الحسين أسكاي
الحوار المتمدن-العدد: 2548 - 2009 / 2 / 5 - 09:59
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ليس بإمكاننا الجدال في أن مفهوم الحرية Tadrfit مفهوم مترامي الأطراف ، فمن العسير للغاية تعريفه تعريفا محددا ، إذ ليس بوسعنا كذلك أن نسقطه في دائرة المفاهيم الحسية ، لأن حدود الحرية لا يمكن رسمها بسهولة ويسر ، و لأن أبعادها و زواياها متشعبة . إن مجمل التعريفات التي تناولت الحرية في حد داتها ليست إلا مجموعة من الإبداءات والآراء حول المفهوم ذاته ، لأنها لم تتوصل إلى تحديد تعريف موحد . إننا سنتساءل بكل وثوقية حول الامر الذي يعكس لنا التعقيد في تحديد تعريف المفهوم ، إن السائل في هذا الصدد يجد الأمر في غاية الصعوبة ، إن توصله سيقف عند حد الارتباط بالذات، بمعنى أن الحرية ليست موضوعا أو شيئا ، بقدر ما هي مرتبطة بالذات الإنسانية كفعل يمارسه الإنسان دون أن تكون ممارسته "مقيدة" . إن الأمر يتضح لنا شيئا فشيئا و إن كان ليس على كفاية تامة ، لكن و أيا ما كان الأمر إذن ، ليس باستطاعتنا إلا أن نتناولها في وجهات وزوايا معينة ، اكتفيت التناول في الحرية و النشأة ، و الحرية والمجتمع ، في كل علاقة بينهما نسق متكامل من العلاقات . فماذا إذن عن نشوء الحرية لدى الفرد من حيث هو كيان مستقل ؟ و ماذا عن الحرية "كممارسة" من طرف الإنسان داخل المجتمع ؟ و ماهو الدور الذي تؤديه داخله؟
الحرية الإنسانية الفردانية:
نعتبر الإنسان إنسانا عندما يزاول الأفعال الإنسانية التي هي مقبولة ، فهذه المزاولة هي التي تبين لنا مدى حرية الفرد في أفعاله و ممارساته ، فمتى تتيبن الحرية إذن عند الفرد ؟ هل الفرد يولد حرا ؟ أم أن الحرية يمارسها باكتساب الأفعال في الوجود ؟
إن الإنسان منذ الصغر ، أي في بدايات نشوءه، ليس بوسعه إلا أن يستجيب لمطالب القوى البيولوجية التي تتحكم داخله ، وهذا ما يفسر في زاوية أخرى خضوع الإنسان من الصغر لقوى داخلية ، بمعنى انه ظل أسير قيود تقيد حريته بكل إطلاق . إن الإنسان في بدايات نشوءه ، أي في فترة رضيعه ليس بإمكانه التصرف الإرادي و التحكم في أفعاله و أن يميز بينها الصواب من الخطأ ، يعني أنه ليس حرا في حد ذاته ، و يرجع ذلك إلى عدم النضج ، أي أن بنياته العصبية لا زالت بدائية ، من هنا يتبين دور النضج في امتلاك الحرية ، لكن الإنسان في بداياته لم يكتسب هذه السمة ، و الأمثلة في ذلك عديدة : التبول و التغيط و المشي.. . إن الإنسان في الصغر ليس إلا مستجيب لأوامر مسبقة و بالخصوص أوامر الغريزة . إن الإنصياع لأوامر الغريزة ليس إلا نوع من أنواع النزع والتقويض للحرية ، كون الإنسان في أفعاله و إن كانت حرة في ذلك الحين إن هي إلا نتيجة لسلطة إرغامية متمثلة في الغريزة . فمتى إذن سيتحكم الإنسان كإنسان إنساني في أفعاله و ممارساته بكل حرية ؟ بمعنى آخر ، إلى أي حد سيتحرر الإنسان من سلطة القوى البيولوجية ؟ و هل تحرره سيكون مطلق ، أم أنه في حد داته نسبي ؟
إن تشكل سمات الوعي و بروز الأنا لدى الإنسان هي السبيل الأوحد لتبلور الحرية لديه ، كون الحرية في هذا الصدد ستكسب حقها من طرف الإنسان و سيكسب الإنسان حقه من الحرية . إن الوعيAfrak هو الذي بوسعه إلى جانب العوامل الأخرى ، أن يسعف الإنسان في مسيرته مع الحرية ، وذلك أن تصرف الإنسان سيكون تصرفا حرا واعيا . إن مجمل السلوكات Timskarin التي تصدر من طرف الإنسان ستكون واعية يتصرفها بكل حرية ، و لن يكون ثمة نزع او تقويض لحريته ( في سلوكاته الفردانية بمعزل عن الآخر).
إن سلوكات الإنسان لن تكون أبدا حبيسة ذاته ، بقدر ما يتجاوزها إلى الآخر ، من خلال التعامل معه و التصرف معه ، إذ أن حرية الفرد في التعامل مع الآخر ستكون منبنية على مبادئ الحرية ذاتها ، حيث لن تكون أفعالي منبنية على ما ينفعني أناي دون أن أعرف الآخر هل سيكون مثلي في ذلك أم أنه بخلافي ، سنصل إذن في الحين إلى نقطة رئيسية ، ألا وهي أن الحرية ليست ما لا نهائية ، إنها في الوقت داته قانون يحكم به الإنسان مجمل سلوكاته . و لا أدل في أن التعامل مع الآخر سيكون تعامل مجتمعي ، فماذا عن الحرية الإنسانية المجتمعية ؟
الحرية الإنسانية المجتمعية:
قد يكون هذا المحور نال العديد من الدراسات و الأبحاث و التصورات اللامتناهية و اللامحدودة ، حيث أن المجتمع في علاقاته بالحرية موضوع معقد ، لأن المجتمع يتغير تغير تقدمي و تغير أزماتي .إن التغير الأزماتي تكون أسبابه متجهة صوب موضوع الحرية بمعناها الواسع و ليس الضيق ، و التغير التقدمي تكون أسبابه أيضا الحرية ، وهـذا كلــه
نسبيا وليس قطعيا.
إن حرية الإنسان داخل المجتمع تنبري وسط مؤسسات المجتمع بدءا من الأسرة Tawja و المدرسة Tinmel خاصة . تلعب الأسرة دور المعزز الإيجابي للحرية و المعزز السلبي للحرية ، يتمظهر التعزيز الإيجابي من خلال الإستجابة لرغبات الطفل و حاجياته كتمتعه بالفرح و السرور و منحه أوقات اللعب دون إغفال الحاجات الرئيسية التي تضمن له البقاء في الحياة ، ويتجلى التعزيز السلبي في كبح رغباته السلبية التي لا تأخذ أية جدوى ، فقط تهدد وجوده و بقائه الحيوي كمحاولة أكل طعام معفن مسمم ... . من هنا ينبري دور الأسرة في تدعيم الحرية للإنسان ممهدة له التصرف الحرياتي لأفعاله و سلوكاته وسط المجتمع و خارج الأسرة . و إلى جانب الأسرة هناك مؤسسة المدرسة التي تقوم بدور أكبر في تنظيم الحرية لدى الإنسان ، هناك من يقول أن المدرسة تنزع حرية الفرد و تقوض إرادته بمعنى أنها تكبح الإنسان و تفرض عليه سلطة ليس بوسعه إلا أن ينصاع لها ، لكن الأصح أن المدرسة ليست من مهماتها كذلك . إن التقويض والنزع الذي تقوم به الحرية ليس متمثلا في الحرية ، بقدر ما هو متمثل في الفوضوية Tabaslit، حيث أنها تنزع الفوضوية من الحرية لدى الإنسان . و هذا لا نستثني فيه ذلك التفريح الذي تنهجه مثلا في الكتاب المدرسي ، عندما تسلب الكرامة و الوجود اليقيني الثابث المحض ، إن سلب هاته التمثلات هي التي تبرز بشكل مطلق النزع و التقويض للحرية الإنسانية ، من هنا فإن أهمية المدرسة في تشكل الحرية تبتدئ من خلال احترام وجود كل فرد و إلغاء التفريح و إرساء دعائم التكوين القيمي لتكوين منظومة قيمية تمثل الحرية قيمة أساسية من ضمنها.
و إلى جانب هاتين المؤسستين المجتمعيتين ، سنتناول الحرية في المجتمع من زاوية أخرى المتمثلة في التعاملات مع الآخرين و التعاملات مع الكل ، سنقف هنا عند ألكسيس دو طوكفيل في تعريفه للحرية و الذي مؤداه أن معنى الحرية هو" أن كل إنسان نفترض فيه أنه خلق عاقل يستطيع حسن التصرف ، يملك حق لا يقبل التفويت في أن يعيش مستقلا في كل ما يتصل بداته و أن ينظم حياته الشخصية كما يشاء " إن هذا التعريف يبين أثر الحرية في تكوين كيان انساني مستقل يملك حق التصرف و الإستقلالية عن الآخرين . لكن لا نسلم مع هذا الرأي ، كونه يبدي موقفا نرجسيا ، ذلك أن الإنسان ليس فقط أن يعيش وفقا لمتطلباته الشخصية ، لكن الأرجح فيه هو أن يعيش منفتحا على الآخر ، وأن تكون حريته تحترم حرية الآخر و أن تكون أفعاله لا تضره ، وهذا ما لا يتعارض في شئ ان يكون الآخر أيضا كذلك.
إن الحرية من هنا هي شرط الوجود و البقاء و الإستمرار في الوجود ، فالحرية هي أحد تمثلات الوجود ذاته من خلال تلبية الرغبات ، وليس كما يقول سبينوزا أن الحرية تتجلى في اختيارنا الخضوع لحتمية الكون و أن ادعاء عكس ذلك ما هو إلا وهم و تضليل .
إحالات:
أصول علم النفس،الدكتور أحمد عزت راجح
الديمقراطية في أمريكا، أليكسيس دوطوكفيل
#الحسين_أسكاي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟