|
شتان بين إرادة الجماهير في فلسطين وإسرائيل وبين أهداف دولة الإرهاب والاسلام السياسي
حميد كشكولي
(Hamid Kashkoli)
الحوار المتمدن-العدد: 2544 - 2009 / 2 / 1 - 10:19
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
كيف يمكن اتخاذ موقف إنساني وتقدمي من العدوان الإسرائيلي على الفلسطينيين الأبرياء في غزة بحيث لا يصب الماء في طاحونة إرهاب الدولة وإرهاب الإسلام السياسي، والقوى الرجعية؟ ..... نظرا للتطور الهائل في وسائل الاتصال والإعلام ، والتحولات الدراماتيكية العجيبة في عالم السياسة ، فإن اتخاذ أي موقف من أية ظاهرة من الصعوبة بمكان أن يكون صائبا ، لو اتخذ بمعزل عن سياق التحولات في كل العالم . ولقد قويت اليوم الحركة التحررية الأممية و المناهضة للحرب، والمطالبة بالسلام في العالم، وباتت تترك تأثيراتها على المعادلات السياسية بشكل مباشر أو غير مباشر. فهذه الحركة عليها أن تعمل منظمة تنظيما محكما لكي تتمكن من ترك تأثيرها على السياسة في الشرق الأوسط ، و تصب أخيرا في خير الإنسان وفي سبيل تحرره . و عليه أرى في هذا السياق ضرورة التأكيد على نقاط ثلاث: 1- لا يمكنني اعتبار حماس خيار ا فلسطينيا ، كما يروج له كثر ينتمون إلى تيارات قومية ويسارية تقليدية أنتي امبريالية. وقد أشرت في مقال سابق أن حماس كانت جزء من المشروع الغربي الإمبريالي في مواجهة الشيوعية والعلمانية ، و قمع أي تحرك تقدمي مساواتي ولبرالي بين الفلسطينيين. 2- لا يجوز التقليل من جرائم حكومة إسرائيل باعتبارها حق الدفاع عن النفس، بحجة محاربة إرهاب الإسلام السياسي. 3- إن القوى التقدمية والاشتراكية والمتمدنة أمامها اليوم مسؤولية كبيرة وملحة ، وهي تعبئة الجماهير الفلسطينية والاسرائيلية لمواجهة الإسلام السياسي و إرهاب الدولة الإسرائيلية في المنطقة. إن الفرز بين إرادة و أهداف الشعب الفلسطيني والإسرائيلي من جهة وبين الحكومة الإرهابية الإسلامية و حماس الإسلام السياسي ليحوز على أهمية فائقة.و لا يمكن لأي تقدمي ويساري إطلاقا تبرير العدوان الإسرائيلي بإرهابية حماس، و لا يمكن تبرير إرهاب الإسلام السياسي بعدوانية إسرائيل وعنصريتها.. لكن من مهام القوى التقدمية الملحة اليوم هو الشروع بتنظيم حملات الدفاع عن الحقوق المدنية لجماهير فلسطين وإسرائيل، ودعم حركات مناهضة الحرب والعدوان وتقويتها. و يجب فضح القوى والأحزاب المتصارعة التي تروج للعنصرية والكراهية والصهيونية والإسلام السياسي باسم الدفاع عن الفلسطينيين أو حق إسرائيل في الدفاع عن وجودها. ومن المؤسف أننا نشهد اليوم أحزاب وشخصيات يسارية تروج لسياسة ما يسمى قبول الأمر الواقع ، إذ بعضها يقلل من خطر الإسلام السياسي و يعتقد بأن حماس في كل الأحوال خيار الفلسطينيين وقد وصلت للسلطة عبر صناديق الاقتراع" بإشراف كارتر" ، وبالتالي ينبغي احترام ارادة الغلبية الناخبة لها، وهذا ادعاء هش و منهار كما اشرت اعلاه ، و ثمة من يخفف من إرهاب الحكومة الإسرائيلية و اليمين العنصري الصهيوني بذريعة مواجهة خطر الإرهاب الإسلامي. .
لقد ترك العدوان الإسرائيلي على غزة بذريعة شل قدرات حماس على قصف المناطق الاسرائيلة فاجعة إنسانية كبرى لأهالي غزة الذين وقعوا ضحايا التناطح الإرهابي بين قطبي الإرهاب ، وليست ثمة ضمان لعدم تكرار مثل هذه المآسي مستقبلا، إن بقيت المعادلات السياسية التي تتحكم بمصير الجماهير في المنطقة والعالم كما هي اليوم. وقد أعلنت أخيرا الحكومة الإرهابية في إسرائيل بالسماح للجرحى الفلسطينيين للمعالجة في إسرائيل...و حماس منهمكة بترميم أنفاقها لنقل الأسلحة إلى غزة. وحين تم تفتيش شاحنة نقل بحرية إيرانية ، اكتشف أنها محمولة بالأسلحة والعتاد الحربي ، بينما ادعى المسؤولون في الجمهورية الإسلامية الإيرانية أنها كانت محمولة بالمواد الغذائية لأهالي غزة...
تتطلب أية حرب لشنها طرفين، الا أن العدوان الإسرائيلي كان حربا إرهابية شنتها الحكومة الإسرائيلية التي تملك تحت تصرفها أكبر قدرة عسكرية إجرامية في العالم، بحاجة ماسة للحرب و سفك الدماء لإدامة حياتها.. إنها ماكينة يجب تشغيلها بين آونة وأخرى في سبيل الإدامة والإبقاء على جبروتها. و بالتالي فهي تحتاج إلى ميادين حتى لو كانت أحياء سكنية لتنفيذ عملياتها الإجرامية. ويعتبر القتل و ارتكاب المجازر طابعا وهوية تعريف هذه الآلة الحربية. فالعنفوان و العدوان و العنجهية هو ركن أساس من الإستراتيجية العامة لهذه الحكومة. و التيارات اليمينية المتطرفة و والقوى العنصرية والرجعية هي التي تخطط لإسرائيل سياستها ، وترسم لها آفاقها وبرامجها المستقبلية. فإسرائيل هي الحليفة الإستراتيجية لأمريكا. وإن كل المساعي لتأمين هيمنة أمريكا على العالم تستلزم شن مثل هذه الحروب... وإن إسرائيل هي بمثابة القاعدة الخاصة والمتميزة في هذه الإستراتيجية العالمية لأمريكا لأجل تحقيق أهدافها الامبريالية، ما يجعل من الحروب لإسرائيل وسيلة لتأمين الهيمنة الأمريكية في المنطقة، و حفظ التوازن السياسي لصالح أمريكا وإسرائيل. و الحرب الأخيرة كانت أيضا سعيا لتبيين أهمية حكومة إسرائيل و موقعها السياسي في العالم.
تقف حماس في الطرف المقابل لإسرائيل في هذه الحرب ، وهي تيار اسلاموي رجعي حتى النخاع ، لا تربطه بمعاناة الفلسطينيين وآمالهم وأهدافهم أية رابطة و ليست مشكلتها مع اسرائيل ، بل أنها تستهدف أساسا التمدن و اللبرالية والتقدم في فلسطين والشرق الأوسط كذراع قوي للقاعدة والاسلام السياسي. . إن حماس هي طفيلي اسلاموي إرهابي يتغذى على الجرح العميق التاريخي للشعب الفلسطيني... فإن الإرهاب و القتل الوسيلة الأساسية لتحقيق الأهداف السياسية لهذا التيار الحماسي و تيارات الإسلام السياسي كله.. هذا الجرح الفلسطيني العميق ضرورة حيوية لبقاء حماس و كلما ُقتل من أهالي غزة الأبرياء أكثر عدد لارتفع رصيده السياسي... وقد عبر خالد مشعل قائد هذه الجماعة بوقاحة عن هذه السياسة الإجرامية لحركة حماس.. إذ صرح بشكل رسمي بأن حركتهم اثر المجازة الإسرائيلية قد تقوت واستفادت من مآسي أهالي غزة كثيرا. و يعلن على الملأ أنه كلما أوغلت إسرائيل في ذبح الجماهير كان يصب في صالح التيار.
إنها لحقيقة مرة ومؤلمة ما يصرح بها مشعل..فإن جرائم إسرائيل بحق الفلسطينيين أدت إلى وصول هذه المجموعة الإرهابية إلى السلطة ، وهي كما اسرائيل لا ترى في السلام مصلحة لها، و تفقد في أجواء الحرية والسلام مبررات وجودها. وبعد وقف إطلاق النار من جانب واحد هرع مسؤولون ورجال أعمال أوروبيون وغير أوروبيين إلى غزة لإعادة بنائها وترميم الخراب الذي خلفه العدوان، ولا تعني إعادة البناء في هذه الأوضاع سوى قيام الشركات الأمريكية والأوروبية بالاستثمار في هذا القطاع ، أي قطاع الدمار والخراب الذي الحروب، مثلما هو بالضبط ، مثل الحرب والاحتلال في العراق ، إذ تقوم الشركات الانجليزية والأمريكية بعقد صفقات وعقود في مجالات النفط والبناء و الأمن... و كانت مجاريات الحرب الأخيرة وفق هذا السيناريو.. فإسرائيل بحاجة إلى الأمن ، و يحتاج الإسلام السياسي و بضمنه حماس الى المساهمة في السلطة وممارستها. و الضحايا لمثل هذه المعادلة القذرة والتساوم الإجرامي كانوا و سوف يكونون الفلسطينيين الأبرياء في غزة. وقد صرح رئيس البرلمان الإيراني بأن" الهجوم على غزة كان بهدف ضرب نفوذ إيران وتحجيمه، لكنه باء بالفشل" . و في هذا السياق طلع كثر من السياسيين والمحللين مدعين بأن حماس هي خيار الشعب الفلسطيني المنتخب، ولا بد من الوقوف إلى جانبها في مواجهة إسرائيل.. فهل حماس ، حقا هي خيار فلسطيني؟ وقد انتخبها الفلسطينيون؟ إنني، أجيب على هذا السؤال بالنفي القاطع، إذ أن من يريد ان يتجشم قليلا من التعب، و يراجع الظروف أثناء تلك الانتخابات ، لمعرفة كيف جرت الانتخابات في غزة، سوف يعلم كيف وصلت حماس إلى السلطة. فأولا، لم يعط حق المشاركة أو الفرصة لأية مجموعة يسارية تقدمية مثل التحرريين و الشيوعيين و تنظيمات عمالية حرة في تلك الانتخابات. و ثانيا، إن فتح خسرت سمعتها بسبب الفساد و النهب من أموال ومقدرات الشعب الفلسطيني، و ثالثا، أن حماس كانت تسيطر على أرزاق و معاش الجماهير وتتحكم بمعيشتهم. لقد كان أهالي غزة ولا يزالون بمثابة أسرى هذه الأوضاع. وإن أي ّ شخص يرى أن حماس هي خيار الجماهير الفلسطينية، له وجهة نظره التي هي بدورها نتيجة رؤيته السياسية للانتخابات الحرة والنزيهة وكيفية تقييمه لها...لكن ما يجري في عالم الحرية ولانتخابات الحرة يقولون بعكس ذلك إذ إن كل الجماعات و المنظمات السياسية والعمالية والشعبية يجب أن يكون لها الحق وتعطى الفرصة في أن ترشح مندوبيها في حرية للانتخابات ، وأن تحظى على قدم المساواة بحق توظيف وسائل الإعلام والاستفادة منها للدعاية الانتخابية، لكي تستطيع الناس بدون أي ضغط من أية جهة أو فرد من الاشتراك في الانتخابات... فهل تم انتخاب حماس في مثل هذه الأجواء؟؟؟ وثمة من يأتي بالدليل على نزاهة انتخابات غزة بأن جيمي كارتر كان مراقبا على تلك الانتخابات ، مبعوثا من جانب الولايات المتحدة و المراجع الدولية، وأن مندوبين من البرلمان الاوروبي كانوا مراقبين على سير لانتخابات.. وكارتر باعتباره رمزا للامبريالية الامريكية ليس امامه خيار سوى تخريج نتائج الانتخابات لصالح اسرائيل ، وأن من أولويات مهامه حفظ التفوق الاسرائلي الهائل على الفلسطينيين والعرب و حتى البلدان الاسلامية. إن كارتر يعي تماما أن حماس متى وكيف ولماذا تم الإتيان بها للسلطة, و لم يذكر ممثلو البرلمان الأوروبي لماذا لم تشترك التنظيمات الحرة الاخرى وغير المرتبطة بالتيارات الإسلامية السياسية في تلك الانتخابات ..لقد كانوا شهودا على إعداد طبخة لفلسطين والشرق الأوسط وفق إرادتهم ،و كان يجب أن تتلاءم مع ذائقتهم . لهذا أن الادعاء بأن انتخابات غزة كانت حرة ونزيهة ( لا على الهوى الغربي ) لا ينم سوى عن السذاجة و التضليل و لي عنق الحقيقة و الاصرار على الخطأ. فالمحور الأساس لمجريات الأحداث هو وجود قطبين إرهابيين، هما إرهاب الدولة المتمثل بإسرائيل ، و الإسلام السياسي الإرهابي في الشرق الأوسط...و المحور يدور حول إيجاد توازن القوى يفيد تحقيق أهداف الإرهاب في المنطقة ... لقد فرضت حماس نفسها على أهالي غزة باستخدام العنف والإرهاب ، مثلما ثبتت إسرائيل نفسها بواسطة جماعات بن غوريون الإرهابية الصهيونية. وقد كان سكان فلسطين بمختلف أقوامها و أديانها يعيشون في وئام وإخاء وسلام..و ثمة وثائق تاريخية لا تعد ولا تحصى تثبت كلامنا أعلاه. ويمكن المساواة بين إسرائيل وحماس في درجة إرهابيتهما وبلا شك أن إسرائيل مجرمة بقدر ما تكون حماس والاسلام السياسي مجرمة . لكن الأهالي العرب واليهود على هذه الأرض لم يشعروا يوما بالكراهية لبعضهم ، مثلما يريده العنصريون والقتلة بمختلف هوياتهم. 31 januari 2009
#حميد_كشكولي (هاشتاغ)
Hamid_Kashkoli#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حقيبة حنظلة مرميّة بين أشلاء القمر
-
البديل الثالث هو القادر على حل القضية الفلسطينية
-
اله الموت يجول من اشويتس ، إلى العراق ، فغزة
-
من يذبح أهالي غزة؟
-
هل على اليسار الماركسي التحالف مع، أو دعم كل من عارض أمريكا
...
-
أغنية تشي غيفارا
-
في الذكرى الثامنة والعشرين لاغتيال المغني الإنسان والمناضل ج
...
-
من فرسان صلاح الدين إلى مجالس الإسناد ، فموت الفدرالية
-
مريم العذراء- قصيدة للشاعر السويدي أريك آكسل كارلفيلدت
-
رحلة إيليّا السماوية للشاعر السويدي اريك اكسل كارلفيلدت
-
ثمة مبررات للفرح ، ولا مبرر للتفاؤل بإدارة أوباما لأمريكا
-
اوباما ، كان لا بد منه
-
فلم - الحياة رائعة - لروبرتو بنيني
-
نهاية التاريخ ، أم نهاية الريغانية والتاتشرية؟
-
أغنية - بطل الطبقة العاملة- لجون لينون
-
عشرة أيام هزت العالم
-
تأملات في ثورة أكتوبرالاشتراكية العظمى
-
The end of the American dream
-
حديث التغيير في الانتخابات الأمريكية
-
أين اليسار الاشتراكي في كُردستان العراق؟
المزيد.....
-
فوضى في كوريا الجنوبية بعد فرض الأحكام العرفية.. ومراسل CNN
...
-
فرض الأحكام العرفية في كوريا الجنوبية.. من هو يون سوك يول صا
...
-
لقطات مثيرة لاطلاق صاروخ -أونيكس- من ساحل البحر الأبيض المتو
...
-
المينا الهندي: الطائر الرومنسي الشرير، يهدد الجزائر ولبنان و
...
-
الشرطة تشتبك مع المحتجين عقب الإعلان عن فرض الأحكام العرفية
...
-
أمريكا تدعم بحثا يكشف عن ترحيل روسيا للأطفال الأوكرانيين قسر
...
-
-هي الدنيا سايبة-؟.. مسلسل تلفزيوني يتناول قصة نيرة أشرف الت
...
-
رئيس كوريا الجنوبية يفرض الأحكام العرفية: -سأقضي على القوى ا
...
-
يوتيوبر عربي ينهي حياته -شنقا- في الأردن
-
نائب أمين عام الجامعة العربية يلتقي بمسؤولين رفيعي المستوى ف
...
المزيد.....
-
لمحات من تاريخ اتفاقات السلام
/ المنصور جعفر
-
كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين)
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل
/ رشيد غويلب
-
الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه
...
/ عباس عبود سالم
-
البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت
...
/ عبد الحسين شعبان
-
المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية
/ خالد الخالدي
-
إشكالية العلاقة بين الدين والعنف
/ محمد عمارة تقي الدين
-
سيناء حيث أنا . سنوات التيه
/ أشرف العناني
-
الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل
...
/ محمد عبد الشفيع عيسى
-
الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير
...
/ محمد الحنفي
المزيد.....
|