|
غموض ساحر
سمية عريشه
الحوار المتمدن-العدد: 788 - 2004 / 3 / 29 - 08:34
المحور:
الادب والفن
قصة / • أخبرها أنها لا تصلح لأنها مملوءة بالشروخ والثقوب من تتابعات سابقة ..! " وأنه إنما يحلم بفتاة صغيرة بيدها وردة ، ترنو في خجل نحوه ثم تُسبل بأهدابها وقد لون وجهها الاحمرار" .. وأنه إنما غزاها هي لاكتشاف غموضها الساحر ..!! • تدافعت لحظاتها الأولى معه ريقاً معلقاً يسبب بحلقها جفافاً ولوعة .. أكانت ارتعاشه أناملهما وتلامسهما وتشابكهما في وجد طاغ مجرد شرخ أو ثقب جديد ، مضافاً لإحباطاتها ونتوءاتها الأولى ..؟! ، واعترافه حين جثا على ركبتيه بمحرابها : بأنه ومن اللحظة الأولى دلهمته الرغبة في الاقتراب والود ، وكيف شّفت روحه عن وجد فشل في إخفائه ، وأنه آتٍ من رحلة بحثٍ طويلة وشاقه عن لحظة عشق وتواصل ، عن نقطة ماء في صحراء حياته ، وأنها بالنسبة له شلال لا يقاوم. وأنه راغب وبإرادته في تسليم أسلحة ابتعاده ومجاديف هروبه ، وصاغ دفوعه كي تفتح له بابها ليرسو بقلوعه ..!! • لحظتها اعتراها الخوف وهاجمها التردد ، فحسمت الأمر بضرورة استنشاق عبائق المصارحة ونزع الضمادات عن الجروح لتكون المعاينة نافيهً للجهالة . فتحركت شفتاها تغزل الاعتراف بعدما تمردت روحها، وأبعدت الموروث من سراديب الدهاء ، والتواء وحذر الأنثى فيها وهى تدرك أنه ليس براهب : (أنظر وتمعن . دقق قبل الخطو فإني باحثه عن نقطة ماء لا تملؤها الفطريات والعوالق كي لا أصاب بالتحمض ، وقلبي مُتعب يسكنه الألم ، وروحي متناثرة بفعل أنامل آثمة كانت تبدو ناعمة ، وأنى في لحظات انفرادي تحاصرني الهواجس وإختناقات البكاء في السر .. مدفوعة بإحباطات الداخل ، ودوماً ما أُسارع بإخفاء وجهي بين راحتي في انحناء ، كأنما أُفرغ فيهما تدفق الألم في فورة لا تقاوم ، تنساب دموعي وشجوني . أنشج بصوت مكتوم ، وزفير حار ، فيسرى بأناملي وهج الغضب الرافض للتحلل فأحركهم على الأوتار : دو . رى . مى . فا . صول . لا " تتمازج اللاّ مع لا " فأقول : لا لا وأرسم على الوجه انشراحي إثر حلم دوماً ما يراودني ( عن احتمال في يوم ما .. آتٍ ) وأنثر الميكب على وجهي فتختفي علامات انهزامي وشحوبي وآلامي ) . • وأطلت عليه بوجهها الشاحب ورجته أن يبتعد، ويولى وجهه شطراً آخره فجراحها لا تنقصها جراح ..!! • لكنه لم يبتعد ، ولم ييمم وجهه صوباً آخر . وأجبر بعينيه عينيها على التواجد مؤكداً : " أنه إنما هو حلمها الآتي ، وأن ضحكتها بداخلها لا زالت بضفائر وشرائط ملونه " . ولما تجاهلت الغناء ، وكررت الرجاء ، ابتسم ، وبريق في عينيه لامع : ( بأنه مختلف ، قادر بحاسته وفطنته على اكتشاف النفائس من تحت التراكمات ، وأن تداعيات اعترافها ، تعنى بعقله وقلبه أن لديها تجانس وتمازج بين ( إسانسي ) المعرفة والبراءة ، خلقا بها " غموض ساحر " ..!! ، يسلب عقله ، فيصبح مُسيراً ومخيراً ، وانه ها قد سار واختار، واخذ بيدها إلى حيث الجداول ، وكانت هي لازالت بقدر تقاوم . فأهداها بونبونات ملونه محشوة ومكسوة بما تشتهيه من النكهات . ولأنها ومنذ الطفولة عاشقة بالفطرة للاستحلاب مصمصت بلسانها فانزلق ( هو ) كمكسبات الطعـم في دلوف بـارع إلى كيانهـا : ثقي بي فأنا كائن آخر ( هُم . هُم ) و ( أنا . أنا ) و ( أنتي وأنا ) كراع حط برحاله في رحابك ، بعد ما أتعبه البحث عن المراعى .. وانتفض كمن يطبق الصقيع بروحه ، لكنه يبغى الحياة : زملينى ، فزملته ..دثريني ، فدثرته .. ضميني ، فنظرت في عينيه : احتوته . فحكى لها عن حلمه بها من قبل أن يراها : امرأة شجاعة وحرة ، تذوب في العشق والحب معه بجرأة ، فينبلج عن الرحم شبل من خلقه بعد ساعات من انتصاف الليالي : " مينا " يوحد شطري الفؤاد وانه لفي لهف ينتظر رنات الميلاد ليصبح لهما امتداد . • عاشق الليل أدركه الصباح، ويبغي بدوره إعادة اكتشاف وتسمية الأشياء ، لتصبح للكلمات مرادفات تشبهها في التفعيلات ، وتناقضها في المعاني ، ( فتركها له ليرسو بمينائها لا يعنى رقة روح ، أو حب، كما قال ، بل أن قلبها ترانزيت لكل البواخر ، وارتواءه من مائها يعنى أنها بئر محفور كحق لكل عابر ظامئ ومغامر .. وإرتعاشة أناملها في حب وتشابك ما هي إلا موسيقى الريح ، ودقات الإيقاع لرقص الأفاعي ...!!! ) لحظتها مادت الروح فيها وتصلب الألم في جوف الإحساس ، وبالكاد أشارت بسبابتها صوب الباب يغلفها الذهول : " أخرج " واستدارت هاربة من قسوة الإدراك : ضاربة في الوحدة دون دمع سائل ، فقط كانت تشعر بلزوجة الدماء في عروقها، وبطء تدفقها إلى قلب بدا يحمى نفسه من شدة الألم ، بمحاولة التبلد والتكلس ، فاردة قلاعها وشراعها ، لتنساب بملاذها اُلمنكس فوق سطح الماء الراكد في حبو ، تتفرج على مشاعر الحب عند الغير ، بمنظار سائح ، تصافح عينيها نفس المشاهد . تضيق من الاختنـاق ، تلقى بحصوات مرارتها إلى الماء فتطفو على سطحه الأملس : دوائر . دوائر..!!! . • تدور الدوائر ، وتتعلم اكتساب المضادات ، لجنوح المشاعر ، فتنسى أو تتناسى الاحتياج الفطري للتمازج ، وتهرب بروحها من احتمالات التقارب ، أو إرتعاشات الأنامل . • القلب هادئ قانع ، بلا حب، وأيضاً بلا أنات ، أو عذر ، أو قلق ، أو شكٍ . حقاً ذلك أفضل . الآن ، الآن : الروح ساكنه وهانئه . وصارت تكرر على مسامع روحها بصوت وبدون . علّ روحها تقنع وتهدأ ويهدأ بداخلها ذلك " الهاجس " الذي بات دوماً وفى عز امتثالها يطلع لها لسانه مبتسماً في شقاوه ومكايده : ( أن اللهيب بروحها دوماً تحت الرماد منتظراً هبوباً لرياح تذروا عنه ذرات التراب ، ليتأجج وتعلو ألسنة النار ) فتصرخ لهاجسها في جنون وانتفاض وارتعاش : أنت كاذب . كاذب . وتضاعف جرعة العقاقير لتنام ..!! • تستيقظ قبل الفجر مذعورة فاتحة عينيها حيث ( هو .. هو بعينيه ) أتاها ليعترف بمحرابها : أنه سيحطم كل الأصنام القابعة بدمائه ، بعد ما طاف بسفينته في بحور أخرى ، بكرٍ وثيبٍ ..!! ولما تأكدت من مجيئه الحقيقي أنفلت رغماً عنها لجام الصمت الذي إعتراها منذ رحيله ، سألته : وماذا عن شروخ التتابعات السابقة ، والثقوب المحفورة بروحها تلك التي نثرها في وجهها لحظة الانسحاب .؟!! وماذا عن تلك الفتاة الصغيرة التي بيدها وردة ووجهها الذي يلونه الخجل باحمراره ؟!! • بنظرة سريعة محدقة ، أدرك استحالة المرافعة ، فألقى بحيرته أمامها : فهو مشدود بين التراجع واللا تراجع ، فما أبعدته عنها هي ( شروخها وثقوبها ) وما أعادته الآن أيضاً هي ( شروخها وثقوبها ) وهذا ما يحيره ويقلق في الليل مضجعه مع تلك الفتاة الصغيرة التي يحبها لكنه في ذات الوقت مجـذوب إليها هى بروحـه ويبغاها فصفاتها في موروثة ( خزي ) وفى العقـل ( احترام ) ولذلك فهو .. وقبل أن يكمل أنحني راكعاً ، يقبل أقدامها ويرجوها أن تنعم " إنشطارة وأن تصبح له مرسىً دائم ،وغير دائم ، وتقف وبشكل مستمر معه أو في انتظاره في موضع لا يتسع إلا لقدمٍ واحدةٍ ، في خط فاصل بين ( المعرفة والبراءة ) كخيال مآته مدكوك في موقع وهمي بين " التقوى والفسق " ، بين " العهر والعشق " ، وأن يضرب في نخاعها سوس السر ، فداهمتها ابتسامة تغالب البكاء والتداعى ، وأسرعت بالعدو نحو الحلم والهاجس المجنون مبتعدة ، لكنه لم يستسلم وأسرع بارتداء عباءة ومسوح رومانسي ، وأخرج من عباءته ( وردة ) .. للوهلة الأولى هي لا تنكر أنها سحرتها وكادت أن تنصرف عن الحلم والهاجس ، إليه . لكنها لما تشممتها وتبينتها وجدتها ( ذابلة ) فأنفلت صوت الضحك المر منها . فأدرك سر الضحك .. وكاد أن ينصرف ،لكن لكزه من خيول ذكورته الواهنة ، أعادته على عقبيه يلقى برهانه وتسليمته الأخيرة ، واعداً بصوت حالم : أن يتخلى عن كل طقوس صلاته التي تعلمها من قبل ، وأن تنكب هي كما الأم بتعليمه تراتيلها لعله يتغير : ومد إليها ذراعيه ، وقال برجاء : خذيني ... فاستدارت إليه ، وكانت مرآة العينين التي تعلمت فك طلاسمها عاكسة لحروف الآيات ، كالصورة في نيجاتيف الأفلام ، يمينها يسار ويسارها يمين ، فتنبهت إلى الكمين ، فابتعدت بعينيها ، فأدرك القول ،ومضى صوب الباب .. ليكسوها من جديد " غموضها الساحر " ...!! .
#سمية_عريشه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مجدي صابر.. رحلة كاتب شكلته الكتب وصقله الشارع
-
البحث عن الملاذ في أعمال خمسة فنانين من عمان في بينالي فيني
...
-
تادغ هيكي.. كوميدي أيرلندي وظف موهبته لدعم القضية الفلسطينية
...
-
الحكم بسجن الفنان الشعبي سعد الصغير 3 سنوات في قضية مخدرات
-
فيلم ’ملفات بيبي’ يشعل الشارع الاسرائيلي والإعلام
-
صرخات إنسانية ضد الحرب والعنف.. إبداعات الفنان اللبناني رودي
...
-
التراث الأندلسي بين درويش ولوركا.. حوار مع المستعرب والأكادي
...
-
الجزيرة 360 تعرض فيلم -عيون غزة- في مهرجان إدفا
-
من باريس إلى عمّان .. -النجمات- معرض يحتفي برائدات الفن والم
...
-
الإعلان عن النسخة الثالثة من «ملتقى تعبير الأدبي» في دبي
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|