حسن مدبولى
الحوار المتمدن-العدد: 2564 - 2009 / 2 / 21 - 09:32
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
الذين يجهدون انفسهم ليل نهار بما يسمى التطرف الدينى ,فى المنطقة العربية والعالم الاسلامى ,و الذين يطنطنون ويهولون ويفزعون الاخرين بالبعبع الاسلامى ,كلهم يركزون اما على العوامل الذاتية الكامنة فى النص الاسلامى وكأنما التطرف الدينى لم ينزل الى هذا العالم الا منذ اربعة عشر قرنا فقط بالتمام والكمال, او يركز البعض الاخر على التدهور الاقتصادى والاجتماعى والديكتاتورية السياسية , كأنما المنتمين الى الاسلام السياسى ينحصرون فقط فى الطبقات والشرائح المهمشة أو المدحورة اقتصادياوأجتماعيا وسياسيا , وهذه الاسباب التى يرى البعض انها مكمن ما يسمى بالتطرف الدينى فى المنطقة العربية , قد تكون جزءا من المشكل ,أو قد تكون قد تكون بعضا من مسبباته ,لكنها بالتأكيد ليست كل المشكل وليست كافة مسبباته ,بل يمكننا استبعاد العديد من تلك العوامل وعلى رأسها النص الاسلامى ذاته ,من موضوع التطرف ,اذا كان اساس الاتهامات بالتطرف تعود الى تفرد النص الاسلامى -الدينى- بخصوصية التطرف والعنف كما يرى البعض .
فالتطرف الدينى موجود فى العالم ,قبل الدعوة الاسلامية وبعدها,ولا ينحصر فيمن يعتنقون الديانة الاسلامية ,ولا المتمسكين بالنص الاسلامى وحده, وهناك مالا يحصى من الامثلة على التطرفات الدينية من قبل معتنقى الديانات الاخرى غير الاسلامية ,ولا شك أن الكل لا يحتاج الى امثلة على ما كان يحدث فى عصور الحرق والابادة فى اوروبا نفسها ابان سيطرة الكنيسة هناك , لكن هناك مثال مصرى واحد لا يغيب عن نظر من يرفض التطرف الدينى تحت أى منطق, الا وهو ما حدث للفيلسوفة والعالمة والموسوعة المصرية الجميلة هيباتشيا,والتى كانت تعيش فى الاسكندرية ,ورفضت اعتناق الدين المسيحى,وتمسكت بالعلم والبحث,فانقض عليها رجال الدين المسيحى وقتها-300 م- وتم ذبحها وجرجرتها فى الطرقات دون رحمة أو سماحة او محبة وبأسم الدين .
والتطرف الدينى موجود ايضا وسط مجتمعات قادرة من الناحية الاقتصادية والمعيشية ,مثل المجتمعات الخليجية, كما ان مجتمعات اخرى قاست الامرين اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا ,مثل بوليفيا ,وفنزويلا ,وكولومبيا ,والارجنتين والبرازيل ,الا أن فيروس التطرف الدينى لم يصل اليها,وانتصرت الوية الثورة الاشتراكية المعادية للامبريالية هناك .
كما ان هناك مجتمعات غير اسلامية معاصرة يسودها التطرف الدينى ,برغم البعض عن النص الدينى الاسلامى وبرغم ان تلك المجتمعات لا تعانى ديكتاتورية عسكرية او حكاما قبليون ,مثل سيطرة التطرف الهندوسى على غالبية سكان الهند الديموقراطية ,وسيطرة اليمين الدينى الاسرائيلى ,على الناخب الاسرائيلى,خاصة بعد الانتخابات الاخيرة ,وفى ظل تواجد مدارس دينية يهودية ,كمثل تلك الاسلامية التى ينادى البعض الاخر بأغلاقها ,نظرا لانها-المدارس والجامعات الاسلامية فقط- السبب الوحيد لنشر التطرف فى العالم ؟ وانا لا اجد تفسيرا واحدا لما حدث ضد الاقليات الاسلامية فى البلقان من مذابح ,على يد الصرب الارثوذوكس,سوى افة التطرف ذاتها التى نرمى بها فى وجه النص الاسلامى وحده,فالامر تم فى البلقان بمباركة رجال دين وبرعاية ساسة متعصبون دينيا ,منهم المحافظون الالمان الذين عارضوا التدخل الامريكى الذى تم فى النهاية , بينما نفس اليمين الالمانى هرع الى جورجيا وعه اليمين الفرنسى لانقاذ الشعب الجورجى الاخ فى الدين ,قبل السياسة,فلا شك ان مصالح الاوروبيين مع روسيا اكبر بكثير منها مع جورجيا ,لكن الامر اكبر من المصالح المجردة.
الا ان المثال الاكبر على التطرف الدينى هو الذى يعرف باسم المسيحية الصهيونية والتى سيطر المنتمون اليها على مقاليد السلطة فى الولايات المتحدة الامريكية ,خاصة فى حقبتى ريجان وبوش الاب و الابن ,والذين اطلق عليهم مجازا بالمحافظين الجدد, ولم يخجل رأسهم من الحديث حول انه مكلف من الله بالحفاظ على العالم ومحاربة الفاشية الاسلامية , وكان ما كان من رد متطرف على أحداث سبتمبر,التى قام بها من سبق استخدامهم ضد الاتحاد السوفيتى بواسطة اليمين الامريكى المتطرف المؤمن, وتم شيطنة كل العالم العربى والاسلامى نتيجة حادث ادواته هم فئة مصنوعة بواسطة اليمين المسيحى الغربى المؤمن الذى كان يقاتل اليسار العالمى الملحد, بواسطة الاسلاميين فى افغانستان وكذلك رجال الدين المسيحى المؤمنين فى بولندا .
وكان من نتيجة شيطنة العالم الاسلامى ان تم مهاجمة افغانستان والعراق والصومال, لمحاربة الارهاب الاسلامى وانهاء منابع التطرف وتنظيف العالم وتطهيره كما كان يهلل البعض من الطائفيين والمتطرفين من اديان اخرى فى المنطقة العربية,او ممن هم ضد ما يسمى بالايديولوجيا الاسلامية السياسية,او من بعض رجال دين غير مسلم كانوا يرون ان ما يحدث وارد بالنصوص الدينية التابعة لنيافاتهم.
المحصلة النهائية لكل ما حدث,هو ان انتهى العراق القديم و بدلا من انشاء عراق مستنير كما كان يروج البعض,اذا بنا مع عراق تتحكم فيه الطوائف مع احترامنا لك ابناء الطوائف فى العراق,وعادت العشيرة لتتصدر الموقف, وظهرت هيمنة رجال الدين وسطوتها فى المحفل العراقى , واختفت مفردات الاشتراكية من قاموس المواطن العراقى العادى,بعد ان كانت هى الشعار المطروح ولو شكليا مع الحرية والوحدة,كذلك الامر فى الصومال,فقد وطد التدخل الاميركى الاول فى الصومال فى عهد كلينتون وقبله بوش الاب ,الى دعم العديد من الجماعات والقوى الاسلامية,كذلك ساهم التخل الاحمق لامريكا بوش الابن فى الصومال من جديد الى عودة المحاكم الاسلامية فى النهاية الى سدة الحكم فى الصومال,مع وجود قوى اكثر تطرفا تستعد للانقضاض على دفة السلطة فى الصومال ,وبعد ان بدأت القوى الدينية العلمائية تطالب بسرعة تطبيق الشريعة الاسلامية فى الصومال ,وطرد قوات الاتحاد الافريقى لتلحق بمثيلتها الاثيوبية المنسحبة, واختفت مفردات الاشتراكية التى كانت جمهورية الصومال من اوائل الدول الافريقية التى طبقتها ,حتى قبل اثيوبيا الجار التاريخى , اختفت الاشتراكية من الصومال واثيوبيا وكل دول افريقيا ,على يد اليمين الغربى
حلت محلها ما يراه البعض بالتطرف الدينى ,او بالخطر الاسلامى ,الخ لكن المتأمل فى الامر جيدا وبحيادية ,يتضح له ,ان التطرف الدينى يرتبط فى غالبية الاحيان ,بظلم ,او عدوان اجنبى ,خاصة فى المنطقة العربية, لا يكفى التركيز على النص الاسلامى وحده كمصدر للشرور التطرفية فى العالم ,ولا يمكن التعويل على التهميش الاجتماعى ولا على السحق الطبقى ,ولا على الثقافة البدوية الاتية من دول الخليج ولا على اموال البترودولار , كلها قد تكون عوامل مساعدة على التطرف ,وهى عوامل مرادفة لذات العومل التى تسهم فى تطرف مجتمعات واديان اخرى غير الاسلام ,لكن العامل الرئيسى هنا ,هو العامل الدولى الذى قلب المنطقة بحجة رفع رايات التنوير والقضاء على التطرف ,فقام بخلق قوى متطرفة ,انهت على كل الاحلام ,قوى تستمد بعض الشرعية من تفردها برد ذلك التدخل الاجنبى ومن لا يعجبه مثالى العراق والصومال ,عليه بمراجعة كيفية خلق حزب الله وتواجده فى لبنان ,ليجد ان الحزب نشأ بعد الاحتلال الاسرائيلى لبيروت ,اول عاصمة عربية تقع تحت نير الاحتلال, كذلك ظهور حماس والجهاد فى فلسطين , بعيد الاخفاق والتدليس والتواطؤ الدولى لمنع حل القضية ,مع القوى العلمانية والتقدمية الفلسطينية.
#حسن_مدبولى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟