|
عوامل اخفاق اليسار في انتخابات مجالس المحافظات
عماد علي
الحوار المتمدن-العدد: 2571 - 2009 / 2 / 28 - 07:38
المحور:
ملف: الانتخابات والدولة المدنية والديمقراطية في العراق
فلنناقش ما يجري في العراق و ما يحدث استنادا على ما مر به في تاريخه المليء بالحوادث و الظواهر المتعددة ، و التي لا مثيل لها في المنطقة بشكل عام ، و بالاخص من النواحي السياسية و الاجتماعية ، و تباين المستوى الثقافي بين مكوناته الموزائيكية ، و مؤثرات الثورات و الحروب الدينية و العقيدية و الشخصية على حياة شعبه و تفكيرهم و تمسكهم بموروثات التاريخ و ما خلفه من التقاليد و العادات و ما ترسخت في جذوره ، و ما اتسم به في فترات و مراحل معينة من افكار و معتقدات و ايديولوجياته بشكل سطحي دون التاصل او التعمق في جذوره ، و لاسبابه المعلومة ،و الا لما تغيرت حال الشعب الى ما نحن عليه اليوم من وضع متخلف جدا عما كنا عليه في الخمسينات و الستينات من القرن الماضي و بشكل مطلق . كانت العقود الماضية القريبة فترات ساحقة لكافة جوانب حياة الشعب العراقي ، بحيث لم تبقى من النصاعة و التلالا والتفوق الواضح الذي امتاز به الشعب العراقي شيئا ، مقارنة بما حوله من الشعوب و الدول . تاريخ اليسار مشع في العراق و الشعب العراقي تمسك لفترة كبيرة بمبادئه ، واثر بشكل صريح و جذري على المستوى الثقافي للمجتمع ، الا انه لم يتعمق في كينونته ، و ما جاء بعد تلك الفترة الذهبية من الظروف الداخلية و الخارجية مسح جوانب كثيرة من مقومات اليسار و موجباته و ضروراته الواقعية وبفعل فاعل كما نعلم . و انطلاقا مما ذُكر نتاكد بان الظروف الذاتية و الموضوعية لهما التاثير المباشر على حد سواء على تراجع اليسار و امكانياته و شعبيته وعلى المدافعين عن اهدافه و مبادئه والتعبير عن خطابه . هناك من ادعى اليسارية و نشر خطاباته على انها جوهر الاشتراكية و لم تمر فترة الا وتراجع عما طالب و امن به و خلف تاثيراته السلبية على افكار و معتقدات الكثيرين ، و منهم الجيل الجديد الذي لم يتعرف على ماهية اليسارية بعد انهيار الاتحاد السوفيتي و سيطرة القطب الواحد لفترة غير قليلة على كافة شؤون العالم الفكري الثقافي ، و سيطرة الليبرالية بشكل و اخر على عقول هذا الجيل و بطرق عدة ، و اكثرها استغلالهم للتقدم التكنولوجي و الاتصالات و ما تعمله العولمة و مؤثراتها على الاجيال ، و ان كانت بشكل غير مباشر في اكثر الاحيان . و ابراز افكار و عقائد قديمة جديدة اخرى، و ما افرزت منها من الصراعات ابعدت طرق و وسائل اليسار من متناول الاجيال الجديدة ، و لم تتحسس مضامين اليسارية و انسانيتها و مبادئها الاخلاقية الفريدة من مطالبتها المساواة و العدالة الاجتماعية كاقل حق للمواطن . مما فرض الفشل و الاخفاق لمن قاوم بشكل صريح ما تفرضه الراسمالية و حيلها . اما الظروف الذاتية و ما يخص الاحزاب و كيفية عملها و تعاملها مع المستجدات العالمية والداخلية في العراق ، لم يكن ناجحا بل كل ما حاولوا هو الترقيع هنا و هناك دون ايجاد حلول جذرية لما هو اليسارية واقعة فيه من ظروف تمنعها من التكيف مع ما موجود على الارض و ما جلبتها الحروب و سيطرة القوى الكبرى على المنطقة . تستمد الاحزاب اليسارية قوتها من ماضيها العريق و تاريخها المليء بالفخر و الاعتزاز ، الا ان هذا لا يفيد العصر و ما فيه ، و ليس هناك من افكار مسيطرة الا و تحسب للمصالح الشخصية حساباتها بكل الوسائل في هذا الوقت . و بعد تاثير الثقافات المتعددة على الفرد و اهتماماته و المامه بالمعتقدات الخاصة و الضرورات الفردية دون اي اعتبار لما يخص الجماعة ، و حدود عمل الفرد يتجاوز ما يمس الجماعة والمجتمع باكمله، تلبية للمتطلبات وافكار الليبرالية و هذا ما ستغلته هذه الافكار و الاعتقادات . اذن الاحزاب السارية في العراق بعد سقوط الدكتاتورية لم تهتم باعادة النظرفيما هي فيه و الذي من الواجب اعتمادها في جميع الجوانب و منها اداء الواجبات الفكرية و الحزبية ، و اعتمدت على التحالفات منتظرة انقضاء المرحلة الحالية او المفاجئة لتوفير الارضية المناسبة لنموها و عودة هيبتها و اعتلائها العرش دون اي تغيير جذري في ذاتها . و لحد اليوم ظهر فشلها و اخفاقها و بان تقصير عملها و هذا ما دفع الى تراجعها يوما بعد اخر ، و تستمر هذه الحال ان لم تهتم باعادة النظر جذريا في العمل و الجوهر حتى ، و بواسطة العقول العصرية من اليساريين الواقعيين لبرمجة عملهم و نواياهم و اهدافهم و اختيار تكتيكات مؤثرة من اجل استراتيجيات واضحة ، و هذا ما يحتاج الى عقول تقدمية تجديدية ، و الاهم هو الحداثة و استحداث طريقة العمل و التعاون من اجل الخروج من الازمة التي وقعت فيه اليسارية . و هذا ما يحتاج الى دراسات و بحوث سياسية علمية دقيقة لتحديد برامج عمل و اجندة واضحة و صريحة ، مقيٌمين كافة جوانب الحياة للمجتمع من الجانب السياسي و الثقافي و الاجتماعي و الاقتصادي لاستنتاج ورقة عمل ملائمة لتعديل الحال ، مستلهمين من الاحزاب اليسارية التي قطعت الشوط الكبير بعد النكسات في العالم ، و نعتبر من كيفية عملهم و اعادة نظرهم لتركيباتهم و اهدافهم و خطاباتهم و مناهجهم الداخلية وقياداتهم و تغيير عقلياتهم القديمة المنتهية الصلاحية ، و نحتكم اليهم . نتائج الانتخابات الاخيرة في العراق تفرض التغيير الجذري قبل فوات الاوان بشكل نهائي . و قبل اي شيء يتطلب الوضع تشخيص الجوانب السلبية كافة ، بكل صراحة ، و البحث عن ايجاد الحلول الجذرية المناسبة ، و تحديد الوقت اللازم لها ، وكيفية تنفيذها ، و الاهم هو تعاون الجميع باخلاص من اجل خير الانسان و ضمان حريته و المساواة بين مكوناته و تحقيق العدالة الاجتماعية و السلام الدائم له ، كما هو جوهر اهداف و امنيات اليسار في كل زمان و مكان .
#عماد_علي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سيطرة اليمين في اسرائيل و تاثيراتها على علاقاتها في المنطقة
-
التراجع في تطبيق ديموقراطية اقليم كوردستان
-
ترسيخ الفلسفة و النهج التربوي التقدمي اولى مهامات الدولة الح
...
-
اهمية الاصلاح داخل الاحزاب و تاثيراته على الوضع العام في الع
...
-
هل سيشهد اقليم كوردستان فوضا خلاقة و تغييرا جذريا
-
النهضة بحاجة الى العقلية التقدمية المنفتحة
-
كيف نسد الطريق امام محاولات تفريغ الديموقراطية من مضمونها
-
بعد انتخابات مجالس المحافظات.. الوضع العراقي الى اين ؟
-
استمرارية الاصلاحات دليل تطور و تقدم اي بلد
-
اوجه التغييرات المحتملة بعد انتخابات برلمان كوردستان المرتقب
...
-
اوجه التغييرات المحتملة بعد انتخابات برلمان اقليم كوردستان ا
...
-
الدور التركي بعد حرب غزة و تلاسنات دافوس
-
دور النقد البناء في بناء الاحترام المتبادل بين السلطة و المو
...
-
مكامن عمليات اعداد القرارات السياسية و امرارها في العراق
-
تعتمد التحالفات السياسية على ظروف المرحلة و الوضع السياسي ال
...
-
من هم المعارضة و ما هي واجباتهم ؟
-
اوضاع العراق بعد تنفيذ اجندة الادارة الامريكية الجديدة
-
الاليات المناسبة لمشاركة الشباب في اداء الواجبات العامة
-
الفضائيات وسيلة عصرية لتمدن الشعوب
-
المحافظة على سلامة عقلية الاجيال القادمة من واجبات المخلصين
...
المزيد.....
-
السيسي وولي عهد الأردن: ضرورة البدء الفوري بإعمار غزة دون ته
...
-
نداء عاجل لإنهاء الإخفاء القسري للشاعر عبد الرحمن يوسف والإف
...
-
-الضمانات الأمنية أولاً-..زيلينسكي يرفض اتفاق المعادن النادر
...
-
السلطات النمساوية: هجوم الطعن في فيلاخ دوافعه -إسلاموية-
-
نتنياهو: انهيار نظام الأسد جاء بعد إضعاف إسرائيل لمحور إيران
...
-
نتنياهو: ستفتح -أبواب الجحيم- في غزة وفق خطة مشتركة مع ترامب
...
-
كيلوغ المسكين.. نذير الفشل
-
تونس تستضيف الدورة 42 لمجلس وزراء الداخلية العرب (صور)
-
-مصيركم لن يكون مختلفا-.. رسالة نارية من الإماراتي خلف الحبت
...
-
مصر تعلن بدء إرسال 2000 طبيب إلى غزة
المزيد.....
|