|
توماس مور ضحية اشتراكيته ومثاليته
محمد نبيل الشيمي
الحوار المتمدن-العدد: 2548 - 2009 / 2 / 5 - 06:17
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
توماس مور (1480-1535) هو أول من صاغ كلمة يوتوبيا أو أوتوبيا (النطق اليوناني) واشتقها من كلمتين ou ومعناها "لا" وTOPOS ومعناها "كان" والكلمة تعني "ليس في مكان" ثم أسقط توماس مور O وكتب الكلمة باللاتينية لتصبح UTOPIA ووضعها عنواناً لكتابة الذي يعده الفلاسفة أشهر يوتوبيا في العصر الحديث حيث تمثل وصفاً لمجتمع مثالي تسوده روح العدالة وقيم المساواة بين المواطنين . كتب مور اليوتوبيا في فترة انتقالية كانت فيها حركة النهضة تؤذن بميلاد حركة الإصلاح الديني بكل ما شهدته هذه الفترة من اضطرابات اجتماعية وسياسية عميقة وكان مور على وعي تام بالمشكلات الاجتماعية والسياسية التي تتطلب من وجهةنظره حلولاً جذرية ويلاحظ أن مور كان من الرافضين تماماً لأفكار مارتن لوثرفيما يتعلق برؤيته في الاصلاح الديني وظل على إيمانه الشديد بالكاثوليكية . .... حياته وأفكاره :- كان مور نائباً في مجلس العموم البريطاني وتصدي بقوة الاستبداد هنري السابع ووقف مع نفر من أصدقائه لتحليل عيوب الطغيان والاستبداد ... وأصبح فيما يعد أحد ضحايا ذلك .... بعد موت هنري السابع عمل مور مستشاراً لهنري الثامن ثم شغل منصب رئيس قضاه انجلترا من عام 1529 إلى 1532 ... ظل على رأيه الناقد للأوضاع وكاشفاً لعيوب النظام الاجتماعي استقال من منصبه معترضاً على خطة الملك لتطليق زوجته كاثرين للتزوج بأخرى مخالفاً لتعاليم الكاثوليكية ... ومن ثم رفض أن يكون الملك رئيساً للكنيسة الكاثوليكية في إنجلترا وظل على رأيه في أن سياسته ضد البابا سياسة غير لائقة ... سجنه الملك بتهمة الخيانة العظمى وحبس في برج لندن حتى إعدامه بقطع الرأس عام 1535م ... وتكريماً له فقد اعترفت به الكنيسة فيما بعد قديساً .. وفي الفترة التي كان فيها مور قريباً من البلاط الملكي المتمثل في كثرة عدد النبلاء .. قال "أنهم طفيليون بطالون يتغذون من عرق ومن عمل الغير" ... أما الرهبان ... فهم "شحاذون وطفيليون آخرون" ... تنقسم اليوتوبيا إلى كتابين تم وضعهما بفاصل زمني ولا يعرف أيهما كتب أولاً ... ألا إننا سنتعرض للجزء المتعلق برؤيته في إصلاح حال المجتمع . لقد أصبح مصطلح اليوتوبيا فيما بعد تعبيراً أو نموذجاً لمجتمع مثالي كامل وتعبيرا أو نموذجاً لمجتمع خيالي مثالي كامل أو قريب من الكمال متحرر من كل من المشكلات والشرور التي تعاني منها البشرية وهذا المجتمع الذي تصوره يوتوبيا لا يوجد بالفعل في أي مكان على سطح الأرض ولكن في أماكن وجزر تخيلها مور في ذهنه . أصبحت الكلمة فيما بعد في متناول المفكرين ورجال السياسة الذين ابتغوا الإصلاحات السياسية أو كل ما يتعلق بالتصورات الخيالية التي يمكن أن تتحقق في المستقبل أو أي إنجاز علمي قد يتحقق ... ولكن تبقى اليوتوبيا تصوراً فلسفياً ينشد انسجام الإنسان مع نفسه ومع الآخرين ومع المجتمع ـ إنها معنية بخلق أفكار وتصورات للإنسجام الاجتماعي . توماس مور كان عميقاً عندما يتحدث ويحلل الدول في عصره "الدولة هي عبارة عن مصالح الطبقة الحاكمة" والمجتمع العادل في نظره يختلف تماماً عما هو كائن فهو يرى أنه عندما تكون الملكية فرديةً وحيثما تقاس كل الأشياء بالنقود لا يمكن أبداً تنظيم العدالة والإزدهار الاجتماعي " ... ويقدم توماس مور رؤيته حول مجتمع المساواة / - كل الطوباويين يعملون من أجل الجميع . - لا يمتلك أحد شيئاً خاصاً به. - إن الجماعة توفر للكل الرخاء من خلال / • اليد العاملة الكثيرة والإنتاج الزراعي والحرفي المنظم جداً . • الراحة والانضباط وهذا المجتمع العمل فيه وفقاً لساعات عمل محددة والطعام المشترك وفيه يخضع كل مواطن بدون إكراه لأن الجماعة تقدم له أقصى الرفاهية ... وهذا المجتمع يتسم بأن القوانين فيه بسيطة وقليلة العدد والدولة هنا ينحصر دورها في إدارة الأمور وتوجيه الاقتصاد فهي تختص بنفسها حصر التجارة الخارجية ... وفي هذا المجتمع كل القضاه ورجال الدين ينتخبون من بين أفضل المثقفين الذين هم مجموعة أرستقراطية فكرية متجددة متفتحة . ... ظل مور مؤمناً بأن الكنيسة في حاجة إلى إصلاح يقوم على الحرية من خلال بعد إنساني يرفض السلطة المستبدة لرجال الدين ونظام الحكم الملكي كما كان مؤمناً بأهمية تخلي الأنسان عن أنانيته وشهواته وتكبره قبل التفكير في إيجاد المجتمع الأفضل . إدرك أن الطريق الوحيد الذي لا يوجد غيره لتحقيق الرفاهية "للجميع هو تحقيق المساواه في جميع الأمور وكان يشك في إمكانية تحقيق ذلك حيث أن الغنائم تقسم بين حفنة من الناس في حين يترك الباقون في فقر وعوز على الرغم من أنهم الأحق بالتمتع بالثراء الذي يتمتع به القلة المستغلة ... الأغنياء عند مور جشعين لا ضمير لهم ولا فائدة منهم ... في حين أن الفقراء يتمتعون بحسن السلوك وهم مهذبون وأكثر نفعاً للدولة بعملهم اليومي . كان مور يؤكد بأنه ما لم يكن هناك تقسيم عادل ومتساو للسلع لن تتحقق السعادة في الحياة الإنسانية وفي ذلك السياق كان يرى ضرورة إلغاء الملكية الخاصة تماماً . وأتساءل ماذا لو كان مور ما يزال حياً يرزق ... ورأى بأم عينه وسمع بأذنيه ما يلاقيه الفقراء من عنف وكبد ومعاناه ... فالثروة يستأثر بها حفنة من الناس الذين يجورون على حقوق الآخرين ، والسلطة فاسدة مفسدة وهناك ترابط عضوي بين السلطة والثروة .. قلة قليلة تملك كل شيء وتفعل ما يعن لها من احتكار وحبس للسلع وتقلد للوظائف بدون أهلية .... وانتخابات تزور ... وكتاب ومثقفون مراءون ومنافقون للسلطة . ورجال دين أغرتهم الدنيا فباتوا يفتون بغير حق لتمرير تصرفات الحكام المستبدين .. هل كان مور يعتقد أن ما حارب من أجله في سبيل المساواة بين أفراد المجتمع أصبح أمراً صعب المنال ؟ هل كان مور يعتقد أن رجال القضاء والمثقفين الذين وضع عليهم آمالاً عريضة لإصلاح المجتمع أصبحوا في زمننا الحالي أحد القوى الداعمة للديكتاتورية والطغيان والاستبداد ؟... قد يكون مور في عالمه الآخر الآن أسعد حظاً لأنه لم يعش معنا هذا الزمن الرديء ... وأتصور أنه وقد فقد حياتةدفاعاً عن قناعاته المثالية في إصلاح المجتمع والرعية .. فإنه أيضاً ... لو خير في أن يعود الآن إلى الحياة لرفض حتى لا يموت قهراً وكمداً أكثر من مرة في اليوم الواحد . المصادر/ المدينة الفاضلة عبر التاريخ/ماريا لويزا برتيري ترجمة دكتوره عطيات ابو السعود/عالم المعرفة العدد 225 تاريخ الفكر السياسي/جاك توشار واخرون /ترجمة دكتور علي مقلد
#محمد_نبيل_الشيمي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هل من الضروري أن يكون الفن أخلاقياً؟
-
سياسات التسعير ودورها في تنمية المبيعات
-
قراءة في الفكر السياسي للخوارج
-
التنمية الاقتصادية في الدول النامية ووسائل تمويلها
-
العولمة والأزمة الاقتصادية العالمية
-
اردوغان شافيزمسلما
-
قراءة في فكر جان جاك روسو الفيلسوف والسياسي
-
العالم الثالث والتقدم إلى الامام
-
قراءة في العدوان على غزة
-
الفرص التصديرية وكيف يمكن تقديرها
-
امتنا بين الملهاة والمأساة
-
اشكالية الدين عند مونتسكيو وفولتير
-
الظلم أحد مظاهر القهر الاجتماعى
-
الحرية عند ستيوارت ميل
-
رؤية للمشكلة السودانية بين تحديات الابقاء علي الوحدة في مواج
...
-
الاغتراب في العالم العربي
-
رؤية للمشكلة السودانية تحديات الابقاء علي الوحدة في مواجهة ق
...
-
التفاوض فى مجالات الاتفاقيات التجارية المفهوم والدوافع والعو
...
-
أهمية خلق مشروعات صغيرة ومتوسطة فى الريف
-
محنة لغتنا الجميلة
المزيد.....
-
الجيش الإسرائيلي يوسع عملياته في الضفة الغربية و-يجبر- عائلا
...
-
-ديب سيك- تطبيق صيني يغير معادلة الذكاء الاصطناعي العالمي..
...
-
الأزهر يعلن رفضه القاطع لمخططات تهجير الفلسطينيين
-
إقالة 12 مدعيا شاركوا بمحاكمة ترامب
-
أميركا تواصل ترحيل مهاجرين إلى غواتيمالا وتتجاوز الأزمة مع ك
...
-
سوريا.. ضبط شحنة كبيرة من الحبوب المخدرة على معبر نصيب الحدو
...
-
حرصا على كرامتهم.. كولومبيا تخصص طائرات لإعادة مواطنيها المر
...
-
مجلس الشيوخ يصوت على تعيين سكوت بيسنت وزيرا للخزانة
-
تاكر كارلسون: بلينكن بذل كل ما بوسعه لتسريع الحرب بين الولاي
...
-
دراسة تتوقع ارتفاع الوفيات في أوروبا بسبب شدة الحر بنسبة 50%
...
المزيد.....
-
حوار مع صديقي الشات (ج ب ت)
/ أحمد التاوتي
-
قتل الأب عند دوستويفسكي
/ محمود الصباغ
-
العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا
...
/ محمد احمد الغريب عبدربه
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
المزيد.....
|