|
قراءة في مجموعة بردانه الشمس للشاعر جبار عودة الخطاط
وفاء عبد الرزاق
الحوار المتمدن-العدد: 2555 - 2009 / 2 / 12 - 08:28
المحور:
الادب والفن
(ألشِّعر التصاق روحي وجنون)
لا أستطيع أن أقبل أي شعر دون أن يمر بمرحلة الجنون، وحين أقرأ قصيدة ًلمجنون شِعر أجد أني ازددت معرفة بنفسي قبل معرفتي بنفسية الشاعر وقربه من ذاته.
ربما لأني أعيش حالة مماثلة وأتخلص من الحصار القاتل " الوعي"
ساعة هطول مطر القصيدة .
هذا ما حصل لي فعلاً حين دخلت عالم الشاعر " جبار عودة الخطاط" في مجموعته" بردانة الشَّمس".
لحظة الهيام لا تحتاج إلى العقل، بل تعيش خارجها بانفصال تام عنها، ليس سوى الوجد الشعري ، الكلمة، الخيال، الصدق. إضافة إلى السحر، حيث يوقظ الروح ويميت الحواس.
هنا.. أستطيع القول أن ثمرة اللحظة إبداعٌ حقيقي وخلق، ولا أظن أن كل شاعر خلاّق.
هكذا خلق القصيدة الشاعر جبار عودة الخطاط في مجموعته ، وهذه الفكرة كونتـُها عنه من قراءاتي المتعددة لنتاجه الشعري المنشور عبر المواقع التي تهتم بالثقافة والإبداع.
يستهل مجموعته" بردانة الشَّمس" ب( هويـَّة ) بمثابة تعريف أو إهداء، ربما لشخص ما، أو لقارئ ما ، أو لنفسه. يقول:
أبوي الـﮔمر
وأمِّي الشـَّمس
إتقاسموا تفاحة حمره
ونزعوا أوراﮒ العنب
وعلـﮔوا إشموع الونس
وخلفوني
وصرت شاعر
نصي ليل
ونص صبح
روحي ريحانة ضوه
والجسم داير مداير
وﮔف على روحي حرس
وروحي من طبع الي بيهه
إتنث على الوادم
قصايد
بيضة مكتوبه إبهوه
والهوه بجرحي جنح
والجرح عندي فرس
والشعر عندي جرح
ينزف أحلام
ومكاتيب
وعرس
يتحدث هنا عن حالة الخطيئة الكبرى بين حواء وآدم حيث قضم التفاحة، لكنه جعلها شرعية بصفتها الحقيقية حيث قاموا بعد ذلك بتقشير العنب ليكون خمرا لاندماجهما الجسدي على إنارة الشموع وليكون هو ثمرة تلك اللحظة ، شاعر من ليل وصبح.
هل قدر الشاعر أن يتعلم من الحياة الليل رغم انه الصبح؟
أم أنه يستوعب الهاوية ليحولها إلى نور؟
نعم حوَّلها جبار عودة الخطاط إلى نور حيث قال: " روحي ريحانة ضوه"، ضوء برائحة، روحه الضياء المعطر كالمطر الخفيف على قومه رغم الجسد الحارس على أفعالها وعطائها إلا أنها الضياء والهوى. وقد اخطأ الشاعر في كتابة كلمة الهوى فأوهم القارئ بأنه يقصد الهواء ولا أدري هل فعلا يقصد الهواء؟ أظنه يقصد العشق.
في قصيدة" رايح إلها" رغم المخاطر والعبوات الناسفة عبر إليها بحسر روحه، وقبل الوصول شاهد ظلـَّه مبعثرا على الطريق. يا ألله كم رائعة هذه الصورة ، فيها تجديد وخلق ، إذاً ، الشاعر هنا عاش حالة الجنون وحالة الانعتاق من سجن الواقع المحسوس رغم أنه يخبرنا عن واقع وحادث حقيقي .
بمعنى أنه عاش حالته الشعرية التي تفوق الكلام العادي أو الوصف العادي في زمن خشينا فيه على الشعر الشعبي من الضياع ، كما خشينا أن يتوهم الجيل القادم أن ما نسمعه ونقرأه الآن هو الشعر الشعبي بعينه.
هذا ليس رأيي الخاص بل رأي الكثير من كبار الشعراء الشعبيين في العراق .
الشعر ابن لحظته أي نعم ، ابن البيئة والحياة العامة والأرض نعم، لكن كي يكون شعراً عليه ألا يكون أسيراً لطائفة يتبرك باسمها ويصول ويجول بأسماء رموزها.
ما أجده الآن جهلا باستخدام الرمز وتوظيفه توظيفا يخدم انصهار الشاعر بحالته الشعرية الخلاقة، وأغلبه ولا أجمع هنا لأني لمست تجارب شبابية تستحق الاهتمام. أغلبه مثل أي مناخ خاضع للحالة السياسية،قد يكون مؤيداً أو معارضاً يطمس خلق الجمال والجمال الإنساني ويظهر اتساعا إعلاميا يذكرني بشاعر الجاهلية الذي كان بوق العشيرة والأجهزة السلطوية ،كما هو الحال في كل الأزمنة التي فتحت الباب على مصراعيه لأبواقها إذ لا شعر عدا الوهم.
الشعر ليس تمجيدا لولي أو إمام ، ولا داعية لطائفة أو أيدلوجية ولا نفس ذاقت مُرَّ فاجعة ، بل ما يصاحب الحالات كلها من دمع وفرح وحزن ، وقلق وألق ، كبوة ونهوض، باحثا عن معاناة الإنسان حتى ساعة جوعه وشبعه، بمعنى أن يتحول الشاعر شعراً يكتب بهوية الجميع ويكون وعاء الجميع كي يصبح ابنهم يكتب لهم وبهم ينبثق قصيدة.
في قصيدة بغداد ، ينقلنا الشاعر إلى الأجواء التي ذكرتها فيأخذ من بغداد حبيبة يخاطبها كإنسانة أمامه يعاتبها تارة ويستوضح منها عمَّا جرى.
فهميني يا مزيونة شنهو اللِّي جرى
شنهو الخبر
شنهو الخبر
ثم يواصل استذكار لياليها ، ليالي الصبابة والعشق كأنه نصفها الذي بدأ به الشاعر بهويته وولادته من قضم تفاحة آدم، هو نصفها إذا، ومن حق النصف التفاعل بالكامل مع نصفه دون الذهاب إلى كلمة مجاملة .
مو ﭽان ليلـﭿ ليل
بيه يزهي العمر
لمَّن يشع وينزل إبلهفه الـﮔمر
ايبوس دجلة
ويسبح بميّْ النهر
شنهو الخبر.
العلاقة هنا تتجاوز الجسدية المعهودة بين اثنين كما في بداية التعريف بهويته ويخاطب بغداد العشيقة وهو في ذروته الإنسانية ليتسم خطابه الشعري بجمالية جديدة خاصة ويعيد كل الأشياء حتى الهاربة منه ليخلق تكاملا إبداعيا، حيث الحب والصداقة والعشق والوعي بحثا عن جواب يعيد له توازنه كفرد هنا وليس كشاعر .
علاقة الشاعر بالماضي علاقة وطيدة ، علاقة الحضن الحنون والصدر الحامي من العثرات، من خربشة التاريخ على جدران قلب الشاعر ومن كل ما يسكره بألم ، فهو رغم قسوة القصف يجد ثمة حام له فيأتي مقطعه الشعري قوافل من كلمات في قصيدته " بنكة سقفيـَّة" .
أجد هنا بؤرة إشعاع في نسيج قصيدة، بل ينابيع من كلمات تأخذ من المروحة قوَّتها وصبرها وتجلـَّدها على واقع مُر. يا لإبداعك المجدد أيها الجبار العودة الخطاط، فعلا جبار مَن يصنع من مجرد مروحة تاريخاً وماضياً عريقاً يستند عليه ويلجأ إليه .
ﭼنه نضحك
حته من نبـﭽـي احنه نضحك
لـﭽـن الملعون
ﮜب لمَّن سمعنه
وبحقد اسود
قصف بيت الجمعنه
ويا حسافه
وﮜع سـﮜف الغرفه
وكسّر ضلعنه
وظلت البنكه القديمه امعلـﮜـه
اتهوي علينه
وياهواهه إشـﮜد ترف
دغدغ دمعنه
ﮜالت امـِّي
هذي بنكتنه اصيله
بنكه نشميه
وتـِربت من طبعنه
وغطت الأنقاض
ضحكتنه البريئه
وبقت بنكتنه تهوّينه ابشهامه
ومن هواهه احنه رجعنه
وشلنه ضحكتنه الجريحه
من حدر أنقاض
غرفتنه العزيزه
وبهوه البنكه
تبخـَّر كل وجعنه.
من يقول أن الشعر الشعبي قاصر، هو القاصر، لأنه يتصور أن التعبير بالشعر الشعبي تخلف باللغة ، وهذه أفكار يطرحها الكثير من المثقفين المتعالين على الشعر الشعبي متناسين صفة الشعر الإنسانية والوجدانية . من وجهة نظري الخاصة أنهم بعيدون كل البعد عن جوهر الشعر، ويبدو أنه استلاب آخر لماهية الشعر وإجبارها الخضوع إلى قيم لا علاقة لها بالجمال ، بل عليها أن تتقوقع بحصار لغوي وقواميس تحدد من هويتها الشعرية، متبنين مفهوم الأصالة وأشكال اللغة .
المسألة الأساسية هي هل أنت قادر على الاعتراف بي كشاعر مختلف عنك لي وسيلتي في التعبير عن ذاتي الشعرية ؟
هنا أساس القبول والرفض ، ليس ديمقراطية الرأي والرأي الآخر بل ديمقراطية الذائقة والتعبير على أن يكون لنا تعاملنا الخاص على مستوى المبادئ التي يؤمن بها كل منا والتي لا تخل بالنظام الشعري المتكامل.
الشاعر جبار عودة الخطاط أعطى لنفسه حريتها الكاملة كوثيقة هنا للتعريف بهويته، دون إصرار منه على تقسيم الشعر إلى أطره التقليدية والتي اعتبرها وبرأيي الخاص أيضا أنها داء الشعر.
ترجم نفسه واكتشفها بذات الوقت ، وأظنه سيكتشفها في كل مرة وبعد انتهائه من جنون الكتابة بعد رجوعه من هيامه المُطـلق إلى جبار عودة الإنسان.
بردانة الشـَّمس
إشـَّاه ..
بردان الصبح
متغطي بلحاف السحر
واحبابه تتنطر يجي
وينه الصبح
يمته يطر
إتريده يطلع تفترة دنيانه
إبضحكة صبحهه
والورد يتنطّر ايفتح اوراقه
من يصافح وجنة اوراقه الضوه
ويلاعب الدنيه
بتقاسيم العطر
وصعدت الوادم
على اسطوح الخواطر تنتظر
جمّعت حسراتهه
الكلهه حراره
وهي تنفخ بيهه
وجنات الشمس
000 والشمس بردانه
نومّهه الخدر
لـﭽـن آهات الاحبـَّه
ﮜـعدّتهه
زرعت إبنفاسه
البيضة دفو
و دفت الشمس
كلش دفت
نزعت عبايتهه
وصعدت للسمه
وفرشت ﮜصايبه فجر
وطلع الصبح
طلع الصبح
............
البرد بضلوعه إنكسر
والورد
باوراقه إبتشر
وخضّرت فيروز حورية شجن
خضّرت فيروز جورية لحن
اتسافر وي الروح
موجات الشعر .
بعد هذه القصيدة " بردانة الشمس" يعجز أي كاتب عن وصف نـَص "الخطاط " لذا أقول لجبـَّار :" بردانة" الشمس ولن تدفأ إلا بأشعارك وحكاياتك عنها ، أوصيك وصية ... ألا تخضع لسجَّان وأنت فعلتها، لكني اطلب منك التناغم مع شمسك وابحث عنــَّـَا فيها أيضا لنتوحد بها معك .
لوحة مفتوحة
طير إزغير ومرسوم
صافن
منكسر
مهضوم باللوحه
يدوّر عالفضاء
الواسع المفتوح
عن صبحه
يريد يطير
.. يتنّفس
يحشِّمني بأرق صيحه
وآني اتفرج اللوحات
بالمعرض ..
..... شدتني إعيونه
إتـﮜلي خلصني
تحاﭽيني
وبيهه من العتب لمحه
خلصني
قفص ..
تخنـﮜـني اللوحه
ومديت ايدي بالبسكوت
شلت الطير من الخام
وطيَّرته ..
طيَّرته
شـﮒ درب السمه
من غرّد إبجنحه
التفتلي وصاح بعيونه
شكرا
والجنح يتغاوه بالفرحه
.. وبيضه اللوحة ظلت
بيهه طعم الفن
من تحتضن الوان
الفرح روحه
واللوحه صفت شباﭲ
يهب منه نسيم
ايصافح الزوار
صارت
لوحــه
مفتوحــه ..
بهذا اللوحة استطيع القول مرة أخرى أن الشعر الشعبي بخير ، وسيظل شهابه في الأفق طالما في العراق سفائن تبحر خلفهم الكلمات.
وفاء عبد الرزاق
#وفاء_عبد_الرزاق (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حوار مع الشاعر حكمت الحاج
المزيد.....
-
-جزيرة العرائس- باستضافة موسكو لأول مرة
-
-هواة الطوابع- الروسي يعرض في مهرجان القاهرة السينمائي
-
عن فلسفة النبوغ الشعري وأسباب التردي.. كيف نعرف أصناف الشعرا
...
-
-أجواء كانت مشحونة بالحيوية-.. صعود وهبوط السينما في المغرب
...
-
الكوفية: حكاية قماش نسجت الهوية الفلسطينية منذ الثورة الكبرى
...
-
رحيل الكوميدي المصري عادل الفار بعد صراع مع المرض
-
-ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
-
-قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
-
مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|