|
ألانشقاق في صفوف الحزب الشيوعي العراقي عام 1967 من وجهة نظر طالب جامعي عمره سبعة عشر ربيعا2/2
خالد عبد الحميد العاني
الحوار المتمدن-العدد: 2560 - 2009 / 2 / 17 - 09:42
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
ألانشقاق في صفوف الحزب الشيوعي العراقي عام 1967 من وجهة نظر طالب جامعي عمره سبعة عشر ربيعا 2/2 خالد عبد الحميد العاني خرجت من المقهى بعد لقاءي مع ماجد وكنت مرتاحا حيث أضحى موقفي من الانشقاق أكثر رسوخا وإنه يجب بذل المزيد من الجهد والعمل للدفاع عن موقفي أمام الضغوط التي من الممكن توقعها من زملائي في إتحاد طلبة كلية الهندسة خصوصا وإن الأغلبية كانت منحازة لجهة مجموعة القيادة . أصبح موقفنا في الكلية أكثر صعوبة حيث لم يبقى معنا سوى عدد بسيط لا يتجاوز أصابع اليد . التحق الطلبة الجدد بالدوام وصار علينا التحرك لتعريف الطلبة الجدد بالاتحاد وكذلك لتقديم المساعدات لهم بتوزيع ترجمة عربية للمفردات الرئيسية في دروس الفيزياء والرياضيات والكيمياء والتي يحتاجها الطالب المبتديء حيث توفر له الجهد والوقت وكذلك علينا توفير المصادر لمن لا تتوفر له الإمكانيات المادية لشرائها. نشطنا في ذ لك المجال ولاقت مبادراتنا ارتياحا شديدا من قبل الطلبة وكان النشاط مشتركا حيث شارك معظم الزملاء من كلا الاتجاهين بذلك النشاط. أقامت إدارة الكلية الحفل السنوي للتعارف على الطلبة الجدد وقد نشطنا خلال الحفل وتعرفت على مجموعة من الطلبة وكان من بينهم طلاب كنت أعرفهم عندما كنت طالبا في الإعدادية المركزية . جرت أحاديث ودية عادية عن الدراسة في الكلية وكان من ضمنهم طالب عرفني باسمه وكان اسم والده ليس غريبا عن مسامعي وقد جاء من مدينة البصرة وعندما سألته عن سبب مجيئه من البصرة لدراسة الهندسة في بغداد أبلغني أنه يرغب في دراسة الهندسة الكيمائية وهذا الاختصاص غير متوفر هناك. بعد عودتي إلى البيت سألت والدي عن اسم صديق له أذكر أني التقيت به عندما سافرت مع الوالد قبل أربعة سنوات إلى مدينة البصرة وهو تاجر حبوب في البصرة فقال لي ما ذا ذكرك به الآن قلت له تعرفت اليوم على طالب من أهل البصرة واسم والده وعائلته كأنما سمعت بهم من قبل وقد تذكرت أنه ربما يكون والده تاجر الحبوب الذي التقينا به في البصرة فسألني عن اسم الطالب فذكرت للوالد اسمه واسم والده ولقبه فعرفه الوالد. كان الوالد قد حدثني عن ذلك التاجر وظروف تعرفه عليه وعن كونه من جماعة الجاد رجي فسألته من يكون الجاد رجي هذا فقال إنه زعيم وطني لديه حزب سياسي يسمى الحزب الوطني الديمقراطي وكان في العهد الملكي يعتبر من أكبر الأحزاب المعارضة للنظام الملكي وله ممثلون في البرلمان في الخمسينات ولكنه جمد نشاطه بعد ثورة تموز لخلافه مع عبد الكريم قاسم والشيوعيين. سررت كثيرا لما سمعته من الوالد وذهبت في اليوم الثاني للقاء ذلك الطالب البصراوي وسألته إن كان والده يعمل في تجارة الحبوب فأكد لي ذلك فحدثته عن سفرتي إلى البصرة ولقاءي بوالده قبل أربعة سنوات وإن والده يعرف والدي. سر الطالب بما سمعه مني وتوطدت علاقاتنا وأصبحت أدعوه لزيارتنا في الأيام العطلة الأسبوعية عندما تسمح ظروفه الدراسية. بدأت بشكل تدريجي أستدرج صديقي للحديث في السياسة ووجدت تجوابا منه مما شجعني أن أطلب منه الأنظمام إلى صفوف إتحاد الطلبة في الكلية فرحب بذلك وقال لي أنه كانت له صلة بالاتحاد في البصرة وإنه كان ينتظر ترحيلا من هناك فقلت له ربما يصل ترحيلك لا حقا فلا عليك أنت الآن في أيدي الاتحاد. بعيدا عن كلية الهندسة كان طلاب كلية الزراعة قد قرروا الإضراب مطالبين بمنحهم لقب مهندس زراعي عند التخرج وبدأ طلاب كلية التربية أيضا إضرابهم ولا زلت لا أذكر لماذا بدأ الإضراب في كلية التربية ذلك الإضراب الذي أشعل فتيل الإضراب الطلابي الشامل في كل معاهد وكليات جامعة بغداد وقد تحدثت عنه في مقالي السابق وأمل من بعض الأخوة الذين قدر لهم المشاركة في ذلك الإضراب أن يكتب لنا عن ظروفه وأسباب فشله في تحقيق أهدافه. في كلية الهندسة حصل حادث حيث اعتدى بعض الطلبة المحسوبين على تنظيم إخوان المسلمين على أحد زملائنا في إتحاد الطلبة وحاول زملائنا القيام بالإضراب إلا أن تجاوب الطلبة لم يكن بالمستوى المطلوب وفشلت المحاولة. أصبح لدى صديقي سلوان الوقت الكافي للتحرك خارج كلية التربية بسبب توقف الدراسة في الكلية وأصبحت ألتقي معه أثناء الفراغات المتوفرة لي بين المحاضرات وغالبا ما يأتي سلوان بصحبة زملاءه في الكلية وكنا نجلس في النادي ونتحاور كثيرا في السياسة وكانت في تلك الفترة قد جرت أحداث مثيرة وكان أهمها الهروب الجماعي للشيوعيين من سجن الحلة وكان سلوان يتكلم بحماس عن ذلك العمل البطولي الذي كان ينسبه لتنظيم القيادة المركزية وهذا ما كنت أعتقده حتى كتب الزميل محمد علي محي الدين عنه سلسلة حلقات على موقع الحوار المتمدن. كان النقاش يدور بيننا حول الوضع السياسي في تلك الفترة وعن إمكانية إسقاط النظام بانتفاضة شعبية وكان سلوان يقول لي أنظر حولك فالشارع كله معنا وكانت مظاهرات طلابية يقوم بها طلبة الأعداديات وخصوصا المسائية تتجه نحو كلية الهندسة وهي ترفع شعارات إتحاد الطلبة وتحمل صور شي جيفارا الذي برز نجمه في تلك الأيام من شهر تشرين ثاني عام 67 عندما نشرت الصحف نبأ اعتقاله وتصفيته من قبل الجيش البوليفي. أثار صعود نجم جيفا را ذلك المناضل الأرجنتيني موجة من الحماس المتزايد في الشارع العراقي وخصوصا في صفوف الطلية حيث كانوا مهيئين ربما أكثر من غيرهم لتقبل أفكاره الثورية التي استهوتهم خصوصا وإن تفاعلات الهزيمة في الحرب لا زالت ماثلة وحركة المقاومة الفلسطينية كانت في أوج بروزها كل تلك الأحداث قد صبت في صالح المنشقين الذين كانوا يرفعون شعارات ثورية تلامس شغاف قلوب الآلاف من شبابنا المتعطش للتغيير.كان بعض الزملاء من الطلبة يحملون الأسلحة التي كانوا يخفونها في معاصمهم وقد لمست ذلك بنفسي فالوضع كان بالفعل يوحي بأن تنظيم القيادة المركزية يحظى بتأييد الشارع. كان ردي على طرح سلوان وبعض زملاءه يستند إلى ما قاله لي شقيقه بأن المواقف تمتحن في المنعطفات الصعبة لا في أحاديث المقاهي وللحقيقة أقول أن قواعد القيادة كانت مستعدة للعطاء إلا أن قيادتهم كانت غير مؤهلة لتقود هؤلاء الشباب وتوظفهم بالشكل الذي يسمح بفرض التغيير أي أن قواعد القيادة كانو أنضج من قيادتهم. لقد كنت أتساءل باستمرار أين كان هؤلاء الشباب يوم 8 شباط 63 ولماذا نجح انقلاب بعدد بسيط من الدبابات والطائرات في إسقاط ثورة تموز وقيادتها ولماذا فشل الشيوعيون في الدفاع عن الثورة وتذكرت الشهيد أبو ماجد ذلك المناضل الذي سقط دفاعا عن الثورة أمام مبنى وزارة الدفاع وقد اكتشفت لا حقا كم كانت تسآلاتي ساذجة فالقضية ليست بالأعداد بل بالأرادات والقضية أعقد من أن أغوص في تفاصيلها لأن العديد من الباحثين كتبوا عن شباط و أغنوا الموضوع بحثا. أعود للموضوع الأساسي وهو تفاعل الشارع مع ما تطرحه القيادة المركزية فقد وصل عزيز الحاج ورفاقه المنزلة التقديس فصديقي رزاق الطالب في المعهد الصناعي العالي والذي كان والده شخصية معروفة وهو محامي كبيركان عزيز الحاج بالنسبة له شخصية قلما يجود الحزب بمثلها وكان مستعدا لأن يتقاتل مع من يسيء إلى شخصية الحاج وأفكاره وقد دخل فعلا في عراك مع بعض الطلبة في معهده وأعتقل بسبب ذلك لاستخدامه العنف. في أحد الأيام وبينما كنت خارجا من باب كلية الهندسة في باب المعظم تفاجأت بوجود عواد الذي كان أول من أبلغني بالانشقاق في صفوف الحزب الشيوعي العراقي وذلك عندما كنت في مدينة عانة وكان يمشي أمامي يريد عبور الشارع إلى الجهة المقابلة لكلية الهندسة, لحقت به واستوقفته تصافحنا وسألته عن سبب مجيئه إلى بغداد وأبلغني أنه جاء لمتابعة موضوع عودته إلى الوظيفة حيث كان يعمل موظفا في وزارة الزراعة وقد فصل من وظيفته بعد اعتقاله في شباط63 . .طلبت منه أن يذهب معي إلى البيت لكنه تردد في البداية فأغريته باني أريد الحديث معه في موضوع سياسي وقلت له إن بيتنا ليس بعيدا ويمكننا المشي 10 دقائق للوصول فوافق على الذهاب معي. أحضرت لنا الوالدة طعام الغداء وباشرت بسؤاله عن الانتفاضة المرتقبة التي حدثني عنها وبدأ يتكلم بإسهاب عن التأثير الذي ستحدثه الأنتفاضه داخل الحزب كما سماها عواد وهو واثق مما يقول فقلت له أخي عواد أنا لا أشك بثوريتك وإخلاصك لمبادئك وإنه يوجد الآلاف من أمثالك ومنهم من هم زملائي في الجامعة ولكن ماهي الشروط المتوفرة لكم لإنجاح تلك الانتفاضة الثورية التي حدثتني عنها في مدينة عانه. صمت عواد قليلا ثم باشر الكلام بقوله أنظر أخي خالد نحن نملك المئات من الرفاق المستعدين للتحرك وهم رهن إشارة الخط العسكري للحزب وقد تم تدريب العديد منهم في كردستان كما وإن العديد من الرفاق قد التحقوا في معسكرات سرية داخل الأهوار وإن الانتفاضة سوف تبدأ من هناك خلال الصيف القادم مازحته وقلت له يعني أني سوف لن أراك خلال الصيف القادم في عانة . ضحك عواد وقال أنا لست من المقاتلين, أنا كادر سياسي يحتاجني الحزب لبناء تنظيم شيوعي قوي في عانة وراوة وربما أنت لا تعرف أنه كان هناك تنظيمات شيوعية قديمة في الخمسينات وخاصة عام 59 حيث كان لنا هناك تنظيمات قوية فيما كانت الأحزاب القومية لا تملك رصيدا هناك. قلت لعواد أنا لا أملك خبرة في العمل الحزبي والثوري ومعلوماتي لا تتعدى قراءة كراس لينين الدولة والثورة وكراس موضوعات نيسان وخطوة إلى الأمام خطوتان إلى الوراء ولدي بعض القراءات البسيطة حول الثورة الكوبية والثورة الصينية ومن خلال قراءاتي فأنا لا أجد أن حزبكم مهيأ للقيام بانتفاضة ثورية للزحف نحو العاصمة لأنكم لا تملكون جيش بروليتاري ولا جيش فلاحي كما فعل ماوتسي كونغ فقواعد حزبكم جلهم من العناصر البرجوازية الصغيرة معظمهم من الطلبة ولكن نفوذكم في صفوف العمال ليس كبيرا وليس لكم جيشا من الفلاحين فقال لي لنا نفوذ كبير في صفوف الجنود وضباط الصف كما لدينا عدد قليل من الضباط أصحاب الرتب الصغيرة قلت له طيب كيف سوف يتحرك هؤلاء الجنود ومن سيقودهم فرد عواد بلهجة الواثق إن هؤلاء الجنود وضباط الصف سيتحركون لاحتلال المعسكرات حال ابتداء شرارة الانتفاضة في الأهوار وفي كردستان العراق كما فعل الشهيد حسن سريع في حركته يوم 3 تموز 63 وسوف نستفيد من أخطاء تلك الحركة. مر ت ساعتين ونحن نتحدث عن الانتفاضة وبرزت ابتسامة عريضة على وجه عواد وقال لي قبل أن يستأذن بالعودة إلى فندقه اسمع يا خالد لقد أبهرتني بطرحك وعليك بالقراءة والاحتكاك مع من هم أكثر خبرة وتجربة منك. خرج عواد وودعته حتى موقف الباصات في باب المعظم وعدت إلى البيت قبل رجوع الوالد. عند رجوعي إلى البيت بادرتني الوالدة بالسؤال عن من يكون ذلك الرجل الذي كان معي لأنها لاحظت فرق العمر بيننا فحدثتها عن عواد وقلت لها إنه صديق أولاد العمة وتعرفت عليه خلال سفرتي إلى عانة ولكن لم أخبرها عن قصة سجنه عام 63 بسبب علاقته بالحزب الشيوعي العراقي. عند عودة الوالد أخبرته والدتي عن الضيف الذي جاء معي إلى البيت فسألني عنه وقلت له إنه عواد صديق أولاد عمتي وتعرفت عليه في عانة ضحك الوالد وقال لي شلم الشامي على المغربي فقلت للوالد هل تعرفه قال نعم وهو شيوعي وكان مسجونا. دفعني كلام الوالد للاسترسال في الحديث معه فتطرق حديثه إلى العوائل العانية التي أنجبت سياسيين كبار حدثني عن عامر عبدا لله وعزيز شريف والشهيد عبد الرحيم شريف الذي استشهد تحت التعذيب وتوفيق منير الذي اغتالته شراذم البعث في منزله في بغداد بعد أسبوع من وقوع انقلاب شباط. حدثني والدي عن ذكاء عامر عبد الله الغير عادي . لقد قدر لي أن ألتقي لا حقا في منتصف السبعينات بزوجة الشهيد عبد الرحيم شريف المناضلة الشيوعية الفقيدة منيرة عبد الرزاق ( أم رائد) حيث تعرفت عليها في بيت أحد الأصدقاء وكانت امرأة عظيمة عركتها المحن. انتبه الوالد إلى اهتمامي بالأحاديث السياسية ونصحني بالابتعاد عن السياسة واتهم عواد بأنه كان السبب. ذهبت للنوم مبكرا وأنا أفكر بحديث عواد وأعترف أن إسلوب عواد في الحديث كان جذابا وقلت في نفسي إن قلبي معكم يا عواد ولكن عقلي ليس كذلك وتذكرت حديث ماجد عن المنعطفات الصعبة والفكر البرجوازي الصغير المتذبذب.تسارعت الأحداث ووقع الحدث الذي كانت الحركات الطلابية تنتظره لإشعال شرارة الإضراب الطلابي الشامل في جامعة بغداد بعد أن اشتبك الطلبة المضربون في كلية التربية مع مفرزة من الانضباط العسكري يقودهم ضابط من عشائر الدليم المسيطرين على الجيش في تلك الفترة حيث كان أمر الانضباط دليمي وأمر موقع بغداد وأمر الحرس الجمهوري ومدير الاستخبارات العسكرية كلهم من عشيرة الدليم. يبدو أن الطلبة قد أصابوا الضابط مما حدا بالسلطات العارفية لإعطاء الأوامر باقتحام كلية التربية و ربما لا زالت أثار الرصاص موجودة على مباني الكلية. عم الإضراب جامعة بغداد واستمر حسبما أتذكر أسبوعين وقد تحدثت عنه في مقالتي السابقة وطلبت ممن عاصر ذلك الحدث وعايشه عن قرب أن يكتب عنه لأني لست مؤهلا للحديث عن ذلك الحدث الكبير الذي كان له تأثير بالغ على مستقبل العراق لاحقا حيث يبدو أن المخابرات البريطانية والأمريكية قد عجلت بالإطاحة بحكومة عبد الرحمن عارف عن طريق عملاءها عبد الرزاق النايف وعبد الرحمن الداوود بالتعاون مع الجناح اليميني في حزب البعث لقطع الطريق على القوى اليسارية وعلى رأسها الحزب الشيوعي أمام أية محاولة للوثوب إلى السلطة وقد عبرالبعثيون عن مخاوفهم من تكرار تجربة عام 63 ولكن هذه المرة بيد الشيوعيين وهكذا هي عقلية البعث الانقلابية.خلال فترة الإضراب صرت ألتقي مع سلوان أحيانا في كلية التربية وأحيانا في كلية الهندسة وكان سلوان والعديد من زملاءه واثقون من قدرة القيادة المركزية على إحداث التغيير الثوري فقلت لهم إذن لماذا لا يحصل التغيير الآن فالحكومة ضعيفة والأضرابات الطلابية تعم الجامعة وهي فرصة جيدة للانقضاض على حكومة ضعيفة وكان الجواب دائما أن الوقت لم يحن بعد ويبدوا أن قيادتهم قد استخدمت إسلوب التخدير لأن القيادة لم تكن تعرف كيف تتصرف بعد أن رفعت شعارات ثورية عظيمة تفوق إمكانياتها وغررت بشباب متحمس ومخلص للمباديء فوجهت ضربة قاصمة لجهود الحزب الشيوعي وشلت إمكانياته لأحداث التغيير المنشود . انتهى الإضراب الطلابي وعدنا للدراسة في الكلية ومر عام 67 بهدوء . كان ربيع عام 68 حافلا بالاحتفالات التي شهدها نادي الكلية سواء كانت لمناسبات طلابية أو ملتقيات شعرية وابرز تلك المناسبات كانت احتفالات الذكرى العشرين لتأسيس إتحاد الطلبة العام الذي يصادف الرابع عشر من نيسان حيث ألقى أحد الزملاء كلمة بالمناسبة حيا فيها شهداء الاتحاد الذين سقوط في سوح النضال وكانت تلك المناسبة فرصة لتعريف الطلبة الجدد بتأريخ الحركة الطلابية واستغلال المناسبة لكسب المزيد إلى صفوف الاتحاد وكانت إمكانيات زملاءنا من مجموعة القيادة أكبر من إمكانياتنا وكان ذلك لا يشكل أية مشكلة بالنسبة لي لأني كنت أعتقد أنه من المهم تحشيد الطلبة في صفوف الاتحاد وكنت واثقا من وحدة الصفوف طال الزمن أم قصر. في أحد الأيام ذهبت لزيارة خالتي التي كانت تسكن في الكرادة داخل وكان جارهم في السكن شخص يملك فرننا للصمون وكانت تربطني به علاقة جيدة حيث كنت أبادله الحديث كلما ذهبت لرؤية الخالة . لم أكن أعرف أن جاسم وهو اسمه له اهتمامات سياسية وعنما شاهدني جاسم رحب بي وطلب الشاي من مقهى قريبة ودعاني للجلوس في الشارع قريب من الفرن وبدأ يسألني عن الوضع في الكلية وما هو رأي في الوضع السياسي العام ثم قال لي أن قريبه ضابط في الجيش وقد أسرى له بأن هناك احتمال في تحرك الجيش لإسقاط حكومة عبد الرحمن عارف فسألته عن الاتجاه السياسي لقريبه فقال لي إنه متلون ولكن بشكل عام فهو ذو ميول قومية وبعثية حسب الطلب وكان حديثه لا يخلو من السخرية من قريبه ذلك. شجعتني طريقة كلام جاسم في اختبار ميوله السياسية فسألته طيب وما هو رأيك إذا عاد البعث للسلطة فقال لي الله لا يعيدهم فأل الله ولا فألك . استرسل جاسم في الحديث ومن حديثه علمت أن جاسم كان طالبا في الإعدادية الشرقية التي انطلقت منها شرارة الإضراب الطلابي الذي نفذته القوى الرجعية بتواطأ مع شرطة عبد الكريم قاسم كما قال لي هو وإنه أعتقل قبل انقلاب شباط بشهر وإنه نجى من الموت بأعجوبة لأنه كان معتقلا في مدينة الحلة ولم يتعرف عليه الحرس القومي فأطلق سراحه بعد الانقلاب ثم اختفى حتى سقوط الحرس القومي في 18 تشرين عام 63. سألته وأين أنت الآن قال أنا بدون انتماء سياسي ولكني مستاء مما يحصل في صفوف الحزب الشيوعي من انقسام وهذا ما سوف يسهل للبعثيين والقومين مهمتهم في الانفراد بسلطة عارف والانقضاض عليها. سألته لماذا لا تعاود العمل في الحزب لأني ألاحظ ميلك للشيوعيين فقال لي بصراحة أنا لا أعرف أين أقف فالكل يعتقد أنه يملك الحقيقة وجماعة عزيز يبدون أكثر قربا لي ولكني متردد في دعمهم لأني أخاف الثورية المتطرفة. عدت إلى البيت وفي اليوم الثاني حدثت سلوان عن لقاءي مع جاسم والحديث الذي دار بيننا وعن إمكانية وقوع انقلاب يقوم به الضباط البعثيين أو القومين لقطع الطريق على الشيوعيين في استلام السلطة. لم يبدي سلوان اكتراثا لما رويته له وبعد أيام حدثت شقيقه ماجد الذي ذهبت خصيصا لإبلاغه بالقصة. دعاني ماجد إلى لقاءه في المقهى التي يفضل الجلوس فيها أيام الجمع وهي كانت في شارع الرشيد على نهر دجلة قرب جسر الأحرار من جهة شارع الرشيد فذهبت إليه في الموعد المحدد فأخرج من جيبه منشورا وسلمني إياه والمنشور كان موقعا من اللجنة المركزية للحزب وهو يتحدث عن تحركات مشبوهة داخل الجيش مقترنة بتحركات مشبوهة للسفارتين البريطانية والأمريكية في بيروت. تناقشت مع ماجد في الشأن الداخلي للحزب وما آلت إليه الأوضاع بعد الانشقاق. الغريب أن ماجد لم يطرح علي مسألة الانتماء إلى صفوف الحزب حيث ربما كان يعتقد أني على صلة بالحزب من خلال التنظيم الطلابي. مرت الذكرى الأولى لحرب حزيران وخرجت في بغداد مظاهرة كبيرة شاركت فيها كل الأحزاب السياسية وظهر البكر وعما ش وحردان التكريتي وهم يتصدرون المظاهرة ويبدو أنها كانت خطتهم لإيهام الأمريكان بجماهيرية حزب البعث. مرت المظاهرة من شارع الرشيد واتجهت نحو الباب الشرقي حيث تفرقت هناك بعد إلقاء بعض الخطب. لم أكن موجودا ولكن هذا ما سمعته من جاري حميد الذي كان منتسبا لحركة القوميين العرب . في 17 تموز حصل ماكان جاسم متخوفا منه حيث وقع الانقلاب الذي جاء بالبكر إلى رئاسة الجمهورية وعبد الرزاق النايف رئيسا للوزراء والدا وود وزيرا للدفاع وبعد ثلاثة عشر يوما حصل الانقلاب الثاني حيث أطيح بالنايف والدا وود وإنفرد البعث بالسلطة.اتصلت بكل من سلوان ورزاق واتفقنا على السهر سوية حيث التقينا في مكان اتفقنا عليه عند مدخل شارع أبي نؤاس في الباب الشرقي وذهبنا لقضاء سهرتنا في أحد البارات في شارع أبي نؤاس على نهر دجلة . كنا الثلاثة محبطين من إنفراد البعث في السلطة وكنا نراهن على فشل الانقلاب مستندين على رفض الشعب العراقي للبعث من خلال تجربته المخزية عام 63 وكانت تقديراتنا ساذجة للأسف حيث استمر حكم البعث 35 عاما. سهرنا حتى وقت متأخر حيث دار النقاش بيننا نحن الثلاثة حول الحركة المسلحة في الأهوار التي قام بها رفاق الشهيد خالد أحمد زكي في شهر حزيران وكيف باءت للفشل وكان موقفي من الحركة موقفا إنتقاديا وقلت لسلوان ورزاق إن القيادة المركزية قد غررت بهؤلاء المناضلين وأبلغتهم أن هناك جيشا من المقاتلين موجود في الأهوار وجاء خالد أحمد زكي من بريطانيا على هذا الأساس ولم يستمع إلى نصائح منظمة الحزب الشيوعي في بريطانيا وكنت قد سمعت هذا الكلام من أحد الأصدقاء الذي يعرف خالد زكي شخصيا. دافع كل من رزاق وسلوان عن فكرة الكفاح المسلح وتحدثوا عما سموه البؤرة الثورية واستبعدوا فكرة تغرير القيادة بالمجموعة التي شاركت بالحركة فقلت لهم أنا لست ضد الكفاح المسلح كوسيلة من وسائل إسقاط السلطة شرط توفر الشروط الذاتية والموضعية لتبني تلك الوسيلة النبيلة ولكن أين هي الشروط المتوفرة للبدء بالحركة فرد رزاق بأن فكرة البؤرة الثورية هي خلق بؤرة لاجتذاب المناضلين ولا يتطلب البدء وجود جيش من المقاتلين لأنه لا توجد حرب بين جيشين فرديت عليه إن طبيعة الأهوار تختلف عن طبيعة الأرض الجبلية فهي أرض مكشوفة مغمورة بالمياه ومغطاة بالقصب والبردي والحركة فيها غاية في الصعوبة بينما حرب العصابات تتطلب الكر والفر ولا أفهم لماذا لم تبدأ الحركة في كردستان حيث كان للحزب تجربة قريبة هناك فرد علي الاثنان أن قيادة الحركة الكردية ترفض ذلك لوجود هدنة مع الحكومة كما أن الحركة الكردية تريد الهيمنة والتحكم في حركة الرفاق فقلت لهم هذه هي الشروط الموضوعية التي أكلمكم عنها غير متوفرة. خرجنا من البار دون أن نتفق على رأي بخصوص التجربة. مضى الصيف وانتهت العطلة الصيفية وبدأت الدراسة في الجامعة في حادث مؤسف أدى إلى استشهاد أحد الزملاء في كلية الإدارة والاقتصاد نتيجة خلاف بين جناحي إتحاد الطلبة تحدثت عنه في مقالتي السابقة وقد تبين أن أمن النظام هو من قام بإطلاق الرصاص على الطالب الشهيد واتهم به زميل من مجموعة اللجنة المركزية حسبما أخبرني موظف سابق في كلية الاقتصاد إلتقيته صدفة بعد 5 سنوات من الحادث وتبين أنه يعرف والدي وأخي الأكبر شاهد القاتل الحقيقي. قبل أن أختم الموضوع أحب أن أتكلم عن حدثين وقعا في نهاية عام 68 وأوائل عام 69 , في أوائل شهر كانون الأول ديسمبر كنت سائرا باتجاه كلية الهندسة وكانت الساعة حوالي الساعة الثانية بعد الظهر ومررت من أمام أكاديمية الفنون الجميلة في الوزيرية وعندما وصلت تحت الجسر الحديدي شاهدت باص خشبي من الباصات التي كانت تستعمل في تلك الأيام في نقل الركاب بين باب المعظم ومدينة الكاظمية وشاهت سيارة بيك أب تسير خلف الباص بسرعة فلفت ذلك نظري وبعد لحظات سمعت إطلاق النار وبدأ الناس يلتمون حول شخص ساقط على الأرض فعاودت المسير باتجاه أكاديمية الفنون حيث سقط الشخص أمام مدخل الأكاديمية فوجدت عسكريا ساقط على الأرض مصاب بإطلاقة في القلب وكان يلفظ أنفاسه الأخيرة وكان هناك ضابط مرتبك لا يعرف كيف يتصرف . عدت أدراجي باتجاه الكلية وكانت الأخبار قد سبقتني إلى الكلية حيث تبين أن القتيل هو جندي في الاستخبارات العسكرية وإن القاتل لم يكن سوى الشهيد الشيوعي مطشر حواس الذي صعد إلى المشنقة وهو يهتف بحياة الحزب الشيوعي الذي انشق عنه الشهيد وقد وقع الحادث عندما طاردت قوات الأمن الشهيد وهو يحمل منشورات الجبهة الطلابية التي شكلتها الحركات الطلابية للتصدي إلى هيمنة الاتحاد الوطني التابع للنظام ويبدو أن قوات الأمن كانت تراقب تحركات الشهيد لأن الشهيد كان نشطا ومعروف للبعث حيث سمعت من أحد الزملاء أن الشهيد قام بتصفية أحد الخونة المتعاونين مع البعث عام 63 وكان دليل للحرس القومي على رفاقه السابقين. الحدث الثاني هو اعتقال مكتب سركتارية اتحاد الطلبة مجموعة القيادة وذلك بتزامن مع اعتقال قيادة عزيز الحاج وكان من ضمن المعتقلين الصديقين سلوان ورزاق. أنا لا أعرف موقع سلوان ورزاق في الهرم التنظيمي لاتحاد الطلبة ولكن سلوان أطلق سراحه بعد فترة اعتقال دامت أسبوعين بينما رزاق بقي فترة أطول ولم يطلق سراحه إلا بعد تدخل والده المحامي حيث أخبرني رزاق أنه ليلة إطلاق سراحه استدعاه ناظم كزار ولم يكن يعلم أن إطلاق سراحه قد تقرر بعد تدخل والده وتكلم معه ناظم كزار وقال له عليك بترك الحزب الشيوعي فانكر رزاق علاقته بالحزب الشيوعي واعترافه بأنه عضو في إتحاد الطلبة وهو منظمة طلابية غير حزبية فأجابه ناظم كزار نحن نعرف ماهو الاتحاد ومن يشرف عليه. يقول رزاق ولغرض تحطيمنا نفسيا أدخل علينا عزيز الحاج بحضور ناظم كزار ووجه ناظم حديثه إلى عزيز وسرد له الأحداث التي شاركت فيها ويقصد الفعاليات والعركات التي شارك فيها حيث كان رزاق صداميا ولا يتورع عن استخدام السلاح الأبيض وقد أعتقل في عهد عارف بسبب ذلك. يقول رزاق وجه عزيز الحاج كلامه لي وقال بالحرف الواحد ابني أنا أقدر فيك روح الشباب والوطنية وأنا أنصحك بالاهتمام بممارسة الرياضة ومصادقة البنات وذلك أفضل لك وتكرر ذلك الحديث مع بيتر يوسف. لم أصدق ما قاله رزاق ولكنه أقسم أنه يقول الحقيقة ورزاق أعرفه منذ كنا طلابا في المدرسة الإعدادية وكان عزيز الحاج يمثل بالنسبة لرزاق رمزا كبيرا وحتى بالنسبة لي لم أصدق نفسي وأنا أسمع اعترافات عزيز الحاج وهو يدلي بها أمام شاشات التلفزيون بحضور محمد سعيد الصحاف وكم تمنيت استشهاده تحت التعذيب ليصبح شهيدا أفتخر به وتفتخر به الألوف من أبناء جيلي على الرغم أني لم أكن في يوم من الأيام عضوا في تنظيم القيادة المركزية أو إتحاد الطلية الموالي للقيادة. لقد سردت ذلكن الحدثين لا دلل على أن ألاف الشباب الذين غررت بهم تلك القيادة كانوا فتية متحمسين مخلصين لشعار حزبهم في وطن حر وشعب سعيد وكانوا أكثر نضجا من قيادتهم التي لم تكن تعرف ما هو هدفها. تحياتي لسلوان ورزاق الذين وعوا الدرس جيدا وتحياتي إلى كل الزملاء الذين ساهموا في صنع تأريخ إتحادهم المجيد والى كل الرفاق والأصدقاء الذين ما زالوا يواصلون الطريق لبناء العراق الحر لشعب سعيد.
#خالد_عبد_الحميد_العاني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ألانشقاق في صفوف الحزب الشيوعي العراقي عام 1967 من وجهة نظر
...
-
كيف غير إنقلاب شباط 63 مسيرة حياتي 2-2
-
كيف غير إنقلاب 8 شباط الأسود مسيرة حياتي ا-2
-
الأحزاب القومية خطرا- على الوطن والقومية
-
إفلاس الأحزاب الأسلامية الطائفية والأحزاب القومية العراقية
المزيد.....
-
هل يعارض ماسك الدستور بسبب حملة ميزانية الحكومة التي يقودها
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وأخرى تستهدف للمرة الأولى-..-حزب
...
-
حافلة تسقط من ارتفاع 12 مترا في حادث مروع ومميت في فلاديفو
...
-
بوتين يتوعد.. سنضرب داعمي أوكرانيا بالسلاح
-
الكشف عن التاكسي الطائر الكهربائي في معرض أبوظبي للطيران
-
مسيرات روسية اختبارية تدمر مركبات مدرعة أوكرانية في اتجاه كو
...
-
مات غيتز يتخلى عن ترشحه لمنصب وزير العدل في إدارة ترامب المق
...
-
أوكامبو: على العرب الضغط على واشنطن لعدم تعطيل عمل الجنائية
...
-
حاكم تكساس يوجه وكالات الولاية لسحب الاستثمارات من الصين
-
تونس.. عبير موسي تواجه تهما تصل عقوبتها للإعدام
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|