|
جزء من حكاية الوجع
البتول المحجوب
الحوار المتمدن-العدد: 2556 - 2009 / 2 / 13 - 05:20
المحور:
الادب والفن
هدير شاحنات يضجر هدوء الليل الجميل في ليلة معتمة.شاحنات تتسلل من أمام باب معتقل “اكدز”الرهيب في اتجاه مصير مجهول، عرفنا فيما بعد اننا نتجه نحو معتقل”قلعة مكونة”، كانت ليلة ليلاء.. أه لوتعرفين كما قاسينا ليلتها. كقطيع غنم مقيدي الأيدي والأرجل معا، بعضنا مكدس فوق بعض في شاحنات غنم. بل الغنم أكثر حرية منا تستطيع الصياح والثغاء متى شاءت أما نحن بشق الأنفس نكاد نتنفس، تحت وطأة أحذية قذرة لحراس أكثر قذارة، أحذية جعلت وجوهنا وظهورنا جسر عبور. لانسمع الاانين بعضنا فالأعين معصوبة والأيدي مقيدة مع الأرجل. بعضنا يئن من الم قيد الحديد وبعضنا مصاب بالاختناق وأخرون بغثيان لاسبيل لرده. اه لوتعرفين عندما اجلس ألان وحدي، بعد كل هذه السنين لا اسمع الا صدى أنين رفاق العتمة عبر سنين المعاناة الطوال.مازلت أتحسس أثار قيد الحديد في معصمي إلى اليوم..وأتذكر رفاق الدرب هناك . بعد مسافات ومسافات يتوقف هدير الصوت. تتسلل الشاحنات تحت جنح ظلام ليلة أخرى لترمي بنا داخل ذاك المعتقل الرهيب. كل مجموعة في زنزانة لاتزيد عن أمتار. نتكدس بداخلها كأنها علبة سردين نتن. زنزانة بقلعة نائية جدرانها باردة، رائحة الخوف والمجهول. بل رائحة الموت البطئ تفوح منها..لاشمس ولاهواء..عالم مجهول مخيف..نظر كل منا إلى الأخر بصمت. الصمت أحيانا أكثر تعبيرا. بدأنا نسمع دقا على جدران ذاك الحائط البارد جدا. أخفى احدنا دموعه..واخرأكثر شجاعة منا ظل يردد على مسامعنا: -اصبروا ففرج الله قريب… أغلق باب الزنزانة.زنزانة فارغة الأمن غطاء رث تفوح منه رائحة الموت، ووعاء لقضاء الحاجة..حتى قضاء الحاجة نقوم به داخل الزنزانة أما المرحاض فلم يكن مسموح به إلا مرة واحدة في اليوم..وفي ظلام الليل غالبا ما يصطدم احدنا بالوعاء حدث ولاحرج.فقدنا حاسة الشم أوبالا حرى تآلفنا مع رائحة البول وأشياء أخرى.. بداية كنا نصاب بالغثيان من تلك الرائحة..نختنق..وعندما يفتح الباب صباحا، يأمر الحارس احدنا بحمل الوعاء وتفريغه رغم الضربات التي تصحبه ذهابا وإيابا ، يخرج محملا بوصايا رفاق الزنزانة إن وجدت أعقاب سجائر حاول أن تجلبها معك. يخرج تحت رحمة ضربات الجلاد اللعين..عينه هنا وهناك علها تلتقط عقب سيجارة لأصدقائه. فهم نسوا طعم السيجارة .في طريق عودته يلتقط بعض أعقاب السجائر….لكن لاعود ثقاب ولاولاعة يقول احدهم..يرد عليه الاخر متهكما: -.ياسلام ولاعة…؟ هل تحلم..؟المهم دعنا نشم رائحتها.. كل شئ ممنوع في هذا المعتقل الرهيب لاسيجارة..لاورق لاقلم لاكتاب..كل شئ ممنوع لامحاكمة..لازيارة. لاشئ غير التعذيب والمجهول يبتلعنا مع الموت البطئ..بدا الحزن واليأس يأكل الرجال والنساء معا وبدأت قافلة الشهداء تمتد بعد أن فقدنا أكثر من ثلاثين شهيدا في المعتقل الرهيب “باكدز”ها هي قافلة الشهداء تمتد من جديد بسقوط شهداء جدد بمعتقل “قلعة مكونة”معلنة عن غياب أخر وعن يأس لاشفاء منه، فقدان الشهداء الواحد تلو الأخر ليس بامرهين علينا نحن من تقاسمنا المعاناة وكل أصناف التعذيب معا. كلما استيقظنا صباحا نحمد الله أننا مازلنا على قيد الحياة رغم المعاناة..نصارع من اجل أمل مجهول قد نطلع منه وقد نغرق في حلم لانهاية له.نحلم ونحلم تختلف الأحلام من مختطف لأخر..ونتفق جميعا على حلم واحد هو أمل الخروج من هذا القمقم اللعين.. فرحت يوم سمعت طائرا مغردا على سطح الزنزانة..شعرت بالحياة..تمنيت أن يظل الطائر مغردا لكن… اسأله لكن ماذا..؟ يصمت ويبدأ في البحث عن علبة سجائره ،أسرع في البحث عنها بين أوراقه المتناثرة ،افتح العلبة بارتباك أقدم له سيجارة..اشعر انه مرتبك أكثر..انتظر أن ياخذ نفسا كي يستأنف الحديث..لكن شعرت أن الصمت بدا يسرقه ..أمسكت بيديه عله يهدأ..بدأت انظرالى عمق عينيه..قبلت دمعة نقية منهمرة على خده .وضعت رأسه على صدري..شعرت انه أصبح أفضل عندما اخذ نفسا طويلا من سيجارته..ابتسمت له وطلبت منه أن يتابع الحكي. نعم عزيزتي ماذا عن الطائر..؟ الطائر فقد التغريد فجأة..بعد إطلاق احد الحراس النار عليه..أتعرفين بكيت يومها طويلا على الطائر الشهيد..ونظرت إلى اصدقائي فاذا الاول مشلول الحركة من نقص التغدية وسوء المعاملة..والثاني يزحف على أربع..والثالث مصاب بإسهال لاشفاء منه، والرابع مصاب بهذيان يدفع الى الجنون..والخامس أكثر صمودا..يطمئن الكل..ويعدهم بفرج من الله قريب..تحملوا..سيأتي يوم على الظالم.. والسادس يرفض جرعة الأمل..والسابع يغمض عينيه ويحلم بأمه .بطيبتها وببسمتها الدافئة، ويبكي بحرقة متمنيا أن يرى تقاسيم وجهها يوما ما قبل أن يسرقه الغياب. والثامن يحلم بامرأة تداوي بدفء شفتيها ألام جراحه..والتاسع يحلم ببسمة طفل برئ.. ويرى في حلمه أن الطفل سيكبر يوما ويكبر معه السؤال…والعاشر.. والائحة تطول يرفض الحلم ويبقى يصارع الواقع المر، يصارع سوط جلاد ومعاناة جدران باردة صماء .يغضب من كل شئ يسب يشتم ويتلقى ضربات إضافية من جلاد لايرحم..لايحق لك يا ابن الكلب أن ترفع راسك وأنت تمشي..طأطأ راسك والا.. يتحداه قائلا: - الموت واحد لن أطأطأ راسي يرفض الذل رغم الضربات، رغم الوجع ورغم سياط جلاد لا يرحم..قرر أن يمشي مرفوع الرأس حتى وان كانت حياته ثمنا لذلك..
#البتول_المحجوب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ايام معتمة
-
رائحة الوطن
-
صمت المدن
-
سر الحكاية
-
الكوخو
-
السبحة
-
ذكرى
-
حكاية امراة
-
اوتار
-
برودة المنافي
-
الجمعة الحزين
-
علبة بريد
-
مساء احد منسي
-
الحلم الجميل
-
الثامن عشر من ايار
-
محطة القطار
-
الطيور المهاجرة
-
المسافات
-
الهاتف
-
انتظار
المزيد.....
-
دراسة تحليلية لتحديات -العمل الشعبي الفلسطيني في أوروبا- في
...
-
مكانة اللغة العربية وفرص العمل بها في العالم..
-
اختيار فيلم فلسطيني بالقائمة الطويلة لترشيحات جوائز الأوسكار
...
-
كيف تحافظ العائلات المغتربة على اللغة العربية لأبنائها في بل
...
-
-الهوية الوطنية الإماراتية: بين ثوابت الماضي ومعايير الحاضر-
...
-
الإبداع القصصي بين كتابة الواقع، وواقع الكتابة، نماذج قصصية
...
-
بعد سقوط الأسد.. نقابة الفنانين السوريين تعيد -الزملاء المفص
...
-
عــرض مسلسل البراعم الحمراء الحلقة 31 مترجمة قصة عشق
-
بالتزامن مع اختيار بغداد عاصمة للسياحة العربية.. العراق يقرر
...
-
كيف غيّر التيك توك شكل السينما في العالم؟ ريتا تجيب
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|