|
المشتومون في الأرض!
إكرام يوسف
الحوار المتمدن-العدد: 2558 - 2009 / 2 / 15 - 08:28
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
مازلت مصرة أن المنتصر الوحيد في العدوان الصهيوني الأخير على غزة هم المعتدون. وأن أمامنا شوطا طويلا حتى نجرؤ على القول إن المقاومة الفلسطينية حققت بوادر انتصار. فالمعركة ستظل قائمة إلى أن تفرز شعوبنا مقاومين يتصدرون الصفوف وأعينهم على استرداد الحق، لا على الاستيلاء على السلطة. ولا ينفذون إلا أجندة شعوبهم وحدها من دون صفقات تحقق أغراض الآخرين. وشواهد هزيمتنا ـ جميعا ـ ماثلة للأذهان؛ فمن آلاف الشهداء والمصابين، إلى تأخير أمد التحرير بسبب ضياع البوصلة وصرف الأنظار عن المعتدي الذي كان من المفترض أن تتوحد الجهود لبحث سبل مواجهته وإجباره على احترام الحق. فبدلا من ذلك انصرف القوم إلى تبادل الاتهامات واللعنات. وبعد أن كان السيف سبق العزل منذ وجه السلاح الفلسطيني إلى الصدر الفلسطيني، ووقف العالم يتفرج على "الأشقاء" من حماس وهم يسحلون "الأشقاء" من فتح ويلقونهم من عل، وتنفذ أحكام الإعدام ضد من يوصفون بالعملاء دون محاكمة! وما أن بدأ العدوان حتى ترك الجميع المعتدين و"اتشطروا" على بعضهم البعض، فانتهت الجولة وقد تفاقم الانقسام، وتجاوز الخلاف بين حماس وفتح، لتظهر خلافات بين حماس الداخل وحماس الخارج، وتنقسم حماس الداخل بين مؤيد لوقف إطلاق النار ومعارض. وانشغل الحكام العرب في محاولات سرقة الكاميرا من بعضهم البعض، واستخدمت في ذلك أكثر وسائل "خناقات الحواري" ابتذالا. فإذا بوسائل إعلام شقيقة تركز بثها على مهاجمة مصر (الشعب قبل الحكومة)، وتحرص على إظهار "خيانة" المصريين أكثر من إبرازها لهمجية المعتدين. ولم يقصر إعلاميون مصريون، فردوا التحية بأفضل منها! وحفلت صحفنا بمنافسة بين كتاب الحكومة في "فرش الملاية" للأشقاء! وانتقلت لغة العشوائيات إلى صفحات الصحف. رغم أنه لم يكن يليق بأحفاد الكاتب المصري الذي علم الكون الكتابة الانزلاق إلى هذا المنحدر، حتى لو انزلق آخرون . ومرة أخرى، وقف العالم يتفرج على "أمة" عربية تمسك بخنق بعضها البعض، غير مبالية بما يحدث لأهل غزة إلا بمقدار ما يفيد في شتيمة الآخرين. وبالطبع انتقلت البذاءة ولغة السوقة من مستوى الحكام، وقادة الرأي الإعلاميين إلى مستوى الشعوب. فمن يتصفح شبكة الانترنت يرى بعينيه "من المنقي خيار"، في تلاسن مبتذل بين الشعوب. وانصب أكثر الهجوم ضراوة وتجريحا على رؤوس المصريين، الذين نسبت إليهم جميع مباذل الخلق، واكتشف الأشقاء أن "المصري عبد الجنيه والدولار"، وأن "الفن المصري هابط والشعب المصري أسوأ شعوب الأرض." والمؤلم أن الأشقاء لم يقصروا انتقاداتهم ولا هجومهم على الحكم في مصر ـ وهم يعلمون أن المصريين أكثر شعوب العرب جرأة على معارضة الحاكم، وشهدت بنفسي فزع أشقاء مما يعتبرونه مبالغة في الجرأة على صفحات صحفنا، بينما لا يستطيع الواحد منهم أن يذكر اسم حاكمه دون إلحاقه بما تيسر من الدعوات وعبارات التفخيم وإلا تعرض لما لا يطيق، و أكدت لهم أن ما يرونه ليس بسبب أريحية الحاكم أو نزوعه الديمقراطي، ولكنه حق انتزعه المصريون بعد عقود طويلة من النضال والتضحيات ـ بل، وجدها الكثيرون فرصة لصب مخزون مشاعر سلبية تجاه المصريين ـ الشعب ـ لا أعرف بالضبط من أين جاءت، وأين كانت مخفية. ما دفعني لكتابة هذا الموضوع ما عرفته من أنواع السخافات التي واجهها مصريون يعملون في بلاد الأشقاء، حتى أن زميلا مصريا في مؤسسة إعلامية عربية، عايره زميل من بلد شقيقة قائلا له "يا بن القاهرة!" ووصل الأمر إلى حد التشابك بالأيدي في كثير من الأحيان. وحدث أثناء اجتماع مجلس مؤسسة إعلامية أن عرض أحدهم خبرا عن سقوط الثلوج في إحدى البلاد، فإذا بزميل عربي منصف يقول "دعونا نتناول هذا الموضوع من زاوية إغلاق معبر رفح!" متهكما على سياسة تحرير المؤسسة التي جعلت جل همها مهاجمة مصر والمصريين، وركزت تغطيتها على معبر رفح أكثر مما تناولت العدوان نفسه. ولا شك أن هذه الممارسات تركت جروحا يصعب أن تداوى بسرعة، وربما يكون لها أثرها على مشاعر المصريين تجاه قضايا الأشقاء. لكنني أعود فأقول إن العيب ليس عيب من تطاولوا، بقدر ماهو عيب حكومتنا التي لم تحفظ كرامتها وهانت على نفسها فهانت على الناس، وجعلتنا "ملطشة" للجميع. فما يعرفه القاصي والداني عن فساد هذا الحكم وفضائحه، واستمراره مع ذلك جاثما على صدورنا كل هذه المدة، فضلا عن تهافت وضع مصر إقليميا ودوليا منذ قبلت التنازل عن دورها الريادي والقبول بدور التابع الذي يتلقى أوامره عبر آلاف الأميال، أضف إلى ذلك رداءة الأداء المصري في الأزمة الأخيرة، وظهور الحكومة المصرية بمظهر التائه المتخبط، فاقد الاتجاه؛ كلها عوامل جعلتنا نرخص في عيون الخلق. حكومتنا فرطت في كرامتها خارجيا، وداست كرامتنا داخليا، فتجرأ علينا كل من هب ودب. وصدق في حقها قول مارتن لوثر كنج "إذا لم تنحن، فلن يستطيع أحد أن يمتطي ظهرك"، أو كما قال العقلاء "الحكومة العقيمة تجيب لشعبها الشتيمة" أو "حكومة السخام تجيب لبلدها الكلام" ولاحول ولا قوة إلا بالله!
#إكرام_يوسف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
غزة قبل عشرة أعوام 2-2..البديل الثالث
-
لا وقت للمزايدة.. الكل مدان
-
قبل البكاء على لبن يسكب
-
الآن، وليس غدا
-
المثقف المخملي .. وأولاد الشوارع
-
-الباشا-.. عريس
-
سلمت يمينك يا فتى!
-
سلمت يمينك يافتى!
-
الفتى -الحي-.. وتجفيف المنابع!
-
ألف رحمة ونور!
-
بص.. شوف العصفورة!
-
أعذر من أنذر!
-
ارفع رأسك .. أنت سعودي!
-
-كرسي في الكلوب-.. أو،عندما ينقلب السحر على الساحر
-
الطفلة التي فضحتهم!
-
-بهية- هذا الزمان!
-
الدكتور محمد.. وأصحاب المولد!
-
أزهي عصور الفساد
-
متلازمة -الغباء المصاحب للكرسي-
-
مولد.. وصاحبه غايب
المزيد.....
-
الصحة الفلسطينية تكشف موعد إعادة فتح معبر رفح لإجلاء المرضى
...
-
إسبانيا: القبض على -عصابة إجرامية- سرقت 10 ملايين يورو من من
...
-
العثور على الصندوق الأسود لطائرة الخطوط الجوية الأمريكية الم
...
-
ابتكار لفحص الهرمونات بالهاتف المحمول
-
لبنان.. شخص يقتحم موكب تشييع قتيل في -حزب الله- ويصدم عددا م
...
-
المغرب يعلن رفضه دعم إيران للحوثيين
-
رئيسة الوزراء الدنماركية: ما زلنا لا نعرف من أين سنحصل على ا
...
-
مصادر أوروبية: سيسمح لـ50 جريحا فلسطينيا بمغادرة غزة في السا
...
-
التساقط الكثيف للشعر قد يكون مؤشرا لأمراض مزمنة
-
أردوغان: تركيا متمسّكة بالقضاء على جميع التنظيمات الإرهابية
...
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|