|
مظاهرات مارس تؤكد تشرذم فى الشارع السياسى المصرى
محمد منير
الحوار المتمدن-العدد: 781 - 2004 / 3 / 22 - 03:14
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
عكست مظاهرات الذكرى الاولى للاحتلال الاميركى للعراق ، صورة واضحة لحالة التشرذم فى الشارع السياسى المصرى . فبينما جاءت المظاهرات المندلعة فى كافة انحاء العالم معبرة عن وضوح الهدف والرؤية ، جاءت المظاهرات المصرية تحمل لوناً من التخبط ناتج عن اسباب عديدة مابين رغبة بعض الاتجاهات السياسية فى التميز و إيجاد ساحة لابراز التواجد ، أو السيطرة واستغلال الاحداث لابراز صورة من التوازن والحكمة تجعل لها مكان فى وجدان السلطة الحاكمة وتخطب ودها . تحول الهدف من المظاهرة وهو إدانة الاحتلال الاميركى للعراق الى وسيلة استغلتها الاشكال السياسية المختلفة لتحقيق مأرب أخرى . بدأت الدعوى لإحياء ذكرى العدوان منذ اكثر من ثلاث اشهر بنداءات غلب عليها الطابع الاستعراضى من عدة اتجاهات كان ابرز صورها من خلال الانترنت ، وهو ما تسبب فى حالة من الذعر بين القيادات الامنية والمصابة اصلاً بذعر امنى نتيجة التردى الشديد فى الاوضاع الاقتصادية فى الشارع المصرى ممايفسر حالة الاستنفار الامنى الشديد فى شوارع القاهرة منذ صباح يوم العشرين من مارس الحالى ، وصل الى حد إغلاق الشوارع الرئيسية فى وسط المدينة وحصار المواطنين فى الشوارع حتى الرابعة مساءأً ، وفى اكثر من شارع من شوارع القاهرة شوهدت امهات واباء يصرخن من داخل السيارات الخاصة لانهم لا يستطيعوا الوصول للمدارس لإحضار اطفالهم . ، هذا بالاضافة الى محاصرة مداخل القاهرة وتفتيش السيارات وخاصة الاجرة وإحتجاز بعض المواطنين لعدة ساعات ، وقامت قوات الامن بتوزيع جنودها فى الشوارع الرئيسية وميدان التحرير المزمع إقامة المظاهرة فيه ، على هيئة ممرات يدخل بينها المواطنون ويسيروا فى خط مرسوم بآلاف الجنود ، ليصلوا مجبرين فى النهاية الى ساحة مجمع التحرير ، ويُسمح لهم بالهتافات ، بعد أن وعدت قيادات الاحزاب الشرعية بضبطها وتوحيدها . ورغم كل هذه التدابير يزداد اعداد المتظاهرين ويتعدوا الالفين علىغير توقع الامن ، فتبدأ اجراءات قمعية جديدة للحد من تدفق المتظاهرين الى دائرة المجمع . ورغم ان السلوك الامنى القمعى قد وحد تواجد المظاهرة فى مكان واحد إلا أن المتظاهرين لم يتوحدوا تحت شعارات واحدة فتفرق الجمع المحصور فى ساحة مجمع التحرير الى اكثر من خمسة مجموعات كل يغنى ليلاه ، بعيداً عن الاخر وفى محاولات لاعلان التميز والتواجد فى الشارع المصرى وتجاهل وجود الاخر ، وتحولت مشكلة الشعب العراقى الى مجرد سبب استغلته هذه الاشكال للدعاية لنفسها . عكست شعارات الناصريين حالة الشجن والحسرة التى يعيشون فيها منذ اكثر من اربعة وثلاثين عاماً لم يتوقفوا فيها عن نعى الزعيم جمال عبد الناصر و التحسر على ايامة التى ولت بموته ، ومن شعارتهم " اه ياجمال بقولها بحسرة .... فينك فينك تحمى البصرة ، ومنها ايضاً " ابكى ابكى ياعروبة ... على اللى بناكى طوبة طوبة " ، ويظل الناصريين على هذا النهج اقرب الى نهج شيعة علىالذين يمزقون اجسادهم منذ عدة قرون حزناً على استشهاد الحسين ودون اى مردود سياسى . أما الاخوان المسلمون فكانت شعارتهم تسير على وتيرتهم التقليدية منذ اعلان وجودهم فى النصف الاول من القرن الماضى ، وظلوا يرفعونها فى كل المناسبات دون اى اعتبار سياسى لطبيعة المناسبة واختلافها عن المناسبات الاخرى ومن شعارتهم الدائمة " خيبر .. خيبر .. يا يهود ....... جيش محمد سوف يعود " وبصرف النظر عن وجود يهود خيبر من عدمة تصر هذه الجماعات على التمسك بهذه الشعارات فى وجه كل الحكومات أو الدول التى يعارضونها ، والتى ربما يقصدونها بوصف خيبر !؟ . وحرص الاخوان كعادتهم على الانعزال فى تجمع بعيداً عن الاشكال الاخرى ، ربما لثقتهم فى استمالة عواطف الجمهور الدينية ، أو لتعاليهم الايمانى عن الاخرين ، كما حرصوا على التميز بأساليب مختلفة عن الاخر مثل صلاة الغائب على ارواح الشهداء ، ولكن من المؤكد ان شعاراتهم لا تحمل اى مطلب ذو صبغة سياسية . والشيوعيون المصريون كعادتهم ايضاً يرتدون اكثر من رداء يميز خلافتهم الكثيرة مع بعضهم ، فمنهم ومن استأثر بألقاب الثورية ورفع الاعلام الحمراء ذات النجمة السوداء تعبيراً عن الثورة الدائمة ، وصور المناضل ضد الامبريالية الاميركية " شى جيفارا " ، ومنهم من ارتدى ثوب التحليل العلمى للاحداث فأكتفى بالتوزيع الهادئ للتحليلات السياسية طبقاًللاسلوب العلمى والذى ينتهى غالباً بعدة مطالب نضالية كحتمية لتحليلاتهم السابقة . وبالقرب من كل هؤلاء يقف حزب التجمع يرتدى ثوب الحكمة والعقلانية والتوازن والذى يتزين بهم امام السلطة الحاكمة طامعاً قى القرب والرضا والذى لابد له من ثمن رأه قيادة هذا الاتجاه فى ابراز قدرتهم امام الحكام على استيعاب حركة المتذمرين والمتشددين من خلال قيادة عدة اعمال تنسيقية وجبهوية يؤكدون بها هيمنتهم على الامور ويخطبون بها ود اعلى القيادات السياسية ، والمنهج التجمعى كما اكده رئيسه الجديد يقوم على استبعاد مؤسسة الرئاسة من بؤرة المعارضة والانتقاد ، والتركيز على انتقاد الحكومة كبديل لانتقاد سياسة رئيس الدولة ومن هنا يفوز الحزب وقيادته بالحسنيين ،المعارضه والتى غالباً لا تتعدى رئيس الحكومةوربما يفلت منها ايضاً بعض الوزراء السيادين ، وحب الرئاسة ورضاها ، وللحفاظ على الحسنين هناك الكثير يجب ان يقدمه التجمع كما هناك العديد من القرابين والضحاياً ثمناً لهذا الوفاق،ومن شعارات هذه الحزب فى المظاهرة والتى حرص من خلالها على توجيه كل الضربات للحكومة فقط " مطلب شعبى مُلح وهام عودة للقطاع العام " , " الل يزود فى الاسعار ، واللى بيحبس فى الاحرار لينا المجد وليه العار " ، ومن الشعارات المواجهة للامبريالية والصهيونية " قولوا معايا ياشباب امريكا ام الارهاب " و ياشارون ياوضيع دم الشهدا مش حيضيع " ومفهوم بين اصحاب هذا الاتجاه التجمعى ان كافة الشعارات مسموح بها طالماً لم تمس رأس الدولة ، رغم انه الوحيد المسئول عن كل القرارات فى كافة المجالات !!، وهو ماخلق بينهم وبين بعض اليسارين مما يطلقون عليهم صفة التطرف هوة سحيقة بسبب لجؤ هؤلاء الموصومين بالتطرف الى رفع شعارات تتعرض لرئيس الدولة والذى يعتبرها التجمع جريمة كبرى توجب الادانة وربما يدينها بقدر اكبر من إدانة الحكومة ذاتها لها . اما حزب الوفد غارق فى فلك رئيسه ، والذى عاش طوال عمره ينظرة للباشوات نظرات حسد ، ويحلم بالباشوية ، الى ان حصل عليها فى زمن لاوجود فيه للباشوات وبولادة قيصرية ، وهو ماجعله وحزبه بعيداً عن هذا النوع من العمل السياسى واكتفوا بنوع من المعارضة الوجيهة بالمشاركة مع بعض الاحزاب الشرعية الاخرى محافظين على مساحة الود مع السلطة الحاكمة ومحققين العديد من الامتيازات الشخصية لهم ولبعض من المحيطين بهم . وكان رد فعل الامن امام هذه المظاهرات عنيفاً ومراهقاً ، فلم تشهد القاهرة حشداً امنياً فى مثل الحشد الذى شهدته امام مظاهرات مارس ، وبعناصر امنية تسلحت بأسلحة الرعب حتى فى هيئتها ، فمنهم حليق الرأس تماماً ومسلح بعدة اسلحة فى تشابه مع الشخصية الاميركية " رامبو " ,ومنهم من القيادات ومديرين الامن الذى نزلوا الى مستوى مطاردة اطفال وقفوا يشاهدون المظاهرة ، كل هذا السلوك يعكس رعباً من مجهول تستشعره الحكومة والرئاسة المصرية ، ولكنه حتماً ليس من المعارضة الحالية .
#محمد_منير (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ازمة المهندسون المصريون هل ستؤدى الى جبهة يسارية اسلامية
-
المهندسون المصريون يتوحدون للخروج من ازمة الحراسة
-
مقدرات المصريين
-
صحة المصريين - فى وزارة الصحة -الناس على دين ملوكهم-
-
تحديات تواجهة نقابة الصحفيين المصريين فى مؤتمرهم المقبل
-
من مرعى لعبيد ومن -اللحمة- لل- العدس -
-
من ينقذ المصريين من عائلة -حمزة - عائلة- حمزة- تمارس هوايتها
...
المزيد.....
-
شاهد لحظة قصف مقاتلات إسرائيلية ضاحية بيروت.. وحزب الله يضرب
...
-
خامنئي: يجب تعزيز قدرات قوات التعبئة و-الباسيج-
-
وساطة مهدّدة ومعركة ملتهبة..هوكستين يُلوّح بالانسحاب ومصير ا
...
-
جامعة قازان الروسية تفتتح فرعا لها في الإمارات العربية
-
زالوجني يقضي على حلم زيلينسكي
-
كيف ستكون سياسة ترامب شرق الأوسطية في ولايته الثانية؟
-
مراسلتنا: تواصل الاشتباكات في جنوب لبنان
-
ابتكار عدسة فريدة لأكثر أنواع الصرع انتشارا
-
مقتل مرتزق فنلندي سادس في صفوف قوات كييف (صورة)
-
جنرال أمريكي: -الصينيون هنا. الحرب العالمية الثالثة بدأت-!
المزيد.....
-
كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل
...
/ حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
-
ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان
/ سيد صديق
-
تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ
...
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
المثقف العضوي و الثورة
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
الناصرية فى الثورة المضادة
/ عادل العمري
-
العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967
/ عادل العمري
-
المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال
...
/ منى أباظة
-
لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية
/ مزن النّيل
-
عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر
/ مجموعة النداء بالتغيير
-
قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال
...
/ إلهامي الميرغني
المزيد.....
|