|
الحزن الوسيم(رواية)5
تحسين كرمياني
الحوار المتمدن-العدد: 2570 - 2009 / 2 / 27 - 09:39
المحور:
الادب والفن
(على قمّة أزمر) بدأت الناس تزحف إلى المكان الأثير،الجبل العنيد،هكذا يصفه التاريخ،الجبل الذي ظلّ مارداً بوجه عاديات الزمن واحلام الطغاة،ناس المدينة تعشق التنزه والتجول في ربوع الطبيعة المتواجدة حولها،مدينة الأرق بالنسبة للتيّارات الغازية عبر القرون السحيقة،صارت عبر توالي الأزمان جوهرة نادرة،كل من يحكم البلاد يضعها نصب عينيه،يسوّرها بالعسكر والمجنزرات،يسد فضائها بالطائرات والمروحيات،يبدأ بقلع أشجار جبالها،أشجار العنب الأسود،أشجار البلوط الشتائي المغري،أشجار(القسقوان)وعلك الماء،و(من السما)الطبيعي،مدينة(القبج)الذي ظلّ لا يرحل رغم وجود غرباء يلغمون الجبال بسرابيلهم الثقيلة ومدافعهم المزلزلة،هطلت أحزان،هطلت قنابل،لكنها ظلّت عنيدة،صامدة،تقاتل بمناخها القاسي،بصلابة ناسها،بسحر بناتها،بصوت(الشمشال)الذي راح يتغلغل إلى شعاب النفوس المريضة لتتعافى،زالت الكوابيس الخانقة عن المدينة،تبدلت الأوضاع السياسية وصار التحرر صفة وهوية ناس وجدوا أنفسهم على مفترق طرق،بين ماض عسير يغادر وغدٍ قادم غامض الملامح،كثيرون فرحون بعودة أبناءهم من ديار الغربة،وآخرون راحوا يبحثون من جديد عن أشياء نامت طويلاً،آباء وأبناء أخذتهم مركبات الحكومة ولم يعد أحد يعرف أين دفنوهم،أمّهات وأخوات وأخوة،لا أحد يعرف عنهم شيئاً،أخذتهم مجاريف السياسة وديناصورات السلطة الراحلة وألقت بهم في متاهات السجون وقبور منسية أو دارسة،فقط أولئك الذين نجوا من المخالب الحديدية وجدوا أوقاتاً فائضة لديهم،كل مساء يزحفون إلى أماكن كانت فيما مضى أمكنة مرعبة،هناك تنقضي الأصائل،مركبات حديثة غزت الشوارع،كل أصيل تطوي ذلك العلو الملتوي،باتجاه مساحات مقتطعة ومهيأة للوقوف،شرائح ما تزال تعاني من وزر الحرمان بلا مركبات تسير وهي بالكاد تتنفس،تمشي وتقف وليس بوسعها أن تصل إلى النهاية،تكتفي بقدر معين من الصعود،هناك تجد مساحات كافية وتستوعب أحزانها،في مقدمة المارد الجبلي غابات شجرية كثيفة،جموع شبابية تستعمرها ،أنها لا تبالي بالحياة ومتطلباتها الصاعدة،ولا ما يجري فيها من ملابسات وصراعات آخذة بالأتساع،تفرش موائد وتنثر قناني مشروبات كحولية،مناقل داخنة،تتصاعد رائحة الشواء،لتنشر في المكان لذعات الجوع والرغبة لطعام يثير الكوامن ويغربل اللواعج،كشك صغير يبيع المشروبات،يجلس رجل لا يبدو وقوراً،ربما أسكرته المشاهد والرائحة،يربط(قرداً)ضئيلاً قرب صخرة،غدا محط جذب الصبيان وإجبار أهاليهم للشراء،من أجل التمتع عن قرب برؤية(القرد)،لقد مضى أكثر من أسبوعين على آخر ذهاب لـ(نوزاد)إلى هناك،كان(شيرزاد)يأخذه كل أصيل بحثاً عن الفنّانة،وربما تلبية لرغبة الأم لانتشال(نوزاد)من صدمته المتفاقمة،كان في غرفته يشعر بشيء من الهدوء رغم عدم عودة شهيته إلى تناول الطعام،كما كان،دخلت عليه أمه،قام بأدب وأستقبلها..قالت: ـ الناس خرجت وبقيت بلا أنيسة هذا الأصيل. ـ إلى أين تريدين أن نخرج. ـ لم أزر(أزمر)منذ مدة. ـ ولكن المشي سيرهقك. ـ أريد أن أجرِّب ساقي،كنّا نركض صعوداً قبل سنوات. ـ حسناً،سأتصل بـ(أبو المشاكل). قام وتناول هاتفه النقّال،جاءه الصوت واهناً: [ـ ها..يبدو أنك تريد رؤية(هه ولير)تـك أم فنّانتك]. ـ ليس هذا أوان المزاح،أمّي تريد أن تتنفس هواء نقياً. [ـ من أجل أمك فقط سآتي يا كئيب،تذكر كلامي،من أجلها فقط]. جلس..وضعت أمه كفها على كتفه..قالت: ـ ماذا يقول. ـ من أجلك سيأتي،تصوري كم هو محرّك آلام. ـ وماذا قال أيضاً. ـ أنطق بملح جرحي. ـ لا تهتم،سنجد لك من تنسيك ماضيك،تلك هي سنّة الحياة. *** طرق الباب بعنف،تلك هي ألاعيب(شيرزاد)أنه لا يريد أن يتحضر،يرفض أن يضغط الأجراس،هرع إليه، كان متأنقاً..صاح: ـ من أجل عمّتي فقط سأنسيك أسمك. ـ ستبقى متهوراً،ألم أقل لك لا تطرق الباب هكذا. صارا في الداخل،قامت الأم..قالت: ـ كيف حالك يا(شيرو). ـ كيف حالي،يريدني أن أموت مصعوقاً. ضحكت الأم..قال(نوزاد): ـ لا يترك عادة المتخلفين. أجابت الأم: ـ تلقى درساً قاسياً،وتريده أن يكررها. قال(شيرو): ـ مذ صعقت وألقيت على الأرض،أقسمت أن لا أضغط زر جرس. ـ لو امتلكت ذرّة وعي لما ضغطت الزر في يوم ماطر. ـ يوم ماطر أو يوم صحو،لن أضع جرساً في منزلي،كفى. ـ هيّا لنخرج من هذا الجحيم..(قالت الأم). بعد نصف ساعة كانوا داخل المركبة،كانت الساعة الثالثة وخمس وثلاثين دقيقة من عصر يوم الخميس، من شهر نيسان،حين وصلوا بداية الشارع المفضي إلى القمّة،كان هناك عسر في سير المركبات..قالت الأم: ـ العالم أين وشبابنا أين. قال(شيرو): ـ تلك هي الثقافة الجديدة لجيل قضى عمره في المنافي. قال(نوزاد): ـ ليت الأمر بيدي،لمنعت هذا(الجحيم)من ربوع مدينتنا. أجاب(شيرزاد): ـ العالم الغربي يعطيك الحريّة مقابل المشروب. قالت الأم: ـ حريتنا نحن نصنعها وما دخلهم بذلك. قال(شيرزاد): ـ لن يحرروا بلداً من مخالب جلاّده،ما لم يلبوا مطاليبهم. ـ وما هي مطاليبهم..(قالت أم نوزاد). ـ أن يسمحوا الشرب في الشوارع،والرقص علناً في الهواء الطلق..(أجاب شيرزاد). ـ نحن نرقص في الهواء الطلق..(أجابت الأم). ـ ليس كما تعنين يا أمّي.(قال نوزاد). ـ وماذا يريدون..(صاحت الأم). ـ أن يمارس كل إنسان حريته وفق مزاجه..(أجاب شيرزاد). قالت الأم: ـ هذا يعني خراب الدنيا. أجاب(نوزاد): ـ الآن فهمت المقصد يا أمّي. أجاب(شيرو): ـ يا أمّي أقطعِ أعناق هذه(الشلّة)ولا تقطعِ مشروبهم،تلك هي فلسفتهم في الدنيا. ـ قذارة ما بعدها من قذارة..(كان نوزاد يمسك أنفه بقرّاصة أنامله). ـ ولا تنسى،على كل شعب أن يحذوا حذو الغرب كي ينال حريته كاملة..(قال شيرزاد). ـ أرجوك لا تدخلنا إلى السياسة..(أجاب نوزاد). قالت الأم: ـ كان عليهم أن لا يوسّخوا هذا المكان الجميل،العتب على الحكومة،هذا الجبل رمز(السليمانية). ـ الحكومة في صراع مع الزمن لإعادة الأمور إلى ما كانت عليه،حكومتنا بدأت تشعر برائحة مؤامرات تقام سراً لمنعها من تحقيق أحلامنا الكبيرة..(أجاب شيرزاد). قال..(نوزاد): ـ طيبتنا سبب بلاءنا. أجابت الأم: ـ ألم يعيشوا هنا،ألم نؤويهم. ـ السياسة لعبة الذئاب والحملان يا أمّي..(أجابها نوزاد). ـ الدنيا مصالح والسياسة مستنقع الفساد في الأرض يا عمّة..(قال شيرزاد). ـ مهما تكون مشاغل الحكومة لابد أن لا تجهل حياة ناسها،فالحكومة بيدها مقاليد الأمور،بإمكانها تطهير الأماكن الشعبية من هذا الوباء،قبل أن تفكر بمصلحتهم العليا..(قالت أم نوزاد). ـ وما دخل الحكومة بالمشروب،المشروب يا عمّة،وسيلة تخدير وقتل الروح النبيلة في المجتمعات الحديثة،بالمشروب تتقدم بلدان العالم الثالث..(أجاب شيرزاد). صارت المركبة تبعد عن الكشك بمائة متر،تفاجئوا بجمهرة ناس لا تتحرك،كانت مجموعة مركبات واقفة تزعق،وأصوات شبابية من وراء نوافذها تنادي،أخرج(شيرزاد)رأسه وتحاور مع صبي يبيع المرطبات،كان (نوزاد)يتنقل ببصره بين الناس وكانت الأم تمسح وجهها بمنديل..!! قال الصبي: ـ القرد سرق لعبة فتاة. صاح..(شيرزاد): ـ قل لهم سأشتري لها واحدة،فقط يتركوا الطريق لنا. قال الصبي الذي صار رأسه بموازاة النافذة: ـ ليس اللعبة فقط بل سرق ـ موبايل ـ سكران. ضحك(شيرو)وضحكت الأم،قال..(نوزاد): ـ لا بد أنهما تحارشا به. قال..الصبي: ـ كلا..القرد فلت من صاحب الكشك(بلّه مشروب)وهجم على السكران أولاً وظلّ السكران يركض ويسقط وراءه،صعد القرد على شجرة،راح السكران يرميه بالقناني،لكن القرد مسك القناني كلّها،ظلّ السكران يبحث عن شيء يرميه إلى القرد،كانت هناك طفلة واقفة تضحك وبيدها لعبتها،أنتزع السكران اللعبة منها ورماها،مسك القرد اللعبة أيضاً. تعالت ضحكة ثلاثية،كانت ضحكة الأم عالية،ظلّ الصبي يتنقل بنظره بينهم..قالت له الأم: ـ كان يجب أن يمسكه واحد ويرميه إلى القرد. قال..الصبي: ـ يرمي من يا خالّة. ضرب(شيرزاد)وجنة الصبي بباطن كفه برفق..صائحاً: ـ تقصد أن يرمي واحداً ذلك السكران إلى القرد. ضحك الصبي وقال: ـ إذا تمتلك قوة أنزل وأرميه،سيصفق لك الناس. وجم(شيرو)وقال(نوزاد): ـ أما تكف التحاور معه،دعه يبيع مرطباته قبل أن تموع. قالت..الأم للصبي: ـ أذهب يا ولدي لشغلك. مستغرباً حائراً ظلّ الصبي يمسح الوجوه،وقبل أن ينسحب..قال لـ(شيرزاد): ـ أنصحك،لا تنزل من سيارتك،ربما سيرميك السكران إلى القرد. كاد(شيرزاد)أن ينزل إلى الصبي الذي راح يجري حتى توارى بين الناس،همس..(نوزاد): ـ حظك مع البنات حلو يا ولد،ومع الجنس الخشن مر،عقدتك على ما أعتقد صبيان المرطبات،أرجو أن لا تقل لم أبع المرطبات في طفولتي. زفر(شيرزاد)..صاح: ـ أولاد بلا أهل،وهل تعتقد أنه من نسل والده. تلقى صفعة على ظهره من الأم،أنتبه لنفسه،أستدرك..قائلاً: ـ أرجو المعذرة يا عمّة،لقد فوّر دمي. قالت: ـ طبيعتك ستدخلك في مشاكل أنت في غنا عنها. ـ ليس بوسعي مسك لساني،تلك هي علتّي. بدأت الجموع تمشي،وراحت المركبات تطلق زعيق الفرج،صارت المركبة أمام الكشك الذي انجلت عنه الحشود،أوقف(شيرزاد) المركبة،أنزل زجاجة النافذة..صاح: ـ أربط قردك برقبتك يا(بلّة مشروب). وأنطلق بسرعة،بينما كان صاحب الكشك يشهر زجاجة فارغة بيده،وهو يطلق شتائمه،قال..(نوزاد): ـ فيك دودة الحرشة،سيقطع علينا طريق عودتنا،ويهشم زجاج مركبتك. ـ لا تظن ذلك،أنه سكران على طول الخط..(أجابه شيرزاد). وصلوا إلى مكان مرتفع،تقدمت المركبة باتجاه حافة الهاوية،مسكت الأم كتف(شيرزاد)..صاحت: ـ هل جننت. ضحك وأوقف المركبة،فتح الباب وهبط،بسط يديه وأشار،كما يشير السائق لرئيسه،ظلّت الأم واجمة،لا تعرف ما هي الخطوة التالية،فتح(شيرزاد)باب المركبة الخلفية.. قال وهو ينحني كما ينحني سائق الملك أمام سعادته: ـ هيّا يا عمّة،أنزلي لتري المكان الذي كان يمكن أن نلملم فيه عظام الباش مهندس. نزلت الأم،لا تعرف ما الذي هذا به الولد الشقي،شعرت بضيق في سحب الهواء،نزل(نوزاد)هو الآخر،صار لصق أمّه،رفع كفه اليمين ووضعه على كتف أمّه..قالت..الأم: ـ ماذا عنيت بكلامك. ـ هنا كان واقفاً،في ذلك الأصيل،يوم أراد أن يكون حكاية مدينتنا،طار في الهواء لولا وجودي في اللحظة المناسبة،أنا نادم طبعاً كان يجب أن أرجع بأشلائه،لنسيناه إلى الأبد. ألتفت(نوزاد)إليه..قال: ـ آه لو أعرف لم كنت هنا في تلك اللحظة،لابد أنك كنت مع واحدة على ما أظن. تقدم(شيرزاد)منه وهمس في إذنه: ـ كنت مع واحدة فعلاً،كنّا في جو من الأنس. ابتسمت الأم،وهي تقرأ بعين خيالها ما همس الولد الشقي،سحبت شهيقاً وصوتت زفيرها،تقدم(شيرو) منها،وأشار إلى نقطة غامضة..أردف: ـ أراد أن يطير من هنا ويحط هنااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااك. قالت الأم: ـ لن أنسى لك معروفك يا ولد. هز رأسه كمن نال تقديراً أو جائزة معنوية،تقدم من(نوزاد)،كان سارحاً يبحث عن تلك النقطة التي نساها،همس(شيرزاد)في أذنه ثانية: ـ كنّا في يوم عسلي. ألتفت إليه(نوزاد)ونحت غضبه في عينيه..صاح: ـ قل يوم بصلي يا أخي. أطلق(شيرزاد)ضحكته،صعد إلى المركبة وأشارا لهما،صعدا معاً وانطلقا،وصلوا فسحة أخرى،فعل (شيرزاد)مثلما فعل في الفسحة السابقة..قال: ـ علينا أن نجلس هنا. قالت الأم: ـ مكان حسن. قال..(نوزاد) ـ ملعون لم اخترت هذا المكان. ـ لأنك هنا عطشت. قالت الأم: ـ يا ويلي منكما،تأتيان سراً ولا تعلماني. تقدم منها(شيرزاد)..قال: ـ هذا المكان مقدس،كون الفنّانة تتخذه مكان عمل أو ما يسمونه مشغل على الهواء الطلق. ـ لم لم تأتي اليوم..(قالت الأم). ـ ربما(وحيها) أو ما يطلقون عليه(ربّة الإلهام)لم يهبط عليها. ـ لا تجدف يا شقي..(صاحت الأم). ـ ما دخلي أنا،هم يقولون هكذا..(أجاب شيرزاد). ظلّ(نوزاد)يغسل المدينة النائية والتي راحت مثل أكوام من القمامات متناثرة وسط دخان كثيف يعلو من جهة اليمين ويغطي الفضاء بشكل شاحب وخانق،تقدم الولد الشقي وباغته: ـ ها..يبدو أنك أضعت بيتها. أنتبه لما قال..صاح فيه: ـ اتفقنا على أنها أصبحت خارج اللعبة. ـ هذا ما أريد الوصول إليه،أشهدي يا عمّة أنّه نطق،أخيراً نطق بالحق. راح يتقافز في الهواء والأم تضحك،حتى دمعت عيناها..صاحت: ـ ليتك أخاً له،ليتك أبناً ثانياً لي. سقط(شيرزاد)وضحك(نوزاد)،قام ونفض الغبار من على هندامه،كانت الأم قد فرشت البسط ووزعت ما أعدّت من طعام بسيط وعبوات المياه المعدنية،جلسوا وتناولوا طعامهم،لقد مر الوقت سريعاً،تحاوروا وضحكوا كثيراً،في تلك اللحظة..تناثر صوت صبي: ـ ها..(أبو القاط)الأفندي،تعال لنرميك للقرد. لحظة استدارت الوجوه،كان صبي المرطبات في مركبة حوضيه منطلقة باتجاه الأسفل..قال(نوزاد): ـ سيطاردك حتى في نومك. ـ أين يذهب سأصطاده،قسماً أنني سأربطه على تلك الشجرة وأحرر القرد ليصعد إليه. ساد صمت لدقائق،ومع بداية الغروب بدأت المركبات تعود والناس تنشد منازلها،صعدوا وانحدرت المركبة هابطة،ليس رغبة لديهم في الكلام،وصلوا آخر مساحة راحة،توقفت المركبة،نزل(شيرزاد)..صاح(نوزاد): ـ ها..أرجو أن لا تتركنا هنا. تقدم(شيرزاد)من بوابة المحرك،رفعها وراح يداعب من غير علم الموجودات الساخنة،هبط(نوزاد)ووقف بجانبه..قال: ـ لا أدري لم توقفت،لم يحدث معي هذا من قبل. توقفت مركبة..نادى صوت: ـ هل من عون. أشار إليه(نوزاد)،ترجل رجل بدا من ملامحه أنّه سائق أجرة،سلّم على الثلاثة وراح يفحص المركبة..قال: ـ ليس هناك عطل،نفد مخزون الوقود في مركبتك. ذهب إلى مركبته وعاد يحمل عبوة بنزين،تناول(شيرزاد)العبوة شاكراً وراح يديرها إلى الخزّان بينما الرجل السائق عاد إلى مركبته وأنطلق..قال..(نوزاد) وهو ينقر رأس صاحبه: ـ ها..أبو العقل،تقول أنا خبير بالمركبات الحديثة. ـ دعني أنا متعب،أشعر بدوّار مفاجئ يا(نوز). ـ لا دوّار ولا تعب،أعترف أنك لا تفتهم في المركبات. ـ من يمشي معك يفقد شيئاً فشيئاً عقله. في تلك اللحظة توقفت مركبة حديثة،تناثر صوت جميل: ـ لدينا ماء بارد أرجو أن تكونا عطاشى. سقطت العبوة من يد(شيرزاد)وأنتبه(نوزاد)كانت الفنّانة تهبط من المركبة وتتقدم إليهم. نزلت الأم،وتقدمت منهم..قال(شيرزاد): ـ حظنا حلو هذا المساء. ـ حظكما دائماً على ما يرام..(أجابت الفنّانة). تقدم(شيرو)من الأم..قال: ـ فنّانة المدينة. ـ آه لكم وددت أن أراك..(أجابت الأم). تعارفتا لبضع دقائق،وتبادلتا الكلام الحلو،كان(نوزاد)واجماً لا يعرف كيف يلملم نفسه ويهيمن على مشاعره،بينما الأم تتملى الفتاة الصبوحة،لابسة البنطلون والشعر المنطلق بترتيب فائض عن اللزوم..قالت له: ـ ودت أن أزورك. ـ وما المانع،أم ترى الباش مهندس يعدم رغبتك. ـ بل هو راغب أيضاً،لكنه يمر بتعب نفسي. ـ الفن علاجه،الفن طبيب مجاني لأصحاب المتاعب النفسية. تدخل..(شيرو): ـ مهندسنا عاشق للفن والفنّانااااااااااااااااااااااااااااات. ضحكت الفنّانة،كان(نوزاد)يرمق صاحبه بنظرة تحمل في طيّاتها كميّة هائلة من الألم،لكم تمنى أن يمتلك بعض جرأته،وقليل من مرحه..قالت الفنّانة لـ(شيرزاد): ـ لا تكن قاسياً عليه. ـ وكيف راقبتي ذلك..(أجاب شيرزاد). ـ مذ عطشتما ويوم زرتما معرضي. ـ أنا أعتذر من أجلك ومن أجل عمّتي. ـ وهو ألا يستاهل الاعتذار.!؟ ـ سأفكر في الموضوع..(رد شيرزاد). تدخل..(نوزاد): ـ ومتى كنت تمتلك عقلاً لتفكر. ضحكت الفنّانة وصفقت عالياً..صاحت: ـ أفلحت يا عزيزي في رد الكيد لنحره،ولو على ما يبدو نحره يتحمل سهام الدنيا. بدأت ملامح الفضاء تتشح بلون رمادي،ألقت الفنّانة نظرة إلى ساعة معصمها..تكلمت الأم: ـ دعينا نراك. ـ بعد غد لدي محاضرة في الفن والتراث في قاعة الفن الحديث. صاح(شيرزاد): ـ هل أنا أوّل المدعوين. ـ لن تدخل ما لم تصطحب معك الباش مهندس وعمّتي. ـ موافق يا حضرة الجمال. انسحبت الفنّانة،بعد توديع سريع،صارت في مركبتها،وكانت العيون تنظر إليها،وقبل أن تنطلق صاحت: ـ لا تجلبوا معكم الماء،ماءكم عليّ يا شباب. صعدوا إلى المركبة وعادوا من حيث جاءوا..!! ***
#تحسين_كرمياني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الحزن الوسيم(رواية)4
-
الحزن الوسيم..(رواية)3
-
الحزن الوسيم..(رواية)2
-
الحزن الوسيم..(رواية)1
-
مزرعة الرؤوس(قصة قصيرة)
-
خمس حكايات
-
لعبة الموت..البرلماني الغيور(حكايتان)
-
الشرفة الواشية..قبلة أزلية(حكايتان)
-
لقاءان..الكرة الزجاجية رقم 301(حكايتان)
-
معاقل الذباب..مزرعة الضفادع(حكايتان)
-
حجة الغائب..المهرج الأمبراطور)قصتان
-
في بلاد الأمبراطور..الموسوعة الأمبراطورية(قصتان)
-
خطبة حذاء..ية
-
في تلك القرية القصيّة..منظم الوقت(قصتان)
-
الكرسي..حكاية نادرة(قصتان)
-
الحذاء المنتظر
-
يقظة السيد علوان..(قصة)
-
لم يحسن التصرف..مأدبة الليل..(قصتان)
-
قصتان قصيرتان..
-
عين الشمس..تشابه الأسماء كان السبب(قصتان)
المزيد.....
-
الموصل تحتضن مهرجان بابلون للأفلام الوثائقية للمرة الثانية
-
متى وكيف يبدأ تعليم أطفالك فنون الطهي؟
-
فنان أمريكي شهير يكشف عن مثليته الجنسية
-
موسكو.. انطلاق أيام الثقافة البحرينية
-
مسلسل الطائر الرفراف الحلقة 84 مترجمة بجودة عالية قصة عشق
-
إبراهيم نصر الله: عمر الرجال أطول من الإمبراطوريات
-
الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر
-
يفوز بيرسيفال إيفرت بجائزة الكتاب الوطني للرواية
-
معروف الدواليبي.. الشيخ الأحمر الذي لا يحب العسكر ولا يحبه ا
...
-
نائب أوكراني يكشف مسرحية زيلينسكي الفاشلة أمام البرلمان بعد
...
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|