أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - إدريس جنداري - في الحاجة إلى النقد المزدوج : ما بين التطرف اليساروي العلمانوي القومجي و التطرف الديني















المزيد.....

في الحاجة إلى النقد المزدوج : ما بين التطرف اليساروي العلمانوي القومجي و التطرف الديني


إدريس جنداري
كاتب و باحث أكاديمي

(Driss Jandari)


الحوار المتمدن-العدد: 2558 - 2009 / 2 / 15 - 08:27
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


الفكر الذي لم يتغذ من منابع العلوم الإنسانية الحديثة ؛ هو فكر متطرف ؛ سواء ارتبط بمرجعية دينية أو يسارية أو قومية أوعلمانية ؛ لأن التطرف واحد ليس له دين أو مذهب ؛ إنه صنو الجهل بالحركية الفكرية التي يعرفها العالم الحديث ؛ و التي بدأت بوادرها الأولى خلال مرحلة القرن الخامس عشر؛ مع بزوغ فجر الحداثة الأوربية .
لكن الفكر العربي لم يتعرف على هذه الحركية الفكرية حتى حدود القرن التاسع عشر؛ و رغم ذلك فقد اختلطت لديه بالاستعمار ؛ و رفضها بادعاء مصدرها الاستعماري ؛ ولذلك لم تترسخ هذه الحركية الفكرية في الثقافة العربية ؛ رغم المجهودات الجبارة التي بذلها مفكرو هذه المرحلة .
و قد خلف فشل الثقافة العربية في الارتباط بالمنظومة الفكرية الحديثة آثارا كارثية ؛ ستتعمق فيما بعد ؛ حينما ستظهر على الساحة العربية نخبة العسكر ؛ التي ستقتل بعض ما تسرب من هذه الأفكار . و لعل قراءة بسيطة لهذه المرحلة لتفصح لنا عن الكثير من الدلالات العميقة ؛ التي يمكنها لوحدها أن تساعدنا على تفسير نموذج التطرف الفكري و السياسي و الديني ؛ الذي غزا العالم العربي من المشرق إلى المغرب ؛ و خلف و ما يزال جروحا غائرة في جسد الأمة العربية .
ظهرت في الثقافة العربية طوال مرحلة القرن التاسع عشر و أوائل القرن العشرين حركية فكرية و سياسية و فنية نشيطة ؛ كانت تحمل بين طياتها معالم مستقبل جديد للأمة العربية ؛ و قد ارتبطت هذه الحركية بفكر التنوير و اللبرلة و التمدن ؛ الذي قدمته نخبة المرحلة باعتباره البديل ؛ للخروج من التخلف و الجمود الذي عرفته الأمة العربية طيلة عصور الانحطاط .
لكن هذه المسيرة لم تستمر طويلا لأن الانقلابات العسكرية ؛ ستقلب الأوضاع رأسا على عقب ؛ و ستأتي بنخب فكرية و سياسية لا علاقة لها بتلك الطموحات الليبرالية التي بدأت تتبلور؛ و هكذا سيتم الاستغناء عن هذه الطموحات وسيتم استبدالها بطموحات قومية ؛ تتخذ بعدا يسارويا ؛ و تتحالف مع النخبة العسكرية كأداة للتجسيد على أرض الواقع .
حدث هذا في مصر و العراق و سوريا ... كدول كانت قبل الانقلابات تبشر بمستقبل مغاير للثقافة العربية ؛ و الدليل على ذلك الحركية الفكرية و الفنية و السياسية التي عرفتها ؛ و هي حركية كانت تتخذ بعد ليبراليا ؛ و تسعى إلى نشر ثقافة التنوير و التمدن في الوطن العربي .
لكن مصير هذه المشاريع سيتوقف على وقع طلقات مدافع العسكر ؛ و الذين يرتبطون بمرجعيات ثقافية ؛ تحارب كل قيم الليبرالية و العلمانية و التمدن ؛ باعتبارها قيما استعمارية ؛ لا تتلاءم مع ماضي الأمة العربية ؛ أو باعتبارها قيما بورجوازية متعفنة ؛ يجب محاربتها ؛ في إطار الصراع الطبقي بين ملاك وسائل الإنتاج و ملاك عضلات الإنتاج .
هكذا –إذن- سيتم الإجهاز على قيم الحداثة و التنوير؛ و في المقابل سيتم فتح الباب أمام التطرف العسكري ؛ الذي سيتخذ طابعا قومجيا و يسارويا ؛ هذا التطرف الذي سيستعيد المكبوت الديني ؛ مع توظيفه تحت شعارات مغايرة .
و هذا ما يمكن ملامسته من خلال الاستبداد السياسي الذي يقوم على الحزب الواحد و الحاكم الواحد؛ مع التنكيل بجميع أشكال المعارضة ( حدث هذا مع جمال عبد الناصر و حافظ الأسد و صدام حسين...) ؛ كما يمكن ملامسته من خلال استعادة العلاقات القبلية و العشائرية و الدموية كمعايير في تسيير دواليب الدولة ؛ و يمكن ملامسته كذلك من خلال تكريس اقتصاد الريع الغير المنتج ؛ و يمكن ملامسته من خلال فرض النموذج الثقافي و الفني المساير للنموذج السياسي ( هذا ما تؤكده اتحادات الكتاب و نقابات الفنانين ) .
و يمكن أن نستفيض أكثر باستدعاء مظاهر أخرى من التردي ؛ الذي أسس له المتياسرون و القومجيون ؛ الذين فرضوا نموذجهم السياسي و الثقافي و الفكري و الفني المتخلف ؛ عبر التحالف مع العسكر ؛ و من هنا كانت بداية التردي الشامل ؛ الذي سيتطور فيما بعد ليتحول إلى تطرف ديني ؛ سيأتي على اللأخضر و اليابس .
من هذا المنطلق –إذن- يمكن مقاربة التطرف الفكري و السياسي و الديني ؛ الذي تعرفه الثقافة العربية ؛ و الذي يعرقل كل أشكال التنمية في العالم العربي ؛ و هو تطرف أسس له المؤدلجون اليسارويون و القومجيون ؛ حينما حاربوا الفكر الليبرالي و ثقافة التنوير و التمدن ؛ و أسسوا في المقابل لنموذج ؛ يرتبط بظاهرة الترييف (ثقافة البداوة المرتبطة بالأرياف) ؛ التي أنتجت نخبا تسعى إلى تكريس قيم البداوة القائمة على العشائرية و القبلية .
و حتى هذه المرحلة لم تكن حركات التطرف الديني حاضرة ؛ لأنها في الحقيقة صنيعة هذا النموذج الفكري و السياسي اليساروي القومجي ؛ الذي لا يختلف عنها في الجوهر ؛ لأنهما معا نموذجان يتأسسان على الإيديولوجيا و اليوتوبيا ؛ و يشتركان كذلك في محاربة فكر اللبرلة و التنوير؛ باعتباره فكرا استعماريا ؛ كما يشتركان معا في طموحهما السياسي و الفكري القائم على الاستبداد و ثقافة الحزب الواحد .
و كلها قيم لم تكن حاضرة في القاموس النهضوي ؛ رغم طابعه السلفي الديني ؛ و ذلك ما تؤكده الأدبيات الفكرية و السياسية التي خلفها رواد عصر النهضة ؛ فقد دافع (علي عبد الرازق) عن مفهوم الدولة الحديثة ؛ كما تجسدها التجربة الليبرالية ؛ و دحض بقوة نموذج الدولة الدينية (الخلافة)
كما كرس الطهطاوي حياته لترسيخ روح التنوير و التمدن في الثقافة العربية ؛ و حمل قاسم أمين لواء نصرة قضايا المرأة العربية ؛ باعتبارها نصف المجتمع .
و لم يكن المغرب نشازا فيما يخص هذه الحركية ؛ فقد دافع محمد بن الحسن الحجوي بشراسة عن قيم الدولة الحديثة في المغرب ؛ و القائمة على الدستور و المؤسسات ؛ كما عملت الرحلات السفارية إلى أوربا على دعم هذا النموذج الفكري و السياسي و الاقتصادي و العسكري الجديد .
و كلها قيم ليبرالية و أنوارية ؛ تم دكها بعجلات الدبابات و أحذية الجنود ؛ و تم استبدالها بالأوهام العنترية القومجدية ؛ و الإيديولوجية اليساروية ؛ و رغم ذلك ينظر هؤلاء الآن للوضع العربي باستغراب ؛ و كأنهم لم يكونوا من صناع هذا الخراب .
إن واجب النخبة المثقفة اليوم هو القيام بمسؤولية النقد المزدوج ؛ من جهة نقد التطرف اليساروي و القومجي و العلمانوي؛ و من جهة أخرى نقد التطرف الديني ؛ مع الالتزام الكامل بثقافة التنوير و التمدن ؛ و بقيم الليبرالية القائمة سياسيا على التعددية الحزبية و الديمقراطية ؛ والقائمة اقتصاديا على مبدأ (دعه يعمل ؛ دعه يمر ) ؛ و القائمة دينينا على العلمانية كفصل بين السلطتين المادية و الروحية؛ و القائمة اجتماعيا على مبدأ المواطنة بدل الرعية ؛ و على المساواة بين الرجل و المرأة في كل شيء ؛ و القائمة فكريا على العقلية العلمية النقدية ؛ التي تستثمر منجزات العلم في فهم الإنسان و الكون و الحياة .
من هذا المنطلق –إذن – يجب على النخبة العربية المثقفة فضح كل المحاولات المغرضة التي تهدد هذه القيم المشتركة بين الإنسانية ؛ سواء أكانت مرجعيتها إسلاموية أم يساروية أم علمانوية أم قومجية ... و ذلك –طبعا- عبر المنهجية العلمية الرصينة ؛ التي لا تتعامل مع النقد باعتباره تصفية حسابات ؛ لأن المثقف الملتزم بقيم الحداثة ؛ ليست له أية حسابات خارج الدفاع عن القيم الإنسانية المشتركة ؛ و التي ترسخت منذ القرن الخامس عشر ؛ و تبشر الآن بالتأسيس لثقافة كونية ؛ تتجاوز حدود اللغة و الدين و القومية .




#إدريس_جنداري (هاشتاغ)       Driss_Jandari#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في الحاجة إلى نبذ ثقافة الشيخ و المريد : تعقيبا على مريدي وف ...
- بعد الحلقة الأخيرة من سلسلتها : وفاء سلطان امرأة عابرة في كل ...
- الظاهرة الحمساوية و الظاهرة الليبرمانية : لا بد من تدارك الخ ...
- العراق الجديد : الفينيق ينبعث من رماده
- طابور الهزائم : تاريخ من الشعوذة و السحر
- ما بين خالد مشعل و محمود عباس : صراع التصريحات في وضع فلسطين ...
- بعدما فشلت في الخارج صواريخ القسام تسعى إلى قلب المعادلة في ...
- الدرس الذي يجب أن يستوعبه العرب :العثمانيون الجدد أصحاب مصال ...
- بداية انكشاف أسطورة النصر الإلهي الحمساوي
- الأصولية الدينية: الإعجاز في خدمة الأجندة السياسية
- القضايا العربية و الرهان الخاطئ على إدارة أوباما
- حزب الله لم يكن يتوقع قوة الهجوم و حماس لم تكن تتوقع استمرار ...
- نخبة محور الممانعة : العمى الإيديولوجي في خدمة تاريخ من الهز ...
- أحداث غزة و معجزة النصر الإلهي : الأصولية الدينية و التسويق ...
- ما بعد أحداث غزة: في الحاجة إلى استلهام روح فكر التحرر الوطن ...
- من نتائج أحداث غزة : حماس قوية داخليا ضعيفة خارجيا
- الانفتاح الروائي كخطة لمساءلة الراهن السياسي المغربي : رواية ...
- الأدب وسؤال المؤسسة في الممارسة الأدبية العربية المعاصرة
- شركة ماكنزي للتنافسية ترسم مستقبلا سوداويا للمصارف (الإسلامي ...
- إيديولوجيا الاقتصاد الإسلامي : محاربة الفكر الاقتصادي الحديث ...


المزيد.....




- عطلة لأبناء المكون المسيحي بمناسبة عيد القيامة
- القوى الوطنية والإسلامية في القطاع: أهل غزة يمثلون طليعة الج ...
- قراءة في خطاب قائد الثورة الإسلامية حول المفاوضات النووية
- جماعة الإخوان المسلمين في الأردن تصدر بيانا حول الأحداث الأخ ...
- الأردن يعلن إحباط مخطط -للمساس بالأمن وإثارة الفوضى- وأصابع ...
- ممثل حماس في إيران: يجب إعلان الجهاد العام بالدول الإسلامية ...
- نحو ألفي مستوطن يستبيحون الأقصى وبن غفير يقتحم المسجد الإبرا ...
- بابا الفاتيكان يضع المعماري الشهير أنطوني غاودي على مسار الت ...
- حزب الله اللبناني يدين اقتحام المستوطنين لباحات المسجد الأقص ...
- المئات من الكاثوليك في بيرو وغواتيمالا يحتفلون بأحد الشعانين ...


المزيد.....

- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - إدريس جنداري - في الحاجة إلى النقد المزدوج : ما بين التطرف اليساروي العلمانوي القومجي و التطرف الديني