أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد الجنديل - تداعيات البعد الواحد ... قصة قصيرة














المزيد.....

تداعيات البعد الواحد ... قصة قصيرة


أحمد الجنديل

الحوار المتمدن-العدد: 2561 - 2009 / 2 / 18 - 03:44
المحور: الادب والفن
    


ما الذي بقي لديك الآن ؟ أما آن الأوان أن تكشف أوراقك بطريقة واضحة وصريحة ، دون اللجوء إلى التبريرات التي أدمنت عليها في جميع محطات الخيبة والإحباط التي رافقتك طيلة سنوات عمرك الطويلة .
ما الذي بقي لك ؟ رفاقك الذين قاسموك الهمّ سنوات رحلوا عنك ، ولم يعد لديك أحد تسامره وتناجيه ، وسميرة التي كانت ملاذك الأخير ، هي الأخرى اختارت طريقا آخر دون تمهيد أو إشارة ، ولا حتى كلمة وداع ، ورصيدك من المال بدأ بالتقلص إلى الحد الذي تقلصت معه نفقاتك في الأكل والشرب ، ولم يعد لك لا مال ولا صديق ولا امرأة تمتص الغضب المتمترس في عروقك ، وما عليك إلا أن تخلع هذا الرداء المزيّف المتلفع به ، ولو لفترة قصيرة ، لكي تشعر أنك سرت في الاتجاه الصحيح ، ولتغادر دائرة الوهم التي أنت فيها ، فقد تحرك جميع أصحابك نحو دروب الحياة الواسعة ، وبقيت وحدك تمثل دور البطل دون أن يسمعك أو يراك أحد .
ما الذي بقي لديك الآن ؟ لم تبق سوى مزبلة ذاكرتك التي تنبشها كلّ صباح ، لتمارس من خلالها لعبة إيهام ألذات ، والضحك على رأسك ، بعد أن فقدت صدر سميرة العجوز الذي كنت تتخذه حاضنة لأوهامك ، ورغم أن سميرة كانت تسمع ما تقوله على مضض وكره ، ورغم أنها كانت بحاجة إليك بقدر ما أنت بحاجة إليها ، إلا أنها جزعت من تكرار ما تقوله ، وهاجرت بعد أن خسرت لحظة الإشباع وقليلا من المال ، وخسرتَ صدرها الذي كنتَ تتخذه صنما تبكي عند أقدامه .
يحاصركَ الصقيع الآن من كلّ الجهات ، كقائد مدحور ، والأعداء حوله لا يسمع منهم سوى صيحات النصر ، ولا تملك غير البكاء .
عزيمتك منهارة ، وهمتكَ معطوبة ، وليس لديك إلا غرفتكَ المتربة المتداعية ، تبكي بين جدرانها ، دون أن يسمعك أحد .
لا مال ولا أنيس ولا أمل ينقذكَ ممّا أنتَ فيه ، فما الذي بقي لديك الآن ؟
بالأمس كنتَ تتفيأ خيمة صبري الشرهان ، وتتكىء على اسمه اللامع ، وسمعته الطيبة بين أهالي المدينة ، وكانَ يعلمُ أنكَ خذلته ـ وسحقتَ أمانيه التي كانت تراوده في أن تكون خليفة من بعده ، بعد أن عانى من قسوة حياته التي انتصرَ عليها بالصبر والمثابرة ، حتى نال الجاه والثراء ، إلا أنّ سحابة الحزن التي تغّـلفُ عينيه الواسعتين واضحة ، ويعرفُ الجميع أنتَ مصدرها ، ولكي تتجنب نظراته ، بدأتَ تتوارى عن وجهه خوفا من سياطه القاسية ، مبتعدا عن نظرات أمك المتوسلة لديه ألا يصيبك مكروه منه ، وعندما تجدُ نفسكَ مضطرا للوقوف أمامه ، كان يصرخُ فيك : كنْ رجلا مرّة واحدة ، فالحياة امرأة لعوب لا تخضع إلا للرجل الفحل الجسور .
أنتَ تنظرُ إلى وجه أبيك بذعر ، وعندما ترى سيل الغضب المتدفق من عينيه ، يرتدّ بصركَ إلى الأرض دون حراك ، وتبقى ساكنا ذليلا ، ولا يجد أبوك ما يحدّثكَ به ، فينفضُ عباءته منفعلا ويخرجُ من البيت ، عندها تتحركُ أنتَ الآخر ، وتخرجُ نحو شاطئ المدينة المكتظ بزعيق الباعة ، وأكداس القمامة ، وتزاحم الرجال والنساء ، والكل لديه مهمة جاء من أجلها إلا أنتَ ، كنتَ تبحثُ في عيون المارّة عن تعزية لما أنتَ فيه من خيبة وشقاء ، والآن مضى زمن طويل على موت أبيك ، لحقته أمك وفي قلبها غصّة منكَ ، وظلّ البيت المتداعي مهجورا إلا منك ، فما الذي بقي لديك ؟
هذا الصباح ، طرق بابكَ سلمان الهادي ، رفيق والدكَ ، وأحد أقربائك البعيدين ، دخلَ بجسده النحيل ، ورقبته الطويلة ، ورأسه الذي يشبه رأس خروف جائع مريض ، جلس على الكرسي المتداعي وهو يسندُ ظهره إلى الحائط الرطب ، وكنتَ تنظرُ إليه تارة والى الأرض تارة أخرى ، جاهدا نفسكَ على معرفة سرّ هذه الزيارة المفاجئة ، وبعد أن رمى عقب سيجارته من خلال فتحة الباب المخلوع ، اعتدلَ في جلسته وقد ارتسمت على وجهه ملامح الجد ، ودون مقدمات ، قال ما يريد بوضوح : سالم ، اسمعني جيدا ، سأقولُ لكَ باختصار ، إنني أعاني من مرض قاتل سيدفعني إلى قبري لا محال ، وأنتَ تعرف إنني لا أملكُ غير بثينة ، ابنتي الوحيدة ، والحانوت الذي أعتا ش عليه ، وأنتَ قريبي وابن صبري الشرهان ، الرجل الطيب ، وقد امتدّ بكَ العمر ، وأنتَ تعيش وحيدا في هذا البيت ، لقد فكرتُ طويلا ولم أجدْ أحدا أمنحه ما أملك إلا أنتَ ، كنْ في مستوى المسؤولية ، وتوكل على الله ، وامنح حياتك بابا ترى من خلاله السعادة والاستقرار ، هذا ما أردتُ قوله ، فماذا تقول ؟ .
سلمان الهادي وضعَ مفتاح الفرج بين يديك ، وأنتَ ترمقه بنظرة بلهاء ، والدقائق تمرّ حبلى بالإحراج ، بين التنازل عن عرشكَ الوهمي وترسل ابتسامة إلى شفتي أبيك الراقد في قبره منذ سنين ، وبين رأس الحمار الذي حملته طيلة سنوات عمرك .
سلمان الهادي ينظرُ إليك ، وأنتَ تغضّ الطرف عنه ، وفي لحظة انهياركَ رفضتَ طلبه .
مسح سلمان الهادي جبهته المعروقة ، وفركَ يديه بعصبية ، وبلا كلمة وداع خرج من البيت بأسرع ممّا دخل إليه ، بينما أسرعتَ أنتَ نحو فراشكَ تدفنُ رأسكَ المتسوس ، وتجهشُ في بكاء حارق ، ظلت تردده أجواء غرفتكَ الغارقة في الظلام .



#أحمد_الجنديل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العلاقات العربية الأمريكية مسارات الرفض والقبول
- ليلة الزفاف الدامي
- لوحتان ( للعرض فقط )
- تراويح شيطانية
- زفاف في معبد وثني .......................... قصة قصيرة
- العصافير تموت جوعا في البيادر ............................. ...
- حقوق الانسان زيف الشعارات وفعل الهراوات
- عندما يغيب الصهيل .............. قصة قصيرة
- الهجرة الى البحر........منلوج قصصي
- حكايات عن عواصف الرعب .......... قصص قصيرة
- الحفاة ........ .. قصة قصيرة
- الارصفة تشرب الصراخ ................... قصة قصيرة


المزيد.....




- -البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
- مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
- أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش ...
- الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة ...
- المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
- بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
- من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي ...
- مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب ...
- بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
- تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا ...


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد الجنديل - تداعيات البعد الواحد ... قصة قصيرة