رشيد الباز
الحوار المتمدن-العدد: 2566 - 2009 / 2 / 23 - 06:49
المحور:
الادب والفن
أجلسُ، كالعادة، لأكتب
وقد كان بإمكاني أن أظلّ واقفا أو متمشّيا حتى لا أجلس لأكتب.
أكتبُ وفي ذهني رهط من المثقفين المحليين الذين نذروا بقيّة أيامهم لتطويع الفكر إلى التزلف ولجرّ العقلانية إلى محدودية الهواجس الشخصية إلى درجة أنهم لم يعودوا قادرين على ارتياد مقهى أو مطعم عموميين مخافة أن يبصق الشعب الكريم على وجوههم
أكتب وأؤجّل سرد أسماء هؤلاء إلى مقال آخر قد أكتبه وقد لا أكتبهُ.. ذلك أنهم يتناسلون كالنّمل فوق هذا التراب الذي لم يشهد لهم بفضيلة واحدة!
أجلس.. وأرتّب جلوسي:
أزيحُ الكراسي الزائدة من حول الطاولة حتى لا يتلصّص على مسودتي عابر سبيل أو متطفّل لجوج.
وفي اللحظة التي تينعُ فيها بارقة لفكرة أتذكّر، ثانية، هذا الرهط من المثقفين فأصاب بالدوار، وأشفق على الأنظمة التي يمدحونها بما فيها وبما ليس فيها.. مساهمين بذلك في مزيد إحراجها، من الناحية المعنوية، وفي مزيد ابتزازها، من الناحية المالية.
أجلس بعيدا عنهم وأحتفي بوحدتي كما لو أن لها جسدا هنا.. في هذا المكان..
حيث يكتفي المثقّف بترديد ما يقالُ لهُ، وكأن جسده كلّه مجرّد أذن تستقبل البثّ، يصبح من الضروري الرجوع إلى تدفّق الحياة وهدير إيقاعاتها حيث يسبق الحدسُ النظريات.
أجلس على ساقين..
مثل جميع الناس الأسوياء..
وأجهّز قلما احتياطيا مخافة أن ينضب حبر القلم الأول. فلا أجد ما أكمل به جملة بدأتها أو فكرة شرعت في تلمّسها أو سياقا تمّ حشري فيه دون علمي أو مشورتي
أجلسُ لمجرّد الجلوس..
وحتى لا يقال إنّني أتقاضى راتبا على فعل الجلوس هذا أكثر من القيام والقعود والتلفت إلى اليمين وإلى الشمال كمن لا يعرفُ من أين ستأتيه الصاعقة!
أجلس لخدمة الناس. لا بالسيف والمسدّس. بل بالقلم وحده. ولأجل تأمين هذه الخدمة النبيلة أشترط على بائع الأقلام أن لا يبيعني أقلاما بوسعها أن تمدح أحدا..
ذكرا كان أم أنثى.
أولاد أحمد
2009/02/10
#رشيد_الباز (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟