|
أوباما: لون البشرة هل يغير طعم السياسة؟
سلامة كيلة
الحوار المتمدن-العدد: 2562 - 2009 / 2 / 19 - 10:20
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
نجاح باراك أوباما أشعل بعض التفاؤل لدى قطاع من المثقفين على أمل أن تتغير السياسة الأميركية في المنطقة. وبات الخطاب يتركز على انتظار ما يمكن أن يفعله، انطلاقاً من وعده بالتغيير، هكذا بكل هذه العمومية، وخصوصاً انطلاقاً من لون بشرته، حيث هال أن تسمح أميركا بنجاح رئيس أسود، وهو الأمر الذي أشعل الأمل بالتغيير الشامل. لهذا يطغى الأمل بتحقيق "سلام" في فلسطين، كما طغى مع كل انتخابات سابقة ونجاح لرئيس جديد. وكذلك يطغى الأمل بتحقيق وعد الانسحاب من العراق، رغم أن الاتفاق الأمني قد وقع ولم يعد هناك مهرب من تطبيقه. الأمل هذا الذي يترافق مع كل انتخابات أميركية يشي بأننا في موقع الانتظار من أميركا لكي تحل كل مشكلاتنا. ويشي بأننا لا يريد أن نفعل سوى الانتظار. أكثر مما يشي بالمراهنة على التغيير في السياسة الأميركية بحد ذاته. رغم أن "النقلة" التي تحققت بانتخاب رئيس اسود أوحت، أو غذت الآمال بأن هذا يعني بأن تغيراً شاملاً سوف يطال السياسة الأميركية. هل يغير انتخاب رئيس في السياسة الأميركية؟ خصوصاً في منطقتنا؟ وهل أن الميل لانتخاب رئيس أسود يعني حتماً تغييراً في مجمل السياسة؟ إن المدقق فيما يكتب يلمس بأنه في اللاوعي يسكن وضع النظم القائمة في المنطقة، التي تتغير السياسات والتحالفات والعلاقات بتغير الرئيس، وبالتالي السلطة. بمعنى أن تغير الرئيس هنا يعني تغير السلطة وكلها، ونظام الدولة بمجمله. هذا اللاوعي هو الذي يغذي الميل لـ "الحلم" بتغير السياسة الأميركية كلما جرى انتخاب رئيس جديد، وخصوصاً إذا كان يعبّر عن تغير ما. هذا اللاوعي هو الذي يشعل الأوهام بشكل متكرر، لكن من أجل انتظار التغيير من آخر وليس من الذات، هذه التي تبدو ممسوخة إلى أقصى حدّ، ومستلبة بشكل كامل. أولاً، أميركا دولة مؤسسات تقرر سياساتها وتضع خططها لعقود، وبالتالي تعمل بشكل مستقر، رغم كل الصراعات والخلافات الحزبية، التي تتكيف في الأخير مع ذلك. لهذا نلمس بأن ما يقرر في كل المؤسسات يعبر عن التوافق بين مجمل الأحزاب، ويصيغ رؤيتها في إطار خطط مستقبلية، هي ضرورية لكل دولة حديثة. وثانياً، في الأول والأخير ليست الدولة سوى مؤسسة خاضعة لسياسات مالكي المال، وهي تنفذ كل السياسات التي تخدم مصالح الشركات والمؤسسات المالية والاقتصادية. وجيشها يعمل من أجل خلق البيئة الأمنية الضرورية لنمو هذه المصالح. وإلا ليس من حاجة إلى الدولة. وفي هذا الوضع سوف نلمس بأن هذه المصالح هي التي تفرض رسم سياسات طويلة الأمد، ووضع خطط مستقبلية. وهي المصالح ذاتها التي تدعم انتخاب رئيس وليس غيره. وثالثاً، إذا كانت هناك صراعات حول الوضع الداخلي، وتمايزات في المواقف من القضايا الاقتصادية أو الاجتماعية (رغم محدوديتها) فإن السياسة الخارجية غالباً ما يكون هناك توافق حولها، أو تبرز خلافات تكتيكية محدودة. حيث أن "فتح الأسواق" وضمان المواد الأولية، والتحكم في المواقع الإستراتيجية في العالم هي في أساس مصالح كل الشركات والرأسمال. ولهذا لا تبدو مجال خلاف عميق في الغالب. ورابعاً، إن الموقف من المنطقة العربية متوافق عليه من قبل الدولة والأحزاب والشركات، حيث السيطرة على النفط، وحيث احتكار الأسواق ونهب المال المتراكم من فوائض النفط (كما جرى خلال الحرب الأولى على العراق، ويجري الآن في إطار الأزمة المالية). ومتوافق كذلك على ضمان السيطرة العسكرية وعلى وجود الدولة الصهيونية كونها قوة عسكرية متقدمة. ولهذا نلمس بأن أمن الدولة الصهيونية يحظى بالأولوية، ولقد تبارى أوباما مع ماكين في هذا الموضوع إلى حد اعتبار أنه أمر مقدس. في ظل كل ذلك ماذا يمكن أن يغير "الرفيق" باراك حسين أوباما؟ هل يستطيع أن يفرض على الدولة الصهيونية تطبيق قرارات "الشرعية الدولية"؟ وبالتالي تحقيق "رؤيا بوش" الذي وعد بتحقيقها في العام 2008 دون أن يتغير شيء، والمتعلقة بقيام "الدولة الفلسطينية إلى جانب دولة إسرائيل"؟ لكن الحفاظ على أمن الدولة الصهيونية يقتضي عدم قيام هذه الدولة على الأرض الفلسطينية لأنها "أرض إسرائيل". لهذا فهي تعمل منذ سنة 1967 على السيطرة على الأرض وتوسيع المستوطنات مما جعلها تسيطر على أكثر من نصف أرض الضفة الغربية، وهي تفرض جدار العزل وتفكك العلاقة بين المدن والقرى بما لا يسمح بتواصل سلس. و"الرفيق" أوباما يعد كما وعد بوش لكنه يدافع عن أمنها، ولسوف يمدها بكل السلاح المتطور الذي تريده، ويفرضها قوة مسيطرة على كل النظم العربية. وفي العراق، إضافة إلى أنه ضم في فريقه العديد ممن يرفض الانسحاب من العراق، وعلى رأسهم وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون، فقد جرى توقيع اتفاق البقاء في العراق وانتهى الأمر. رغم أنه يمكن أن يسحب بعض القوات، وأخرى من المدن ليضعها في المعسكرات الضخمة التي جرى بناؤها طيلة السنوات الخمس الماضية. أين التغير إذن؟ ربما في العلاقة مع أوروبا، وفي دور أوروبا في المنطقة، حيث أن الأزمة الاقتصادية تفرض بعض التنازلات هنا من أجل مساهمة الدول الأوروبية في حمل أعباء الأزمة الأميركية. وهو ما بات يتوضح من خلال استقدام قوات الحلف الأطلسي إلى المنطقة التي كانت حكراً على الولايات المتحدة. العجز يولّد "الحلم"، الذي لا يكون سوى وهم. ولدينا نخب متخصصة في الأحلام/ الأوهام. وهي تكرر الكلام ذاته كلما جرت انتخابات أميركية. وفي كل مرة تعمم الأمل في تغيير السياسة الأميركية، وبالتالي المراهنة على هذا التغيير، وانتظاره. ورغم تكرار الخطل، والتوضح المستمر إلى أن هذه المراهنات فاشلة إلا أنها تتكرر دون ملل. السياسة الأميركية لا يرسمها رؤساء، وليس للرئيس سوى "حرية المناورة". والمنطق العام هو أن هذه المنطقة يجب أن تبقى خاضعة للسيطرة الأميركية، وعبر الدولة الصهيونية. وبالتالي يجب أن تقبل كل النظم بهذه السيطرة وتدفع مستحقاتها. هذا ليس كرهاً بأميركا بل رؤية لمصالح احتكاراتها.
#سلامة_كيلة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المنطق الصوري في السياسة (ملاحظات حول تناول الحرب على غزة)
-
المقاومة من منظور اليسار
-
حوار في المبادئ مرة أخرى- 3 أخيرة (من أجل توضيح الاختلافات)
-
حوار في المبادئ مرة أخرى- 2 (من أجل توضيح الاختلافات)
-
حوار في المبادئ مرة أخرى- 1 (من أجل توضيح الاختلافات)
-
الميل نحو اليسار: لكن أي يسار؟
-
عن غزة والوضع العربي
-
عن أهداف الحرب على غزة
-
حوار في المبادئ-4أخير (على هامش الحوار حول الحرب في غزة مع د
...
-
حوار في المبادئ-3 (على هامش الحوار حول الحرب في غزة مع د.كاظ
...
-
حوار في المبادئ-2 (على هامش الحوار حول الحرب في غزة مع د.كاظ
...
-
حوار في المبادئ -1 (على هامش الحوار حول الحرب في غزة مع د.كا
...
-
حول تناول الحرب على غزة: ملاحظات في أسس النظر
-
الحرب على غزة من منظور العقل الليبرالي- حوار مع د. كاظم حبيب
-
حول تحالف قوى اليسار في العراق
-
ليست نهاية الرأسمالية
-
عن أفول -الوطنية الفلسطينية- وصعودها
-
أزمة الرأسمالية: بنيوية
-
أزمة الرأسمالية ومهماتنا
-
ملاحظات على الوثيقة الحزبية: الأردن وفلسطين والمشروع الصهيون
...
المزيد.....
-
الجمهوريون يحذرون.. جلسات استماع مات غيتز قد تكون أسوأ من -ج
...
-
روسيا تطلق أول صاروخ باليستي عابر للقارات على أوكرانيا منذ ب
...
-
للمرة السابعة في عام.. ثوران بركان في شبه جزيرة ريكيانيس بآي
...
-
ميقاتي: مصرّون رغم الظروف على إحياء ذكرى الاستقلال
-
الدفاع الروسية تعلن القضاء على 150 عسكريا أوكرانيا في كورسك
...
-
السيسي يوجه رسالة من مقر القيادة الاستراتجية للجيش
-
موسكو تعلن انتهاء موسم الملاحة النهرية لهذا العام
-
هنغاريا تنشر نظام دفاع جوي على الحدود مع أوكرانيا بعد قرار ب
...
-
سوريا .. علماء الآثار يكتشفون أقدم أبجدية في مقبرة قديمة (صو
...
-
إسرائيل.. إصدار لائحة اتهام ضد المتحدث باسم مكتب نتنياهو بتس
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|