جهاد علاونه
الحوار المتمدن-العدد: 2563 - 2009 / 2 / 20 - 09:14
المحور:
العولمة وتطورات العالم المعاصر
كلُ الدول والحضارات تبحث عن تحقيق مبدأ المساواة والحياة الكريمة لمواطنيها , وهذه هي عملية تمثيل لأحزاب الرفاهية والمؤسسات الرفاهية , لذلك ينتشر الضعف في المترفهين وتنتقلُ القوة من أجسادهم إلى أجساد جيرانهم من غير المرفهين , فتقضي الخشونة على النعومة , والتي تعني الرفاهية .
أنظر إلى الولد والشاب المدلل , الذي إذا جار عليه الزمن لا يستطيع أن ينتج رغيف خبزه, ولا يستطيع العمل في الظروف الصعبة , أما غير المدلل والمعتاد على التعب , فإنه يكسب لقمته ولقمة غيره بسرعة , وهذا تشبيه بسيط للدولة المرفهة .
الإسلام لم يسقط مرة واحدة , بل مراتٍ عدةٍ, كنظام سياسي وإقتصادي وهو ليس بعشرة أرواح , المسلمون يغسلون الصحون في بيوت الكفار في أمريكيا , وتقولون الإسلام لم يسقط .
الشيوعية سقطت ؟
نعم سقطت , مثلها مثل الإسلام ...والمسيحية واليهودية والبوذية , نحن اليوم أمام أعتاب حضارة جديدة وفكر جديد تُطلقُ به الحريات ويحصلُ به الشعوب على حقوقهم حتى الشواذ يحصلون على حقوقهم من بنات وشباب , السحاقيون ةاللوطيون , وأصحاب المذاهب الفلسفية العظيمة , ومن حق كل إنسان أن يبني هيكلاً أو كنيسة أو مسجداً, واليوم الشعوب حصلت على حقوق ما كنت لتحصل عليها لو بقي الدين الإسلامي والمسيحي مُتَربعا ً على قمة الهرم , فالإسلام يعارض إطلاق الحريات العامة , وهو ضدي إذا دخلتُ نادياً ليلياً , وأهلُ حارتي ضدي لو أحضرتُ في جيبي زجاجة عطر لحبيبتي ....
وهو ضدي لو عبرت عن فكري الفلسفي ومارسته في الهواء الطلق , وهو ضد التنمية الشاملة , ومحاربة الفساد , فإذا كانت السلطة تستمدُ شرعية بقائها من الأفكار الشعبية والمعتقدات القديمة , فكيف إذن ترضى تلك السلطات والحكومات بغير الإسلام دينا .
والديمقراطية وما ينبثقُ عنها من مؤسسات مجتمع مدنية هي في ظاهر الأمر وسره , تعارض بقاء المؤسسات الإجتماعية القديمة , لذلك وعليه ومن هنا ومن هذا الباب : الإسلام سقط أمام الديمقراطية ومؤسسات المجتمع المدنية .
كيف نساهم في إعداد حضارة تقدمية في وسط مؤسسات متعفنة ٍ وفاسدةٍ.
المسلمون تعمل نساءهم راقصات في العواصم العربية وتقولون الإسلام لم يسقط ؟
المسلمات خلعن الحجاب البدوي الصنع , وتقولون الإسلام باقي ؟
الإسلام إنتهى وليس هذا على أيد الغرب : بل على أي المسلمين والأحزاب الإسلامية السياسية والتي ناضلت في سبيل الحياة البرلمانية والديمقراطية .
من قال في الإسلام ديمقراطية هو مخطىْ , إن ذلك إلتفاف وتلفيق وكما يقولون (ضحك على اللحى والشوارب).
لماذا لا يساعد الإسلام الناس ؟
حتى المسيحية سقطت, لا يوجد إنسان مخلدُ وكذلك لا توجدُ حضارة مخلدة
يقال ُ أن أسباب سقوط الحضارات هي نفس أسباب نهوضها , ومن الممكن أن يكون هذا الكلام ُصحيحاً, ويقال على حسب نظرية إبن خلدون : "أن للدول أعمار كما لبني البشر أعمار" ,
فالإنسان يولد طفلاً ضعيفاً , ومن ثم يصبحُ شاباً قوياً , ومن ثم كهلاً شيخاً عالة على غيره , وبعدين ..خلص باي باي يا جدوه .
الدول تولدُ صغيرة ومن ثم تنمو وتتطور كما ينمو الإنسانُ, ومن ثم تضعفُ هذه الدول وتشيخ كما يشيخ الإنسان , وبالتالي تحل محلها حضارة جديدة تبدأ مشوارها على أنقاض الحضارة العجوز , والحضارة العجوز تؤدي دورها وبعدين بتصير مثلها مثل الإنسان العجوز , نودعها ونقول لها باي باي .
ويقال علميا أن الدول والحضارة حين تظهر , تظهرُ وهي تبحثُ عن الحياة الكريمة لأبنائها , وعندما تحققُ لهم الحياة الكريمة , يأتي من بعدهم جيلُ يعيش في الرفاهية , والرفاهية هذه هي سبب سقوط الدول , فعلماء الإجتماع والفلاسفة _أمثالي_يقولون أن الرفاهية والحياة الكريمة تؤدي بالإنسان إلى التعمق والتلذذ بنعم الله الخالق وبذلك يتفنن في أساليب الترف الفكري والإقتصادي والجنسي ...إلخ .
وعلماء الدين يقولون أن هذه الرفاهية هي الكفر , وهذا وارد في الإسلام واليهودية والمسيحية , فالعلماء الدينيون لا يحبون الإنغراق في الملذات لأنها من عمل الشيطان , وهنا فإن الله يعاقبُ الأمم على إرتكابها للملذات , فالله أغرق الفرعون , وخسف الأرض بقارون ,:
(وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القولُ فدمرناها تدميرا-الإسراء_القرآن.)
أما إبن خلدون فإنه يخالف أهل الدين في المعنى : بحيث يظهر الدولة بالضعف والإتكالية وعدم الإكتراث لذلك تسقط بسبب الإنغماس بالشهوات وعدم الإكتراث لأمور ولاية الدولة وإدارتها , ومن هنا يأتي قوم جدد ينهضون مثل الأشاوس لكي يتخلصوا من قهر الحضارة الغالبة لهم , لتبدأ الكرة الأرضية دورتها من جديد , ولتمنح خيراتها لحضارة جديدة .
الإسلام لم يسقط وإنما سقط مليون مرة .
ومهما كانت قوة وعظمة الحضارة لا يمكن أن تستمر أو تخلد للأبد , ولا بد يوماً لأي حضارة أن تصبح مع مرور الزمن مجرد ذكرى غيبية لا غير , يتحسرُ عليها عشاقها , ومؤيدوها ومناصروها .
وأنا لا أقولُ هذا الكلام هكذا عبثاً ولكنه من خلال التجربة والخبرة : الحضارة السومرية(الشومرية) سقطت , والفرعونية سقطت وحلت محلها الإخلامية الهكسوسية البدوية العبرانية , ثم إستعاد المصريون موازين القوى منهم وذبحوهم , وبمقابل ذلك إعتلت البابلية في بابل الحلة في بغداد , وكذلك أيضاً اليونانية أعظم فلسفة عبر التاريخ كانت والتي أنجبت فلاسفة مازلنا إلى اليوم نقرأ أفكارهم , إنتهت أيضاً وحلت محلها الحضارة المقدونية أو الدولة المقدونية , دولة إمبراطورية الإسكندر المقدوني , أيضاً هذه سقطت أثناء إقتسام زعمائها تركة الإسكندر بين بطليميوس وسلجوق , الذي إستقر واحداً منهم في مصر وواحدٌ في بلاد الشام .
وكذلك حلت محلها بعد فترة الحضارة القرطاجية حضارة هانيبال القرطاجي وأيضاً هذا العنيد خسر في أوروبا الشرقية في معركة الأفاعي مع (شبيو) ومن ثم أقام هذا الشبيو , مع يوليوس قيصر الحضارة الرومانية .
والحضارة الرومانية هي أعظم حضارة إحترمت القانون نادت به ونظرت وكتبت اللوائح والقوانين , تماما ً كما أرادها (حمورابي) الذي سن أول القوانين والتي ورثها أصلاً عن الذين سبقوه .
إن كل حضارة من تلك الحضارات تموتُ وتحتضر لتفسح المجال لقوى حديثة بالصعود والنهوض , والحضارة هنا نجم ينطفىء ليشتعل نجم جديد , وشمسٌ تغيب لتظهر من جديد , ويموت يفوت ليأتي يومٌ جديدٌ .
إن الحضارة كائنٌ حي يموتُ من أجل أن يفسح المجال لكائن آخر , إنها نوع ٌ قديم ينقرض ليظهر نوعُ جديد .
الحضارة كتابُ يتلف لتظهر محله نسخة جديدة .
وعوامل السقوط مثل عوامل النهوض , فلا يمكن مثلاً أن نُصدقَ أنفسنا لنقول : أن أفول الفساد المالي مثلاً والإداري والأخلاقي كان سبباً في سقوط الحضارة الفرعونية , فلربما كانت هنالك عدة أسباب وذلك سببُ من بين عدة أسباب .
وكذلك سقوط الحضارة الرومانية : هل كان مثلاً بسبب هجمات التروسكيين ؟
وهل كان سقوط النازية بسبب دول التحالف ؟
لربما هنالك أسباب عدة .
المهم طالما أنه لا يوجدُ إنسانٌ مخلدٌ على وجه البسيطة لطالما كان من المستحيل وجود حضارة خالدة .
لا الإسلام ولا غيره من الممكن أن يكون عقيدة خالة .
إن التطور مثلاً يغير الأفكار والمعتقدات ولذلك تتبدل الحضارات وتموت , إنها تحمل بذرة فنائها في جيبها .
وهل كان ظهور الإسلام النسطوري في شبه الجزيرة العربية سبباً في موت الحضارة الفارسية والرومانية ؟
مستحيل .
#جهاد_علاونه (هاشتاغ)