|
القوميون العرب: تاريخ أسود وفكر خبيث
نضال نعيسة
كاتب وإعلامي سوري ومقدم برامج سابق خارج سوريا(سوريا ممنوع من العمل)..
(Nedal Naisseh)
الحوار المتمدن-العدد: 2542 - 2009 / 1 / 30 - 09:07
المحور:
القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير
من المعلوم تماماً أن الفكر القومي هو النسخة المنمقة، والطبعة المعصرنة و"المشلبنة" للفكر السلفي البدوي الأصولي الذي هبّت رياحه العاتية من الفيافي والصحاري البدوية في القرن السابع الميلادي، وأحال معها كال تلك الحضارات والأمم المتاخمة التي دخلها إلى خرائب وأنقاض متهالكة تلوك أساطيراً مبهمة، وتجتر خطابات آفلة ممجوجة، لم يعد لها أية فاعلية تذكر سوى بعدها التاريخي الرمزي الأسطوري الخاوي القديم. وحين انزوى الفكر الديني خجلاً بعد سلسلة من التجارب الدموية الصدامية الفاشلة برز الفكر القومي ليحل محله، ولكن بحلة ورداء، وخطاب ملتو جديد. وتكاد دعوات الأحزاب القومية وهيئاتها وشخصياتها المختلفة وتنويعاتها المتعددة، لإحياء أمجاد العرب والحديث المسترسل المبهم الفياض عن الرسالة الخالدة، يتطابق تماماً مع فكر الجماعات الإخوانية والسلفيات الجهادية ورؤى ابن لادن والإمام البنا وسيد قطب تلكم الترجمات العربية للشيخ السلفي الهندي أبي الأعلى المودودي 1903-1979. ( لا ندري عن أية أمجاد يتحدث القوميون، ومتى كانت هذه الأمجاد بالضبط؟ اللهم إلا إذا كان إخضاع الناس بالسيف، واحتلال أراضيهم وتدمير الحضارات الأخرى، وتخريب النفوس والعقول، وإحياء العصبيات القبلية والعشائرية والعنصرية والطائفية والفئوية، وفرض لغة وثقافة ودين بالسيف على بشر آخرين وسبي نسائهم ونزع ممتلكاتهم وتغريمهم بالخوات والجزية وإعمال الحسام المهند في أعناقهم وتفجير شلالات الدماء، ومراكمة جبال الجماجم، وترويج ثقافة الموت والنحر والتكفير، والإشكاليات والانقسامات الأبدية والانهيارات القيمية والمعرفية التي خلفوها أمجاداً.
غير أنه، من الصحيح والمثبت تاريخياً، بأن هذا الفكر كان وراء إجهاض المشروع التنويري الحداثوي النهضوي في المنطقة الذي انطلق عقب انهيار امبراطورية الرجل المريض العثمانية الفاسدة التي استعمرت المنطقة أربعمائة عام تحت راية الفكر الغيبي الماورائي. وذلك حين انقضـّت مجموعة الضباط الأحرار المصرية الأخوانية على مقاليد الحكم في مصر التي كانت قد قطعت شوطاً طيباً في مسيرة الحداثة واللبرلة والتنوير وأعادتها- المجموعة- إلى سيرتها السلفية الأولى. وسرت تلك العدوى الفيروسية القومية العسكريتارية القاتلة، وانتقلت إلى معظم الكيانات السياسية الناطقة بالعربية، وبدأ الفكر التضليلي المسموم وسردياته المخدِّرة تفتك بالأبدان، كما بالعقول العربية، حتى وجد الشارع الناطق بالعربية نفسه، مرة واحدة، يواجه نكبة وراء نكبة، وكارثة تجرها كارثة، ومأساة تولد مأساة. استيلاء القوميين العرب بالقوة المسلحة على مقاليد الحكم في مصر، (كما فعل أسلافهم البدو الأعراب ذات يوم حين عولموا ثقافة الغزو تحت الرايات الإلهية)، وإنهاء الحياة البرلمانية، وتعطيل الدساتير وحكم البلاد بالحديد والنار والبساطير، كان في الحقيقة بداية الانهيار، والهجوم المعاكس، التي أعادت شنه القوى السلفية عبر التجرؤ، مرة أخرى، على خصوصيات وحريات الإنسان في العصر الليبرالي المحدث، وقتذاك، أي ما بعد رحيل المستعمر العثماني، ومن هناك عمـّموا هذا الأنموذج الرث، وانتشر السرطان القومي المستفحل في مختلف أمصار الأعاريب.
عجز الفكر القومي في توحيد العرب، برغم زعمه وجود عوامل جاهزة ومفترضة لقيام تلك الوحدة أثبتت الأيام قصورها وخواءها وعدم مواءمتها لمتطلبات الواقع وسيروراته الديناميكية المتحولة، أبداً، والتي تتطلب بالقطع أكثر من هذه الفكرة الرومانسية الوهمية الطوباوية الصماء. وفي الحقيقة، ما عجزت القاعدة، والجماعات السلفية والإخوانية عن تحقيقه، حتى الآن، في ترثيث وتحطيط وتمسيخ وتقزيم وتقبيح وترييف وتشحيح وتضحيل وصحرنة هذه المجتمعات، وإعادتها إلى أروقة ومناخات القرن السابع الميلادي، قد أفلح في فعله القوميون العرب. وها هي كيانات الأعاريب من المحيط إلى الخليج، تتجلى بأبهى حللها، وبمحاكاة مدهشة لما كانت عليه عبر التاريخ المجيد "ما غيره"، من فقر وفساد وجهل ولصوص وشيوخ ووعاظ مأجورين واستبداد وديكتاتوريات وانحطاط مرعب رهيب. فإذا لم تكن دولة العرب الأنموذجية على هذا المنوال الفظيع، فماذا عساها أن تكون؟ وأية دولة قومية عربية ستنتهي، حتما اليوم ولاحقاً، إلى دولة دينية فاشية كما هو الحال في العراق ومصر والجزائر والسودان وموريتانيا واليمن السعيد...إلخ.
هل لأحد أن يطلق العنان لخياله ويتصور ما كان قد آل إليه حال ما يسمى زوراً وبهتاناً بالمغرب "العربي" لولا فيروسات التعريب ووسواساتها الخناسة التي اجتاحته في النصف الثاني من القرن العشرين؟ وأين كان استقر اليوم لو تابع عملية "الفرنسة" و"الأوربة" والتغريب الحداثي، التي كانت جارية، يوماً ما، بدل البدونة والعربنة والتوهيب التي تسرح وتمرح، وتعصف اليوم فيه؟ هل ثمة أية مشروعية، وحق، للتساؤل هنا؟ ألا تقف طوابير طويلة من المهاجرين " المستعرَبة بفعل المد العربي" أمام سفارات الكفار واليهود والصليبيين للفرار من هذا الجحيم القومي المؤرق الرهيب؟ وما كان لها أن تفعل ذلك لو كانت هذه الأوطان نسخاً وفراديساً وجنات عدن كدول الغرب، تجري من تحتها ومن فوقها، وعلى جنباتها الرفاهية والبحبوحة والفرفشة وحقوق الإنسان وتنتشر في أرجائها الحريات العامة. ليس من مصلحتنا، ولا من مهمتنا، البتة، ككتاب ونشطاء رأي، تجميل هذا النظام الرسمي البائس الفاسد البائد القبيح. وإن نقدنا وتشريحنا لمختلف الظواهر السوسيولوجية والأنثروبولوجية والتراكمات الفكرية المترسبة في جذور هذا المجتمع العربي العليل، يأتي في إطار المحاولات المستمرة لضرورة إعادة هيكلة كل تلك البنى التي تآكلت بفعل الزمن والتقادم الطبيعي والشيخوخة التي ستصيب كل شيء، والاجترار التاريخي لمقولات وتجارب سلطوية وفكرية فاشلة. لإن هذا النظام الرسمي العربي، صنيعة القوميين العرب ومأثرتهم المفتخرة، هو الذي أورثنا كل هذه المهانة والذل والخذلان التاريخي وجعلنا أحط شعوب الأرض وفي ذيل أمم الأرض قاطبة في جميع الميادين الحياتية، لا يستأهل أي نوع من الشكر والمجاملة والتجميل والمحاباة بل النتف والضرب على قفاه على الطالعة والنازلة. ولن يلقى منا، بالطبع، أي امتداح أو ستر لعوراته، أو مداراة لعيوبه على الإطلاق. وإذا كان هذا يصب في مصلحة إسرائيل، أو غيرها، فهذه ليست مسؤوليتنا وليس مطلوب منا السكوت والتستر على ويلاته وموبقاته، ولا ذنب هذه النخب التي تقرع أجراس الخطر والإنذار، وترفع الصوت عالياً لدرء الفواجع القادمة والانهيارات الشاملة، وإنما مسؤولية نفس هذا النظام الرسمي العربي العاجز المريض الذي وضع نفسه في موضع الاتهام، ولم يعد يستطيع النهوض من كبوته التاريخية أو التقدم قيد أنملة والسير على الطريق الصحيح لإنقاذ هذه الشعوب المحبطة المسكينة التي تعاني الفقر والفاقة والتغريب الحضاري والفكري والريادي.
ومن خبائث الأحابيل القومية المعروفة، مثلاً، وكما يمارسها، تماماً، صنوها السلفي، هو تغذية العصبويات والوجدانيات الشعبوية الغوغائية الغرائزية الكامنة في الشيفرة الجينية للا وعي الباطني الجمعي العام للدهماء والرعاع والبسطاء والمتاجرة بها، باعتبارها بضاعة فكرية مؤدلجة وجاهزة، وطرحها للارتزاق والتكسب منها في السوق السياسي.
وما انطلاق تلك الفبركات المسمومة، التي طالت فيما طالت، بعضاً، ويالغرائب ومحاسن الصدف من مكون سوري بعينه، ومن حملة مشاعل التنوير المناهضة للمشروع السلفي، إلا من أوكار القوميين العرب، بالذات، بأمر غريب وجديد، وما هي إلا تعبير عن التصاقهم الفطري اللا إرداوي والغريزي الفطري بالفكر الأصولي، وجلاء لمكنوناتهم العدوانية المتأصلة لكل ما هو مبدع وخلاق وجميل ومتجدد وسام ونبيل. وهي انعكاس لطبيعة وماهية العقل القومي الحامل لعقدة التفوق العرقي المريضة، وثقافة الازدراء والتخوين، وتجسيد ملموس لانكشاف جوهر تكويناتهم العضوية ولانحباس وجفاف منسوبهم واحتياطهم الثقافوي، ونفاذ لمخزونهم الفكري ووقودهم الروحي الذي اعتاد لـَوْك تلك الكليشيهات التاريخية عن مجد العرب وحضارتهم الزائفة ورسالتهم الخالدة، والتي لم تكن في حقيقة الأمر سوى تدمير للحياة وللحضارة وللقيم الإنسانية النبيلة والجمالية في كل مكان وصلتها "آثار القدم الهمجية"، وبالإذنً من فيروز، ذاك الملاك الطاهر الرائع الجميل.
#نضال_نعيسة (هاشتاغ)
Nedal_Naisseh#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مَن هُم الكتاب العرب الصهاينة ؟
-
تعقيب على رؤية إسراطين للعقيد معمر القذافي
-
نقد للنظام أم جهل بموقع الذات؟
-
الشأن السوري واقتراح حول نظام التعليقات
-
الهزيمة الأخلاقية للمعتدلين العرب؟
-
هل بدأ أوباما عملية التنظيف -وراء- بوش؟
-
ماذا تبقى من المعارضة السورية؟
-
بين المخابرات والمغامرات
-
خيبة القرضاوي
-
لا عروبية و لا اسلاماوية
-
إسلام في خدمة الغزاة: المظاهرات تُلهي عن الصلاة
-
هل يُحاكم مبارك بتهمة الإبادة الجماعية؟
-
الرئيس المبارك والضوء الأخضر لذبح القطاع
-
نداء إنساني عاجل إلى قمة مجلس التعاون الخليجي
-
أكثر من دعارة سياسية
-
فصاحة رئيس
-
الحرب على الحذاء
-
خبر عاجل: قصف مصنع للأحذية جنوب بغداد
-
أحذية الإذلال الشامل العراقية: أصدق إنباءً من الكتب
-
غزوة الشيخ دقماق
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
الرغبة القومية ومطلب الأوليكارشية
/ نجم الدين فارس
-
ايزيدية شنكال-سنجار
/ ممتاز حسين سليمان خلو
-
في المسألة القومية: قراءة جديدة ورؤى نقدية
/ عبد الحسين شعبان
-
موقف حزب العمال الشيوعى المصرى من قضية القومية العربية
/ سعيد العليمى
-
كراس كوارث ومآسي أتباع الديانات والمذاهب الأخرى في العراق
/ كاظم حبيب
-
التطبيع يسري في دمك
/ د. عادل سمارة
-
كتاب كيف نفذ النظام الإسلاموي فصل جنوب السودان؟
/ تاج السر عثمان
-
كتاب الجذور التاريخية للتهميش في السودان
/ تاج السر عثمان
-
تأثيل في تنمية الماركسية-اللينينية لمسائل القومية والوطنية و
...
/ المنصور جعفر
-
محن وكوارث المكونات الدينية والمذهبية في ظل النظم الاستبدادي
...
/ كاظم حبيب
المزيد.....
|