لما كانت حقوق الإنسان هي المقابلة لاحتياجاته، فإن الدعوة لحقوق الإنسان تعد جزءاً لا يتجزأ من الصحة النفسية، وعلم الاجتماع ، والخدمة الاجتماعية ، حتى أنه يمكن القول أن حقوق الإنسان هي المنظر، للممارسين والمشتغلين بالمهن الثلاثة المذكورة آنفاً، حيث يعملون خلال سعيهم إلى تلبية احتياجات الناس، على تعزيز حقوقهم الفردية والجماعية، وذلك بإحداث تغييرات اجتماعية في المجتمع بصفة عامة، فضلا عن تغييرات في أشكال تنميته المختلفة.
فتنمية الحياة مثلا، هي الشرط الأساسي لتبرير جميع الأعمال المتعلقة بحقوق الإنسان والحرية هي أثمن القيم الإنسانية بعد الحياة وأوثقها صلة بكرامة الإنسان ،والمساواة وعدم التمييز هي حجر الزاوية بالنسبة لمبدأ العدالة، والعدالة تتضمن ضمن ما تتضمنه إشباع حاجات الإنسان الأساسية ، واقتسام الموارد المادية على أساس المساواة والتضامن قيمة لا تعني فقط تفهم معاناة البشر وآلامهم والتواصل معهم، بل يشمل أيضا التوحد مع المتألمين واتخاذ موقف مؤيد لقضيتهم.
هناك صكوك دولية تضمنت وصفا للظروف التي صدرت فيها وأهدافها، وأهم الحقوق التي كفلتها وأهمها:
الصكوك التي توفر حماية خاصة مثل الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة واتفاقية حقوق الطفل، وتعنى هذه الصكوك بضمان حق ما يمكن وصفه بالفئات المستضعفة مثل المرأة ، والأطفال ، والأقليات ، والعمال المهاجرين وأسرهم وهى الفئات التي تحتاج إلى عناية واهتمام أكبر من قبل الأخصائي النفسي ، والاجتماعي ، وأخصائي الخدمة الاجتماعية، نظرا لزيادة حجم الضغوط التي تتعرض لها هذه الفئات مقارنة بحجم الضغوط التي تتعرض لها باقي فئات المجتمع وعجزها عن مواجهة النمط الضغط بمفردها دون مساعدة وتضامن الآخرين .
وهناك تداخل بين تلبية احتياجات الناس والدفاع عن حقوقهم ويظهر هذا بوضوح في حالة مواجهة الفقر، فالأخصائي النفسي ، والأخصائي الاجتماعي ، وأخصائي الخدمة الاجتماعية عندما يحاولون مساعدة الفقراء في التغلب على ما يعانونه من مشكلات فإنهم يعملون في الوقت نفسه على الدفاع عن حق الفقراء في التمتع بحياة كريمة وآدمية وحقهم في العمل وفى الحصول على خدمات صحية وحقهم في التعليم والحياة في بيئة نظيفة.
ويظهر هذا التداخل أيضا في قضايا العنف ضد المرأة ولا سيما العنف البدني مثل الضرب ، والتشويه الجسدي (الختان) فإن التدخل هنا من قبل المتخصصين (طب نفسي- اجتماع- خدمة اجتماعية ) للتوعية والوقاية وإعلام الوالدين مثلا بخطر عملية الختان إنما يعد حفاظا على حق الفتاة في حماية سلامة جسدها ، وهو حق تقرره المواثيق الدولية، وأصعب الأمور في هذا الصدد هو اتخاذ القرارات والأولويات من قبل المتخصصين التي عادة ما تكون مصحوبة بصدام بين القيم مما يصعب معه اتخاذ قرار دون قدر كبير من التفكير والفهم لأبعاد المشكلة.
العنف ضد المرأة: أرقام وإحصائيات:
(1) أسفر بحث المرأة الجديدة الذي قدم لمؤتمر بكين عن الأرقام الآتية :
(66%) من نساء عينة البحث تعرضن للإهانة في أماكن عملهن.
وقد اتخذت الإهانة في (70%) من هذه الحالات الطابع الجنسي، و(30%) من الحالات التحرش بالكلام الجنسي ، والتحرش باللمس (17%) ، والغزل المباشر(20%).
وقد أظهر البحث أيضا أن ما تعتبره النساء عنفا موجها من أزواجهن يتبلور في ما يلي:
المنع من الاختلاف (88%)
المنع من السفر (69%)
المنع من الخروج (82%)
المعاشرة الجنسية بالإكراه (93%)
(?2) اعترف الإعلام المصري بالعنف الذي يمارس ضد المرأة المصرية ، فقد نشرت جريدة الأهرام الرسمية في عددها الصادر يوم 7/2/1997 بعض الأرقام المستقاة من بحث أجراه المجلس القومي للسكان.
وقد ظهر من البحث أن (35%) من المصريات المتزوجات تعرضن للضرب من قبل أزواجهن على الأقل مرة واحدة منذ زواجهن وأن الحمل لا يحمى المرأة من هذه العنف وأن (69.1%) من الزوجات يتعرض للضرب في حالة رفضهن لمعاشرة الزوج وأن (69.1%) يتم ضربهن في حالهم الرد عليه بلهجة لم تعجبه وقد اعتمد هذا البحث على سبعة آلاف زوجة في الريف والحضر وتبين من البحث أيضا أن المرأة الريفية تتعرض للضرب أكثر من المرأة الحضرية .
(3) وقد شهد عام 1996 منحنى جديدا في العنف الموجه ضد المرأة المصرية ، وخصوصا جرائم الاغتصاب التي احتلت رأس القائمة. وقد وصلت جرائم اغتصاب الفتيات الصغيرات إلى مستوى ينذر بالخطورة لما تضمنه من ظاهرة جديدة كان منها اشتراك أكثر من رجل في اغتصاب طفلة واحدة، واغتصاب التلميذات بواسطة مدرسيهن وأخيرا حرق وتمزيق الضحايا لإخفاء هذه الجرائم.
ويصنف علماء النفس الاغتصاب على أنه أبشع أشكال العنف، نظرا للتأثيرات النفسية الضارة التي يلحقها بالأفراد والمجتمعات.
أما عدد ضحايا جريمة الختان خلال عام 1996 بالرغم من قرار وزير الصحة بتحريم إجراء عمليات الختان في المستشفيات التابعة للوزارة حيث كان ضمن الضحايا (14ضحية) وردت عنهم معلومات بالصحف خلال ذات العام وكان من بين هذه الحالات (خمسة حالات وفاة نتيجة جريمة الختان) وتنوعت النتائج في الحالات الأخرى ما بين النزيف الحاد والاكتئاب والصدمة العصبية والعاهة المستديمة وقد كان أصغر سن للفتيات المختنات (9سنوات) وكانت أكبرهن (15 سنة) إلا أن هذا العام لم يمض إلا وكانت هناك عديد من الخطوات التي أنجزت في اتجاه إنهاء هذا العنف كان أهمها نجاح الحملة ضد جريمة الختان والتي أسفرت عن قرار وزير الصحة بمنع إجراء عمليات الختان في المستشفيات .
وقد كان صدور بيان العنف، وتشكيل المحكمة المناهضة للتميز والعنف ضد المرأة خطوة إيجابية في هذا الاتجاه الذي نشط فيه الكثيرون خلال سنوات من أجل إنهاء أشكال العنف والتمييز الذي تتعرض له المرأة.
وقاية المرأة من العنف : المسئوليات والتحديات:
إن العالم في الحقيقة يعيش في مرحلة متوترة من تاريخ البشرية ولعلنا نلاحظ أن نبرة العنف العالمي أصبحت عالية جدا ومتصاعدة جدا وهناك ما يحدث في الشيشان على سبيل المثال من الجرائم الجماعية والمذابح اللاإنسانية التي تحدث كل يوم في أكثر من مكان في العالم واتسم العنف ضد النساء وبخاصة الاغتصاب بأنه وصمة عار جديدة في الحروب الأخيرة فقد استهدفت الصراعات في البوسنة والهرسك ورواندا ، الفتيات والنساء حيث تعرضن للاغتصاب والسجن والتعذيب والإعدام.
وليس ما ذكرناه آنفا تبريرا لما يحدث في مصر وإنما لوضع الأمور في سياقها الأكبر والمعقد ، وقد يسجل التاريخ أن الفترة منذ 1992 ، ربما تكون أسوا فترة عنف في تاريخ مصر كله ، إن سلة العنف بدأت تمتلئ وطوال الوقت يلقى فيها بثمرات معطوبة فما هو المخرج من هذا كله؟!
(1) لابد من أجل وقاية المرأة من العنف أن تتعاظم مشاركة المرأة في الحياة العامة بقوة الدستور والقانون وأن يدخل في ذلك التفكير الجاد في تعديل الدستور بما يضمن تمثيلا عادلا للمرأة في كل المجالس الشعبية والمنتخبة .
(2) فك الحصار عن القوانين المقيدة لتكوين الجمعيات والتنظيمات النسائية الأهلية فهذه وحدها هي القادرة ليس فقط على حماية منجزات المرأة، وإنما أيضا تنمية هذه المنجزات .
(3) تنمية برامج التعليم والإعلام عن القيم المناهضة للمرأة.
(4) تعظيم حرية الاختيار للمرأة، فلابد أن يكفل لها هامش واسع من حرية الاختيار سواء في التعليم والعمل أو المشاركة الحكومية والأهلية أو في الصحة الإيجابية أو تنظيم الأسرة فهذه الحرية إلى جانب حرية الحركة والتنظيم هي التي ستكفل تمكين المرأة وتقويتها على المدى الآني والمستقبلي.
(5) من أهم التحديات التي تواجه وقاية المرأة من العنف وتهددها الفرق بين ما يقال وما يمارس ، هناك كلام يقال عن المرأة ، لكن ما يمارس يختلف ويناقض ما يقال ، ولدينا آلاف الأمثلة على ذلك من القانون ومن الدين لكن التطبيق غير ذلك تماما فمن المهم إذن أن يتطابق القول والممارسة في معاملة المرأة.
|