أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعاد جروس - فؤاد التكرلي: أمضيت سنتين من البحث لأكتب بضعة أسطر عن حي الأكراد















المزيد.....

فؤاد التكرلي: أمضيت سنتين من البحث لأكتب بضعة أسطر عن حي الأكراد


سعاد جروس

الحوار المتمدن-العدد: 154 - 2002 / 6 / 8 - 07:08
المحور: الادب والفن
    


 
><<عندما تعرفت عليه لم يخطر في بالي ان ارتبط به، ربما بسبب فارق السن بيننا>>.
>تتابع القاصة التونسية رشيدة التركي شرح طبيعة العلاقة التي تربطها بزوجها الروائي العراقي فؤاد التكرلي، والتي تعود الى تعارفهما في باريس في الثمانينات، حينما كانت تدرس سيسولوجية الادب، واضطرارها لترك الدراسة بسبب زواجهما بعد عودتهما معاً الى تونس. لا يخلو التعرف على بعض من ملامح تلك العلاقة من محاولة لرسم بورتريه للروائي صاحب روايات (الرجع البعيد) و(خاتم الرمل) و(المسرات والاوجاع) المعتبرة من الاعمال الادبية العربية المتميزة.
>نسأل رشيدة، ما السبب الذي دفعك للاقتران برجل يكبرك بأكثر من خمسة وعشرين عاما، ولديه اولاد كبار من زوجته المتوفاة، ومن بلد غير بلدك. هل لأنه روائي؟
>تتأمل للحظات ثم تقول: لعل حبي للكتابة كان دافعا اساسيا بالنسبة لي للارتباط به. عدا عن انه روائي معروف، هو رجل محترم، بالغ التهذيب وحساس جدا. ومع اننا نختلف في امور كثيرة منها انه ليس صاحب نزعات رومانسية بحكم عمله كرجل قانون (قاض)، ولا يولي اهمية للحلم والخيال رغم حسه الفني المرهف، على النقيض مني تماما في هذا الخصوص.
><<هل تقبلت عائلتك هذا الزواج؟>>
><<اعترضوا بسبب فارق السن، لكن اهلي يعرفون اندفاعي نحو المغامرة، فقد سبق أن اقنعتهم بضرورة سفري الى لندن لدراسة اللغة الانكليزية لأتمكن من تدريسها لاحقا في تونس، وحين ذاك لم يكن يتجاوز عمري 22 عاما، ما تطلب مني جهدا استثنائيا لأقنع اسرتي التي لا تعتبر من الاسر المتشددة، لكنها كانت تتخوف من ميولي للعمل في الصحافة والادب. عايشت في شبابي اجواء اتسمت بالمحافظة الى حد ما، مرده الى طبيعتي الشخصية، فقد كنت افضل قضاء غالبية الوقت في البيت اقرأ واعمل بالفنون النسوية من تطريز وخياطة. عشت مراهقة وشبابا هادئين جدا، حتى إن من تعاملت معهم لاحقا في باريس ولندن عابوا عليّ هذا النمط من الحياة غير الملائم سني>>.
>مهما يكن نمط الحياة التي عاشتها رشيدة التركي فقد كانت سببا في نضوج شخصيتها، وفي جعلها نموذجا لزوجة الكاتب، فهي رغم تعلقها بالقصة القصيرة، لم تستسهل الكتابة ابداً، فحتى الآن لم تصدر سوى مجموعتين، الاولى (عصر الحنين) فيما ترجمت العديد من الكتب من الفرنسية الى العربية والعكس ايضا، منها رواية (الرجع البعيد).
>التي ترجمتها الى الفرنسية، الى جانب عملها في الاعلام. تفضل رشيدة تكريس غالبية وقتها للبيت وتوفير الاجواء الملائمة لزوجها حتى يتمكن من الاستمرار بالكتابة، اذ تؤمن به كروائي وكمشروع ابداعي منجز لا بد من استمراره، وهو يعادل ايمانها العميق بنفسها ككاتبة، حتى ولو لم يكن هذا طموحها الاول، وهو ما تفسره التركي بقولها: <<النجاح بالكتابة من اعز امنياتي، لكن طموحي الاهم هو ان انجح في الحياة كأم وزوجة وكاتبة معاً وهذا ليس سهلا>>.
>ومن يجالس الزوجين التكرلي والتركي لا يخفَ عليه مدى تحمس رشيدة لزوجها وللدفاع عن وجهة نظره، بل إنها تتطوع لشرحها، وهو ما لا يتنافى مع تعبيرها <<أنا لا اجامله بل اناقشه>>.
>المفارقة ان فؤاد الروائي المبدع والكاتب الجريء، مقل وخجول في التعبير عن نفسه، ويحول تواضعه الفطري دون العناية بتقديم نفسه في المقابلات الصحافية كما يجب، فإذا ما تعرض لإحراجات او سوء فهم، تكون رشيدة الى جانبه. وتوضح هذا بقولها: <<دوري كزوجة وأم الى جانبه يجعل تفاعلنا مع الحياة افضل، وهذا يشعرني بقدر من القوة الكامنة الكافية لتحس عائلتي معي بالأمان ما يعزز قوتي>>.
>أنا وشخصياتي
>تواضع فؤاد التكرلي وبساطته المتناهية يعطيان لشخصيته جانبا سلبيا، يتشابه الى حد بعيد مع شخوص رواياته، وبالاخص توفيق في رواية (المسرات والاوجاع)، لكن التكرلي لا يرى اي تشابه بينه وبين شخصياته، معقبا على ملاحظتي: <<اغلب شخصياتي تتناقض معي فهي متمردة تحب المخاطرة على الضد مني تماما>>.
>هل بناء الشخصيات على هذا النحو يعوض جانبا ما، يفتقده التكرلي؟ انه لا يستبعد هذا الاحتمال مستدركا: <<لكن ليس لدرجة ان اكون مرتاحا في حياتي فأصنع شخصيات روائية تؤكد هذا المفهوم لاخلق جو التكامل بيننا>>.
>وفيما يرى البعض في شخصية توفيق، نموذجا للمثقف العربي المأزوم، ينفيه التكرلي مكتفيا بوصف بطله بأنه <<شخص حساس جدا وقارئ جيد، والحساسية العالية ليست من صفات المثقف دوما، اما سلبية توفيق فترجع الى تكوينه النفسي الخاص>>.
>يتركز عمل التكرلي في رواياته على التشريح النفسي لابطاله واضاءة اعماقها، مقدما الخلفية الشعورية لمبررات حركتها في فضاء الرواية، ومن يتابع مسارات شخصياته يعتقد ان الكاتب مهموم بعوالم النفس. في حين يصارحنا الروائي بنفوره من علم النفس ومدارسه، وما اجتهاده في هذا المجال سوى تأمل في المواقف الانسانية، يثبت فيها افكاره المكتسبة والموروثة في هذا المجال، يقول بإصرار: <<اكره علم النفس والتحليل النفسي لكني اهتم بالانسان كما هو، وكما اعرفه أنا، وأحاول تفهم ماهية تركيبته وترسباته النفسية، من خلال التأمل فيه>>. وهذا ما يجعل التكرلي يغوص بطرائقه وأساليبه حتى قاع الشخصية باحثا بين طبقاتها عن مسوغات مواقفها الحياتية. ولعل الحب الذي ينشأ بين الشخصية الروائية والروائي لا يعفي تلك الشخصية في احيان كثيرة من استنكار القارئ لسلبياتها، وتحميلها مسؤولية اقدارها المحبطة. الا ان التكرلي يدافع عن شخصياته: <<شخصياتي مسالمة، وإذا كانت غير مكترثة بالمال فلا يعني انها سلبية، بل مقتنعة بنصيبها من الحياة، ومطمئنة له، انهم بشر من نوع خاص لا يمكن وصفه بالتواكل العاجز. من جانب آخر الروائي معني بالخضوع لواقع الرواية، ولكل رواية منطقها الخاص، اذا كان القارئ غالبا ما يتمنى نهاية واقعية ومتفائلة، فالحياة ليست هكذا دائما على الاقل في الرواية>>.
>دفاع الكاتب عن سلبية شخصياته لا يدحض استسلام تلك الشخصيات لانتظار حل قدري ما، كما حدث في رواية (المسرات والاوجاع) مع ان شخصية البطل تنم عن قارئ نهم وهاضم جيد للثقافات العالمية، وكأن كل ما حصله من معارف لم يقه اوجاعاً كثيرة سببها له اشخاص متوسطو الذكاء، وهو ما يرد عليه التكرلي: <<زيادة الاطلاع والثقافة تزيد من شدة الاحساس بالالم، اظن ان الانسان الجاهل اكثر سعادة من المثقف او العارف، وكلما زاد العلم زاد الشقاء>>.
>احدى ميزات رشيدة التركي التي يدركها من يتعرف عليها في اللقاء الاول، تلمس الاخرين والتواصل معهم ببساطة، وربما هذا ما جعلها اكثر تفهما والتصاقا بالناس وبشخصيات دأب التكرلي على رسمها في روايته، وربما كانت تخلط بينهما، فهي تقول: <<احب الناس والعلاقات الانسانية وأتلمس روح الشخص الاخر من اول لقاء، وأنا صريحة جدا في التعبير عن مشاعري، لا اجامل ولا اراوغ. ما يزيد من ألمي ان لا اجد في العلاقات الانسانية المبادرة نفسها، اعتقد ان سر سعادة او شقاء البشر في البشر انفسهم، وبإمكانهم ان يبنوا علاقات صحيحة ومتوازنة، او تخريبها بالنفاق والمجاملات>>. هل يمكن اعتبار رشيدة التركي واحدة من شخصيات فؤاد التكرلي؟! لا، إنها اكثر ايجابية من ابطاله، الطريق الذي ارتضته لم يكن سهلا، إذ نرى فيها بوضوح الأم والزوجة والكاتبة معاً. وكان بالغ الصعوبة عندما التحقت بزوجها في منتصف طريقه لتبدأ معه رحلة شيقة لم تخل من المعاناة المادية الحقيقة، ما ضيع الكثير من الوقت الذي كان من الواجب تكريسه للكتابة عدا عن عنائها كزوجة مبدع، له نمط خاص بالحياة، من الصعب على زوجة عادية لا علاقة لها بعالم الأدب مسايرته، فالتكرلي ككثير من الروائيين والأدباء ينتمون الى واقعهم المختلق على الورق اكثر من انتمائهم لواقعهم المخلوق على الارض، ويعيشون حيوات شخصياتهم الروائية بكامل مراحل بنائها ونضوجها وتحولاتها، ما يجعلهم غرباء عن محيطهم غير معنيين به ولا مسؤولين عن تلبية احتياجاتهم الاعتيادية اليومية البسيطة، كالتسوق او اصلاح صنابير المياه، او مفاتيح الكهرباء او تسديد الفواتير الشهرية، وغالبا ما يكون المبدعون آباء اتكاليين يرتاحون مع المرأة التي تعفيهم من القيام بكل اعباء هذا الدور الممل والسقيم بالنسبة لهم، بل الدور المعرقل لمسيرة رواياتهم وأبطالهم المتخيلين. تقول رشيدة: <<عندما يدخل فؤاد في اجواء روايته يتحول الى شخص آخر، حتى إن الناس القريبين منه والمقربين إليه، يستغربون تصرفاته. احيانا، اجد نفسي ملزمة بحماية ابني من التحولات الطارئة على والده، أنا ادرك الاسباب، لكن الابن لا يتقبل ابتعاد والده عنه وردات فعله الانفعالية. وربما كان انتمائي لعالم الكتابة هو ما يضفي على اجواء المنزل طقوسا خاصة ويذلل اوقاتاً صعبة، يكرس فيها فؤاد غالبية وقته للكتابة، ما يجعل اقربائي يتساءلون متعجبين: كيف تعيشون في هذا البيت>>؟!
>جدي ودقيق
>الطقوس الخاصة التي أشارت إليها التركي تنبع من شخصية زوجها المزدوجة، رجل القانون والكاتب، يجمعهما رجل العدالة في المرتين. ألا تحتاج مصائر ابطال الرواية الى رجل عادل؟! التكرلي شخص جدي ودقيق جدا يحرص على ان تكون أشياؤه مرتبة وفق نمط يسهل الرجوع إليها. تتطلب منه الكتابة الجلوس ساعات طويلة خلف طاولته، والبحث الدؤوب الذي يصب في صميم العمل الروائي، وهو ما يتجاوز احيانا كثيرة مخزون الذاكرة ليتقاطع مع مهمة المحقق والباحث في تأصيل المعلومة وتوثيقها. هذه الدقة في التعاطي مع المعلومة، تميز أدب التكرلي، فهو رغم اعتماده الرئيس على ذاكرته العراقية، لم يتمكن مثلا من تناول <<حي الأكراد>> في روايته (الرجع البعيد) دون السفر الى بغداد ومعاينة الحي، والتحقيق في الحصار والقصف الذي تعرض له من قبل البعثيين في عام 1963. يروي التكرلي سبب ذهابه الى المكان الواقعي: <<في هذا الحي عاش بطل الرواية، فيما أنا لا اعرف عنه الكثير، ولم يكن بالإمكان تجاهل التوثيق الجغرافي والتاريخي للتعرف على تركيبة المكاني في زمانه، والوقوف عند تفاصيل الاحداث التي جرت فيه والذي هو زمن الرواية من خلال لقاء اشخاص كانوا تحت الحصار، وآخرين ممن نفذوه وهاجموا الحي من الخارج. لقد استقيت معلوماتي من الطرفين للتوصل الى بعض الحقائق. تلك الآلية في الكتابة والبحث لا بد وأن تولد اجواء خاصة، لا تتقبل اي اختراق لهموم صغيرة او كبيرة تفرضها طبيعة الحياة الأسرية. الزوجة التركي راضية عن النظام الخاص الذي تتطلبه مهنة الكتابة. الآخرون لا يفهمون سر انقطاع التكرلي مثلا عن مجالستهم لوقت طويل، او عدم تفاعل هذه الأسرة مع المشاكل الاجتماعية الكثيرة خارج نطاق منزلهم، مع ان التكرلي مشغول بمشاكل اجتماعية لا تنأى عن تلك كثيرا، بل وتغوص في اعماقها، ساعيا في رواياته الى تشريحها بهدف فهمها. يلاحظ ان غالبية اعمال التكرلي تدور ضمن دائرة الأسرة، ومنها ينطلق نحو مستويات اخرى في علاقة الافراد مع المجتمع وما يحكم تلك العلاقة من هموم سياسية وفكرية واجتماعية معقدة.
>ولعل اكثر القضايا التي تميز التكرلي، تشريحه تابو الجنس، الذي تناوله في كتاباته المبكرة في بداية الخمسينيات، ورفضت لجرأتها في ذلك الوقت، منها قصة كتبها عام 1954 بعنوان (قنديل منطفئ) نشرت في الصفحة الاولى من مجلة (الأديب) اللبنانية. يستعيد التكرلي قصته موضحا رؤيته لموضوع الجنس: <<لا انظر الى هذا الموضوع من زاوية الإثارة ولفت الانتباه، وإنما اهتم بالوجه المرعب للجنس في مجتمعنا، وهو الوجه الذي يعرض عنه المجتمع ويخشى التمعن فيه، فالحادثة التي تناولتها في القصة، حادثة رهيبة، هي اغتصاب زوجة الابن، المندرجة في خانة الشرف في بعض مناطق العراق. تدور القصة حول شاب لم يتمكن من مضاجعة عروسه ليلة الزفاف فضاجعها والد العريس خوفا من ان يعرف الناس ان ابنه عاجز جنسيا. قصدت من الكتابة حول هذا الموضوع تناقض القيم الأخلاقية لدى مجموعة من الناس. كما كتبت لاحقا رواية صغيرة حول مشكلة الجنس، ولم يكن بالإمكان نشرها في ذلك الحين لأن فيها اختراقا للتقاليد بينما نشرتها حاليا. أما في رواية (الرجع البعيد) فقد طورت عملي على هذا الموضوع نحو البحث في الغريزة التي تقود البشر في اتجاهات غير محسوبة وتورطهم بمشاكل اكثر تعقيدا، وهو ما اعتقد ان من الواجب بحثه لا اخفاءه مع حرصي على عدم الانزلاق الى الإثارة المجانية والابتذال. وعندما كتبت (المسرات والأوجاع) اختلفت بعض افكاري وبحثت مسألة الجنس بشكل مختلف عن السابق، واستخدمته للتعبير عن بنية شخصية البطل الداخلية>>.
>تابو الجنس
>لكن كيف ينظر التكرلي لتناول موضوع الجنس في الكتابات العربية المعاصرة؟ سؤال كان لا بد منه. يعلق التكرلي:<<غالبا ما يستخدم الجنس في الكتابات المعاصرة كوسيلة ترويج تجاري مفضوح، من خلال إثارة نقمة النقاد او جهات اخرى تطالب بمحاكمة الكاتب، وهو ما يجعل الرواية موضع اهتمام وتساؤل، ولا يخرجها عن نطاق اختلاق الضجيج وتدبير المعيشة ولا علاقة له بالفكر والأدب. لأن للرواية منطقا صارما، لا يقتضيها الإكثار من مشاهد وأوصاف جنسية لغير دواعي الفكرة والأسباب الفنية، وأعتقد ان القارئ ينفر من اي إقحام مفتعل وغير مبرر، وهذا ما يؤكد ان الجنس لا يشكل عاملا اساسيا في انتشار وبقاء العمل الأدبي>>.
>الاهتمام ايضا، باقتحام التابو الاجتماعي والسياسي وتفنيده لم يطغ في اعمال التكرلي على الهاجس الفني، فنراه يعدد وينوع في اساليبه الروائية والقصصية متجنبا الاطمئنان الى قالب نهائي او معين يفرضه نجاح الرواية. في تعرضه لهذا الجانب يقول التكرلي: <<الشكل الفني عنصر اساسي وهام في العمل الروائي، فهو الذي يعطي القيمة الشكلانية لموضوع الرواية، وهو ما يتناوله النقد عادة في الرواية، فالقيمة الفنية الحقيقية للأدب تبدأ من الشكل اولا، هذه الرؤية لم تكن موجودة عند الأدباء العرب قبل الخمسينيات، لأن الواقع الاجتماعي اعطى اهمية للموضوع في الأدب وليس للشكل، إعلاءً لقيم الاصلاح والعدالة الاجتماعية. في الخمسينيات ولد ما يدعى بالهاجس الفني، وقد كتبت في تلك الفترة حسب قدراتي الفنية (الوجه الآخر) في سنة 1957، التي عنيت فيها بالشكل الفني الى حد ما. بعدها كتبت رواية (الرجع البعيد) 1966 وجاءت اكثر تعقيدا من سابقتها، وقد بنيت على اصوات متعددة، لشخصيات ادى تقديمها الى تفكيك الزمان والمكان، ليقوم بناء الرواية بشكل اساسي على تعدد وجهات النظر، وقد مثلت لي تلك الرواية حاجزا بيني وبين الكتابة، وكنت مخيرا بين ان اكرر نفسي برواية ستأتي مشابهة لها بسبب تشابه المادة الخام المتوافرة عندي، او اتوقف عن الكتابة حتى اتجاوز هذه الرواية، وانحزت للخيار الثاني وتوقفت عن الكتابة حتى جاءت روايتي (خاتم الرمل) بصيغة مختلفة تماما، حيث استخدمت شكلا فنيا يعتمد اللغة مفتاحا للرواية والشخصيات وفك اللغز الكامن خلفها. وتجدر الاشارة الى ان المادة الخام الموجودة لدى الروائي هي التي تحدد الشكل الفني الواجب اتباعه، في رواية (المسرات والأوجاع) كانت المادة الخام المتوافرة واسعة جدا فهي تتعرض لأحداث جرت خلال مئة عام تقريبا لذلك بدت انها تحتمل العديد من الأشكال الفنية، فمن غير الممكن ان تستمر رواية عبر امتداد زمني طويل بشكل مستقيم، ما جعل كتابة هذه الرواية اكثر سلاسة واتساعا وتنوعا.
>الجرأة الأدبية والفنية لدى التكرلي تجد نظيرا لها ولو على نحو آخر لدى زوجته الكاتبة رشيدة، فبرغم الظروف المادية والحياة وتخوفها من النشر، تصر على الكتابة كفعل معادل للحياة، فبداية كتبت بالفرنسية كتابات تصفها التركي حينا بالشعر وحينا آخر بالخواطر، لكن الانتماء العربي لدى التركي جذبها بقوة نحو اللغة العربية وصارت تكتب بها، وهذا ما جعلها في بعض الأحيان تتردد في النشر لكونها لا تعنى باللغة بقدر ما تهتم بالشكل الفني الانسيابي في التعبير عن افكارها. تبين اسبابها، قائلة: <<عندما اكتب تملأني الحماسة الى النشر، لكن عندما تصبح المجموعة جاهزة يستبد بي توجس مشوب بالإحباط. ومهما كنت واثقة من ان ما اكتبه يمس أناسا يفكرون بطريقتي، وأتمنى التواصل معهم من خلال الكتابة لأبدد شعوري بالغربة عن محيطي، تمنعني خشيتي من النقد العربي الذي يمتاز باتكائه على كليشهات جاهزة، كما أني غير متواصلة مع الأوساط الأدبية بشكل كاف لتقديم نفسي ككاتبة، بحكم انكفائي بالبيت، ومنحي الأولوية لتربية ابني، ما قلل من نشاطي>>.

جريدة السفير



#سعاد_جروس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- مش هتقدر تغمض عينيك “تردد قناة روتانا سينما الجديد 2025” .. ...
- مش هتقدر تبطل ضحك “تردد قناة ميلودي أفلام 2025” .. تعرض أفلا ...
- وفاة الأديب الجنوب أفريقي بريتنباخ المناهض لنظام الفصل العنص ...
- شاهد إضاءة شجرة عيد الميلاد العملاقة في لشبونة ومليونا مصباح ...
- فيينا تضيف معرض مشترك للفنانين سعدون والعزاوي
- قدّم -دقوا على الخشب- وعمل مع سيد مكاوي.. رحيل الفنان السوري ...
- افتُتح بـ-شظية-.. ليبيا تنظم أول دورة لمهرجان الفيلم الأوروب ...
- تونس.. التراث العثماني تاريخ مشترك في المغرب العربي
- حبس المخرج عمر زهران احتياطيا بتهمة سرقة مجوهرات زوجة خالد ي ...
- تيك توك تعقد ورشة عمل في العراق لتعزيز الوعي الرقمي والثقافة ...


المزيد.....

- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعاد جروس - فؤاد التكرلي: أمضيت سنتين من البحث لأكتب بضعة أسطر عن حي الأكراد