|
تخريبُ الديمقراطيةِ بشُموليةِ الثُّلُثِ الْمُعَطِّل
سعيد علم الدين
الحوار المتمدن-العدد: 2564 - 2009 / 2 / 21 - 08:51
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
يتباكون على التوافق وهم الذين هددوا عند أول خصام سياسي بالطلاق، واحتلوا وسط بيروت بلطجيةً وقطعوا الأرزاق، وحاصروا السراي الحكومي بالإرهاب، ثم غزوها في ليلة ظلماء لأتفه الأسباب، فقتلوا الأبرياء وحرقوا المؤسسات ولطخوا الوفاق بين اللبنانيين بصفحةٍ سوداء مليئةٍ بالاستفزازات والأحقاد، والعنف والدماء، والفتن والبلاء، ويرتكبون يوميا التعديات والأخطاء، ولن يلجمهم عن سفالاتهم إلا جيش البلاد، الذي يجب أن يحافظ على النظام العام وأمن المواطنين وممتلكاتهم من أبناء ولاية الفقيه الأشقياء وزبانية النظام السوري العملاء. وهكذا ارتعدت فرائِصُهُم وسقط في أيديهم وذعروا كالبلهاء، عندما قال الزعيم الوطني الشيخ سعد الحريري في حديث لِ " الشرق الأوسط" نشر في 12 شباط 09 التالي: " إذا فازت قوى «8 آذار» في الانتخابات النيابية المقبلة، فمن المستحيل ان اشارك في حكومة مقبلة. فليحكموا بانفسهم. اما انا فلن اكرس الثلث المعطل". نشد على يد الشيخ سعد ان لا يتراجع نهائيا ورغم كل الظروف عن هذا الكلام الديمقراطي الصحيح والذي هو الرد المدوي على تسلل الفكر الشمولي لتخريب الديمقراطية اللبنانية الفذة بثقافة الميليشيات التي كرسوها في اعتداءات 7 أيار وقتلهم للأبرياء في بيروت والجبل والبقاع وطرابلس وحرقهم للمؤسسات وتخريبهم للمتلكات وتعطيلهم للاقتصاد، وقطعهم للقمة عيش اللبنانيين ليفرضوا الثلث المعطل على ارادة الشعب بقوة السلاح. وبما ان الشيخ سعد استعمل كلمة "مستحيل". فسنذكره دائما بهذه الكلمة. الا اللهم اذا كانت مشاركته في الحكومة بثمن! ألا وهو نزع السلاح الغير شرعي الذي فرض الثلث المعطل من أيديهم وتحويل حزب الله الى حزب سياسي كباقي الأحزاب والتيارات وفرض سلطة الدولة وسيادة القانون في الضاحية الجنوبية كما هي الحال في طرابلس وزحلة وكل انحاء لبنان. كيف لا وكلام الشيخ سعد هو كلام ديمقراطي دستوري سليم ويعكس إرادة الشعب في الاختيار وينسجم انسجاما تاماً مع الفلسفة الديمقراطية بشكل عام، وتاريخ النظام الديمقراطي اللبناني العريق ومنذ تأسيسه في العشرينيات من القرن الماضي بشكل خاص. ديمقراطي: لأنه يذكر بتقاليد التنافس الديمقراطي اللبناني البرلماني الصحيح: كالتنافس بين الكتلة الوطنية والكتلة الدستورية في رئاسة الجمهوريات، وبين صائب سلام ورشيد كرامي في رئاسة الحكومات، وبين كامل الأسعد وصبري حمادة في رئاسة مجلس النواب، والجنبلاطيين والارسلانين في جبل لبنان. وخير مثال حاليا هو التنافس الديمقراطي الكلاسيكي الصحيح بين الزعيمين النائب وليد جنبلاط قوى 14 اذار، والوزير طلال ارسلان جماعة 8 اذار. ولا بد هنا من التذكير بالتنافس الرئاسي التاريخي في انتخابات 1972 حيث فاز الرئيس فرنجية بصوت واحد على منافسه الرئيس سركيس. انتخاب الرئيس ميشال سليمان التوافقي جرى في ظروف قاهرة واستثنائية يجب ان لا تتكرر، لأنها تقتل الفلسفة الديمقراطية في التنافس بين المرشحين، وتشوه الإرادة الشعبية. هذه هي الديمقراطية الحقيقية وتقاليدها العريقة في لبنان بالفوز بصوت واحد كما هي الحال في معظم الدول الديمقراطية العريقة. كألمانيا حيث تحكمها السيدة المستشارة ميركل بثلاث أصوات مما فرض عليها التحالف مع منافسها الحزب الاشتراكي. ما معناه أن الشعب هو الذي يفرض التوافق والتحالف بين القوى المتنافسة ولا يُفرضُ عليه مسبقا كما تريد جماعة شكرا سوريا. فعندما ينتخب الشعب اللبناني قوى 14 آذار وجماعة 8 آذار مناصفة معنى ذلك أن الشعب يريد التوافق والتحالف بين المتنافسين في حكم البلاد. مثلا إذا اقتنع الشعب بأطروحات: فايز شكر ونبيه بري وأسامه سعد وحسن نصر الله وفتحي يكن وميشال عون وسليمان فرنجية ونعيم قاسم وناصر قنديل وميشال سماحة ووئام وهاب وعمر كرامي وأسعد حردان ومحمد رعد وعبد الرحيم مراد وانتخب أكثرية من هؤلاء الأفذاذ المنتفضون على الاستعمار ومقارعة الإمبريالية ومحاربة الصهيونية، فصحتين على قلبهم وعليهم أن يحكموا البلد، تكريسا لإرادة الشعب وليس للثلث المعطل. وهذا سيكون أريح لهم! وإلا فإن ثلث 14 آذار المعطل في الحكومة سيعطل عليهم الانتفاض على الاستعمار ومقارعة الإمبريالية الأمريكية ومحاربة الصهيونية العالمية وتحرير فلسطين من النهر الى البحر وربما تحرير قبرص أيضا ورفع الزوبعة فوقها كما يحلم الحزب القومي السوري. الشعب ينتخب لفترة أربع سنوات وليس للأبد. هذه هي الديمقراطية! الشعب يختار الأفضل لحكم البلاد لفترة زمنية محددة دستوريا. هذه هي الديمقراطية! وإلا كيف سيستطيع الشعب معاقبة الأكثرية الحاكمة وسحب ثقته منها وخذلها، ومكافأة المعارضة الصابرة بمنحها ثقته لتتحول إلى أكثرية لتحكم البلاد. أيضا لفترة محددة وليس إلى أبد الآبدين! هذا ولم يعرف النظام اللبناني في تاريخه الديمقراطي العريق ما يسمى ببدعة الثلث المعطل. فبدعة الثلث المعطل تنهي التنافس الديمقراطي الحي وتحوله إلى نظام شمولي متمارض ميت بلا معارضة وشبه دكتاتوري مغلفا بكلمة توافق الجميلة والتي ما هي الا السم الشمولي في عسل الديمقراطية. كيف لا ومع جلوس الأكثرية والأقلية المعارضة في الحكومة تنتهي الديمقراطية متحولة الى مهزلة شمولية. فالشعب عندما ينتخب اكثرية انما ينتخبها لتتحمل مسؤولية الحكم لفترة محددة، وليس لكي تجلس الى جانبها المعارضة. ومع جلوس الأكثرية والمعارضة جنبا إلى جنب في الحكومة لحكم البلاد، لا يعد هناك مبرر لإجراء الانتخابات؟ عدا ان الثلث المعطل يضرب الفلسفة الديمقراطية من أساسها خالطا بين السلطات. فالديمقراطية تقوم على الفصل بين السلطات: التنفيذية للحكم والحكومة، التشريعية للتشريع عبر مجلس النواب، والقضائية لنشر العدالة وفرض القوانين. المكان الصحيح لجلوس الأكثرية الحاكمة والأقلية المعارضة هو مجلس النواب. حيث تستطيع المعارضة القيام بدورها الصحيح في انتقاد ومحاسبة الحكام. ومن أهم ميزات النظام الديمقراطي وفي كل دول العالم هو التنافس الصحيح الذي يتيح للشعب اختيار الأفضل! ولبنان ليس استثناء في هذا المجال فهذه ماليزيا دولة متعددة المذاهب والأديان والاعراق والاحزاب وتشبه لبنان الى حد بعيد ورغم ذلك تمارس الديمقراطية فيها كأفضل دولة مسلمة في العالم ومن دون ثلث معطل. ومن هنا يأتي تألق ماليزيا وازدهارها وتقدمها وتطورها، لاعتمادها النظام الديمقراطي التنافسي الصحيح. وهي تعتبر في هذا الصدد مثالاً حياً مثل لبنان لكل دول الشرق العربي والاسلامي والآسيوي. فالديمقراطية تعني الافضل يجب ان يتحمل مسؤولية الحكم، واذا فشل وارتكب الاخطاء يخذله الشعب في صناديق الاقتراع. وعندما تجلس الأكثرية مع المعارضة في الحكومة تضيع المحاسبة. فمن سيحاسب من؟ كلام الشيخ سعد دستوري أيضا، لأنه يتجانس مع مقدمة الدستور اللبناني فقرة أ التي تنص على التالي: "لبنان واحد أرضا وشعبا ومؤسسات" أما الفقرة ج فتنص " لبنان جمهورية ديمقراطية برلمانية". هذا الكلام يعني بوضوح وبلا زعبرة الاستاز: أن الشعب اللبناني شعب واحد وليس شعوبا، وان جمهوريته ديمقراطيته برلمانية وليست توافقية. ونقطة على السطر! هدف جماعة شكرا سوريا هو تخريب الديمقراطية من خلال فرض الثلث المعطل ليتحول النظام اللبناني إلى نظام شمولي فاسد كما الحال في سوريا وإيران.
#سعيد_علم_الدين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لا للديمقراطية التلفيقية !
-
ملالي الكذب الحلال
-
هل حسن نصر الله متورط؟ (5) الجزء الأخير
-
هل حسن نصر الله متورط؟ (4)
-
هل حسن نصر الله متورط؟ (3)
-
هل حسن نصر الله متورط؟ (2)
-
هل حسن نصر الله متورط؟ (1)
-
ردا على نصر الله بمناسبة -يوم الحرية-
-
أشواك في الخاصرة
-
لماذا أحجم -حزب الله- عن نصرة حماس؟
-
على من يدجل بشار الأسد؟
-
هل مصالحة قمة الكويت شكلية أم جذرية؟
-
نيروناتُ العربِ
-
من أفشل قمة قطر؟
-
أبكيكِ يا غزةَ!
-
هل الحلف الإيراني السوري -طبخة بحص-؟
-
غَزَّاهُ وا غَزَّاهْ !
-
حزب الله يتحمل المسؤولية
-
من بيته من زجاج لا يرشق ... يا نصر الله!
-
إسرائيل تعلمت الكثير من حرب تموز. ونحن؟
المزيد.....
-
-عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
-
خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
-
الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
-
71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل
...
-
20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ
...
-
الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على
...
-
الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية
...
-
روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر
...
-
هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
-
عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز
...
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|