أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان الدراجي - الضباب














المزيد.....

الضباب


عدنان الدراجي

الحوار المتمدن-العدد: 2567 - 2009 / 2 / 24 - 08:52
المحور: الادب والفن
    


خدعني مدى الرؤية في أول وهلة فظننت أن هيأتي ستنجو من التشويش في أنظار الآخرين, لم اكتشف ما فعله بي الضباب إلا بعد رؤيتي لشبح الشخص الذي مر بجواري مسرعا قبل قليل.
لم اعتد تفحص وجوه الناس من قبل إلا أن تحيته منحتني فرصة التمعن فيه فأثار عجبي التناقض الحاد بين أعضاء جسده, فرأسه الكروي الشديد الشبه برؤوس دمى الثلج ملتصق بجذع بدنه مباشرة حتى أن ياقة قميصه الأبيض الأنيق سترت ثلث وجهه, وتحت الرأس الضخم امتشق جسده الرياضي الرشيق منتصبا في داخل بدلة فاخرة نيلية اللون تخفي ضمورا واضحا أصاب فخذه الأيمن ولو كان متمهلا لما رأيت ذلك العيب فيه.
استفزني رخاء بشرته الطرية وشفتاه الشهوانيتان الممتلئتان, كان ينطق كلمات تحيته ببطء لا يتناسب مع سرعة قدميه وحركة عينيه الغائرتين على جانبي قصبة انفه المعقوف.
سحابة العطر التي تلاحقه ولمعان حذائه الفاخر غرسا في ذهني حالا انه من المرفهين الذين يرتدون ويتجملون (باكسسوارات) تعادل ثروة طائلة بقياساتي, لكن ما الذي جعله يسير على قدميه مثلي؟ هناك عدة احتمالات ازدحمت بها أفكاري, قد يكون ممن يتشبهون بالأغنياء أو غنيا أطاحت بثروته إحدى الشركات الوهمية ويحتمل كذلك أن خوفه من الطقس الذي يلفه الضباب الكثيف منعه من قيادة سيارته و ربما هناك سبب آخر لا أدركه.
امتزج شبح الرجل تدريجيا بالضباب الذي ما انفك يلفظ من جوفه بين الحين والآخر عددا من الأشباح لتمشي في مدى بصري زمنا ثم يعود فيبتلعها من غير أن تترك أثرا مميزا بالرغم من محاولاتي الحثيثة لتشخيص بعضها على الأقل.
عدت إلى نفسي أتساءل: هل يعقل أن الضوء المتواري خلف غلالة ضباب الصباح قد صادر تفاصيل هيأتي وأحالني إلى شبح لا أتميز بشيء عن أي شبح أخر؟ يا الهي كيف أتساوى مع هذا الرجل بعيون الآخرين رغم الفوارق الهائلة بيننا؟ لا ادعي أني أحسن منه, إلا أننا لا نتشابه مطلقا, بل أنا اختلف عنه بكل شيء بملامحي وحجم راسي وبطول قامتي وشكل كفي وبفقري وبملابسي وبعنقي الذي سما فوق ياقة قميصي, لكن ما قيمة هذا كله في طقس يلفه الضباب الكثيف؟!
تيقنت أنني أسير في كبد الضباب لكنه لا يُرى بوضوح إلا عن بعد بل يكون اشد وضوحا على مسافة ابعد, دفعني فضولي إلى اللحاق بالضباب فأسرعت الخطى كطفل يلاحق السراب, لهاثي لم يكبح سرعتي, كنت مندفعا إلى الأمام مصوبا نظري إلى الكتلة الضبابية القاتمة, انفلتت رغباتي لتتبع الضباب رغم التعب الذي تسلل إلى جسدي كله, وكلما فترت رغبتي في ملاحقته يدنو مني أكثر فأحث الخطى لكنه سرعان ما ينساب مبتعدا فكنت كمراهق غر هامَ بغنج فتاة لعوب فعلق في شباكها وأمسى من فرائسها.
ليست المرة الأولى التي أرى فيها ضبابا كهذا لكن بالتأكيد لم يسبق لي العوم في لجة ضباب كتم أنفاس الشمس وأحالها إلى قرص باهت لا يرى إلا بالكاد.
توقفت رغم انفي لاسترد أنفاسي المتلاحقة, طأطأت راسي الذي بدا لي لأول مرة في حياتي ثقيلا أكثر من المعتاد ونظرت إلى قدميّ المتهالكتين, لم أرى قدميّ بل وقع بصري من غير قصد على قضيبين من البخار الكثيف يندفعان من أرنبتي انفي ثم يتلاشيان ليبرز بعد لحظة قضيبان آخران وهكذا مع كل زفير يغادر انفي, تأوهت متعجبا فسقطت على الفور كتلة ضبابية كثيفة من فمي كأنها فضلة ركام ضبابي هائل امتلأ به جوفي.
تسمرت في مكاني مصعوقا وانفجر بركان سخطي على بصري الخائب الذي عجز عن اكتشاف انغماري في المغطس الضبابي والأدهى من ذلك انه ساقني بكبريائه الزائف إلى ملاحقة لا جدوى منها.

د.عدنان الدراجي
[email protected]



#عدنان_الدراجي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- البصيرة
- عندليب المتفائلين
- المذياع
- انتفاخ
- منطق الأمراض
- مواسم الأقنعة
- أسورتك لا بأس بها
- الأستاذ
- عيون
- بشارة سبتمبر
- انزوى صامتا
- احذروا التجهم
- الملجأ
- قيلولة النصر
- هوية
- جسد مجنون
- قصة صولة العواء
- قصة اغتصاب ظل
- صعلكة
- سياحة


المزيد.....




- ما الذي كشف عنه التشريح الأولي لجثة ليام باين؟
- زيمبابوي.. قصة روائيي الواتساب وقرائهم الكثر
- مصر.. عرض قطع أثرية تعود لـ700 ألف سنة بالمتحف الكبير (صور) ...
- إعلان الفائزين بجائزة كتارا للرواية العربية في دورتها العاشر ...
- روسيا.. العثور على آثار كنائس كاثوليكية في القرم تعود إلى ال ...
- زيمبابوي.. قصة روائيي الواتساب وقرائهم الكثر
- -الأخ-.. يدخل الممثل المغربي يونس بواب عالم الإخراج السينمائ ...
- عودة كاميرون دياز إلى السينما بعد 11 عاما من الاعتزال -لاستع ...
- تهديد الفنانة هالة صدقي بفيديوهات غير لائقة.. والنيابة تصدر ...
- المغني الروسي شامان بصدد تسجيل العلامة التجارية -أنا روسي-


المزيد.....

- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / أحمد محمود أحمد سعيد
- إيقاعات متفردة على هامش روايات الكاتب السيد حافظ / منى عارف
- الخلاص - يا زمن الكلمة... الخوف الكلمة... الموت يا زمن ال ... / السيد حافظ
- والله زمان يامصر من المسرح السياسي تأليف السيد حافظ / السيد حافظ
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل مسرحية "سندريلا و ال ... / مفيدةبودهوس - ريما بلفريطس
- المهاجـــر إلــى الــغــد السيد حافظ خمسون عاما من التجر ... / أحمد محمد الشريف
- مختارات أنخيل غونزاليس مونييز الشعرية / أكد الجبوري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان الدراجي - الضباب