|
هل الرأسمالية بداية النهاية أم خلل اقتصادي عابر ؟
صبري يوسف
الحوار المتمدن-العدد: 2544 - 2009 / 2 / 1 - 10:17
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
هل الرأسمالية بداية النهاية أم خلل اقتصادي عابر ؟
يسأل الكاتب والصحافي الأردني عادل محمود، الكاتب والشاعر السُّوري صبري يوسف عبر صحيفة العرب اليوم الأردنية، هل الرأسمالية بداية النهارية أم خلل اقتصادي عابر؟!!
فجيب صبري يوسف:
إنَّ الرأسمالية ليست في مرحلة بداية النهاية ولا تمرُّ في حالة خلل اقتصادي عابر كما يُخيَّل للبعض، الرأسمالية أعمق وأخبث ممَّا نراه وممّا يقال عنها في الصحافة والاذاعات والتلفزة. قبل أن أخوض في تفاصيل الإجابة عن هذا السؤال، أودُّ أن أشير إلى أنني لا أحترم الفكر الرأسمالي والتوجّه الرأسمالي، القائم على استغلال الطبقات الفقيرة والدول الفقيرة المغلوبة على أمرها! ومن هذا المنطلق أعتبر الرأسمالية بمثابة عدو لدود لفقراء هذا العالم والدول الفقيرة، لأنها تعتاش على خبز الفقراء والكادحين، فتزيد الفقراء فقراً، وتزيد الدول الفقيرة حرباً وقتلاً وتدميراً! ولكني في الوقت نفسه لست ضد التقدُّم الاقتصادي والانتاجي لبلد ما، لقارةٍ ما، شريطة أن يكون الازدهار الاقتصادي ناجم عن تطور البلاد بشكل ديمقراطي عادل وحرّ وبحيث يتم توزيع الدخل القومي والوطني على الأفراد بشكل عادل دون استغلال طبقة لأخرى وبعيداً عن أي استغلال داخل وخارح البلاد . أما مسألة توقُّعات بعض الخبراء بأنَّ الخلل المالي وحدوث كساد في العالم خلال السنوات المقبلة، هو نتيجة تأثر الاقتصاد الحقيقي وهو ربما نهاية الرأسمالية، هو توقُّع غير دقيق وغير صحيح، لأن الرأسمالية لا تتأثر ولا تنهار بسهولة كما يعتقد بعض المحلِّلين، لأنها دائماً تسعى إلى تحقيق المكاسب بعدّة أساليب لتحقيق تطلعاتها الرأسمالية حتى ولو كان تطلعها قائماً على جماجم المواطنين! وهذا ما نلمسه من توجهات أميريكا لتعديل ميزانها التجاري المنهار!!! وأضحك في عبّي عندما أقرأ هكذا تصريحات انهيارية، لأن اقتصاد أميريكا لم ينهَرْ ولن ينهار بالشكل الذي يبدو وتعلنه وكالات الأنباء العالمية، لأن الدول التي ستنهار هي الدول النفطية والدول النامية والدول التي تمص أميريكا خيراتها، وما هذا الذي نراه سوى أسلوب جديد لاستغلال الرأسمالية لتغطية خسائرها في مشاريعها اللاإنسانية، فلماذا مثلا تدخَّلت أميركا في شؤون العراق والخليج بدعوى التبشير بالديمقراطية، وهل تسعى أميريكا بشكل فعلي لتحقيق الديمقراطية في العراق أو في أية دولة عربية أو شرقية أو أية دولة فقيرة فيها خيرات ونفط وطاقات كامنة في باطن الأرض؟!
لقد كانت أميريكا وما تزال تسعى لتوطيد الديكتاتورية، كي يتسنّى لها أن تنهب خيرات البلاد التي تدخلها، فأين هي الديمقراطية التي حققتها للشعب العراقي برمته؟! هناك خسارة بنسبة ما لكل أطياف الشعب العراقي، وهناك انشقاقات وصراعات بين المذاهب، وهناك تفجير وقتل البشر من كل الأجناس والأديان، وهناك تفجير المساجد والكنائس ودور العبادة والأشجار والغابات والأطفال والكهول والشيوخ والرهبان والمطارين، وهناك تهجير أكثر من ألف عائلة مسيحية من الموصل مؤخراً تحت أعين أميريكا وأعين الديمقراطية العتيدة التي حققتها أميريكا للعراق، أية ديمقراطية هذه أن يتم تهجير آلاف المؤلفة من مسيحيي العراق الوطنيين وأبناء أولى حضارات الكون، أين هي ديمقراطية أميريكا؟ إنَّ ما نراه يشير إلى أن الرأسمالية بألف خير طالما جماجم الشعوب الفقيرة بألف شرّ! الرأسمالية تصفُّ مع الظالم ومع الإرهاب أكثر من أن تدافع عن الحق والديقمراطية والعدالة، وكل هذا يكلفها اقتصاداً كبيراً، لكنها تعرف كي تجني ثمار جنونها، استغلال مواطنيها ومواطني الدول التي تستعمرها سواء بشن الحروب أو بالقتل والتدمير؟! ماذا قدّمت أميريكا بجيشها ذات التكنيك العالي وبجيوش الحلفاء وقوات العراق مع الحكومة الديمقراطية الجديدة للمواطن العراقي غير الدمار والهلاك والقتل والتهجير؟ وطالما هي غير قادرة على ضبط الأمن وتحقيق الأمان للمواطن لماذا تحشر نفسها بما لا يعنيها، هل تظن نفسها إلهة الكون كي تقود الكون بهذا الشكل الغوغائي الأهوج؟! هي مجرد دولة رأسمالية، تسعى لتعديل ميزانها التجاري على حساب اشعال الحروب في بقاع الدنيا، ولهذا انعكس كل هذا على واقع الحال حالها، لهذا لجأت إلى حيلة جديدة، الاعلان عن افلاسها وتقهقرها، وهذه حيلة الرأسمالية وهو النصب والاحتيال على أصحاب رؤوس الأموال، لأن نسبة كبيرة من رؤوس الأموال هي خليجية وعربية وشرقية، لهذا من الأسهل والأفضل لها أن تعلن عن إفلاسها كي تأكل الأخضر واليابس، فمالها الخاص محفوظ عندها بينما مال الآخرين سيذهب إلى الجحيم، فهي لم تكتفِ أن تسرح وتمرح بميزانيات النفط الحالية، فوضعت عينها على ميزانية سنين طويلة من انتاج النفط المودع في بنوك غربية وأميريكية، هذه ألاعيب سخيفة وعدوانية واستغلالية جديدة للرأسمالية، ولا يبدو في الأفق أن هناك أية أزمة اقتصادية عند أميريكا أو عند الغرب هذه حيل الرأسمالية وهي متخصصة بكيفية الحصول على المال فكيف بليلة وضحاها تنهار هكذا عبقرية استغلالية موغلة في حساباتها ودقتها ولديها ميزانيات لا تأكلها النيران للدخول في العراق وفي أي بقعة جغرافية في العالم؟ ولم تدخل من أجل الديمقراطية بل من أجل مص خيرات البلاد التي تدخلها، وعتبي علىالعرب والأنظمة العربية من المحيط إلى الخليج، عتبي عليهم ألف مرة ومرة! لماذا يودعون ميزانيات خيالية في بنوك الغرب وأميريكا ويرصدون أرقاماً تخلخل ميزانيات دول في مشاريع وبنوك أميريكية وغربية؟ لقد آن الأوان أن تحصد أميريكا تلك الأموال طالما العرب لايعرفون كيف يتصرفون بأموالهم في مشاريع تنموية في بلادهم!
لا تعبجني السياسة الرأسمالية الأميريكة وغير الأميريكية، ولايعجبني النظام الرأسمالي، طالما يرتكز على الاستغلال، سينهار النظام الرأسمالي ليس الآن ولا غداً بل ربّما بعد عقود أو قرون، لأنه قائم علىأسس غير عادلة وغير ديمقراطية وغير إنسانية، والدول الرأسمالية التي تدَّعي انها ديقراطية، هي غير ديمقراطية إلا بالقشور وبنسبة ما ضعيفة، الدولة الديمقراطية هي الدولة العادلة الخيرة الإنسانية التي لا تنهب حقوق الدول الفقيرة أو حقوق الآخرين! ستصل الرأسمالية إلى طريق مسدود عاجلاً أم آجلاً، ولا بدَّ من عودة النظام الاشتراكي التقدمي الإنساني العادل، نظام التركيز على المواطن والإنسان الحرّ. ولا بدَّ من التركيز على رعاية فقراء هذا العالم، ووضع خطط كونية لمعالجة أسباب الفقر والمرض والجهل والحروب وحل هذه المشاكل في الكون برمته، عندها ستكون الرأسمالية كنظام استغلالي في خبر كان! مؤكدا أنني لست ضد التقدم والازدهار الاقتصادي لكن شريطة أن يكون على أسس موضوعية وتقدمية واشتراكية عادلة، بعيداً عن استغلال أية جهة لجهة أخرى أفراداً كانت الجهات أم دولاً؟؟؟ وإلى أن تتحقق هذه الأماني تكون البشرية قد دخلت مرحلة البحث عن الذات، ذات الإنسان التواقة إلى معايير الخير والعدالة والمساواة جنباً إلى جنب مع اشتراكيي وأخيار هذا العالم!
صبري يوسف كاتب وشاعر سوري مقيم في ستوكهولم
#صبري_يوسف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حوار الأديان بين السياسة والإنسانية
-
هل ينهى الكمبيوتر عصر الكتابة التقليدية؟
-
الفساد
-
ما هي مقوِّمات النهوض بتوزيع الكتاب في العالم العربي؟
-
برأيك ما هي مقوِّمات نجاح الديمقراطية داخل الأحزاب العربية ؟
...
-
ستبقى روحُكِ معانقة جوانحي حتّى الأزلِ
-
تنقّي أمّي حبّات الحنطة
-
ضحكنا ثمّ عبرنا المروجِ
-
أتوهُ في أعماقِ البراري
-
شمسٌ حارقة تسلخُ جِلدَ الثَّورِ
-
وجعٌ ينمو في رحيقِ الصَّباحِ
-
زغردي يا روحي زغردي
-
يعانقُ منجلي جبهةَ القمرِ
-
أينَ سأخبِّئُ جموحَ الطُّموحِ؟!
-
زنابقُ الرُّوحِ غافيةٌ فوقَ صحوةِ القلمِ
-
بحيراتُ العمرِ مغروسةٌ بأعشابِ البراري
-
خرافةُ التَّسويفِ تخرُّ فوقَ حدائقِ الحلمِ
-
وئامُ البهائم أرقى من البشر
-
وردةٌ على شفاهِ طفلٍ
-
كلكامش آتٍ لا محال
المزيد.....
-
سوريا.. فيديو حراسة موكب أمير قطر بدمشق ولقطة مع أحمد الشرع
...
-
-سيفعلان ذلك-.. تصريح جديد لترامب عن مصر والأردن وخطة استقبا
...
-
الحوثيون على قائمة الإرهاب: ماذا يعني ذلك لليمن؟
-
بعد الدمار.. نازحون فلسطينيون يعودون إلى شمال غزة وينصبون خ
...
-
تحذير لمكاتب الكونغرس الأمريكي بعدم استخدام تطبيق -ديب سيك-
...
-
اليونان.. قرار بإزالة طوابق فندقية مخالفة قرب معبد الأكروبول
...
-
الصليب الأحمر يدعو إلى عمليات نقل -آمنة وكريمة- للرهائن
-
قنبلة نووية في متناول اليد!
-
السعودية.. فيديو يشعل تفاعلا لشخص وما فعله بمكان عام والأمن
...
-
-بلومبيرغ-: شركات العملات المشفرة تبرعت بملايين الدولارات لح
...
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|