بفرح، بجنون. البؤساء يتعاركون بيأس. الباعة وأصحاب العربات التي تجرها الحمير والبغال يتحلقون حول رجل طويل، لكنه لا يشبه الرجال الطوال، له وجه متورم وشفتان غليظتان كقطع النقانق. يقفز هنا وهناك كجندب فقد القدرة على الطيران. كان يحدث المتحلقين حوله عن مستقبل المدينة الزاهر ويعدهم بالخصب والمطر والخبز. كان يقول لهم : ـ سأشنق ذلك الوحش الذي يتهددكم، سأمزق أوصال الفقر وأصلبه في ساحات المدينة، لن أكون رحيما معه، فإنه يكاد يكون كفرا بل هو الكفر بعينيه. قال رجل من الجمع، له عربة خضراء يجرها بغل أجرب. ـ منذ صباي المبكر وأنا أحلم بالورد والياسمين.لكنكم لم تزرعوا في مدينتي غير الحنظل والصبار. أجاب صاحب الوجه المتورم: ـ حلمك اليوم سيصبح حقيقة. ماعليك سوى أن تمنحني وجهك للعبور إلى خزائن لقمان. بعد قرن من الزمن دخلت المدينة مرة ثانية:كان نباتها حنظلا وصبارا وأشواكا أخرى. رواد ساحات المدينة أغلبهم من المتشردين والعاهرات. يتحلقون حول شيخ أحدب يخطب فيهم بحميمية أبوية.لم أسمع جيدا ماذا كان يقول لهم. همس في أدني صاحب البغل الأجرب: ـ هذا هو شيخنا . إنه هو......هو الفقر.
في غزة
صباحات غزة لها رائحة الكبريت. لون الرماد على الحيطان يؤجج الضجر. الدبابات خيط نمل. الأجلاف مدججون بالحقد والكراهية. يغتالون نسيم البحر، فيصبح للدم عطر الحناء على أنامل العرائس. في غزة خليط هجين من الأحباش والأوباش و القبارصة والسلاجقة والسلاﭭيين والتشيكيين والبلجيكيين والطليان والألمان والتتار والفجار.....جاء بهم نخاس أعور إلى اللاذقية واشتراهم سلطان مخلوع في البندقية ثم عافهم تجار الإسكندرية فجمعتهم عاهرة رخيصة في مراكب سرية وقذفتهم في مرافئ غزة فانتشروا جرادا بأنجم سداسية يحرقون الزيتون ويمتصون رحيق الليمون. في غزة خليط من كائنات الأرض، يتكلمون كل لغات الأرض لأنهم جاؤوا من كل أقاليم الأرض. كلهم يحبون هواية القتل واغتصاب الأرض. في غزة لم يعد للتراب طعم الحنطة، ولا رائحة الأنبياء، ولا للنصر مذاق الخوخ الطازج. لقد مات صلاح الدين فتخشبت السيوف وسكتت الخيل عن الصهيل وتوسعت مساحات البيداء. لانخلة ولا ناقة ولا واحة ولا فارسا من مضر أو من بني ثقيف أو ذبيان أو بني عبس. لكن لا تقلق كلما ماتت حبة قمح يمتلئ وادي غزة سنابل.
في قاعة الانتظار
في قاعة الانتظار، كراسي خشبية قديمة. في قاعة الانتظار انتظرنا سنين وسنين. وضعنا ساعاتنا اليدوية في سلة المهملات لأنه لم يعد للزمن جدوى، وخلعنا أعضاءنا وتخلصنا من ذاكرتنا الجماعية. في قاعة الانتظار: كان المنتظرون سواسية كأسنان التمساح: للقوي مثل حظ الضعيفين وللنساء حق الطمث وللكلاب حق النباح وللرجال حق النكاح وللكبار حق الفيتو. في قاعة الانتظار تحلقنا كدائرة السوار. تحلقنا حول عجوز شمطاء، يعربد المكر على تجاعيدها. بقايا الشبق الذي يستوطن وجهها ينم على أنها عاهرة قديمة انتهت مدة صلاحيتها. قالت لنا العجوز: - أيها المنتظرون: كلوا ما تشاؤون من زبيب أبيض ومحار وبلح من نخيل الصحراء. وافسقوا واشربوا الخمر فهو ليس رجسا من عمل الشيطان لأني قد عدلت مصحف عثمان وغيرت شرائع حمو رابي وقتلت كل الغاضبين في ديار بكر وغضفان. لكن إياكم أن تقربوا أبنائي الجاثمين على سفوح التل ولا آبار دم عروقي المثخنة في عمق الرمل. ففي ذلك غضبي، وفي ذلك سجني، وفي ذلك تبرير للقتل. صمتنا جميعا وسافر الوجل في أوصالنا. ضحكت العجوز بشماتة وقالت: ـ هكذا أريدكم، طيبون، ظهوركم مقوسة كالأرانب المذعورة، تنامون قريري العين بي وتصبحون علي. فتح باب القاعة. دخل فارس يتطاير من عينيه الشرر، في وجهه صلابة الصخر .قال بصوت مدوي: لا تخافوا أيها المنتظرون، أنا صلاح الدين، أنا صلاح الدين.....
المرشد
عبر الصحراء بقافلته وقومه وكلابه. كان هو دليلهم في الفلاة. ضرب البحر بعصاه ليشقه نصفين ويعبر للبر المقابل. رفض البحر افتضاض مائه، ثم ضحك ملء شدقيه وقال: ـ لن أسمح لكم بالدوس على هامتي مرة أخرى يا شعب النجوم المختار. لقد أصبحتم أكبر أمة أخرجها الشر، تقترفون المفاسد وتنهون عن الحب، تلوون عقارب الزمن إلى الوراء وتروون رمال الوقت بالدماء. رمى المرشد بعصاه. فإذا هي قطعة من خشب جامد. التقطها، تفحصها جيدا كأنه يكتشفها للمرة الأولى ثم قال: ـ يا بحر أوسع لنا قليلا: ففي الأرض مساحات للسلم، وفي الوقت مرايا ترى أشكالها في وجوهنا فتتبسم خجلا، وفي الصحراء شياطين ترمي الجمرات على النجوم مدرارا، وفي المنام ثعالب عجاف تلتهم قطيعا من الخراف السمان. صمت برهة. استجمع قواه، ثم التفت إلى مرافقيه وقال: ـ يا قوم ، يا كلاب الهراش. أنتم كائنات إن تشرب النيل لا ترتوي، وإن تأكل كل جيف الدنيا لا تشبع، وحوش الأرض أنتم.هذا فراقي معكم. ثم أنشد قول الشاعر: قوم إذا خرجوا من سوأة ولجــــــــوا في سوأة لم ُيّجنوا بأستـــــــــــــــار
الصعود إلى القمة
كنا على سفح الجبل. أنين الناي يتناهى إلى سمعنا من الفجاج البعيدة، صهيل الخيل على مرمى كرامة منا. كان علينا الإختيار : إما الصعود إلى القمة أو الهبوط إلى الوادي السحيق. في القمة سيدات الأساطير الأولى، تسكن في تجاويف الصخور، تبني قلاعا حصينة للرعب للخيانة للجحود.وكان علينا الإختيار، إما الهبوط وإما الصعود. تذكرنا أن في القمة تتعانق أشعة الشمس مع بياض الثلج فتسيل الحياة مدرارا. " ونحن نحب الحياة ما استطعنا إليها سبيلا". فاخترنا الصعود وآخر دعوانا أجنحة و أسلحة.
المحتويات
العنوان الصفحة
1. الإهداء.................................................. 2. لماذا نكتب؟............................................ 3. حرقة الكتابة........................................... 4. القاص.................................................. 5. من يوميات السي أحمد.............................. 6. المطر الأحمر........................................ 7. حوار مع المتنبي..................................... 8. رواد المقهى........................................... 9. عابرون................................................ 10. مجمر السعدية........................................ 11. حلم..................................................... 12. الحريق................................................. 13. "لفياق بكري"........................................ 14. أبو دينار............................................... 15. محاكمة................................................ 16. المهاجرون............................................ 17. الملهى.................................................. 18. أحلام................................................... 19. عندما تغادر العصافير أقفاصها.................... 20. إبليس.................................................. 21. المتحول............................................... 22. الإخوة الأربعة........................................ 23. الحصار............................................... 24. المسرحية.............................................. 25. الرحيل................................................. 26. فتاة المتجر............................................ 27. نعجة الحاج........................................... 28. الراعي................................................ 29. بلا رأس............................................... 30. القناص................................................. 31. طفل ينتصر........................................... 32. المدينة.................................................. 33. في غزة................................................ 34. في قاعة الإنتظار.................................... 35. المرشد................................................ 36. الصعود إلى القمة.................................... 37. المحتويات............................................
#عبد_الغفور_خوى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
التاريخ
المزيد.....
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
-
انطلاق فعاليات معرض الكويت الدولي للكتاب 2024
-
-سرقة قلادة أم كلثوم الذهبية في مصر-.. حفيدة كوكب الشرق تكشف
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|