أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - إدريس جنداري - ما بين العلمانية و العلمانوية : في الحاجة إلى القراءة العلمية للظاهرة الدينية















المزيد.....

ما بين العلمانية و العلمانوية : في الحاجة إلى القراءة العلمية للظاهرة الدينية


إدريس جنداري
كاتب و باحث أكاديمي

(Driss Jandari)


الحوار المتمدن-العدد: 2560 - 2009 / 2 / 17 - 09:43
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


يعتبر مفهوم العلمانية من بين المفاهيم الفكرية الحديثة التي أثارت نقاشات طويلة في الفكر العربي الإسلامي ؛ ما بين مدافع على المفهوم باعتباره الخيار الوحيد أمام الثقافة العربية ؛ للخروج من سيطرة النص الديني ؛ و ما بين معارض يعتبر أن الإسلام دين و دنيا ؛ و لذلك فهو يختلف جوهريا عن المسيحية التي ولدت تجربة العلمانية .
لكن النقاش انزاح في أحيان كثيرة عن المقاربة العلمية ؛ كما هو شأن جميع النقاشات الفكرية التي عرفتها الثقافة العربية ؛ و تحول إلى صراع غذته أكثر الإيديولوجية اليساروية و الإسلاموية ؛ بحيث اتخذ مفهوم العلمانية في المفهوم اليساروي صفة معاداة الدين ؛ باعتباره أفيون الشعوب ؛ و باعتباره يمثل مرحلة سابقة من مراحل تطور البشرية ؛ و بذلك تحولت العلمانية إلى إيديولوجية ذات بعد مذهبي ؛ أكثر مما هي منهج في الفصل بين السلطتين الروحية و المادية ؛ من دون معاداة بينهما .
و هذا ما فتح الباب أمام رد الفعل الإسلاموي ؛ الذي اعتبر العلمانية خطرا على الإسلام ؛ و ربطها بالكفر و الإلحاد ؛ و لذلك خاض حربا شرسة ضدها ؛ بل و ركب هذه الحرب من أجل تحقيق مكاسب سياسية ؛ مكنته من احتلال مكانة اليسار ؛ بعد انهيار مشروعه الطوباوي .
لكن الأسئلة التي تطرح نفسها على الباحث العلمي بإلحاح هي التالي:
هل العلمانية بمفهومها العلمي تعادي الدين ؛ و تسعى إلى مواجهته ؟
هل العلمانية مفهوم يرتبط بالأدبيات الفكرية و السياسية اليسارية أم بالأدبيات الليبرالية ؟
هل يمكن اعتبار المفهوم اليساري للعلمانية مفهوما علميا ؛ يقوم على أسس منهجية ؟
هل يمكن اعتبار التجارب العلمانوية التركية و الفرنسية و الشيوعية ؛ التجسيد الوحيد الممكن لمفهوم العلمانية ؛ أم إن هناك مقاربات أخرى للمفهوم ؟
قبل أن نخوض في نقاشنا حول مفهوم العلمانية؛ و حول حضوره في الثقافة العربية؛ لابد من التوقف أولا عند الدلالات التي يحملها المفهوم ؛ " فحسب الإيتمولوجيا (علم أصول الكلمات ) فإن كلمة laïcos اليونانية تعني الشعب ككل ما عدا رجال الدين ؛ و في لاتينية القرن الثالث عشر؛ نجد أن كلمةlaïcus تعني الحياة المدنية أو النظامية " . (1)
و باعتماد الدلالتين معا؛ لا نقف على ما يرتبط بنفي البعد الديني؛ بل نلمس توجها نحو الفصل بين البعد ين الديني و الدنيوي؛ ليرتبط كل مكون بوظيفته الخاصة؛ من دون الارتباط بوظيفة أخرى؛ كما يحيل مفهوم العلمانية بطريقة مباشرة على الحياة المدنية و النظامية.
و لعل هذه الدلالات لتؤكد بالملموس على أن مفهوم العلمانية ليس إيديولوجية معادية للمكون الديني؛ بل إن وظيفتها هي حصرهذا المكون في مجاله الخاص ؛ من دون تجاوزه إلى مجالات أخرى .
و هذه الدلالات هي ما يغيب عن علمانية النموذج الفرنسي ؛ التي يطلق عليها الأستاذ محمد أركون مصطلح العلمانوية laïcisme ؛ باعتبارها تجربة ارتبطت بالثورة على الإكليروس ؛ الذين كانوا يوظفون سلطة الكنيسة لفرض هيمنتهم على الدولة و المجتمع ؛ و لذلك كان رد الفعل ضد الدين عنيفا ؛ بحيث سيتم تهميشه في الحياة المدنية عبر قرارات صارمة فرضتها الدولة على المواطنين و على المؤسسات .
و بالإضافة إلى التجربة الفرنسية؛ اتخذ مفهوم العلمانية بعدا إيديولوجيا في الأدبيات الماركسية؛ التي تنهل منها مجموع دول المعسكر الشرقي؛ من الاتحاد السوفييتي؛ إلى أوروبا الشرقية؛ إلى أمريكا اللاتينية؛ و بعض الأحزاب الشيوعية العربية ؛ و قد تم التعامل مع العلمانية في هذه الأدبيات باعتبارها نفيا للمكون الديني ؛ الذي اعتبر بلغة ماركسية مصكوكة أفيون الشعوب ؛ الذي يخدرها و يمنعها من النضال ضد الاستغلال و العبودية .
كما حضرت العلمانية في التجربة الإسلامية ؛ بشكل لا يختلف عن سابقيه ؛ فقد عمل أتاتورك في تركيا على تجسيد العلمانوية الفرنسية ؛ باعتبارها معاداة للدين ؛ و بذلك فرض على المجتمع التركي إيديولوجيا تتناقض مع مرجعياته الثقافية ؛ الشيء سيؤدي على المدى القريب بله البعيد إلى نتائج معاكسة تماما لطموحات أب الأتراك .
و لذلك نجد الأستاذ محمد أركون يؤكد على أن تجربة تركيا العلمانوية قد ذهبت بعيدا في جرأتها ؛ لكنها لم تكن في الواقع إلا (كاريكاتيرا) للعلمنة ؛ رافقته بعض التطرفات؛ كما حدث في فرنسا سابقا ؛ لكن الشعب التركي لم يستجب لهذه التجربة التي دوخته ؛ مما يفسر العودة الدينية العنيفة " . (2)
ومن خلال عرضنا لهذه الأشكال الأيديولوجية ؛ التي حضر من خلالها مفهوم العلمانية باعتبارها ثورة ضد المكون الديني (العلمانوية laïcisme ) ؛ يمكن أن نفهم بوضوح عمق الظاهرة الدينية ؛ التي لا يمكن مقاربتها من منظور سياسوي ضيق ؛ بل تتطلب مجهودا فكريا ؛ يرتبط بعلم الأديان و تاريخ الأديان المقارن ؛ بالإضافة إلى الأنطروبولوجيا الثقافية و سوسيولوجيا الدين ... و كلها تخصصات علمية؛ تسعى إلى مقاربة الدين كظاهرة؛ تفترض مقاربة علمية لا تقل قيمة عن مقاربة مختلف الظواهر الإنسانية الأخرى.
و لعل ما يؤكد هذه الرؤية ؛ هو الفشل الذريع الذي منيت به هذه التجارب العلمانوية ؛ سواء في التجربة الفرنسية ؛ أو في التجربة التركية ؛ أو في الإيديولوجية اليسارية الشيوعية ؛ حيث كانت النتيجة دائما انفجارا للمكبوت الديني بشكل أعنف لا يمكن مقاومته .
و لعل أبرز مثال على ذلك ما يقع في تركيا الآن ؛ حيث يوضع التراث العلماني الأتاتوركي في مهب الريح ؛ و يتحدث المراقبون اليوم عن ظاهرة ثقافية جديدة يطلقون عليها اسم العثمانيين الجدد ؛ و الذي يتزعمها حزب العدالة و التنمية ؛ الذي يسيطر على السلطتين التشريعية و التنفيذية في الدولة التركية ؛ و يقود ثورة صامتة ضد العلمانيين الأتراك .
و يقدم هذا النموذج دروسا عميقة ؛ لبعض النخب العربية المؤدلجة ؛ و التي تقود حربا دونكشوطية ضد الدين الإسلامي ؛ من منظور سياسوي يفتقد أبسط شروط التفكير العلمي الحديث ؛ بحيث لا تنتج إلا خطابات فارغة من أي مضمون علمي ؛ يقارب الدين كظاهرة تستحق الدراسة و التحليل .
إن قوة الإصلاح الديني الذي قادته الحركة البروتستانتية في أوربا ؛ و الذي أفضى في الأخير إلى فصل علمي بين السلطتين الروحية و المادية ؛ ليؤكد بالملموس ؛ على أن الدين ليس بالضرورة ؛ أفيونا يخدر الشعوب ؛ و ليس بالضرورة فكرا سحريا ؛ و لكن يمكن أن يتحول إلى أداة للعقلنة و نزع السحر عن العالم ؛ كما يمكن أن يتحول إلى أداة تنموية ؛ و لكي لا يتهمني أي مؤدلج بالرجعية ؛ أؤكد له أن هذا التحليل العلمي هو للفيلسوف و عالم الاجتماع ( ماكس فيبر ) (3) الذي لنا وقفة معه في المقال اللاحق حول العقلنة الدينية ؛ و علاقتها بالإصلاح الديني في أوربا ؛ الذي فصل سلطة الكنيسة عن سلطة الدولة و المجتمع ؛ من دون أن يثور على المكون الديني ؛ و ذلك هو ما أنتج مفهوم العلمانية بشحنته العلمية في أوربا .

الهوامش :
1- محمد أركون – تاريخية الفكر العربي الإسلامي – ترجمة : هاشم صالح – المركز الثقافي العربي – ط: 2 – 1996 – ص: 291
2- نفسه – ص: 278
3- للاطلاع أكثر على مفهوم العقلنة الدينية عند ماكس فيبر :

- كاترين كوليو: ماكس فيبر والتاريخ، ترجمة جورج كتورة، المؤسسة الجامعية للنشر والتوزيع، طبعة 1994
- Weber, Max: Economy and Society, University of Californie Press
- Weber, Max: The social psychology of the world religion in From Max Weber, P.291.
- Weber, Max: The social psychology of the world religion in From Max Weber, Essays in sociology, Edited. Gerth. And Mills Routledge







#إدريس_جنداري (هاشتاغ)       Driss_Jandari#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في الحاجة إلى النقد المزدوج : ما بين التطرف اليساروي العلمان ...
- في الحاجة إلى نبذ ثقافة الشيخ و المريد : تعقيبا على مريدي وف ...
- بعد الحلقة الأخيرة من سلسلتها : وفاء سلطان امرأة عابرة في كل ...
- الظاهرة الحمساوية و الظاهرة الليبرمانية : لا بد من تدارك الخ ...
- العراق الجديد : الفينيق ينبعث من رماده
- طابور الهزائم : تاريخ من الشعوذة و السحر
- ما بين خالد مشعل و محمود عباس : صراع التصريحات في وضع فلسطين ...
- بعدما فشلت في الخارج صواريخ القسام تسعى إلى قلب المعادلة في ...
- الدرس الذي يجب أن يستوعبه العرب :العثمانيون الجدد أصحاب مصال ...
- بداية انكشاف أسطورة النصر الإلهي الحمساوي
- الأصولية الدينية: الإعجاز في خدمة الأجندة السياسية
- القضايا العربية و الرهان الخاطئ على إدارة أوباما
- حزب الله لم يكن يتوقع قوة الهجوم و حماس لم تكن تتوقع استمرار ...
- نخبة محور الممانعة : العمى الإيديولوجي في خدمة تاريخ من الهز ...
- أحداث غزة و معجزة النصر الإلهي : الأصولية الدينية و التسويق ...
- ما بعد أحداث غزة: في الحاجة إلى استلهام روح فكر التحرر الوطن ...
- من نتائج أحداث غزة : حماس قوية داخليا ضعيفة خارجيا
- الانفتاح الروائي كخطة لمساءلة الراهن السياسي المغربي : رواية ...
- الأدب وسؤال المؤسسة في الممارسة الأدبية العربية المعاصرة
- شركة ماكنزي للتنافسية ترسم مستقبلا سوداويا للمصارف (الإسلامي ...


المزيد.....




- أول رد من الإمارات على اختفاء رجل دين يهودي على أراضيها
- غزة.. مستعمرون يقتحمون المقبرة الاسلامية والبلدة القديمة في ...
- بيان للخارجية الإماراتية بشأن الحاخام اليهودي المختفي
- بيان إماراتي بشأن اختفاء الحاخام اليهودي
- قائد الثورة الاسلامية آية الله‌خامنئي يصدر منشورا بالعبرية ع ...
- اختفاء حاخام يهودي في الإمارات.. وإسرائيل تتحرك بعد معلومة ع ...
- إعلام العدو: اختفاء رجل دين اسرائيلي في الامارات والموساد يش ...
- مستوطنون يقتحمون مقبرة إسلامية في الضفة الغربية
- سفير إسرائيل ببرلين: اليهود لا يشعرون بالأمان في ألمانيا
- المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف مستوطنة -أفيفيم- بصلية صا ...


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - إدريس جنداري - ما بين العلمانية و العلمانوية : في الحاجة إلى القراءة العلمية للظاهرة الدينية