محمود الزهيري
الحوار المتمدن-العدد: 2542 - 2009 / 1 / 30 - 09:08
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
غياب العقل, حضور للتوهم .
مايحدث الآن علي الساحة العربية في معظم البلدان العربية يمثل حالة من حالات التردي العقلي وإن صح القول أو صدق فإنه يمثل حالة من حالات الغياب العقلي أو الغيبوبة العقلية الشاخصة في أفعال وتصرفات القادة والكاريزما العرب بكافة مستوياتهم العقلية , مما يستدعي لطرح تساؤل محزن ومخجل تكون إجابته أن العرب ضد انفسهم وضد حركة التاريخ , وضد الإنسانية , وبالرغم من حالة التردي والهوان العربي علي مستوي أنظمة الحكم العربية الغائبة عن كافة المعادلات الإنسانية والحضارية , ولن نقول السياسية , أو حتي التكنولوجيا لأن المذلة والعار سيكونا من نصيب الأنظمة العربية الحاكمة التي تعمل علي الدوام من أجل تأبيد نظرية الإستبداد والطغيان فقط , وضد الشعوب العربية علي الدوام .
دائماً تنسي الشعوب والجماهير في غفلة من أزماتها المعيشية وبؤس الحياة العربية , أن الأنظمة الحاكمة تستخدمها وتوظفها لمآرب الإستبداد والطغيان بخلق العداءات المتوهمة , والصراعات البائسة من أجل حياة تلك الأنظمة الفاسدة , فهي تخلق عداءات بين الشعوب والجماهير وبين إسرائيل وأمريكا , في حين أن هذه الأنظمة في حالة توائُم ومحبة واستقرار , والشعوب هي التي تبقي في النهاية ورقة من أوراق اللعبة القذرة للأنظمة العربية التي تسعي للسلام , وتحرض الشعوب علي الحرب , وتبادر بعقد الإتفاقيات الإقتصادية والتجارية مع إسرائيل وأمريكا , وتحرض الشعوب علي المقاطعة , وتفتح الأنظمة قنواتها الديبلوماسية والإعلامية لإسرائيل وأمريكا , وتحرض النخب والمثقفين والكتاب علي مقاطعة هذه القنوات .
هذه الأنظمة هي الممثلة للعداء الكامل للديمقراطية والسلام والتنمية , لأنها تعلم أن الديمقراطية تجلب السلام , وأن السلام يجلب التنمية , وهذا الثالوث يمثل الخطر علي ثالوث الفساد والطغيان والإستبداد , فالإستبقاء لن يكون إلا لثالوث واحد فقط في مواجهة الآخر , وبالطبع الأنظمة العربية منحازة لثالوثها القذر القمئ الرافض للإنسان والعدل والحرية والتنمية .
الأنظمة العربية تغذي العقول التائهة بالمعتقدات الدينية التي تؤمن بها هي , والتي تحرض علي القتال والحرب والدماء برايات جعلتها تلك الأنظمة رايات مقدسة , فأصبحت الأرض مقدسة , والوطنية مقدسة , والقومية مقدسة , والإنتحار في أحيان كثيرة أصبح مقدس , ولعله أصبح لغة تمثل بديل غير حضاري وغير إنساني في مواجهة الإنسان للإنسان بوهم المقدس المتغلغل في العقلية العربية التي تصنعها أنظمة الإستبداد بأساليب الإفقار والإذلال وتوحيد رؤية الأنظمة لتتسق مع رؤية الشعوب المنهارة والغارقة في مستنقعات الذل والفقر والجهل حيناً , وبالتعذيب والقتل حيناً آخر , وبتلفيق الجرائم لتكون السجون والمعتقلات هي الملاذ الأخير لطالبي النهوض بالإنسان العربي وتحريره من ربقة الذل والفساد والإستبداد والطغيان .
مايؤسف له في الجريمة الإسرائيلية البشعة التي جرت علي أيادي الجيش الإسرائيلي المجرم , جعلني اتسائل عن حقيقة الوضع لو قلبنا الصورة , وبدلنا الجغرافيا لتكون إسرائيل في غزة , وغزة في إسرائيل , وأن ماحدث لغزة هو الحادث فعلاً لإسرائيل , فهل كان الشعور الإنساني سيتغير ويكون محله البهجة والسرور لما يحدث للإسرائيلين من مجازر بشرية جرت علي أيدي العرب للإسرائيليين .
لقد إنتابني شعور بالألم وأنا أقرأ لكاتب يديعوت أحرونوت يغئال سيرينا وهو يتحدث عن شعب غزة وجرائم الجيش الإسرائيلي حينما كان عدد القتلي من الغزاويين لم يتجاوز المائتين فيصف الوضع المحزن قائلاً :
أي هدوء ستجلبه على أجنحتها السوداء الجنائز المئتان لقتلى غزة؟ أي هدوء لمئتي شخص سينقطعون عن إعالة عائلات جائعة؟ والثكل واليتم واليأس. هل يضمن أحد ما شيئا يشذ عن دائرة الإنتقام القديم ونصف يوم من الشماتة نستفيده من عملية نفذ سلاح الجو المرحلة الأولى منها؟ الإنتقام فقط سينتج عن مئتي القتيل، الذين كانوا هم أنفسهم نتيجة الإنتقام لمئات من المصابين بالرعب الذين يعيشون في غلاف غزة سيستغرق الأمر زمنا ، يحذر الضباط. ليس ذلك ضربة خاطفة وانتهينا .
ما زال أولمرت لم يذهب وأنتم تنظرون في نصوص لبنان الثانية. ألا يتوقع أي تجديد صغير لمسيرة الغباء التي يقودها إيهود باراك؟
وبعد أن يحذر الجيش والقادة الإسرائيلين من جرائمهم في غزة التي هربوا منها بلا مفاوضات سلام بل بإنسحاب عسكري علي عجل محذراً من أن : الهدوء والسكينة لا ينشآن البتة من اليأس والقتل. حتى لو سويت غزة بالارض مثل جمهورية الشيشان او غرانيكا، كما يطلب الكهانيون والليبرمانيون، فلن ينشأ أي هدوء بل إنتقام يأتي من السكون ومن الأعشاب ومن القبور.
ويري أن: السبيل الوحيدة للهدوء يمر بالتحادث والتفاوض البطيء والصبور، كما كان مع مصر والاردن، تفاوض افضى الى اتفاقات تم المحافظة عليها جيدا لسنين طويلة. تفاوض مع الجميع. ان ما ينبغي فعله بخلاف جميع الغرائز هو قلب الامور في غزة 180 درجة. أي ان نحادث ونساعد ونطور. ان نأتي غزة بالوسيلة الوحيدة التي لم تجرب هنالك بعد وهو الأمل.
لانه لن ينشأ أي حل من السحق. ومن القصف واهداف الهجوم. لا يوجد في التاريخ أي مثل على انتصار سلاح جو على شعب آخر. اذا لم نحاول علاج غزة من المدمرين الى المفاوضين فسنغرق معها متعانقين في مجزرة، وستغرق سديروت وبيت حانون ونتيفوت وخانيونس وعسقلان واسدود وتل ابيب وغزة.
بل وتري أسرة تحرير هآرتس في عددها الصادر بتاريخ 28 12 2008 أن نقض إسرائيل للتهدئة في تشرين الثاني عجل التدهور الذي أفضى الى الحرب أمس. لكن إذا إستمرت هذه أياما طويلة بل أسابيع فستنتهي إلى إتفاق أو إلى إتفاق على الأقل يشبه ذلك الذي أحرز في حزيران الماضي.
لم تتغير شروط حماس للتهدئة وهي : وقف الهجوم على غزة وعلى نشطاء المنظمة في الضفة ، وفتح المعابر واطلاق السجناء . وبقيت شروط إسرائيل أيضا كما كانت وهي وقف إطلاق الصواريخ على بلداتها.
وتري أنه: يحسن تجنيد أي وسيط ممكن من مصر الى قطر الى الولايات المتحدة والى أوروبا لتحقيقها. أصبح يمكننا الإفتراض أن الرسالة العسكرية التي نقلتها إسرائيل فهمت كاملة في غزة ، ويحسن عدم جعلها كارثة تمنع أي إتفاق في المستقبل .
وهذه شهادة إسرائيلية للوضع في غزة , وكيفية الخروج من الوحل الذي أراد الجيش الإسرائيلي أن يدخل إليه بقدميه وبإرادته .
والمسيطر علي العقلية العربية والضاغط عليها هو الخوف وعقلية الخوف التي يصيبها الرهاب من مجرد الحديث في بعض الأمور ومنها السلام مع دولة الإحتلال الإسرائيلي فمن النادر أن يوجد كاتب أو مثقف عربي بمكنته طرح أي رؤية تخدم علي عملية السلام العادل والشامل بين الدول العربية وإسرائيل حسب قراءته الواقعية والعادلة , بل والأخلاقية للواقع العربي بمقارنته بالواقع الإسرائيلي وموازين القوي التي هي دائماً في صالحه دون غيره ؟
من النادر أن نجد كاتباً أو مثقفاً من الكتاب أو المثقفين العرب يكون بمكنته تحمل عبء ومشقة طرح هذه الرؤي التي من الممكن أن تكون مقدمات لحل العديد من الأزمات التي يعيشها المواطن العربي وتشارك في صناعتها الأنظمة العربية التي تملي نظرياتها السياسية الفاشيستية وتحرض علي الإحتماء بالإيديولوجيات السياسية الفاشية , والدينية لتكون مراتع أنظمة الطغيان والإستبداد في أمن وأمان , مستخدمة الغوغاء والدهماء والسوقة للترويج لبضاعات الأنظمة العربية التي تظهر المواطن العربي بأنه ضد الإنسان وضد التاريخ , وأنه يرغب في العيش في مرحلة ماقبل الدولة أو ماقبل السياسة , أو ماقبل التاريخ , ليكون في حالة غيبوبة عقلية , ويعتاش علي الوهم وأسباب التوهم , ومستخدماً لمصطلحات الخيانة والعمالة , أو النفاق والكفر , ويستمر هذا المسلسل التخويني التجهيلي أو التلعيني التكفيري بين أبناء الوطن الواحد , بلا عائد أو نتيجة مرتجاة .
فهل من لايقدر علي تحرير بلده من المحتل الوطني , هل بمكنته تحرير فلسطين أو أي بقعة عربية محتلة , من المحتل الأجنبي ؟!!
#محمود_الزهيري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟