|
قراءة في مثلث انتخابات مجالس المحافظات العراقية
محيي المسعودي
الحوار المتمدن-العدد: 2554 - 2009 / 2 / 11 - 04:30
المحور:
ملف: الانتخابات والدولة المدنية والديمقراطية في العراق
تمظهر وطني ووعي سياسي متدن في تمخض رحم ولود شكلت عملية انتخاب مجالس المحافظات العراقية مثلثا قائم الزاوية . كان الناخب فيه قاعدة والمرشح وترا ومفوضية الانتخاب ضلعا مستقيما . وأن هذه الانتخابات قد نجحت بدرجة فاقت التوقعات الموضوعية واسقطت التوقعات المتشائمة ولم تحقق التوقعات المتفائلة جدا .. فهي من حيث التقدير المتوازن نجحت بدرجة متوسط . وأنها لدى فريق المتفائلين ناجحة بامتياز ولدى فريق الرافضين لكل تغيير- بعد النظام السابق- فاشلة كل الفشل .. والفريقان المتناقضان مخطأن تماما .. ولتحديد فشل أو نجاح الانتخابات لابد من استخدام معايير دولية واعتماد منظمات مستقلة يتم بها ومن خلاها قياس درجة النجاح أو الفشل .. وهذه المعايير والمنظمات موجودة في الدول الديمقراطية العريقة ,اضافة الى منظمات وقوانين الأمم المتحدة البعيدة عن التأثير السياسي المنحاز وقبل الحديث عن حال كل ضلع في مثلث الانتخابات العراقية وعلاقته بالضلعين الاخرين والبيئة العامة والخاصة, لابد من الأشارة الى رأي الأمم المتحدة الذي عبر عنه دي مستورا بالقول أن الانتخابات ناجحة وتحققت فيها المعايير الدولية. وهذا ما أكدته منظمات عالمية وعراقية مستقلة فضلا عن الجامعة العربية ومنظمات عربية اخرى معينة بهذا الشأن, الى ذلك أكد المراقبون جميعا نجاح العملية الانتخابية . الضلع المستقيم "مفوضية الانتخابات المستقلة" عند النظر للضلع المستقيم "مفوضية الانتخابات" لابد من الاعتراف بانها عملت بكل طاقتها من اجل انجاح العملية الانتخابية, فقد سعت الى تطبيق المعايير الدولية من خلال عملها الفعلي وتأكيدها على المهنية البعيدة عن كل التجاذبات والتأثيرات السياسية والاجتماعية والمصالح وحاولت جاهدة تخليص عامليها من كل الميول والنزعات الطائفية والعرقية والفئوية والشخصية وغيرها وعملت على الاستفادة القصوى من الخبرات والتجارب العالمية وعملت على معالجة تاثيرات خصوصية الشخصية العراقية اتجاه العملية الانتخابية, التي تعتبر جديدة وغريبة على مجتمع , ثقافته التاريخية والمعاصرة مبنية على تمجيد الفرد "البطل " القائد "أي راس الهرم المدبب " ذي السلطة المطلقة. وقد جاءت انظمة وقوانين المفوضية الداخلية والخارجية مطابقة للمعايير العالمية المعتمدة في ادارات الانتخابات الديقراطية في الدول المتقدمة والراسخة في هذا النهج . بقي القول هل استطاعت المفوضية تحصين نفسها تماما من الاخطاء والتجاوزات , هنا يكون من الخطأ الاجابة بنعم , لان الضلع الذي تشكله المفوضية قائم من وعلى قاعدة "مجتمع" موبؤة بشتى الامراض والعيوب السياسية والاجتماعية وسواها. ونظرا لهذه الصلة بين الضلع وقاعدته يصبح من المستحيل براءة المفوضية من تلك الامراض, رغم اللقاحات المختلفة التي اخذتها ,ولكن لكي نقيّم عملها بدقة, علينا الاعتراف بان ما بقي في المفوضية من امراض القاعدة وثقل الوتر المتكأ عليها لايشكل خرقا يذكر في مصداقيتها ولا يهدد العملية الانتخابية ليصل بها الى القول انها فشلت ولم تنجح , وقبل نجاحها في عملها هذا ينبغي الاعتراف بنجاحها الجيد في تحصين نفسها من تفشي امراض القاعدة والوتر في صفوفها للحد الذي لايسمح للمراقب النزيه والموضوعي بالطعن في نزاهتها ومهنيتها ومصداقيتها, مع الاعتراف بوجود عناصر عاملة في المفوضية لم تنضج ولم تبرأ تماما مما تحمله من عيوب.
وتر المثلث " المرشحون" اذا كانت بعض الاحزاب قد استغلت في حملتها الانتخابية الشخصيات الوطنية التي اكدت وطنيتها ورسخنها في قناعة الجمهور, واسغلت اخرى الدين وثالثة استغلت جفاء المهور للاحزاب والتيارات الدينية, فانه لا يخفى على المراقب ان الشخصيات التي تنافست في انتخابات مجالس المحافظات لم تكن ابدا بمستوى تلك الشخصيات الوطنية , بل اننا رأينا شخصيات محدودة القدرة وهامشية وضعيفة وبعضها ذات سمعة غير نظيفة اضف الى ذلك شخصيات سيئة الصيت والسمعة لدى جمهور عريض . الى ذلك لم تقدم الاحزاب ولا التكتلات المستقلة ولا الافراد المستقلون برنامجا سياسيا ملموسا يكشف عن تفكيرهم وخططهم في بناء البلد وخدمة المواطن مما يؤشر قصر نظر المرشحين ومرجعياتهم وانشغالهم فقط بالوصول للسلطة , وهي حال تؤكد الانتفاخ السياسي والانشغال بالمصالح الحزبية والشخصية , مع الاشارة الى وجود شخصيات قليلة جدا بين المرشحين تعتمد على سجاياه وخصائصها الشخصية التي تنحاز الى مصلحة الوطن والانسان عامة ولكن دون ان يكون لديها برنامجا او تصورا حقيقيا تعمل على تحقيقة وهي سوف تُقمع من قبل الاغلبية في المجلس التي لا بد ان تجتمع على المصالح الحزبية او الفئوية , وتشهد هذه الايام تحركات الاحزاب على المستقليين الذين نجحوا بالحصول على مقاعد من اجل استيعابهم في تحالفات, والهدف دائما تحقيق مكاسب حزبية على حساب منافسين وعلى حساب الوطن دائما. وإذا كان مرشحوا الاحزاب لا يملكون مؤهلات توازي مؤهلات مرشحي القوائم المستقلة , فما الذي جعلهم يحصدون أغلبية أصوات الناخبين ويُخرجون شخصيات مستقلة ذات مؤهلات مهنية عالية وسمعة طيبة ... ؟ حال تبعث على الاستغراب والدهشة وقد يذهب الجواب عنها بالمراقب الى الأعتقاد بأن التزوير وراء ذلك والا كيف نفسر فوز شخصية سياسية تنتمي للأحزاب سبق أن عرفها الناخب, أما بالجهل المخزي أو الفساد الفاضح . وهؤلاء كانوا كثرا في مجالس المحاظات السابقة, وقد تسنم بعضهم مراكز ادارية مهمة وحساسة. وللأجابة العلمية والعملية الدقيقة على هذه الظاهرة .. لابد من الدراسة والتحليل لمكونات " وتر المثلث " المرشحين واحزابهم وحراكهم السياسي والانتخابي, والأهم دراسة وتحليل قاعدة المثلث أي " الناخب " وعندها تظهر لنا ابتداءاً الاجابة في عناوين هذه الدراسة بحقائق واضحة للجميع . اذ نرى سبب كسب الأحزاب لأصوات الأغلبية من الناخبين ناتج عن جملة معطيات من أهمها أن الأحزاب تعمل بطريقة المؤسسة "الربحية" وأمكانياتها . وأن لم ينضج بعد وتصل إلى واقع المؤسسة الحقيقية ..ثم ان أغلب الأحزاب وخاصة الحاكمة منها تملك أموالا طائلة .. استخدمها بشتى الوسائل لأستمالة الناخب وخطب وده والتلويح له بتحقيق أحلامه من خلال العطاءات المادية والمعنوية قبل الانتخابات وأثناءها وقد استخدمت في بعض ذلك وجودها في السلطة لتأكيد وعودها للجمهور ، وكانت السلطة من أهم أدوات هذه الأحزاب للتأثير على الناخب . السلطة الفعلية التي تستطيع أن تقدم . والسلطة ذات الصورة الوطنية المرغوب يها كما حدث مع استثمار صورة رئيس الوزراء نوري المالكي الذي يتمتع بأجماع وطني ويعقد عليه أغلب المواطنين آمالا عراضا . والعمل المؤسسي للأحزاب ساعدها على حسن إدارة الانتخابات بحكم الخبرات الواسعة والمتنوعة المتاحة لها والتي تملكها مقارنة بالمرشحين المستقلين ـ الأفراد ـ فقد استغلت الأحزاب امكانيتها وخبراتها في الأعلام بكافة وسائله وتوظيفه لخدمتها كما استغلت الاتصال بكافة انواعه وخاصة الاتصال الجماهيري من خلال انتشار فروع المؤسسة وأشخاصها بين جمع شرائح المجتمع المختلفة, على عكس الأفراد المسقلين المرشحين الذين ركزوا جهودهم على شريحة معينة أو جغرافية محدودة . فالأحزاب استطاعت كسب العشائر من خلال الوعود المغرية ومن خلل استقطاب رؤوساء ووجهاء تلك العشائروشرائح المجتمع وضمهم الى صفوفها سواء كانوا مرشحين او مقريين للأحزاب . واذا استطلعنا المراكز الانتخابية سوف نرى أن هذه الأحزاب كانت حاضرة في جميع المراكز, على عكس المستقلين الذين انقطعوا في تجمعات محدودة ولكن هذه الاحزاب بالمقابل تشبه المرشحين المستقلين الناجحين . اذ يسيطر بعض أعضاءها على مراكز انتخابية ويحصدون أغلبية الأصوات بينما يغيب عن هذه المراكز بعض المرشحين المسقلين تماما. مما يعني ان الحزبيين قد يكونوا متساوين مع المستقلين في السيطرة على بعض المراكز ويتفوقون في وجودهم الشامل في جميع المراكز ولو بنسب اصوات قليلة . قاعدة المثلث " الناخب" أظهرت نتائج الانتخابات وخاصة في الوسط والجنوب جنوحا قويا نحو الوطنية العراقية على حساب الطائفية والعشائرية . جاء ذلك من خلال اكتساح قائمة دولة القانون للأغلبية في هذه المحافظات ولكن هذه الصورة تنطوي على الكثير من الخداع فأذا كان عنوان القائمة ـ دولة القانون ـ فانها بالحقيقة لا تعني ولا تعمل في هذا الاتجاه باستثناء شخصيتها المركزية ـ أي رئيس الوزراء نوري المالكي ـ الذي أكد وطنيته العراقية وبراءته من الطائفية والعرقية . وقد ظلل هذا العنوان بعض الناخبين ودفعهم للتصويت لصالحها . واذا نظرنا في ثنايا وتفاصيل ومرجعيات الجمهور الذي انتخبها سوف نرى أن سبب كسب هذه الأغلبية يعود لعوامل وأسباب وأليات عديدة أولها أن القائمة عملت كمؤسسة ـ وكما ذكرنا من خصائص المؤسسة ـ ثانيا أنها وغيرها من قوائم الأحزاب اعتمدت على استقطاب شيوخ العشائر وزعماء الشرائح الاجتماعية التي تقدم مصالحها الشخصية والفئوية على حساب المصلحة الوطنية وهناك قوائم أخرى مثل قائمة شهيد المحراب استعانت بالدين لأستمالة الناخبين كما صرح بذلك عمار الحكيم بدعوته المواطنين الى ضرورة انتخاب القائمة القريبة من المرجعية .. أضافة الى ضم شخصيات مستقلة ذات جمهور عريض , وربط مصالح روؤساء عشائر وزعماء شرائح اجتماعية بهذه القوائم .. ناهيك عن العطايا والمساعدات وغيرها .. أما الأحزاب العلمانية فهي في الغالب تعود "ملكيتها" لأفراد وهي أشبه بمؤسسات يملكها شخوص باستثناء الحزب الشيوعي الذي فشل في مسقط راسه وفي عز شبابه منذ سنين . ناهيك عن النظرة التي يحملها اغلب الجمهور العراقي اتجاه هذا الحزب. ومن المعلوم ان كل هذه الأحزاب تقتات على السقط القليل من الناخبين الذين يرفضون الأحزاب الدينية أو الذين ارتبطت مصالحهم بهذه الأحزاب وبالتالي نستطيع الوقوف على صورة الناخب من خلال ما ذكرناه ونستطيع القول ان جُلّ الناخبين صوتوا أما لمصلحة فردية أو فئوية أو حتى طائفية وعرقيه. نتيجة تظلله ولعدم وجود وعي وطني حقيقي وثقافة وطنية راسخة . وهنا يجب التوقف عند حقيقتين. الأولى حجم الجمهور الذي عزف عن الانتخاب ولم يذهب لصناديق الأقتراع وهو جمهور كبير يساوي عدد الذين ذهبوا للانتخاب .. وهذا الجمهور نستطيع القول بأنه لا يعبه بالانتخابات. واذا عرفنا لماذا لا يعبه بالانتخابات سوف ندرك واقع الشعب العراقي اتجاه العملية السياسية. وهو واقع مضطرب ومرتبك نتلمس فيه تشكيك الأغلبية الساحقة بمصداقية السياسي العراقي الراهن والمقبل . أقول الأغلبية الساحقة واعني بها حتى اغلب الذين ذهبوا للانتخابات, لان هؤلاء لم يذهبوا لقناعتهم بالسياسي بل لمصالح وظروف وتجاذبات ونعرات وتظليل وغيرها. بل ويكاد حتى معظم المنتمين لشريحة السياسيين لا يملكون الثقة بأنفسهم أو زملائهم . أما لماذا هذه القناعات وهذا الواقع ..؟ سؤال يحتاج الى بحوث ودراسات اجتماعية وسياسية معمقة لأن ظروف وحالات وانقلابات كثيرة مرت على الأنسان العراقي ابعدته كثيرا عن العمل السياسي الوطني والأندماج فيه . ونستطيع القول أن الناخب العراقي كان مضطربا ومحبطا وضعيف الثقافة الوطنية ويائسا ومتشككا ومشغولا بصروف حياته وخائفا من الحاضر والمستقبل .. ولايمتلك تصورا حقيقيا لأمكانية بناء بلده وتقدمه وليس لديه ثقة بالسياسي وكل هذا بسبب الدكتانورية السابقة وارثها الثقيل ثقافيا واجتماعيا وسياسيا وبسبب التغيير الدراماتيكي في حياته خلال سنوت ما بعد السقوط ,اضافة الى ذلك تذوقه مرارة وبشاعة الطائفية والعرقية واستغلال الطبقة السياسية الحاكمة لمقدراته وحرياته واتيانهم بمرض الفساد الإداري الذي أدمى البلاد والعباد . الى ذلك ظل المواطن منشغلا بصروف حياته الصعبة وتلمسه عدم العدالة والمساواة وخوفه الدائم من المستقبل.. أي أنعدام الأمن الأقتصادي والاجتماعي . أخيرا يمكننا القول أن مثلث الانتخابات كان مكتمل الشكل مختل الأضلاع . كانت القاعدة فيه مضطربة والوتر ملتويا حرباوي الشكل ثقيل على القاعدة وعلى الضلع المستقيم, ويكاد أن يكون وهميا أما الضلع القائم فهو الأكثر ثبوتا وحقيقة على الرغم من بعض الهشاشات في ثناياه . ولكن, مع كل هذا الذي عليه الواقع العراقي لابد من الاعتراف بأن الحراك السياسي والاجتماعي في حالة تمخض حقيقي ولن يظل الرحم العراقي عاقرا كما هي الحال طوال الأربعة عقود الماضية اوكما هي الحال في الدول العربية منذ قيامها . واستطيع القول أن مايحدث في العراق هو دخول الدولة العراقية في طور المراهقة التي تبشر بنضوج مكتمل قادم مع الأيام ما دام السياسي "مضطرا او راغبا " يخطب ود الناخب. وسوف تغادر الدولة العراقية أخواتها العربيات الى بيت مستقل خارج تلك الغرف التي لا تسمح بالنضوج والتي يقيت فيها كل الدول العربية في مرحلة الطفولة وهي تغتصب يوميا من قبل السياسي الحاكم .
#محيي_المسعودي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ردة عن الوطنية وتألق نجم العشائرية في انتخابات مجالس المحافظ
...
-
حوار مع رئيس مجلس محافظة بابل
-
المرأة في الانتخابات المحلية العراقية حضورٌ خَجِلٌ وغيابٌ مُ
...
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
|