|
بعد الحرب على غزة، المطلوب أردنيا
عدنان الأسمر
الحوار المتمدن-العدد: 2555 - 2009 / 2 / 12 - 06:31
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
بعد توقف الطائرات والدبابات والزوارق الحربية الإسرائيلية، عن قذف حمامها على مواطني القطاع العزل الأبرياء، واستكمال انجاز المحرقة والمجزرة الفاشية، التي لم تسترد هيبة الردع للجيش الإسرائيلي، بل صمد الشعب الفلسطيني ومقاومته الباسلة، مما أدى إلى بذل الجهود لتحقيق أهداف الحرب سياسيا، من خلال الاستمرار في فرض الحصار وإغلاق المعابر ومبادرات النظام المصري، هذا النظام الذي قام بدور تأمري علني ووقح، حيث شارك في قرار الحرب على غزة وشارك في المجهود الحربي من خلال الاستمرار في إغلاق معبر رفح ومنع دخول المساعدات الطبية والتموينية، بل ومعاملة الجرحى معاملة سيئة لا إنسانية، بالإضافة إلى قمع المظاهرات وأشكال التضامن من قبل الشعب المصري، واعتقال المئات بتهمة إعاقة المرور وتأليب الرأي العام لقلب نظام الحكم، واستمرار الضغط على قادة فصائل المقاومة وتعطيل أي موقف رسمي عربي موحد، يتخذ مبكرا لوقف شلال الدم والدمار في غزة، وفي ظل السعي لتحقيق أهداف العدوان الصهيوني على غزة فما المطلوب أردنيا ؟؟؟
إن الدور الأردني الرسمي والشعبي ينحصر في أربع محاور هامة هي: الحوار, الأعمار, الحصار, الخيار. إن اللحظة السياسية الراهنة غاية في الخطورة ويترتب على سوء الاختيار السياسي نتائج تاريخية حاسمة في مستقبل الأردن السياسي. فالأردن رسميا وشعبيا قام بدور متميز في دعم نضال الشعب الفلسطيني والتضامن مع أهل غزة المقاومين. والدم الأردني الزكي أول من وصل لبعث الحياة في عروق الجرحى. بل إن استقبال الجرحى من قطاع غزة وإرسال العون الغذائي والدوائي تواصل منذ قدم الاعتداءات الصهيونية على غزة والضفة.
إلا أن هذا الدور يجب أن يتطور في إطار إستراتيجية حمائية للأردن. لان الفكر الصهيوني ينظر للأردن على أنه بلد قابل للفناء أو وطن بديل أو يمكن التوطين فيه. وأنه مجال حيوي لإسرائيل وحديقة خلفية يمكن إزاحة إليها فائض سكاني من الداخل الفلسطيني. وفي ظل الأزمة السياسية في الكيان الصهيوني وتعرض مستقبله للزوال وموقف الإدارة الأمريكية الساعي لإقامة دولة فلسطينية في المنطقة دون تحديد فلسطين 1967 واعتبار أن السلام هو عملية، أي استمرار التفاوض مع دوام إجراء تعديلات في المرجعيات القانونية. وهذا ما جاء في القرار1515 و1850 و1860 وفي كلمة مبعوث السلام الجديد جورج ميتشل، وما هلوس به أخيرا السفير الأمريكي بولتن حول حل الثلاث دول أي خضوع الضفة الغربية للإدارة الأردنية، من هنا يتطلب أردنيا ما يلي:
1.الحوار :إن الأردن هو أولى وأحق الدول العربية في تبني أو المساهمة في الحوار الوطني الفلسطيني بحكم الجغرافيا والتاريخ والاجتماع وحجم العطاء. فالمصالح الأردنية تقع ضمن اشتراط تلازمي مع المصالح الوطنية الفلسطينية، فكلما تم دفع المشروع الوطني الفلسطيني أماما يتم دفع المشروع الصهيوني نحو الأردن وراءا، والداخل الأردني مستفيد أو متضرر من الحالة الفلسطينية الداخلية. فاستمرار الانقسام الفلسطيني وتراكمه اجتماعيا ومؤسساتيا يساعد على استمرار حالة التأهب الصهيوني نحو الأردن، مما يتطلب دورا أردنيا يستفيد من ثقل التاريخ وحجم الموقف والعلاقات مع السلطة وفصائل منظمة التحرير، وضرورة بناء علاقات مع الفصائل غير الممثلة في منظمة التحرير وتحديدا حركة حماس، يساهم في فرض حالة من الالتزام على الأطراف الفلسطينية لعدم الوصول إلى الاقتتال الداخلي، أو تحول الانقسام إلى انفصال. فنتائج المصالحة الوطنية الفلسطينية وما ينتج عنها من السلم الأهلي في الضفة والقطاع هي أحد أشكال المصلحة الوطنية الأردنية، على اعتبار أن الضفة والقطاع هي بمثابة مجال حيوي أردني.
2.الأعمار :إن العدوان الصهيوني على غزة أحدث دمارا هائلا في البنية التحتية والخدمية والمباني. ودمر قطاعات الصحة والتعليم والزراعة والمساجد مما يتطلب إعادة الإعمار الشامل. حيث يساهم به جهات دولية وعربية ومنظمات الأمم المتحدة. وقد تقرر في مؤتمر قمة الدوحة وقمة الكويت ومؤتمر الدول المانحة تخصيص المبالغ اللازمة لإعادة الأعمار. فالأردن إذ ليس بمقدوره مجارات الآخرين بملاينيهم فهو يمتلك خبرات راقية ومتقدمة تمكنه من المساهمة في الاعمار على المستوى الرسمي والنقابات المهنية والقطاع الخاص. بل وتوفير المواد الإنشائية والمعدات والأجهزة اللازمة. فالأردن حضر مؤتمر الكويت ووافق على قراراته، وشارك وزير الخارجية بالإضافة إلى وزراء خارجية مصر,تركيا ,السلطة في اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوربي في بروكسل، بخصوص إعادة الأعمار والعملية السياسية. ودور الأردن وما يتحمله من أعباء يستلزم مساهمته في إعمار القطاع. فمن الظلم المطلق والمهزلة أن يستفيد من إعمار قطاع غزة اقتصاد الكيان الصهيوني الذي دمر وقتل وشرد سكان قطاع غزة. فإن مساهمة الأردن في أعمال إعادة الإعمار تؤدي إلى تعزيز الدور السياسي الأردني بوصفه أحد أشكال تحقيق المصلحة الوطنية الأردنية .
3.الحصار :تتكامل الجهود الإسرائيلية والمصرية في فرض الحصار على سكان القطاع الصامدين، من خلال إغلاق المعابر والتحكم بحركة الأشخاص والبضائع، مما يفرض صعوبات حقيقية على المواطنين والقطاعات المختلفة. كما أنه يعرض حياة المواطنين للخطر ويعتبر عقوبات جماعية مما يصنف الحصار وفق القانون الدولي جريمة ضد الإنسانية. وباعتبار الأردن أحد أطراف محكمة الجنايات الدولية، ولكون الوضع الفلسطيني في الضفة والقطاع مجالا حيويا أردنيا، يتوجب رسميا وشعبيا تبني حقوق سكان القطاع في الحياة, السكن, التعليم, العمل، الغذاء والدواء, التنقل, والاستقلال والسيادة. فكلما تم تفعيل الدور التضامني للأحزاب السياسية والنقابات ومنظمات المجتمع المدني وإيجاد صيغة تنسيق رسمية، دائما يحقق ذلك شكلا أخر للمصلحة الوطنية الأردنية، ويلغي الموقف الحيادي الذي يؤدي إلى إضعاف الدور السياسي .
4.الخيار: إن ما يشهده المجتمع الصهيوني من أزمة أيديولوجية، وتوجهه نحو العنصرية والتطرف اليميني، حيث تشير بعض استطلاعات الرأي إلى أن حزب الليكود وإسرائيل بيتنا وشاس، ستفوز بأغلبية أعضاء الكنيست. بالإضافة إلى الوضع السياسي الرسمي العربي غير المستقر، وتواجد القوات العسكرية الأطلسية بحجم غير مسبوق، والدور الإقليمي المستقبلي لتركيا وإيران في المنطقة، والأزمة الاقتصادية العالمية التي ستؤدي إلى نهب أكثر لموارد المنطقة، ودعم أقل لبعض دولها، يتطلب منا جميعا العمل بإخلاص والدفاع عن المصالح الوطنية الأردنية من خلال أسلوبين: الأول بنائي، والثاني إلغائي.
يتمثل الأسلوب البنائي في تعزيز الوحدة الوطنية وحماية الحريات العامة وتوسيع قاعدة المشاركة الشعبية والحوار المفتوح بين المسؤولين والمواطنين، وتكريس مبادئ المواطنة وتكافؤ الفرص والعدالة والمساواة، وإصدار قانون انتخابات نيابي عصري وتعديل نظام توزيع الدوائر الانتخابية النيابية، واعتماد الكفاءة والخبرة في التوظيف، واعتماد تنمية متوازنة تشمل البادية والقرى والمدن البعيدة عن العاصمة، وتحسين مستوى المعيشة ومكافحة الفقر والبطالة. ويتعين فتح حوار مع الأحزاب، حول قانون الأحزاب وجملة من القوانين الهامة الأخرى ذات العلاقة بعيش المواطنين. يتمثل الأسلوب الإلغائي في توحيد الجهود في رفض ومقاومة كل من الوطن البديل أو التوطين أو الحقوق المنقوصة، أو افتعال نزعة الأردنة أو الترويج لأفكار تعديل الدستور. فنظرية تحليل الأهداف والخبرة السياسية والشعبية في معرفة وكشف التأمر الخارجي على شعوبنا، تشير إلى أن استحضار وجلب القوى الخارجية، يتطلب خلق ذرائع داخلية ووضع القوى الاجتماعية في مواجهة بعضها. فالتصادم والتوتر الداخلي يصبح مكافئا موضوعيا للنقيض السياسي الاجتماعي.
فالأردن لا يمكن التدخل في شؤونه الداخلية بذريعة امتلاكه أسلحة دمار شامل. بل أن العبث بالوحدة الوطنية الأردنية هو بمثابة سلاح الدمار الشامل الذي سوف يستخدم ضد الأردن، ويعطي الفرصة وينشئ الظروف الملائمة والمناسبة بتدخل المراكز الإقليمية والدولية والصهاينة. ولحماية الوطن يجب الالتفاف حول الوحدة الوطنية واعتماد أسلوب الحوار الوطني الدائم، والدفاع عن حق الشعب الفلسطيني في العودة وتقرير المصير، وإقامة الدولة المستقلة.
ويتوجب تعزيز دور الأردن الإقليمي والعربي من خلال إقامة علاقات متوازنة وموسعة، والحذر من كل الدعوات والمشاريع المشبوهة، وخاصة ما يصدر عن الكيان الصهيوني، وجوهره إسقاط حق العودة للاجئين الفلسطينيين. ويتمثل ذلك في صيغتين: الأولى، بعناوين مختلفة، مثل الفدرالية أو الكونفدرالية أو البنولكس إسرائيل والسلطة والأردن، وسمي في حينه بالمثلث الذهبي. وهذه أفكار قادة حزب العمل الصهيوني. حيث ينتج عن تحقيق ذلك إلغاء صفة اللجوء، حيث يصبح اللاجئ الفلسطيني ضمن حدود سياسية واحدة. ولا اعتبار سياسي لمكان إقامته، فحسب القانون الدولي العام يعرف اللاجئ بالذي ينتقل قهرا من حدود سياسية إلى حدود أخرى. أما النازح هو الذي يغير مكان إقامته ضمن الحدود السياسية ذاتها.
أما الصيغة الثانية ويتبناها قادة الليكود والأحزاب الدينية تتمثل في إقامة الوطن البديل بالقوة في الأردن، أو اختياريا بأجراء تعديلات دستورية أو قانونية تلغي الحقوق المنقوصة، وتحقق نوع من التقاسم الوظيفي السياسي. إلا أن المشاريع التآمرية على الأردن ليست قدرا مبرما. بل يمكن بكل واقعية التصدي لها وهزيمتها وإسقاطها، كما تم بالوحدة وبالوعي الوطني وبالتمسك بالهوية الأردنية خلال الستين عاما الماضية.
#عدنان_الأسمر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المطلوب أردنيا : في ضوء المتغيرات الأمريكية الجديدة
المزيد.....
-
شركتا هوندا ونيسان تجريان محادثات اندماج.. ماذا نعلم للآن؟
-
تطورات هوية السجين الذي شهد فريق CNN إطلاق سراحه بسوريا.. مر
...
-
-إسرائيل تريد إقامة مستوطنات في مصر-.. الإعلام العبري يهاجم
...
-
كيف ستتغير الهجرة حول العالم في 2025؟
-
الجيش الإسرائيلي: إصابة سائق حافلة إسرائيلي في عملية إطلاق ن
...
-
قاض أمريكي يرفض طلب ترامب إلغاء إدانته بتهمة الرشوة.. -ليس ك
...
-
الحرب بيومها الـ439: اشتعال النار في مستشفى كمال عدوان وسمو
...
-
زيلينسكي يشتكي من ضعف المساعدات الغربية وتأثيرها على نفسية ج
...
-
زاخاروفا: هناك أدلة على استخدام أوكرانيا ذخائر الفسفور الأبي
...
-
علييف: بوريل كان يمكن أن يكون وزير خارجية جيد في عهد الديكتا
...
المزيد.....
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
المزيد.....
|