عمر شاهين
الحوار المتمدن-العدد: 2546 - 2009 / 2 / 3 - 08:44
المحور:
الادارة و الاقتصاد
يقال أن سبب الفقر هو زيادة عدد أفراد الأسرة, إلا أن مسح نفقات الأسرة لعام 2006, وقبله لعام 2002 قد أظهرا غير ذلك. المسح الأخير يوزع الأسر الأردنية إلى 15 فئة حسب الدخل, ابتداء من أقل من 1800 دينار, صعودا تدريجيا إلى فئة أكثر من 14 ألف دينار سنويا.
ويبلغ متوسط عدد أفراد الأسرة لدى الفئة الدنيا من الدخل 3,65 فردا, ويتصاعد هذا المعدل تدريجيا مع ازدياد الدخل ليصل الذروة لدى الفئة الثانية قبل الأخيرة بواقع 6,74 فردا, ومع هبوط طفيف للفئات الأعلى. والنتيجة مشابهة في مسح عام2002 .
إن متوسط عدد أفراد الأسرة يتصاعد كلما تحسن دخل الأسرة ويتناقص كلما انحدرت الأسرة إلى أسفل الهرم الاجتماعي. ولذلك لا يمكن الجزم أن زيادة عدد أفراد الأسرة هو السبب الرئيسي للفقر.
بالطبع في حالة التزاوج بين الفقر والأسر الكبيرة, فإن ذلك يسفر عن وضع كارثي بالنسبة للأفراد. ولقد انخفض متوسط عدد أفراد الأسرة إلى 5,73 عام 2006 بعد أن كان 6,2 عام 2002 وذلك نتيجة برامج تنظيم الأسرة. وهذا الانخفاض له آثار ايجابية على الاقتصاد الأردني.
السبب الأهم للفقر هو حجم الإعالة, أو نسبة البطالة داخل الأسرة أو عدد أفراد الأسرة ذوي الدخل. ويبلغ المتوسط للأخير لدى الفئة الدنيا 1,89 فردا ويبدأ بالتصاعد التدريجي ليصل إلى 4,03 فردا. أي أن عدد العاملين في الأسر الفقيرة أقل من اثنين, بينما لدى الأسر في قمة الهرم أكثر من أربع. والنتائج مشابهة كثيرا في مسح عام 2002. أي أن فرص الأغنياء في الحصول على عمل أفضل من فرص الفقراء.
ويصل الأغنياء إلى حالة من" مجتمع التشغيل الكامل" بافتراض وجود من لا يزالون على مقاعد الدراسة من بين أفراد أسرهم. ولطالما اجمع منظروهم على استحالة تطبيق هذه الفكرة وعدم جدواها اقتصاديا لإقناع الفقراء بوضعهم السيئ, وبحتمية البطالة رغم سعيهم الحثيث لتطبيقها على أسرهم .
ويبلغ معدل ما يتقاضاه أصحاب الفئات الدنيا من أجور أقل من 80 دينارا, مما يعني حصولهم على عمل متقطع أو يعيشون على المساعدات, أو أن أصحاب العمل لا يلتزمون بالحد الأدنى للأجور. وبالطبع يرتفع هذا المعدل لأكثر من 290 دينارا للفئة العليا أي أكثر بثلاثة أضعاف ونيف.
إن ما يميز الفئات الدنيا: أسر صغيرة, عدد العاملين أقل, وظائف برواتب متدنية. الفئات العليا: أسر كبيرة, عدد العاملين أكثر, وظائف برواتب مرتفعة.
فما هو السر من تمكن الفئات العليا من بناء أسر كبيرة, والحصول على عمل لكافة أفراد الأسرة القادرين على العمل, وبرواتب أعلى؟ وما هو السر في تناقص هذه الإمكانيات مع الانحدار في السلم الاجتماعي؟ هل هو التعليم والتدريب, أم عدم تكافؤ الفرص؟ أم أن المجتمع مبني على مواصفات للقوى العاملة تناسب فئاته العليا.
هل من علاج ؟
لا شك بوجود أسباب عديدة الفقر. والأمر بحاجة لبحث اجتماعي للوقوف على هذه الأسباب. وهي تتشابه وتختلف من مجتمع لآخر, ومن المؤكد أن العلاج ممكن, وفي حالة المجتمع الأردني فإن متابعة تنفيذ برامج تنظيم الأسرة سيعود بالفائدة على الجميع, رغم أنها قد تكون أقل الإجراءات فعالية في محاربة الفقر علما بأنها من أنجحها لرفع مستوى المعيشة.
ومن أهم الإجراءات هو محاربة البطالة وخلق فرص جديدة للعمل, إما بواسطة مشاريع جديدة أو بإصدار أو تعديل التشريعات القائمة. إن التوقيع على الاتفاقية رقم 47 لمنظمة العمل الدولية القاضية بجعل ساعات العمل الأسبوعي 40 ساعة دون تخفيض مستوى المعيشة, بدل 48 كما هو في قانون العمل الأردني, قد يؤدي إلى خلق 90 ألف فرصة عمل جديدة: 60 ألف في القطاع الخاص و 30 ألف في القطاع العام تقريبا. وهذا من الناحية النظرية, وعمليا أقل من ذلك نتيجة التهرب والتوجه لرفع إنتاجية وكثافة العمل, بدلا من التعيين خاصة لدى القطاع الخاص, وسيخفف من الترهل الوظيفي لدى القطاع العام.إن هذا الإجراء لوحده كفيل بتخفيض نسبة البطالة من 13 % إلى 9 % وهو إنجاز كبير لأي حكومة, خاصة إذا أحسن التعامل مع آثاره الجانبية.
إن فكرة الاتفاقية... قد جاءت كحل ناجع نتيجة انتشار البطالة خاصة بعد الحرب العالمية الأولى. والأردن يسوده هذا الوضع من زمن بعيد وكان من الأجدر تطبيقها.ويترتب على ذلك إجراء تعديل على المادة 56 من قانون العمل الأردني, وضرورة وقف العمل الإضافي لحين تحقيق الاستقرار في سوق العمل.إن جعل التعلم الثانوي إلزاميا, سيساهم في تخفيض تعداد القوة العاملة, وسيحد من الزواج المبكر خاصة في المخيمات, والمزيد من نجاحات تنظيم الأسرة.
أما الإجراء الأخر فهو تعديل الحد الأدنى للأجور, حيال "تطنيش" القطاع الخاص وعدم زيادة رواتب العاملين بسبب ضعف الحركة المطلبية, نتيجة سياسة التدجين المتبعة منذ الستينات من القرن الماضي. من المفترض أن يضع الحد الأدنى للأجور, وهو 110 دنانير, أسرة العامل فوق خط الفقر. لكن ذلك مستحيل حتى لو كان العامل وزوجته يعملان. فمن أي كوكب أتى هذا الرقم؟ وإذ وصل خط الفقر إلى 556 دينار سنويا للفرد خلال العام 2006, فهو اليوم 862 دينارا بشكل تقديري, أي أن دخل الأسرة المتوسطة الشهري هو 416 دينارا لتبقى فوق خط الفقر.
إن الحل الوقائي أفضل من الانتظار لحين انفجار الوضع فالمسألة اقتصادية ذات طابع أمني. فوجود حركة نقابية قوية يعني الحصول على مطالب العاملين أول بأول. وحركة نقابية ضعيفة يعني احتقانات مزمنة لدى العمال تؤدي إلى الانفجار. والأمر بحاجة إلى مراجعة شاملة وسريعة. فهل ستبقى الحكومة مكتوفة الأيدي؟
#عمر_شاهين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟