هادي الخزاعي
الحوار المتمدن-العدد: 783 - 2004 / 3 / 24 - 07:42
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
" بكره يذوب الثلج ويبان المرج "
الأمثال بمختلف أصنافها عبارة عن مقولات يراد بها الأستدلال على صوابية فكرة ما عن موضوع ما, خصوصا عندما لا يكون للمتحاورين من أفق لنفق حوارهم, أويستشهد بها عند أكتمال فصول حكاية ما للتعبير عن الوجدان الذي خرجت به تلك الحكايه.
ومنذ ما يقرب من العام ونحن العراقيين نتجادل مع بعضنا ومع غيرنا من غير العراقيين حول ما حل بالعراق من وضع لانحسد نحن العراقيين عليه بسبب غياب العديد من ثوابت كينونة الدولة الجديدة المستقرة البديلة لدولة صدام البائدة, والمؤسف أن الذي نسميه جدلا أو حوارا بعد معاينة وأستقراء الواقع يتحول عند البعض الى تلاسن وتراشق بمفردات لا تليق وحضارية التحاور, لاسيما عندما تكون أستنتاجات المتجادلين أوالمتحاورين متباينة ومختلفة أزاء موقف محدد ,وبالتأكيد أن هذا المشهد يتنافى وحدود التطلب الذي أبتدأ المواطن العراقي يؤسس عليه, وهوعدم الغاء الأخر. ورغم أن أمرعدم ألغاء الآخر يقحم على حين غرة في الحياة السياسية والأجتماعية العراقيه, أذ لم يسبق لأي عراقي أن مارس هذه اللعبة الحضاريه, الديمقراطيه, في أطار العلاقة مع الدولة ومع المجتمع وأتجرأ وأقول حتى مع نفسه, ألا أن المواطن العراقي قبل التحدي وأقتحم ميدان حوار الأفكار, واثقا من قدراته في مجاراة العصربعد أن تخلص من العصا والجزره,ووضع الحصان أمام العربه.
قبل عام, وبالتحديد عندما كان لايزال النظام البائد مرتديا لباس الحرب وهو متمترس " بالعنتريا التي ما قتلت ذبابه " على حد شعر الراحل قباني, وقفت الملايين من شعوب الأرض ضد الحرب التي تزعم أمريكا وحلفائها شنها على العراق, ورغم تنوع الدوافع لهذه الملايين العديده ألا أن الجميع أتفقوا أن" لا للحرب ", بدءا من أصحاب المعاداة المعلنة لسياسة العولمة الأمريكية, هذه المعاداة التي تتبناها كل قوى وأحزاب وحركات اليسار في العالم, من المتطرفة الى المعتدلة, مرورا بمؤسسات المجتمع المدني المعنية بالبيئة وحقوق الأنسان والتي يزخر بها العالم ـ ألا عالمنا العربي طبعا ـ,لأن لهذه القوى السياسية أجندتها الخاصة من السياسة الأمريكية التي تمارسها ضد الشعوب المغلوبة على أمرها, وهذه القوى السياسية الأجتماعية المدنية الأوربية تقف اليوم بكل حزم ضد السياسة الدولية التي تعمل على تكريس نهج الهيمنة الأمريكية في العالم, وبحدود ما تستطيع وبما تمتلك من أمكانات محدودة, ولما أختارت هذه القوى موقف مناهضة الحرب على العراق,فأنما على ضوء متطلبات أجندتها الرافضة للقطبية الأحادية الأمريكية, وليس دفاعا عن صدام أو نظامه. كما ساهم في هذا النشاط آخرين, من العرب والأجانب وبأجنداتهم الخاصة أيضا,كاليساريين والديمقراطيين العراقيين , الذين أبتلاهم المجرم صدام بالألغاء المعلن وغير المعلن عن وطنهم العراق, وأجندة هذه التكوينات السياسية والديمقراطية العراقية, تقرا قرار الحرب على أنه مضر بمصالح الشعب العراقي ,وبأمكان أمريكا وحلفائها اللجوء الى أساليب يمكن أن تساعد بها الشعب العراقي في الخلاص من صدام حسين ونظامه دون اللجوء الى خيار الحرب,التي لا تثمر غير الأحتلال والدمارالذي يكبل مستقبل العراق والعراقيين بالمواثيق والديون ويقيدهم بعدم التصرف كأحرار مطلقي السراح ولأجل غير مسمى . وهناك العروبيين المؤمنين بصدام كفارس لأحلامهم التي لا يصحون منها, وانتهاءا بأصحاب كوبونات النفط, وزوارالمتعة ومرابد العراق الدسمة, قابضي النثرية و مصروف الجيب المخزي, والتي كانت لقراءاتهم المشوشة والمصابة بعمى الألوان لهذا التضامن السياسي, أثره الكارثي على تكتيكات نظام صدام في مواجهة من لا يتوقفون عن قرع طبول الحرب ضد العراق تحت يافطة تحرير العراق من صدام, فقد جيرت الجماعات المؤمنة بصدام وقابضي دولاراته ورشاويه , وبلا خجل, هذا التضامن الذي كان مع الشعب العراقي , على أنه تضامن مع صدام حسين ونظامه, وقد صدق صدام ذلك فانتهى بتلك الحفرة البائسه,وبذلك لم يتركوا فرصة للمبادرات العديدة التي عرضت على رأس النظام لكي يجنب الشعب العراقي مستنقع الخراب والدمار وحمامات الدم التي أحاقت بالعراق بسبب تلك الحرب المجنونة.
أجزم بأن أي من هذه الملايين العديدة, لم تتظاهرمن أجل صدام, بل ضد أمريكا وضد الحرب بشكل عام وتضامنا مع الشعب العراقي على وجه الخصوص, ألا تلك المجاميع المخدوعة بصدام والعروبيين والمتأسلميين والمجاميع التي تطفح من جيوب أصحابها رائحة الرشوة بمختلف أنواعها,هؤلاء وهولاء هم فقط الذين رددوا لازمتهم المنقوعة بآلام العراقيين," بالروح بالدم نفديك يا صدام".
اليوم السبت 20/3/2004 تظاهرمحتجا كل يسار أوربا بمناسبة مرورعام على أحتلال أمريكا للعراق. لم يتظاهروا لصدام, تظاهروا تضامنا مع الشعب العراقي الذي تشضيه يوميا السيارات المفخخة والأنفجارات العبثية التي تقف ورائها جماعات الأرهاب والمجرمين ومحترفي القتل من بقايا النظام الملطخة أيديهم حتى الكتف بدماء العراقيين.
أن الدرس المفيد الذي يترشح من هذا الفعل السياسي والثقافي والأجتماعي ليسار أوربا ولبرالييها, أنهم رغم تباين رؤاهم السياسية والفكرية ألا أن حواراتهم متواصلة وغير متوقفة, وتديرطاولة هذا التواصل قاعدة عدم ألغاء الآخر وبطرائق ديمقراطيتهم التي يفهموها والمتفقين عليها.
في الغالب تكون لهذه الطاولات, وهي طاولات مستديرة غالبا, نتائج, نتائج يفرزها الحوارالمتمدن, الحوارغير المتشنج, والذي لا تكون قاعدته أحتكارأوأدعاء الحقيقة من قبل جهة معينه,لأنهم لا يختلفون على نسبية الحقيقة, وأن ليس لديهم من حقيقة مطلقة تتصل بحركة الوعي والنشاط الأنسانيين على الأطلاق. وبالمناسبة فأني أدفع بهذا المشهد الحسي والبصري ليعاينه أولئك الذين يتأستذون على العراقيين بخطابات البلاغة وفصاحة اللغة التي يتقطر من ثناياها تلويحات بفرض وصايتهم على وعي العراقيين الذين سئموا الأملاء والمقولات الجاهزه.
لقد صدق هذا المثل الحلو " بكره يذوب الثلج ويبان المرج " فعندما صاحت القوى التي لا تريد لشعب العراق الأذى," لا للحرب ولا لصدام ودكتاتوريته", قرأ الذين يريدون أزاحت صدام بأي ثمن, الشعار بطريقة ولا تقربوا الصلاة, فصرخوا,أن هؤلاء ألا من أتباع صدام ولا يريدون أزاحته, أما العروبيين والمتأسلمين وخراف التسمين فقرأوا الشعار من قفاه ,فصرخوا أن هؤلاء ألا من أتباع أمريكا وتحق عليهم اللعنة, أما ثالث الأنواع التي في سبيلها الى الأنقراض فقالوا : ماذا يريد هؤلاء أذا؟!.
ووفق القراءة السهلة والمكتملة للشعارفأنك سترى بأن خيار الحرب سيجر على العراق الويلات, وأن ليس هناك من خيار ناجع للخلاص من نظام صدام دون الأضرار بالشعب العراقي غير الخيار الوطني, الذي يعني أطار وطني شامل متفق على ثوابت وطنية مشتركة, يرحب بأي مساعدات دولية أو أقليمية, ولكن نزيهة وغير مشروطة. غير أن منطق الأرادات والنوايا والمصالح للعديد من الأطراف, دولية وعراقية, تلك التي تعد لعراق هجين على الطريقة الأمريكية, قد همشت تلك الدعوة النزيهة الداعية الى الخيار الوطني, ووضعت كل بيضها في السلة الأمريكية, ولما ذاب الثلج بان المرج العراقي أكثر بورا من زمن صدام.
واليوم يتأكد عمليا معنى الشرط الوطني لعراق جديد, فمنجز مجلس الحكم الأنتقالي بالتوقيع على القانون المؤقت لأدارة العراق بكل المؤاخذات التي سجلت ضده, وبالخصوص من لدن الأطراف التي وقعته, يضع العراق على بوابة تأريخ جديد, تكون فية طاولات الحوارالذي يمس العراق أرضا وشعبا هي طاولات مستديرة دائما والمتحلقون حولها هم الورق الأبيض الذي يترشح عليها طيف شمس العراقيين مذ أزل العراق الى أزله, وبذلك ننتج نحن العراقيين وبكل فخر حوارية أنسانية من طراز فريد.. حوارية عدم ألغاء الأخر الذي يحمل بعناء حقيقي صليب آلام العراقيين المدمى. وطوبى لمن يراهن على المثل: " بكره يذوب الثلج ويبان المرج".
#هادي_الخزاعي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟