|
اغنية التحليق بريش النثر ..
عبد العظيم فنجان
الحوار المتمدن-العدد: 2568 - 2009 / 2 / 25 - 09:10
المحور:
الادب والفن
الطيران بأجنحة من ريش النثر كما لو كنتُ أنتظركِ ، منذ حواء ، وقد طردتني الأشواقُ من الجنةِ : لم تهبطي معي ، فأنتظرتُ ، في العراء ، أن يجيء بكِ الملاكُ ، ولمّـا لم يحصل ذلك ، قبلتُ بالشيطان بديلا .
أيتها المكتوبة على عَـرش الغـبطة ، المرسومة على كثبان البرق ، المخلوقة في رحم الشِعر ، المولودة ، كالندى ، على عشب الخيال ، والمتوارية في منازل الكتابة : انتظرتـُكِ تحت شجرة ، حتى صارت الشجرةُ غابة ، تناسلتْ الوحشةُ داخلها ، وحشا بعد بعد اخر ، فجاء حطـّاب ، وغرس فأسه على أسمائكِ التي كتبتُ طوال انتظاري . هكذا تحوّل شغفي فيكِ الى حطبٍ ، حوله يتجمع الذين شرّدتهم الأشواق ، طوال الحبِ ، فيما تنغرس حروفكِ ، جمرةً بعد جمرة ، في مواقد ذاكراتهم : كأنكِ حاضرة أبدا ، تفكين أزرار قمصان الحسرات التي تعصف بأشواقهم ، تلبثين هناك في قلبها ، وتحت وسادة كل واحد منهم تتركين صورة لكِ ، جاد بها دفءُ أسمائكِ التي اردّدها ساعة الجفاف ، فتسطع ينابيعُ حلمتيكِ في المخيلة ، وأعودُ شاعرا مكتظا بالصمتِ : مهجورا يتراكم على قصائدي الغبارُ، إن لم تمرعليها عرباتُ خواطركِ ، وهي تنقل الصباح ، بعد كل ليل ، من نهارالى آخر .
أيتها المخلوقة من أجل أن أسيرَ في الناي ، وتتسرّب من ثقوبه أيامي ، نغمة بعد نغمة ، الى أن تتم الابديةُ لحنها ، ثم لا يجدني أحد في النهاية ، لكثرة ما مرّ نهرُ غيابكِ بين ضفافي .
كم قاومتُ أن أحبكِ كي أخدع الرب ، فتهبطين : كان موعدنا الجمعة ، إلا أن السبت مرّ ، والأحد والاثنين والثلاثاء والاربعاء ، وانتهى الخميس ، ولم تمر الجمعة ، حتى شممتكِ في الشرق ، مع السِحر، فركضتُ في الجهات ، وفي معطف هواجسي حفنة من عطور كثيرة ، اقتبستها من كل امرأة توهمتها أنتِ . لكنني ، في الطريق ، اكتشفتُ أن النساء يشبهنـكِ ، ولاتشبهين واحدة ، فألغيتُ كل الجهات ، ومشيتُ على لاهدى ، كما لوكنتُ قد تذكرتُ أنكِ هناك ، في المطلق ، في الركض وراء الفصول والتقاويم ، بانتظاري .
أيتها الممطرة من دون أن يمسّكِ موسم ، أو تمرَّ بكِ السنة ُ ، أيتها العيد في كل اغنية مشمسة . تعبدتـُكِ في الكهوفِ ، وعلى جدرانها رسمتكِ ، متقيا سطوع شمس النسيان على هذياني ، وأنا أنحتكِ وفق إيقاعه الذي لا أعرف من أي طبل كان ينهض ، راكضا نحو رقصتي الطويلة . أنحتـُكِ في قيعان شهوتي شاهقة فوق كل علو ، وتصعقني الدهشة عندما ، مع آخر لمسة ، تمدّين لسانكِ ساخرة : لستُ أنا ، ثم تذوبين عائدة الى الطين الذي خلقتكِ منه ، فأقعي وحيدا يائسا ، بعد كل محاولة ، حتى اكتملتِ ، ذات جنون ، فقلتِ : هيت لكَ ، وكشفتِ أنحائكِ ، هضبة بعد هضبة ، لكن الانسان ، بآلاته الجهنمية ، نقلكِ منحوتة الى متحفه ، تاركا ممرات جمجمتي خالية من حضوركِ الساحر .
أذكرُ من فمكِ عيد ميلاده ، مع أول قبلة . ومن شفتيكِ أذكر أن خطاً من الافقِ قد تكوّن بينهما ، من خلاله مرت الكلمة الوحيدة : الكلمة الحبلى التي من رحمها تولد الكائنات : احبكَ..
أذكرُ من رموشكِ أنها رسمتْ حدود لانهائيتي ، وأن أصابعكِ شكّـلتْ قسمات وجهي واعضائي ، فيما كنتُ نائما . نائما كنتُ أحلم بكِ تقودين نحوي المسرّة ، ويقظا كنتُ أرى إليكِ منقادة الى التبخر تحت حرارة موجتي : أنتِ الصاعقة مرة ، وأنا الشجرة ، و بالعكس مرات .
ألمُّ عُـريكِ من تفاصيل تلعثمي بحضور الجدوال ، عندما النسيم يرسم طيّـة من بدنكِ ، فوق سطحها ، لكنكِ لاتلبثين مكانكِ ريثما أفصل القطرات ، التي مسّها تجليكِ ، عن المياه ، فما من عزاء ، وقتها ، إلا أن أتبع النسيم من جدول الى جدول ، أو أن أرتدي الجداول .
هناك.. هناك ممر كان بين نهديك دافئا ، مشيتُ فيه مرة وتهتُ ، لأنني رأيتُ الملاك والشيطان ، مثل عقربي ساعة ، عاطلـَين عن العمل ، تاركين الوقت ، هو الاخر، لا يفرّق بين بداية الممر أو نهايته ، حتى أنني ، في الاخير، ناديتكِ : أيتها الكسولة في لمّ الغيوم ، فهي حواجبكِ . أيتها المتباطئة عن الموعد ، فهو اقترانك بالعاصفة، وحفل زفاكِ من الغسق ، فامتصني عرقُ بدنكِ ، وغصتُ عميقا في آبار مسامه ، حتى وصلتُ الى ما لا اسميـّه ، لأنه كان منتهى المنتهى .
أذكر أنكِ لم تذهبي الى المدرسة : في الجنة لايتعلم المرء إلا عبر الحواس ، من دون معلم ، لكنكِ طلبتِ ذلك . طلبتِ أن أكون المعلم والدرس ، ولم يكن ثمة شيء أعرفه سوى أن أدلّـكِ عليكِ ، أكشفـُـكِ لكِ ، فوجدتكِ تعرفين المسالك ، وتحفظين ، عن ظهر قلب ، خرائط الذنوب : ذنبا بعد ذنب ، حتى اكتشفنا معا أننا نستطيع أن نخلق الجحيم ، مثلما بامكاننا أن نبتكر جنة محفوفة بالمخاطر : الخطرُ أن نكون خالـقـَين أجملُ من أن نكون ضحايا . هكذا اخترعنا الحبَ ، وسحنا في مجاهل الجمال : قصيدة تكتب نفسها ، وتزدري النقـّاد لأنهم يحسبون الريشة طائرة .
أجهلُ ما الذي طار من أعضائنا ، ساعة ارتكابنا الخطيئة النبيلة : ربما كان العقل كله. أجهلُ ما الذي حطّ في جسدينا ، ساعة التحامنا في المعركة : ربما كان القلب كله . لكنكِ تعرفين أننا لم نرتكب إلا ما يُـنير دواخلنا ، وصولا الى الشعلة ، فلنكن ساقطـَيـن بعدها ، لأن الأقاصي صارت قريبة . إن اشراقة الجسدين على بعضيَهـما لا تليق بها الاغطية : دعينا ، في العراء ، نسطعُ كشمس حنونة ، ودعي التاريخ يشرب قهوته مع القائد المنتصر، آه ما أروع الظمأ بين جسدين يرتشفان القهوة من بعضيهما ، على سريرالهزيمة .
أذكرُ أن براري ساقيكِ عندما اغتسلتْ بأمطار ساقيّ ، وانطلقا معا الى اللا أثر، تحوّلتُ ، أنا المعـلّـمُ ، الى تلميذ . قلتِ : مادام التأريخ زائفا ، حلـّق يافتاي ، ابتكرْ، من أجل الطيران في الكتابة ، ريشا من النثر : يا رجلي ، ياصياد طيوري ، حلـّق إن التحليق بأجنحة الشـِعر مدوزنٌ هنا بالأوامر .
وحلّـقـتُ بعيدا ، من سماء الى سماء ، حتى رأيتُ الدلالة ، عندما أشرق وجهكِ على كوكبٍ مغبرٍ حزينٍ اسمه الارض ، فانتظرتكِ فيه ، كما جاء في الكتب المقدسة : كان موعدنا الجمعة . ومرَّ السبت ومن بعده الاحد والاثنين والثلاثاء والاربعاء ، حتى انتهي الخميس ، ولم تمر الجمعة . آه ، ولامرة ، في حياتي ، مرّتْ الجمعة .
#عبد_العظيم_فنجان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
اغنية أمشي ضائعا في جمالكِ ..
-
اغنية كيف يكون الجمال صاعقا
-
ملف : جان دمو الساطع كصلاة صباحية / رؤيا اخرى وقصائد ضائعة
-
صورة كمال سبتي في شبابه
-
اغنية عندما يعود السندباد الى بيته
-
اغنية البلبلُ المشرَد
-
كيف خسرتَ الوردة ، كيف ربحتِ العاشقَ ؟
-
بورتريه المخلّص
-
أغنية لتحطيم أنف العالم
-
كمشة فراشات
-
اغنية جمعية الشعراء الموتى
-
اغنية عقيل علي
-
ساحر من ألف ليلة وليلة
-
أغنية حب بغدادية ومدينة الاشارة
-
بورتريه الخطر
-
أغنية الليل تحت عدسة مكبرة
-
ثلاث قصائد
-
النافذة
-
قصيدتان
-
اغنية خاتم سليمان
المزيد.....
-
يشبهونني -بويل سميث-.. ما حقيقة دخول نجم الزمالك المصري عالم
...
-
المسألة الشرقية والغارة على العالم الإسلامي
-
التبرع بالأعضاء ثقافة توثق العطاء في لفتة إنسانية
-
التبرع بالأعضاء ثقافة توثق العطاء في لفتة انسانية
-
دار الكتب والوثائق تستذكر المُلهمة (سماء الأمير) في معرضٍ لل
...
-
قسم الإعلام التطبيقي بكليات التقنية العليا الإماراتية والمدر
...
-
نص من ديوان (ياعادل) تحت الطبع للشاعر( عادل جلال) مصر.
-
إخترنا لك :نص (شكرا لطوق الياسمين )حسن فوزى.مصر.
-
رحيل الممثلة البريطانية ماغي سميث عن 89 عاماً
-
طارق فهمي: كلمة نتنياهو أمام الأمم المتحدة مليئة بالروايات ا
...
المزيد.....
-
مختارات أنخيل غونزاليس مونييز الشعرية
/ أكد الجبوري
-
هندسة الشخصيات في رواية "وهمت به" للسيد حافظ
/ آيةسلي - نُسيبة بربيش لجنة المناقشة
-
توظيف التراث في مسرحيات السيد حافظ
/ وحيدة بلقفصي - إيمان عبد لاوي
-
مذكرات السيد حافظ الجزء الرابع بين عبقرية الإبداع وتهمي
...
/ د. ياسر جابر الجمال
-
الحبكة الفنية و الدرامية في المسرحية العربية " الخادمة وال
...
/ إيـــمـــان جــبــــــارى
-
ظروف استثنائية
/ عبد الباقي يوسف
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
سيمياء بناء الشخصية في رواية ليالي دبي "شاي بالياسمين" لل
...
/ رانيا سحنون - بسمة زريق
-
البنية الدراميــة في مســرح الطفل مسرحية الأميرة حب الرمان
...
/ زوليخة بساعد - هاجر عبدي
-
التحليل السردي في رواية " شط الإسكندرية يا شط الهوى
/ نسرين بوشناقة - آمنة خناش
المزيد.....
|