أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - شاكر خصباك - التركة















المزيد.....



التركة


شاكر خصباك

الحوار المتمدن-العدد: 2541 - 2009 / 1 / 29 - 07:15
المحور: الادب والفن
    


مسرحية في فصلين
شخصيات المسرحية

الحجية ـ الأم
حليم ـ
مهدي ـ
ناجية ـ الأبناء
نوري-
ناجي-
نورية-


عباس ـ زوج نورية
فريدة ـ زوجة ناجي
زهراء ـ زوجة نوري
فطيمة ـ زوجة مهدي
صغار من مختلف الأعمار
خادم ـ




الفصل الأول

(صالة متوسطة السعة صفت حول جدرانها المقاعد الخشبية الطويلة . تبدو المقاعد
قديمة لكن أفرشتها نظيفة . في ركن من الصالة يقوم تلفزيون على منضدة عالية . الأرض مفروشة ببساط شعبي .
للصالة بابان ، أحدهما باب الدار الرئيسي والثاني ينفتح على ممر تتوزع فيه بقية غرف و مرافق الدار . في نهاية الممر باب يؤدي إلى الحديقة .
صغار من أعمار مختلفة في حركة دائبة بين الباب الخارجي و باب الحديقة و قد
ارتدوا ملابس العيد ، منهم من يلعب بالكرة ومنهم من يراقب التلفزيون ومنهم من يتصارع، تظهر نورية وهي تدفع أمامها كرسياً ذا عجلات تجلس عليه ناجيه ، تتأمل الصغار لحظات وعلى وجهها أمارات الضيق ).
نورية : كم مرة قلت لكم العبوا في الحديقة ، نحن نرتب المكان وأنتم تبهذلوه.
ناجية : خلّهم يتونسون يا نورية .. خلّهم يفرحون بالعيد .
نورية : لكن الحديقة واسعة يا ناجية ، ومن يريد أن يلعب فليلعب في الحديقة .
أحد الصغار : لا أريد أن العب في الحديقة .. أريد أن أتفرج على التلفزيون يا عمتي.
نورية : الذي يريد التفرج على التلفزيون فليجلس عاقلاً ولا يلعب بالكرة .
ناجية : خلّهم يتونسون يا نورية .
أحد الصغار : أترضين أن نتصارع هنا يا عمتي ناجية ؟
ناجية : العبوا كما تحبون يا فاضل .. تونّسوا ... العبوا مصارعة وكرة وأي
شيء.
أحد الصغار : شكراً يا عمتي ناجية .
نورية : لكنهم قد يكسرون التلفزيون يا ناجية لو لعبوا بالكرة .
ناجية : فداهم يا نورية .. خلّهم يتونسون .
نورية : ( تخاطب الصغار ) من يريد البقاء في (الهول ) فليكن عاقلاً . ومن يريد اللعب بالكرة فليخرج الى الحديقة .. ممنوع لعب الكرة في " الهول" (وكأنها تخاطب نفسها ) ابتلانا الله بلوة بالكرة أينما نولي وجوهنا نرى الأطفال و الكبار يلعبون بالكرة ونسوا كل ألعابهم الأخرى .
أحد الصغار : (يخاطب رفاقه ) تعلوا نلعب بالكرة في الحديقة .
(يخرج عدد من الصغار في صخب وضجيج )
ناجية : كم يفرحني تجمعهم يا نورية .. خلهم يلعبون ويتونّسون فهو يوم العيد ، ألا تتذكرين كم كنا نفرح بيوم العيد ونحن صغار ؟
نورية : ( ضاحكة ) كنا نسهر الليل بطوله نترقب شروق شمس يوم العيد .
ناجية : ( سارحة ) لكن ليلة العيد كانت تنقضي سريعا يا نورية إذ كنا ننشغل بصنع الكليجة00 كانت "هيعة "00 كل إخواني كانوا يشاركون في صنع الكليجة وضحكاتهم تملأ البيت .. مساكين أطفالنا ..هم لا يعرفون مثل تلك الفرحة .
ناجية : كانت فرحة انتظار ليلة الكليجة عندي في كفة والعيد في كفة .
نورية : (وهي تضحك ) طبعاً ، فأنت فارسة الميدان كما يقولون ، كان أبونا المرحوم لا يرضى إلاّ عن الكليجة التي تصنعينها أنت .
ناجية : ( وقد تعكر وجهها بالأسى ) الله يرحمك يا أبي ظل إلى أخر حياته يرفض كليجة العيد لأن الحادثة وقعت لي ليلة العيد ( بلهجة حزينة وكأنها تكلم نفسها ) و أتذكر كيف ظل ليالي كثيرة ينام معي في الغرفة بعد الحادثة .
نورية : هكذا كان أبونا وطبعاً ما كان يهون عليه أن يفرح وهو يراك هكذا يا ناجيه ولا تنسي أنك كنت قد أصبحت قطب البيت منذ تقاعدت أمي عن شغل البيت وانصرفت إلى الديانة بعد عودتها من الحج ( وهي تضحك ) وصارت سجادة
الصلاة والسبحة وراديو الترانزستور كل شيء في حياتها (بنبرة حزينة مفكرة)
ما كان يهون علينا جميعاً أن نفرح ونحن نراك هكذا .
ناجية : صدقيني يا نورية .. أنا راضية بمصيري .هذا هو ما كتب لي الله0 ومن أنا حتى أعترض على إرادة الله ؟! وأنا سعيدة .سعيدة .. وكيف
لا أكون سعيدة ولي مثل هذه الأخت وهؤلاء الأخوة ؟ هل هناك أجمل من المحبة بين الأخوة يا نورية ؟ وماذا تساوي الحياة بدونها ؟
نورية : الله يديم المحبة بيننا يا ناجية .
ناجية : (حالمة ) بعد قليل يمتليء بيتنا بإخواني وعوائلهم .. أهناك شيء أعظم سعادة ؟ (ملتفتة إلى نورية) تصوري يا نورية أنني ظلت أفزّ من نومي ليلة أمس بين ساعة وساعة متخيلة أن الصباح قد أتى , وفززت عند الفجر فلم يأتني النوم ثانية .
نورية : (وهي تضحك) هكذا أنت يا ناجية طول عمرك .
(تقبل الحجية من الممر المؤدي ألي المطبخ) .
الحجية : القدور كلها جاهزة وما حضر أحد من إخوتكم .
ناجية : هم يمرون على بيوت أخرى قبل الحضور إلى هنا يا أمي .
نورية : استريحي يا أمي وسأذهب أنا إلي المطبخ .
(تخرج نورية 0تجلس الحجية قرب ناجية)
الحجية : (بعد لحظة) نحن ننتظر حضورهم ساعة ساعة وهم يزورون بيوتاً أخرى قبلنا .. الواجب عليهم أن يحضروا من أول الصباح 0
ناجية : وراءهم زيارات ضرورية يا أمي .
(يسمع صوت مهدي عند الباب الخارجي وقد استقبله الصغار بالصخب والضجيج , ثم يظهر وهو يرتدي زياً شعبياً أنيقاً0 يسرع نحو الحجية ويقبّل يدها باحترام ثم يعانق ناجية بحرارة) .
مهدي : كل عام وأنت بخير يا أمي الحجية .
الحجية : وأنت وأولادك وامرأتك في أتم عافية بعون الله يا مهدي .
مهدي : أيامك سعيدة يا أختي ناجية .
ناجية : وأيامك يا أبو صالح . إن شاء الله يا رب يوفقك دائماً ويرّبح تجارتك ويكثّر أولادك .
مهدي : أطال الله عمرك يا أختي ناجية وأبقاك ذخرا لنا .
الحجية : (بعد لحظة) تأخرت علينا يا مهدي .. تأخرت أنت وأخوتك , نحن ننتظر حضوركم ساعة ساعة في هذا اليوم .
مهدي : أخرنّي عمي أبو فطيمة يا أمي الحجية . كلما أردت أن أنهض أمسك بي .(وهو يضحك) وكان يريدني أن أتغدى معه .
الحجية : والله عال !
مهدي : وأنا أيضاً0 قلت له غداء أول أيام العيد في بيتنا لا يعلو عليه شيء .
ناجية : وحتى لو وافقته يا أبو صالح كنت ستكون الخاسر . كان سيفوتك محشي الطماطا .
مهدي : كل ما تطبخونه شهي يا أختي ناجية .
ناجية : لكن محشي الطماطا أكلتك المفضلة يا أبو صالح 0
مهدي : أشهد وما بالله ! لكنني لا أريد تعبكم ..
ناجية : إن شاء الله يا رب تعجبك الأكلة .
مهدي : أنت تعلمين أن كل أكلاتك تعجبني يا أختي ناجية (بعد لحظة) أين فطيمة ؟
ناجية : فطيمة في المطبخ . منذ الساعة التي حضرت فيها وهي في المطبخ .. جوهرة وحياة عيونها .
مهدي : هذا واجبها .
الحجية : هي ونورية على أرجلهن منذ الصباح .
مهدي : (وهو يضحك) لا عجب ف ذلك ما دمتم ستطعمون جيشاً . أربع عوائل بأولادها 0
ناجية : يا ليت كانوا عشر عوائل يا أبو صالح وإن شاء الله يا رب كل سنة يزداد عدد أولادكم .
الحجية : الله يسمع منك يا ناجية .
ناجية : إن شاء الله يا رب كل عيد وإخواني يجتمعون في بيتنا حتى لو صار عدد أولادهم بالعشرات .
مهدي : غداء أول أيام العيد في بيتنا لا يعلو عليه شيء عند كل إخوتي .(بعد لحظة وهو ينهض) سأطلّ على نورية لأعايدها (يخرج من باب الممر)0 .
الحجية : (بعد لحظة) تأخر إخوتك يا ناجية .
ناجية : هم يحضرون في مثل هذا الوقت دائماً يا أمي وفي كل مرة تقولين إنهم تأخروا .
الحجية : الواجب عليهم ألا يتأخروا في هذا اليوم .
(يدخل نوري وزوجته زهراء . يظهر مهدي ونورية في نفس الوقت قادمين من المطبخ . يتبادل الجميع تحايا العيد في حرارة )
الحجية : (بعد لحظة) أنا زعلانة عليك يا نوري .
نوري : زعلانة عليّ ؟ أنت تزعلين عليّ يا أمي ؟
ناجية : وأنا أيضاً يا نوري .
نوري : ولكن لماذا ؟ ماذا فعلت ؟
ناجية : انتظرناك طوال عصر الجمعة ولم تأت .
زهراء : خرجنا نتسوّق للعيد يا خالتي الحجية .
الحجية : ولكنه يوم زيارته لنا يا زهراء .
زهراء : لم نجد وقتاً للتسوق قبل يوم الجمعة يا خالتي الحجية .
نوري : كنت أريد أن أمر عصر السبت يا أمي لكني أجلت زيارتي ليوم العيد.
الحجية : سيأتي يوم تزورونا فيه كل أسبوع مرة يا نوري . كنت تزورنا في أول زواجك بين يوم ويوم ثم صارت زيارتك مرتين في الأسبوع وسيصير مرة في الأسبوع مثل ناجي .
ناجية : مستحيل يا أمي . نوري لا يصبر على بعدنا أسبوع . قلبه الحنون لا يطاوعه على ذلك .
زهراء : وقتنا ليس ملكنا يا خالتي الحجية . أنا لا أزور أهلي إلا مرة كل أسبوعين .
الحجية : الله يساعد أمّك يا زهراء ./
زهراء : (بلهجة نصف ساخرة) يكفيها أن تراني مرة في كل أسبوعين يا خالتي الحجيّة .
مهدي : الحقّ معهم يا أمي الحجية . وقتهم ليس ملكهم . هكذا حال الموظفين .
الحجية : أنت أيضاً مشغول بدكانك يا مهدي لكنك تتفقدنا بين يوم و يوم .
مهدي : هذا واجبي يا أمي الحجية .
نوري : (لمهدي) دوامنا طويل يا أبو صالح ولا يترك لنا أيّ وقت فراغ.
زهراء : وإذا كان هذا حال الرجال من الموظفين فما بالكم بحال النساء من الموظفات ؟ فعلاوة على دوامنا الطويل وراءنا شغل البيت .. أنا أقضي وقت راحتي في المساء , في أشغال البيت .
نوري : (باسما) لا تنسي يا زهراء أنني أساعدك في أشغال البيت .
زهراء : (وهي تنظر إليه في استخفاف) وماذا تفعل ؟ تطبخ ؟
الحجية : (في استنكار) يطبخ ؟! والله عال !
نوري : ( وهو يضحك ) علّميني الطبخ وسأطبخ .
زهراء : وهل كنت أنا نفسي أعرف الطبخ حين تزوجتك ؟
نوري : على كل حال أنا أعمل السلطة وأشارك في تنظيف البيت وغسل الأطباق .
ناجية : شغل البيت من عمل المرأة وليس من عمل الرجل يا زهراء0
نورية : (ضاحكة) جاء اليوم الذي يشارك فيه نوري المدلل في شغل البيت . كان إذا أراد قدح ماء طلب مني أن أحضره له مع أنني أكبر منه .
الحجية : ومتى كان الرجال يكلفون بأعمال البيت ؟
زهراء : هكذا الحال عندنا .. الرجل سيد والمرأة عبدة 0‍
مهدي : لكنك تعلمين يا أستاذة زهراء أن أشغال البيت هي من اختصاص المرأة .
زهراء : كان هذا الكلام صحيحاً في الماضي يا أبو صالح أما اليوم فهو كلام باطل 0 فنحن نعمل كالرجل تماماً 0 أليس نوري مهندساً وأنا مهندسة مثله؟ ألسنا نعمل نفس الساعات خارج البيت ؟
نوري : ما تقوله زهراء حق يا أبو صالح .
مهدي : (محتجاً) ولكن الرجل رجل والمرأة امرأة ولا يمكن للمرأة أن تكون كالرجل ‍
زهراء : هكذا يلقنوننا منذ صغرنا يا أبا صالح . فمنذ وعيت على أمي وهي تردد على سمعنا أنا وأخواتي وذلك أن المرأة إمرأة ولا يمكن أن تكون نداً للرجل لتحطم طموحاتنا . أما أنتم الرجال فتحتكرون الأعمال المهمة وتتركون لنا الأعمال التافهة مخافة أن نغلبكم بشطارتنا
مهدي : (ضاحكاً) يا أستاذة زهراء00 قال الله تعالى :" الرجال قوامون على النساء" .
نوري : ولكن أمثال زهراء نداً للرجل فعلاً يا أبو صالح .
(يسمع صوت ناجي عند الباب ثم يظهر هو وزوجته فريدة , يتبادلان التحايا وتهاني العيد مع الموجودين)
زهراء : (بعد لحظة) حضرت في وقتك يا فريدة لتحكمي في القضية التي كنا نتناقش فيها .
مهدي : (ضاحكاً) ولكن الأستاذة أم حارث امرأة وستكون في صفك يا أستاذة زهراء .
ناجية :فريدة عادلة ولا تحكم إلا بالعدل وحياة عيونها .
ناجي : (ضاحكاً) إذا كانت عندكم قضية فلماذا لا تحتكمون إليّ ؟ إن عملي هو الفصل في القضايا ، فما حاجتكم إلى كاتبة عدل .
زهراء : أنت يا ناجي رجل وقد تقلب الحق باطلاً إذا رأيت الأمر مناسبا لوجهة نظرك خصوصاً وأنك محامي .
ناجية : ناجي محام عادل يا زهراء وحياة عيونه .
ناجي : (ضاحكاً) إذا قالت ناجية فصدقوها .. وعلى كل حال فريدة كاتبة عدل وليست قاضية حتى تحكم في قضيتكم ، وأنا اعترف أنها لو عينت قاضية يوما لحكمت بالعدل فعلاً مثل أبيها 0 ومن شابه أباه فما ظلم . لكنني أدعو الله ألا يجيء مثل هذا اليوم وإلا كسد سوق المحامين.
ناجية : إن شاء الله يا رب تصير فريدة قاضية في يوم قريب .
ناجي : ولكن ما هذه القضية التي تبحثون لها عن قاض عادل؟
زهراء : كنت أقول أن المرأة مظلومة عندنا وأن الرجال يحتكرون الأعمال المهمة لأنفسهم ويحطمون طموحاتها ولا يفسحون لها المجال خشية من منافستها.
فريدة : هذا صحيح . ولكنها ليست مظلومة عندنا فقط يا زهراء بل في كل مكان ، فهذا العالم هو عالم الرجال .
ناجي : وهل الرجل مسئول عن ظلمكم ؟ أنتم خلقتم لتكونوا مظلومات . حتى الطبيعة ظلمتكم . أهناك ظلم أشد من أن يحمل الإنسان في بطنه عدة كيلو غرامات لتسعة أشهر ؟
زهراء : ولماذا تلقي مسئولية الظلم في ذلك على الطبيعة يا ناجي؟ أليس الرجل مسئول عن ذلك؟
مهدي :(وهو يضحك ) هذه سنّة الله في خلقه يا أستاذ زهراء .
زهراء : أنتم الرجال زدتونا ظلما على ظلم واحتكرتم الأعمال المهمة . ولكنني سأبرهن حينما أفتح مكتبي الخاص على بطلان زعمكم0 وسأثبت أن بإمكاننا نحن المهندسات أن نحقق نجاحاً يفوق نجاح أي مهندس من ذوي الرؤوس الكبيرة .
ناجي : ( وهو يرمق فريدة باسما ) هذا ما كانت تتصوره كاتبة العدل حينما كانت تدير مكتبها الخاص وما أثبتت الأيام أنه كلام خيالي .
( يقبل طفلان من الحديقة وهما يهرولان ويتجهان إلى ناجية) .
الطفل الأول : فاضل عضنّي من أذني يا عمتي ناجية .
الطفل الثاني : ( في حماس) كذّاب .. كذّاب يا عمتي ناجية .. هو الذي عضّ أذنه .
(يضحك الجميع )
ناجية : ( وهي تنحني على أذن الطفل الأول ) أين عضّك ؟ هنا ؟! (تقبله في الموضع ثم تلتفت إلى الطفل الثاني ) إذا عضضته مرة أخرى يا فاضل فسأزعل عليك .
( ينصرف الطفلان )
فريدة : ( بعد لحظة ) أنت تعلم يا ناجي لماذا لم يحقّق مكتبي نجاحاً على الصعيد التجاري ، فأنا كنت أرفض التوكل في القضايا التي تبدو لي باطلة ، فكان زبائني قليلين وأغلبهم من الفقراء الذين كنت أتقاضى منهم أجورا زهيدة .
نوري : أمثالك هم المحامون الحقيقيون يا فريدة ، وليس المحامون الذين لا يأبهون للعدالة والذين يستغلون مهنتهم في الضحك على وكلائهم وابتزازهم وجمع الثروات الطائلة .
ناجي : المحامي هو رجل أعمال يا نوري ولا محل عنده للعواطف الشخصية.( موجهاً الكلام لفريدة وهو يضحك ) وعلى كل حال فقد جئت أنا وخلصتك من ورطتك يا فريدة .
زهراء : ( بفضول ) وكيف خلصتها من ورطتها يا ناجي؟
ناجي : ( ضاحكاً ) تزوجتها واحتللت مكتبها فتنحت عن العمل الحر وصارت موظفة .
فريدة : وأنا أشكرك على ذلك فأنا الآن مستريحة الضمير لأنني لا أسخّر مهنتي في استغلال الآخرين .
زهراء :( لفريدة ) أنا لن أواجه مشكلة مثل مشكلتك النفسية يا فريدة حينما أفتح مكتبي الهندسي فأنا لست من حماة العدالة !
نوري : (باسما) ومتى ستفتحين مكتبك يا زهراء وأنت تعرفين البئر وغطاءها كما يقول المثل ؟
زهراء : سترى أن طموحاتي كفيلة بالتغلب على كل الصعوبات .
ناجي : ( لزهراء ) فعلاً . المهم الطموح .. وما دمت طموحة فسيتحقق هدفك.
ناجية : إن شاء الله يا رب تفتحين مكتبك قريباً يا زهراء .
زهراء : ( وهي ترمق نوري بتحدّ ) سأفعل يا ناجية على الرغم من ذوي الهمم المثبطة للطموح .
(تسمع ضجة عباس عند الباب الخارجي وهو يداعب الصغار ، ثم يدخل ويتبادل تحايا العيد مع الموجودين في صخب وحرارة ) .
نورية : ( بعد لحظة ) حسبت أنك لن تتغدى معنا اليوم يا عباس .
عباس :ولماذا تريدين أن تحرميني من الطعام الرغيد يا نورية ؟ (وهو يتلفت حواليه) طبعاً الطعام رغيد اليوم .
نورية : لماذا تأخرت إذن حتى الآن ؟
عباس : لأنني انتهيت من المراجعين قبل قليل فقط . العيشة الرغيدة تحتاج إلى التعب يا نورية وأنا الآن جوعان .
ناجي : كلنا جوعانون يا عباس ولكن نصابنا لم يكتمل بعد .. نحن في انتظار أخينا الدكتور .
مهدي : ( وهو يضحك) أكيد إن أخي الدكتور مشغول بالقراءة الآن .. وكأن الأيام تعيد نفسها . كنت أنا أستعد منذ الصباح المبكر ليوم العيد فارتدي ملابسي الجديدة بينما يظل هو في فراشه يقرأ في كتاب وكأنه ليس هناك عيد !
نوري : (وهو يضحك ) ولا تنس يا أبو صالح "الجماغ " الذي كنت تتسلح به إستعداداً لما يدور بين المحلات المتنافسة من معارك وهمية في أطراف المدينة ،أما أنا فكنت أنتظر بفارغ الصبر أن أخرج الى مكان العيد في المدينة لأستمتع بركوب الحمير و المراجيح ودولاب الهواء .
عباس : معنى ذلك أن غداءنا قد يصير عشاءً وهذه كارثة !
نورية : هل أحضر لك شيئاً تشاغل به معدتك يا عباس فأنت لا تتحمل الجوع؟
عباس : إذا سمحت لي خالتي الحجية فسأتولى بنفسي إسكات عصافير بطني.
الحجية : (باسمة) القدور أمامك يا أبو فاضل .
عباس : الله يعزّك ويطوّل لنا عمرك يا خالتي الحجية .
ناجية : إبدأ بمحشي الطماطا يا أبو فاضل .. لا يفوتك محشي الطماطا .
عباس : بارك الله فيك يا ناجية ( ينهض متجهاً إلى المطبخ ترافقه نورية).
(يظهر حليم و زوجته ثروت عند الباب فيسرع إليهما مهدي في احتفال بينما ينهض الجميع في إجلال . يتبادل الجميع التحايا وتهاني العيد ) .
الحجية : (بعد لحظة ) تأخرتم علينا يا ثروت 0 ما الذي أخّركم إلى هذا الوقت؟
ثروت : (وهي ترمق حليم ) اسألي الدكتور عن السبب يا خالتي الحجية . منذ ساعات وأنا أقول له أن خالتي الحجية تنتظرنا على نار .
حليم : متأسف على التأخير يا حجية .
ناجية : ( لثروت ) اشتقنا لك يا ثروت 00من زمن لم نرك .
ثروت : ماذا أفعل يا ناجية إذا كان وقتي مشغولاً دائماً ؟
ناجي : (لثروت ضاحكاً ) نحن خمنا سبب تأخركما يا أم جنان .. وطبعاً لو عرف السبب بطل العجب .
ثروت :تخمينكم صحيح يا ناجي .. حتى في يوم العيد لا يسمح الدكتور لنفسه بإجازة من الكتب .
(يظهر عباس حاملاً طبقاً يتناول منه الطعام وهو يقول :"هذا ما أسميه بالطعام الرغيد ".يسرع إلى حليم وثروت ويتبادل معهما تحايا العيد).
عباس : عفواً يا دكتور إذ بدأت الأكل قبلكم فعصافير بطني أخذت تزقزق ، وإذا ما زقزقت لايمكن إسكاتها إلا بالطعام .
حليم : (مبتسماً) إرفق بها إذن يا عباس .
ناجي : (لعباس ) لدٌي تعليل آخر يا عباس لاستعجالك في الأكل ، ففي نيتك العودة إلى العيادة بأسرع وقت ممكن لعلك تخطف بعض الزبائن من جارك الدكتور عبد الرؤوف .
عباس : لا والله يا ناجي .. ليس هذا هو السبب ، ولكنها عصافير البطن ، والدكتور عبد الرؤوف اليوم في إجازة وقد راجعني بعض زبائنه بالفعل.
فريدة : المفروض أن تتمتع أنت أيضاً بإجازة يوم العيد يا عباس .
عباس : وكيف أستطيع حينئذ شراء جهاز أشعة يليق بعيادة طبيب أسنان محترم ي أم حارث ؟ تصوري عيادة أسنان بدون جهاز أشعة !
( تظهر فطيمة ونورية وها تحملان منضدة طعام صغيرة ، تفرد المنضدة ، وتبدأ حملة إعداد المائدة التي يشترك فيها النسوة جميعا . تتعالى ضجة الأطفال في " الهول " بينما يستمر الحوار بين الحاضرين)
حليم : عيادتك ناقصة إذن يا عباس بدون جهاز أشعة والمفروض أن تتزود عيادة كل طبيب أسنان بجهاز أشعة قبل أن يسمح له بالعمل وإلاّ كان فحصه عشوائياً .
ناجية : سيتم ذلك قريباً إن شاء الله يا أخي الدكتور .
عباس : دعوتك مستجابة إن شاء الله يا ناجية .
ناجي : ( لحليم وهو يضحك) لكن زبائنه لا يهتمون بجهاز الأشعة يا أخونا الدكتور فأكثرهم من أبناء الريف وهم لا يراجعون طبيب الأسنان بل يفضلون الحلاقين على أطباء الأسنان .
حليم : صحيح ؟ كنت أتصور أن هذه الظاهرة انقرضت من زمن .
نوري : وما حيلة الفلاحين الفقراء إذا كانت أجور أطباء الأسنان فوق إمكاناتهم ؟
مهدي : صدقت يا نوري فأجور الحلاق أرخص بكثير من أجور طبيب الأسنان . ( وهو يضحك) وكلنا سمع بقصة ذلك القروي الذي استشار طبيب الأسنان لقلع ضرسه التالف فطلب منه ديناراً ، فراجع الحلاق فرضي بربع دينار ، فانتهز الفرصة وقلع أربعة أضراس .
( يضحك الجميع ) .
فريدة : الحقيقة أن أجور أطباء الأسنان صارت خيالية ، خصوصاً ذوي العيادات المجهزة تجهيزاً حديثاً .
عباس : وهذا مربط الفرس يا أم حارث وباليتنا نجهز عيادتنا مثلهم فنفوز فوزاً عظيماً .
نوري : ما عاد الفقراء قادرين على علاج أمراضهم بعد أن حوّل الأطباء مهنتهم من مهنة إنسانية إلى حرفة تجارية0
( يتم إعداد المائدة فينهض مهدي ويلقي عليها نظرة فاحصة ) .
مهدي : تفضلوا 00 تفضل يا أخي الدكتور .. تفضلوا .
( ينهض الجميع نحو المائدة)
حليم : ( وهو يستعرض المائدة) ما الداعي إلى كل هذه الأنواع ؟
عباس : لا تكن منّّّاعاً للخير يا دكتور .
( يتزاحم الجميع حول مائدة الطعام بما فهيم الصغار . بعضهم يظل واقفاً حول المائدة وآخرون ينسحبون إلى أماكنهم بعد ملأ صحونهم .
يبدو عباس فارس الحلبة وتنطلق منه التعليقات الحماسية بين الحين والحين على أنواع معينة من الطعام 0يتجمع الصغار حول ناجية التي تتولى خدمتهم وإعداد صحونهم واسترضاء من يزعل منهم . يستمر الحوار أثناء الطعام ) .
فريدة : ( لعباس) أنا أشكو من وجع في أحد أضراسي من مدة يا عباس ولم يسمح لي الوقت بمراجعة طبيب الأسنان0 فهل لديك غداً فرصة لفحصه؟
عباس : بكل ممنونية يا أم حارث .
نورية : ( لفريدة) ستجدينه يا فريدة أحسن من أطباء الأسنان المشهورين .
مهدي : صدقت يا نوري .. أنا جربت أبو فاضل .. يده خفيفة في قلع الأسنان.
ناجي : وكم ستتقاضى أجراً من كاتبة العدل يا عباس ؟
عباس : يكفيني شرفاً أن أعالج أسنان أم حارث .
فريدة : شكراً يا عباس .
ناجي : وكيف ستوفر إذن ثمن جهاز الأشعة إذا كنت تعالج الأقرباء والمعارف مجاناً ؟
عباس : لا تقلق يا ناجي فنحن سائرون في هذا الطريق .
نوري : طريق الألف ميل .
ناجي : ( وهو يضحك ) وصولك مضمون يا عباس .
عباس : لكننا مازلنا في أول الطريق يا ناجي .. أنتم السابقون ونحن اللاحقون .
نوري : من الواضح أن طريق الألف ميل سيكون طريق الجميع .
عباس : ( وهو ينظر إلى حليم باسما) إلاّ الدكتور فالعلماء لا يعرفون هذا الطريق . أليس كذلك يا دكتور حليم ؟ .
حليم : العلم والمال لا يتفقان .
عباس : ولكن لماذا لا يمكن الجمع بين العلم والمال يا دكتور ؟
ثروت : سؤالك صحيح يا عباس. لماذا لا يمكن الجمع بين العلم والمال ؟ بإمكان العالم أن يبيع علمه بثمن غال فيصير غنياً لا كما يفعل حليم.
حليم : هذه معادلة صعبة . إذا انشغل ذهن العالم بأمر المال فلابد أن يتراجع العلم ويتقدم عليه المال . ثم أن الكتب تربّح المؤلفين عندنا بل تربّح دور النشر والمكتبات إلاّ في أحوال نادرة 0
عباس : ( وهو يقهقه ) الحمد لله الذي لم يجعلنا من العلماء .
ناجية : وهل كل واحد يمكنه أن يكون من العلماء مثل أخي الدكتور يا أبو فاضل ؟
عباس : ( لحليم ) ولكن لماذا تحكم على أهل العلم بالفقر يا دكتور ؟
حليم : ومن قال لك إنهم يعدّون أنفسهم من الفقراء ؟ إنهم بمفهومهم أغنياء أيضاً .
عباس : ( مقهقها) أنتم إذن مشغولون مثلنا بجمع الآلاف يا دكتور .
نوري : وكيف هم مشغولون بجمع الآلاف مثلكم يا عباس ؟
عباس : ( وهو يقهقه) هم مشغولون بجمع آلاف الكتب يا نوري ونحن مشغولون بجمع آلاف الدنانير ، وكلها آلاف في النهاية .
فريدة : لا يا عباس00 آلافكم غير آلافهم 0 وكل واحد يمكنه أن يجمع من الأموال ما يشاء إذا واتته الظروف ، ولكن ليس كل واحد يمكنه أن يكون عالماً .
مهدي : ( وهو يهز رأسه) أشهد و ما بالله ! العلم لاُ يثمّن . وإذا كان يحزّ في نفسي شيء فهو عدم إكمال تعليمي .
حليم : مع أنني كنت أحظّك على الدارسة يا مهدي .. لكنك لم تكن تحب الدراسة .
مهدي : صدقت يا أخي الدكتور . أنا لم أكن أحب الدراسة مثلك ، لكنك تعلم أنه كان لابد لأحد منّا أن يساعد أبانا المرحوم في الدكان . وأنت لم تكن تحب العمل في الدكان . كنت تحب القراءة والكتابة . وكان أبونا المرحوم يشجعك على ذلك . وكم كان يفخر بالمقالات التي كنت تكتبها في الجرائد والمجلات وأنت تلميذ صغير. كان يدعو أصحابه فيلتفون حولي في الدكان وأنا أقرأ عليهم مقالاتك والجميع يستمعون في اعجاب.
حليم : ( وهو يهز رأسه ) يكفيه فخراً أنه أتاح لأبنائه فرص التعليم الجامعي وهو الذي لم يكن يحسن القراءة . كانت أمنيته في الحياة أن نتسلح جميعاً بالشهادة العالية .
عباس : ( لمهدي وهو يقهقهً) ولكن لعل الله أراد لك الخير يا أبو صالح فجعلك لا تحب الدراسة مثل الدكتور ووفقك في التجارة .
ثروت : كلامك صحيح يا عباس . فما فائدة العلم ؟
فريدة : ( لثروت) كيف تقولين ذلك يا ثروت و أنت تعلمين أن الدكتور حليم هو واحد من أشهر علماء البلاد ؟!
ثروت : كلامك صحيح يا فريدة . كل الناس يقولون عنه ذلك . ولكن ماذا كسبنا من الشهرة ؟ غيرنا حصل على الغني ونحن حصلنا على الشهرة فقط .
نوري : وكم هناك من الأغنياء من له شهرة حليم الحاج هاشم يا أم جنان ؟ وكم عدد من يحظون مثله بالتقدير والاحترام ؟
ناجي : لكن الكلام الذي قالته أم جنان مضبوط أيضاً يا نوري0 ولابد لنا أن نكون صريحين مع أنفسنا فنتساءل : هل كوفيء أخونا لدكتور على جهوده العلمية ؟ هل حقق له علمه مكسباً مادياً حقيقياً ؟ هل جعلته شهرته من أصحاب الموقع والنفوذ ؟
نوري: السياسيون وحدهم هم الذين يفوزون بالمواقع والنفوذ0
حليم : ومن قال لك يا ناجي إنني أجري وراء هذه المغانم ؟!
الحجية : ( لناجي) لماذا تقول هذا الكلام يا ناجي ؟ كأنك لم تّترب في بيت الحاج هاشم الذي كان آخر شيء يفكر فيه هو المال .
نورية : ( وهي تضحك) ولكن ناجي كان يحب المال منذ صغره يا أمي . (تلتفت إلى ناجي) ألا تتذكر يا ناجي كيف كنت تبيعني قطعتك من اللحم ثم تظل مكسور الخاطر فيرق قلبي وأعيدها إليك بعد أن تكون قبضت ثمنها ؟
ناجي : لكنك كنت تذليني دائما ولا تعيدينها إلىّ إلاّ بعد أن أنتهي من الأكل.
نوري : وكان دائماً يحتفظ بنقوده في صندوق وكلما احتجت إلى فلوس استدنت منه فكان يحسب عليّ العشرة فلوس بأحد عشر فلسا .
ناجي : وهل أنا الذي كنت أشجعك على تبديد فلوسك ؟
الحجية : أبوكم لم يكن يهتم بالمال .
ناجي : أبونا المرحوم يا أمنا الحجية كان على نياته ولذلك بقي رزقه شحيحاً ولم تنمو تجارته ( ملتفتاً إلى مهدي) أليس كذلك يا أبو صالح؟
مهدي : صحيح أن أبانا المرحوم كان يتساهل في أمور البيع والشراء ، لكنه كان محبوباً جداً من زبائنه .
الحجية : أبوكم كان يخاف الله ولم يكن يهمه المال ، وقليل من الناس اليوم يخاف الله .
فريدة : أجدادنا وآباؤنا كانوا يقّدمون الله على الكسب . أما أبناء اليوم فهم يقدمون الكسب على الله 0 وهكذا كثر عدد الأغنياء من ذوي الضمائر غير المستريحة .
مهدي : صدقت يا أستاذة أم حارث .
حليم : إن أبرز الشرور الملازمة للإنسان هو حب المال .
عباس : ( وهو يقهقه) ولكنها شرور لذيذة يا دكتور !
ناجي : ( لفريدة بلهجة ساخرة) ولكن أليس ذلك أفضل من أن يكثر الفقراء الذين يخشون الله ولا يجدون عشاءهم يا فريدة؟
الحجية : بل الأحسن أن يكثر الناس الذين يخافون الله مهما تكن حالهم يا ناجي .
فريدة : فعلاً يا خالتي الحجية .
نوري : يا ليت يكثر أصحاب المثل الذين لا يستعبدهم المال لصلح حال المجتمع .
ثروت : لكن المثل لا تؤكل خبزاً يا نوري .
عباس : صح يا أم جنان .
ناجي : هناك أناس ذوو إرادة يسعون باستمرار لتحسين حياتهم ، وهناك لا أباليون يرضون بما هم عليه 0 ذلك هو واقع الحال .
زهراء : بالتأكيد يا ناجي ( وهي تخزر نوري) وأمثال أولئك الناس يتسترون وراء المثل ليرضوا بما هم عليه من حياة يعوزها الطموح .
نوري : من المؤسف أن ينحدر حالنا نحن المثقفين إلى هذا الدرك فلا يشغلنا سوى كسب المال ، فقد أثبتنا أنه ليس هناك بيننا من هو أقل جشعاً من الأخر ، أكان محامياً أم طبيباً أم مهندساً أم حرفياً مادام المجال مفتوحاً أمامه .
ناجي : وما العيب في أن يفكر المثقفون في كسب المال ليرتفعوا بمستوى حياتهم ؟ أليسوا هم أجدر بذلك من الأميين الذين لا يحسنون حتى القراءة والكتابة والذين أصبحوا من كبار الأثرياء ؟!
مهدي : صدقت يا ناجي ، أعرف عدداً من أهل السوق صاروا من كبار الأثرياء من أرباحهم من تجارة العقار وهم لا يحسنون القراءة والكتابة .
عباس : ويحسدوننا على القروش التي نحصل عليها من عيادتنا !
ناجي : ( لمهدي) فعلاً يا أبو صالح 00بعض الذين يوكّلّوني في شراء الدور يدفعون في شرائها مبالغ خيالية ، وقيل أيام دفع واحد منهم في أحد بيوت شارعنا مائة ألف دينار .
مهدي : ( في فضول واهتمام) وأي بيت هذا يا ناجي ؟
ناجي : بيت سلمان النداف . ونحن الآن بصدد تسجيل عملية البيع .
مهدي : ( في دهشة ) لكن بيت سلمان النداف ليس كبيراً ... إنه أصغر من بيتنا !
ناجي : هكذا أصبحت أسعار البيوت في هذا الشارع .
ثروت : ولكن لماذا يدفعون مثل هذه المبالغ في بيوت هذا الشارع يا ناجي وهي بيوت بسيطة وقديمة ؟
ناجي : لكي يهّدوها ويبنوا بدلها أسواق ومخازن وعمارات يا أم جنان ، أفلا تلاحظين حركة البناء القائمة على قدم وساق في هذا الشارع ؟
مهدي : ( مشغول البال ) من كان يتصور ان ترتفع أسعار البيوت في شارعنا إلى هذا الحدّ ؟ يدفعون في بيت سلمان النداف مائة ألف دينار ؟! حتى حديقته أصغر من حديقتنا .
ناجي : من حسن الحظ أن أبانا المرحوم ألحق ببيتنا هذه الحديقة الواسعة .
مهدي : صدقت يا أخي ، وكم انتفعنا منها في صغرنا .
ناجي : ( وهو يضحك) خصوصاً أنت يا أبو صالح.
مهدي : صدقت يا أخي . كنت أحبّ اللعب فيها كثيراً .
ناجية : حديقتنا تثمر ألذّ نارنج في الوجود ويفوح قداحها بأطيب رائحة .
ناجي : ( لمهدي وهو يضحك) وكنت تستفيد منها لأغراض غير اللعب يا أبو صالح . فقد كنت تهرب إلى الحديقة حينما تغضب عليك أمّنا الحجية وتتسلق شجرة النبق فلا يمكنها الإمساك بك ، ولا أدري كيف كنت تصل إلى أعلى فرع فيها !
مهدي : ( وهو يضحك) كانت لي خفّة القرد ، وكنت أتسلّق إلى قمة الشجرة خشية من أمي الحجية .
عباس : ( مقهقهاً) لا بد أنك شبعت يا أبو صالح من عصا خالتي الحجية.
مهدي : لم تكن أمي الحجية تضرب أحداً منا يا عباس . كان يكفيها أن تخزرنا وتعّض على أصابعها حتى نصاب بالهلع .
الحجية : ( باسمة) الحمد لله أن أولادي جميعاً كانوا مثال العقل .
مهدي : ما عداي يا أمي الحجية . فهل نسيت أنني كنت زعيم صبيان المحلّة وأنني كنت قائدهم في المعارك التي كانت تحدث بين محلتنا والمحلات المجاورة ؟
الحجية : وكم مرة جئتني والدماء تسيل من رأسك فخلعت قلبي من الخوف.
عباس : ( وهو ينظر إلى حليم ضاحكاً) مع أن الدكتور كان الأجدر بهذا الدور يا أبا صالح ، فهو الابن الأكبر .
مهدي : أخي الدكتور كان مشغولاً طول وقته بالقراءة ولم يكن لديه وقت للعب 0 أما أنا فلعبت في صغري حتى شبعت ، وحديقة بيتنا تشهد على قولي ، ( وهو يهز رأسه متأملاً) الله يرحمك يا أبي ويسكنك فسيح جناته إذ أنعمت علينا بهذا البيت وهذه الحديقة .
الحجية : كان أبوكم يريد لكم سقفاً تتظللون به يحميكم من تقلبات الأيام . هكذا كان يرّدد دائماً .
حليم : أبونا المرحوم كان بعيد النظر في كل شيء .
الحجية : ( وهي تهز رأسها ) أبوكم لم يمت مادام خلّف أبناء مثلكم .
ناجي : ( في شبه دعابة) لكن أبانا المرحوم لم يكن يتصور أنه ترك لنا هذا السقف الثمين .
مهدي : ( وهو يهز رأسه مفكراً ) صدقت يا ناجي . من كان يتصور أن شارعنا سيصبح شارعاً تجارياً من الدرجة الأولى وترتفع فيه أسعار البيوت هذا الارتفاع ؟ يدفعون في البيت سلمان النداف مائة ألف دينار ؟ إذن كم يسوى بيتنا ؟
عباس : أصبح هذا الشارع من أغلى الشوارع . وإني حاولت أن أستأجر عيادة في إحدى عماراته الجديدة فوجدت الأسعار ناراً واستعذت بالله.
زهراء : مادامت الإيجارات قد تصاعدت في هذا الشارع فقد يأتي يوم لا يبقي أي بيت عتيق فيه . ستهد كل البيوت العتيقة لتحل محلها أسواق ومخازن وعمارات .
ناجية : ( وهي تطلق ضحكة خائفة) فأل الله ولا فألك يا زهراء .
فريدة : هذا أمر مؤسف لو حدث وإني لا أتمنّى أن يصبح شارعنا شارعاً تجارياً ويحل ببيت أهلي مثل هذا المصير .
ثروت : ولماذا يا فريدة إذا كانوا سيدفعون لهم فيه الآلاف المؤلفة ؟
فريدة : لأنني سأشعر بالغربة لو انتقلوا إلى بيت جديد آخر .
ناجي : ( لفريدة) هذا معناه أنك تؤيدين بقاء كل قديم على قدمه يا كاتبة العدل وأنك ضد التقدّم .
الحجية : ( لناجي) لماذا تقول ذلك يا ناجي ؟ هل الذي يحب البيت الذي تربّى فيه مذموم؟
ناجي : ( وهو يضحك) لا يا أمنّا الحجية ، ليس المقصود ذلك . لكننا يجب ألاّ نتمسك بالقديم رغم كل الظروف .
نورية : وهل هناك أعزّ من بيت الأهل ؟
عباس : ( وهو يقهقه) الحق معك يا نورية فأنت لا تزالين حتى اليوم تقولين لي حينما تذهبين لزيارة خالتي الحجية :" أنا ذاهبة إلى بيتنا" وكأن البيت الذي تعيشين فيه ليس بيتك !
زهراء : قولوا عن بيت الأهل ما تقولون . أما أنا فأتمنى أن تتاح لأهلي فرصة كالتي تتاح لأصحاب بيوت هذا الشارع فيبيعون بيتهم العتيق وينتقلون إلى بيت جديد ، وإني كمهندسة معمارية أول من يؤيد التخلص من البيوت العتيقة وسيوفر ذلك العمل للمهندسين المعماريين .
فريدة : الآن فهمت يا زهراء لماذا يشجع المهندسون الذين يعملون في أمانة العاصمة تهديم بيوت بغداد القديمة حتى لم يبق لبغداد القديمة أثر0
نوري : ( باسما) ولكن ليس جميع مهندسي أمانة العاصمةمثلها يا فريدة.
حليم : هذه ظاهرة محزنة حقاً .
زهراء : ولماذا محزنة يا دكتور ؟ أفليس من الأفضل التخلص من مثل هذه البيوت العتيقة التي يفتقد أغلبها الشروط الصحية ؟ الأولى بأمانة العاصمة أن تشتريها من أصحابها وتهدها وتبني بدلها بيوتاً عصرية.
حليم : ( لزهراء) أنتم تتناسون أن أمثال هذه البيوت هي جزء من تراثنا .
عباس : ( لحليم وهو يقهقه) ومن يفكر بالتراث يا دكتور ؟ الناس يفكرون ببطونهم .. من الذي يعرض عليه الألف الدنانير وبيته لم يكلفه سوى المئات فيتردد في بيعه ؟
ثروت : كلامك صحيح يا عباس .
فريدة : ( لزهراء) ولكن أفرضي يا زهراء أن أصحاب هذه البيوت يرفضون بيعها فهي البيوت التي ترّبوا فيها وهي تضم كل ذكرياتهم .
ثروت : ( لفريدة) وكيف يرفضون بيعها وهم يقبضون مقابلها الآلاف المؤلفة يا فريدة ؟
زهراء : يجب ألاّ تخضع خطط أمانة العاصمة العمرانية للعواطف يا فريدة ، ويجب أن يجبر أمثال هؤلاء الناس على بيع بيوتهم العتيقة من أجل المصلحة العامة .
ناجية : لماذا تريدين يا زهراء أن تجبري الناس على بيع بيوتهم ؟ أفلا يجوز أن تكون بيوتهم بمعزّة حياتهم ؟
الحجية : والله عال00 الحكومة تجبر الناس على بع بيوتهم !.
ناجي : اطمئنوا فالحكومة في غير حاجة لإجبار الناس على بيع بيوتهم فهم أنفسهم لا يصمدون أمام إغراء المبالغ الضخمة التي تدفع لهم .
الحجية : أمثال هؤلاء الناس لا أصل لهم يا ناجي ، وليس أصابع يدك كلها سواء .
حليم : ( ينظر في ساعته ثم يلتفت إلى ثروت ) أظن أنه حان أوان ذهابنا يا ثروت.
ثروت : ( في دعابة وهي تنظر في الوجوه) دقّ الجرس وحان وقت الدرس .
الحجية : ( لحليم) نحن في يوم عيد يا حليم ، فلماذا العجلة؟
حليم : يوم العيد لا يعفينا من مشاغلنا يا حجية .
ناجية : الحق مع أخي الدكتور فوقته ثمين.
فريدة : ( وهي تنظر إلى ناجي) ونحن أيضاً حان وقت ذهابنا يا ناجي ، فخالتي الحجية وناجية في حاجة إلى الراحة بعد كل هذا التعب .
ناجي : أتعبنا أمنا الحجية وناجية اليوم .
ناجية : بالعكس يا ناجي .. هذا اليوم هو من أسعد الأيام عندنا .
عباس : الله يطول لنا في عمرك يا خالتي الحجية وأنت ي
اناجية .
الحجية : هكذا أنتم .. تحضرون متأخرين وتذهبون مبكرين.
نورية : أنتم في حاجة للراحة من شقاوة الصغار يا أمي .
الحجية : وأنت أيضاً يجب أن تستريحي يا نورية .. منذ عدت أمس من المدرسة وأنت واقفة معنا على قدميك .
نورية : هذا سروري يا أمي .
( تنادي الأمهات على الصغار ، ويستعد الجميع للانصراف ، ويتبادلون تحيات الوداع ثم يخرجون جماعات حتى تخلو الصالة إلاّ من الحجية وناجية ، تتجول ناجية على كرسيها المتحرك من مكان إلى آخر معيدة ترتيب بعض الأثاث وقد أشرق وجهها بالسعادة . تتوقف فجأة متأملة ثم تقول بلهجة عميقة : " إن شاء الله يا رب تدوم المحبة بين إخوتي ويجتمعون دائماً هكذا في بيتنا "0 فترد عليها الحجية وقد بدا الانشغال على وجهها :" الله يسمع منك يا ناجية " .

- ستار -



الفصل الثاني
( غرفة فسيحة للضيوف في منزل ناجي ، الأثاث من نوع حديث ويبدو عليه الفخامة . بعد حوالي أسبوعين من أحداث الفصل الأول ).
فريد : أنا لا أزال غير مقتنعة بما فعلت يا ناجي . ولا أعتقد أن هناك ضرورة لبيع البيت . إن ضميري ليس مستريحا من هذه القضية.
ناجي : بالعكس يا فريدة . إنها فرصة لا تضّيع ، فالرجل راغب جداً في شراء البيت ومستعد لأن يدفع فيه أكثر من المبلغ الذي يستحقه0 إنها صفقة ممتازة بالنسبة لنا والجميع سيستفيدون منها .
فريد : ( باستنكار) لماذا تقول الجميع يا ناجي ؟ سبق وأن تناقشنا في هذه النقطة ومن المؤكد أن ناجية وخالتي الحجية لن تستفيدا من بيع البيت.
ناجي : لا تقلقي من هذه الناحية . فسرعان ما ستنسيان البيت بعد أن يقبضا مبلغا محترما تدخرانه لوقت الحاجة ، ( بعد لحظة) والمهم أن الجميع رحّبوا بالفكرة .
فريدة : ولكن لماذا يا ناجي ؟ ليس بينهم من هو في حاجة ماسة للمال .
ناجي : بالعكس ، نحن جميعا في حاجة إلى ما سنقبضه من ثمن البيت .
فريد : حتى نحن يا ناجي ؟
ناجي : حتى نحن .
فريد : ( باستنكار) نحن محتاجون للمال ! أمرك عجيب يا ناجي !
ناجي : لعلمك يا فريدة إننا في حاجة للمال فعلا ، فهناك قضية لم أخبرك بها لأنك تعارضين دائماً مشاريعي المالية 0 هناك مزرعة معروضة للبيع بسعر مغر وهي لقطة وقد قررت شراءها ولا أريد أن أغرق في الديون .
فريدة : مزرعة .. مزرعة يا ناجي ! ما شأنك أنت والزراعة؟
ناجي : لعلمك يا كاتبة العدل أن الزراعة صارت هواية المثقفين وفيها استثمار ناجح للمال .
فريدة : ( بلهجة تهكمية ) برافو لأمثال هؤلاء المثقفين00 إنهم لا يرون بابا للكسب دون أن يطرقوه .
ناجي : قولي عنهم ما شئت لكنني أعتبر هذا الاتجاه صحيّا فأمثالنا هم الذين بإمكانهم أن يطورا الزارعة وينقلوها من طور التخلف القائم إلى طور العلم و التكنلوجيا .
فريد : ( وهي تهز رأسها) حقا إن طريق الألف ميل لن ينتهي أبداً !
ناجي : ( وهو يحدجها بنظرات قوية) أريد أن أسألك سؤالا يا فريدة.
فريدة : تفضل أسأل .
ناجي : لماذا تعارضين مشاريعي في أحتلال موقع للائق في المجتمع ؟
فريدة : ( باستنكار) أنا أفعل ذلك يا ناجي ؟
ناجي : طبعا أنت 00فمحاولاتك الدائبة في الحّد من فرصي في الكسب معناها القضاء على أي أمل لي في احتلال مثل هذا المواقع .
فريد : وما علاقة فرص الكسب بالموقع اللائق في المجتمع ؟ ألا يكفي أن تكون محامياً لامعا لتحتل مثل هذا الموقع ؟!
ناجي : طبعاً هذا لا يكفي ، وأمامك شاهد على ذلك . فأخي الدكتور حليم مفكر لامع فهل يحتل أي موقع حقيقي في هذا المجتمع ؟
فريدة : بالطبع فهو من أشهر علماء البلاد .
ناجي : وما أهمية ذلك ؟ أنت تعلمين أن الحياة من حولنا غابة يا فريدة ، والبقاء فيها للأصلح ، أي للأقوى ، ومنذ وجدت المجتمعات الإنسانية والأقوى هم الذين يمتلكون المال . فالمال عادة هو الذي يحقق النفوذ . فلماذا تريدين مني أن أتخلى عن مشاريعي ؟ ( وهو يضحك ) من يدري؟ لعل زوجك يصبح في يوم من الأيام نقيباً للمحامين أو وزيراً للعدل .
فريدة : ( وهي تتأمله بنظرات مرعوبة) هذا هو ما يخيفني فيك يا ناجي .. مشاريعك0 وأنا لست ضد مشاريعك المشروعة بالطبع ، بل إنني معجبة بذكائك كما تعلم 0 ولكنني أخشى أن تتجاوز حدودها يوماً فتدمر حياتنا .
ناجي : المفروض أن تثقي بحسن إدراكي للأمور فلا تخطر على بالك مثل هذه المخاوف يا فريدة .
فريدة : ( وهي تهز رأسها مفكرة) لا أدري يا ناجي . لا أدري .
( يسمع رنين الجرس الخارجي ثم يدخل بعد لحظات عباس ونورية ويتبادلان التحية مع ناجي وفريدة في أثناء توافد المدعوين الآخرين تقوم خادمة بتوزيع الشاي والكيك على كل مجموعة جديدة)
عباس : ( بعد لحظة) هل تعرف يا ناجي كم سيكلفني حضور هذه الجلسة من خسائر ؟! لقد أغلقت عيادتي قبل ساعة من الموعد .
ناجي : لا أعتقد أنها ستكلفك شيئاً يا عباس ، فلا أظن أن المراجعين كانوا متكأكئين على عيادتك . ثم انك حضرت مبكراً عن الموعد وهذا ذنبك.
نورية : إنه كان يستعجلني للحضور قبل هذا الوقت .
فريدة : ( باسمة) وهل عيادة الدكتور عبد الرؤوف مغلقة يا عباس ؟
عباس : لا شأن لي بعيادة الدكتور عبد الرؤوف يا أم حارث فزبائني هم زبائني .
نورية : ( بلهجة متخابثة وهي تضحك) وماذا عن فرّاش عيادتك يا عباس الذي يتصيّد المراجعين على باب العمارة قبل أن يصعدوا إلى عيادة الدكتور عبد الرؤوف ؟
ناجي : الآن وقعت في شر أعمالك يا عباس00 وشهد شاهد من أهلها . هل تنكر ذلك ؟
عباس : ولماذا أنكر ؟ هل أنا الوحيد بين الأطباء الذي يفعل ذلك في بلدنا بل وحتى في البلدان الأخرى ؟ أنا مخطئ إذ جعلت من أختك مستودعاً لأسراري .
نورية : ( وهي تضحك) وما يدريني أن هذا سرّ يا عباس ؟
عباس : طبعاً إنه من أسرار المهنة .
ناجي : على كل حال لا تهتم لخسارتك اليوم يا عباس فقد تجد بدلها تعويضاً عظيماً .

عباس : ( في اهتمام) وهل سيمكنني هذا التعويض من شراء الأجهزة لعيادتي في وقت قريب يا ناجي ؟
ناجي : ( هازلاً) بل ربما تصبح متعهداً لتوريد مثل تلك الأجهزة.
عباس : هذا خبر عظيم . إنه يستحق أن أقفل عيادتي بناء عليه لمدة شهر وأتمتع بإجازة .
نورية : يا ليتك تفعل هذا يا عباس فما أحوجك إلى الراحة 0
عباس : العيشة الرغيدة تحتاج إلى التعب يا نورية .
فريدة : لا تكن متفائلاً إلى هذا الحد يا عباس .
عباس : لو كان الأمر متوقفاً عليك يا أم حارث لأخذتني إلى الشط وأعدتني وأنا عطشان !
فريدة : في الحق لا في الباطل يا عباس ، فأنا لا أقف مع القضايا الباطلة من أمثال هذه القضية .
نورية : ( في لهجة انتصار) أرأيت يا عباس ؟ ألم أقل لك ذلك ؟
عباس : ( بلهجة حازمة) أعتقد أننا انتهينا من الجدل في هذه القضية يا نورية .
نورية : أنا لم أوافق عن قناعة يا عباس بل إرضاء لك لا أكثر 0 إنها قضية باطلة كما تقول فريدة .
عباس : وأين الباطل فيها ؟! هل يمكن لأحد أن يرفض الاستفادة من مال متروك فيما لا خير فيه ؟
نورية : ( باستنكار) كيف لا خير فيه ؟ ماذا عن أمّي وأختي ناجية اللتين تسكنان البيت ؟
ناجي : سنتدبر أمر سكنهما بما يرضيهما فاطمئني يا نورية .
نورية : لكنني أعلم كم تحب ناجية بيتنا ولا يمكن أن تفّضل عليه أي بيت آخر .
فريدة : بالطبع ففيه كل ذكريات حياتها .
عباس : ( في تهكم) وهل يستدعي هذا السبب تضييع هذا المبلغ الهائل من المال وحرماننا منه ؟
نورية : لا خير في مال نكسبه على حساب أذية أختنا ناجية .
ناجي : أنت غلطانة يا نورية . أنت تعلمين أن لا يمكن لأي واحد منّا أن يفكر بأذية ناجية .
عباس : ( بشيء من الحّدة) قل لها يا ناجي . أفهمها فدماغ أختك أحياناً كالخشب الجاوي00 تصور أنها لا تفكر حتى في مصلحة أطفالها 0
فريدة : ( باسمة) وما علاقة مصلحة أطفالكم ببيع البيت يا عباس ؟
عباس : طبعاً لها علاقة00 فسيتحسن وضعي كثيراً في حالة بيع البيت وسأكون قادراً على تجهيز عيادتي بكل الأدوات الحديثة اللازمة لطبيب الأسنان فأنافس بذلك أطباء الأسنان المشهورين .
ناجي : أنت على صواب يا عباس حينما تحاول أن تقف على أرض صلبة في ميدان التنافس بين أطباء الأسنان .
فريدة : ( في استنكار) حتى الطب أدخلته في ميدان المنافسة التجارية ناجي!
عباس : هذه هي الحقيقة يا أم حارث . فلماذا نغمض عيوننا عنها ؟ كل حرفة اليوم تخضع للمنافسة . ثم لماذا تريدني أن أحكم على نفسي بالحرمان من مزايا تمتع بها غيري بلا جهد ؟! فبعض أطباء الأسنان وجدوا عياداتهم جاهزة كلياً منذ اليوم الذي مارسوا فيه عملهم .. أولئك المحظوظون الذين تستجيب الحياة لكل رغباتهم .. أما نحن المسحوقين فعلينا أن ننحت في الصخر .
فريدة : ولكنك بشيء من الصبر ستصل إلى هدفك يا عباس وتجهز عيادتك أحسن تجهيز . كل ما هنالك أنك بحاجة لبعض الوقت.
نورية : هذا ما قلته له يا فريدة . فهل أنا غلطانة ؟
عباس : ( صائحاً) غلطانة وستين غلطانة ( ملتفتا إلى فريدة) يا أم حاث 00إن هدفي هو ألاّ أجعل أطفالي يعيشون في المستوى الذي عشته وأنا صغير .. أريدهم أن يتمتعوا بأكل الموز و التفاح والخوخ التي لم أكن أذوقها وأنا طفل إلاّ في المناسبات . أريد أن أحقق لهم العيش الرغيد .
نورية : ( وهي تدمدم) لا خير في الموز والتفاح والخوخ إذا لم يأكلها أطفالي في الحلال .
عباس : ( صائحاً وهو يلتفت إلى نورية) وهل ترينني أكسب رزقي بالحرام ؟ ظهري ينكسر كل يوم وأنا منحن على أفواه الآخرين أشم روائحها المقززة .
( يدخل نوري وزوجته زهراء0 يتبادلان التحية مع الموجودين)
نوري : ما هذا يا عباس ؟ صوتك يلعلع !
زهراء : وكأنه محام يلقّي مرافعته في المحكمة .
ناجي : فعلاً يا زهراء . إنه كان يلقي مرافعته أمامنا .
زهراء : وعمن كان يدافع ؟
ناجي : عن قضية بيع البيت .
زهراء : ستكسب القضية إذن يا عباس .
عباس : هذا إذا لم يوجد بين من سيحضرون اجتماعنا اليوم من هو منّاع للخير مثل أم حارث ونورية .
نورية : ( وهي تدمدم) أنا لا أريد خيراً على حساب أذية أختي ناجية.
ناجي : لن يكون هناك أذية لأحد . بيع البيت في مصلحة الجميع .. وستهدم أمثال هذه البيوت عاجلاً أم آجلاً .
زهراء : لو كنت أمينة للعاصمة لاستصدرت قانوناً لتهديم كل البيوت العتيقة في جميع الشوارع التجارية الحديثة .
ناجي : ( لزهراء ضاحكاً) ولكن لا أظن أنك ستعيّنين في هذا الموقع في المستقبل القريب يا زهراء .
زهراء : ولماذا ؟ أفلست مهندسة مثل الذين يعينون في هذا المنصب ؟
ناجي : ( بلهجته نصف الجدية ) طبعاً00 لكن الرجال كثيرون يا زهراء ولا مبرر لأن تستولي على مثل هذا الموقع امرأة .
زهراء : هذه حقيقة الرجال في بلدنا . كلهم رجعيون وإن تظاهروا بغير ذلك0 وإلاّ فلماذا تستكثر علىّ أن أكون أمينة للعاصمة في حين أن الدول الأخرى ، ليس في الغرب فقط بل في الشرق أيضاً، فسحت المجال للمرأة لتكون رئيسة وزارة بل رئيسة جمهورية ؟
نورية : ( وهي تدمدم) نحن لا نريد منهم أن يسمحوا لنا أن نكون رئيسات وزراء أو رئيسات جمهورية . كل ما نريده منهم أن يكونوا منصفين معنا ، فهل من الإنصاف أن نطرد أختنا ناجية من البيت ؟ أليس من وأجبنا أن نرأف بحالها ؟
ناجي : ( في شيء من الحدة) اسمعي يا نورية .. ليس من حقك أن تجعلي من هذه القضية قميص عثمان . كما أنه ليس من حقك أن تدّعي بأنك تحبين ناجية أكثر منا. فأنت تعلمين جيداً مكانة ناجية في نفوسنا جميعاً .
زهراء : ( لنورية ) ثم أنك تحّرفين كلامي يا نورية . فما قتله شيء وما تقولينه أنت شيء آخر .
نورية : ( تلتفت إليها غاضبة) كل ما يهمك أنت يازهراء أن تهّدمي بيوت الناس على رؤوسهم .
( صمت متوتر .. يدخل حليم وثروت ويتبادلان التحية مع الموجودين)
حليم : ( بعد لحظة وهو يتلفت حواليه ) أين البقية ؟
ناجي : البقية على وشك الحضور يا أخانا الدكتور .
حليم : أرجو ألا يتأخروا فأنا لا أستطيع البقاء طويلاً ، وأرجو أن تكونوا متفقين على كل شيء .
ناجي : طبعاً يا أخانا الدكتور .
نورية : ( بلهجة مترددة) أنا كنت أقول لهم يا أخي الدكتور أننا يجب ألاّ نفكر ببيع البيت رأفة بأختنا ناجية .
ثروت : ( بغلظة) وما دخل بيع البيت بالرأفة بأختك ناجية ؟‍ ما دخل هذا بهذا ؟ وهل من المعقول ألاّ ينتفع الإنسان بكل هذا المال رأفة بفلان وعلان ؟
نورية : ( بخشونة) أنا أتحدث عن أختي يا ثروت ، وليس عن فلان وعلان .
حليم : ( متلفتا حواليه ) هل هناك خلاف بينكم إذن حول هذه المسألة ؟‍ فهمت من ثروت أنكم متفقون جميعاً على البيع .
ناجي : طبعاً متفقين يا أخانا الدكتور .
حليم : ( لنورية) فلماذا إذن تنظرين إلى الأمر هذه النظرة يا نورية ؟ هل حدثتك ناجية بوجهة نظرها ؟
نورية : لا يا أخي الدكتور ، لكنني أعلم كم تحب ناجية بيتنا .
ناجي : كلنا نحب بيتنا ، لكننا سنستفيد من بيعه 0 فالمشتري سيدفع فيه مبلغاً كبيراً 0 وسيكون بيع البيت في مصلحة الجميع .
ثروت : وهل هناك عاقل لا يري أن بيع البيت في مصلحة الجميع ؟ وحتى لو لم يكن في مصلحة ناجية فيجب عليها أن تضحي في سبيل مصلحة الآخرين .
نورية : ناجية خدمتنا وضحت من أجلنا طول عمرها .. حتى الدراسة حرمت من مواصلتها لكي تساعد أمّنا في أعباء البيت0 فلماذا لا نضحي نحن أيضاً من أجلها ؟ هل المفروض أن تضحي وحدها ؟
ناجي : ومن قال لك يا نورية أن ناجية ترضى أن تغلّب مصلحتها على مصلحة الباقين ؟
نوري : فعلاً يا نورية . ناجية لا ترضى أن تغلّب مصلحتها على مصلحة الآخرين ، فهي طول عمرها مثال التضحية ونكران الذات .
نورية : ( بسخرية قارصة وهي تدمدم) ولذلك فنحن نكافئها بهذه الطريقة ‍‍‍‍‍‍
( تسمع أصوات في الخارج ، ثم تظهر الحجية ومهدي وهو يدفع كرسي ناجية 0 يتبادل الجميع التحية في احتفال )
ناجي : ( وهو يقف بجوار كرسي ناجية ) اسمحي لي أن أساعدك في الجلوس في مكان مريح يا ناجي .
ناجية : تسلم يا ناجي .. كرسيي مريح .
ناجي : ( ملتفتاً بعد لحظة إلى الحجية) كيف صحة أمنا الحجية؟
الحجية : ( بصرامة) الحمد لله .. أشكر الله على أنك تذكرت أن لك أمّا يا ناجي.
ناجي : ( مبتسماً) الحق معك يا أمنا الحجية .. أنا مقصر فعلاً .
ناجية : طبعاً مقصر يا ناجي .. منذ يوم العيد ما رأيناك .. انقضى أسبوعان على العيد يا ناجي .
ناجي : أعذروني .. والله ليس عندي وقت لأحك رأسي .
عباس : ( للحجية وهو يقهقه) نحن نركض وراء الخبزة يا خالتي الحجية.
الحجية : لا أدري إلى أين سيقودكم الركض وراء الخبزة يا أبا فاضل .. أخاف أن يأتي يوم لا أرى فيه أحداً من أولادي إلاّ في المناسبات .
مهدي : لا يا أمي الحجية .. لا . إن شاء الله لن يأتي مثل هذا اليوم .
ناجي : وهل يمكننا أن نستغني عن رؤيتك ورؤية ناجية يا أمّنا الحجية؟
نوري : أما أنا فملتزم بزيارتكم في مواعيدي .. أليس كذلك يا أمي ؟
ناجية : أنت ملتزم فعلاً يا نوري وحياة عيونك .
الحجية : الحمد لله . .( تلفت إلى حليم) أما أنت يا حليم فلا أقدر أن ألومك ، ويكفيني منك أن تزورني كلما سمح لك وقتك 00 ولكن تذكر أن لك أمّا تشتاق إليك .
ناجية : أي والله ، فنحن نشتاق لك يا أخي الدكتور .
حليم : ( ميتسما) وأنا كذلك يا ناجية ، غير أن وقتي مثقل بالعمل .
ثروت : ومن الذي يراه يا خالتي الحجية ؟ نحن الذين نعيش معه في بيت واحد لا نراه . رأسه مدفون في الكتب ، وهو خائف دوماً على الوقت لئلا يضيع منه .
ناجية : ( وهي تضحك ) هكذا أخي الدكتور منذ وعيت عليه .
مهدي : أشهد وما بالله ‍0
عباس : ( وهو يقهقه) منذ صغرك يا دكتور وأنت مشغول بآلافك من الكتب ، ولو اهتممت بالآلاف الحقيقية لصرت اليوم مليونيراً .
حليم : وماذا كان سيغير ذلك من حياتي يا عباس ؟
فريدة : لو كان كل الناس يفكرون على شاكلتك يا دكتور حليم لعاشوا مستريحين الضمير .
ثروت : ( وهي تبتسم بسخرية ) أو لصاروا جميعهم فقراء كحالنا .
الحجية : ( في استنكار) فقراء ؟! ومن من أولادي فقراء ‍ !كلهم بخير ولله الحمد0
ثروت : نحن نعد من الفقراء بالفعل يا خالتي الحجية . لم تعد الحياة ممكنة بهذا الغلاء وبمثل دخلنا .
حليم : ( يلتفت إلى ثروت مبتسماً) لا تبالغي يا ثروت فالأمور ليست بهذا السوء .
ثروت : الحق معك إن قلت هذا ، فأنت تأخذ تعيينك من الراتب لشراء الكتب التي لا يهمك غيرها وتسلّمني الباقي وعليّ أن أدبر نفسي إلى أخر الشهر .
عباس : ( مقهقه) من الطبيعي أن يهتم الدكتور بكتبه يا أم جنان فهي رأسماله في الحياة .
ثروت : نصيبنا أن تكون الكتب رأسمالنا في الحياة ونصيب الآخرين الألوف المؤلفة .
عباس : ( مقهقها) لكل ما قسم الله له في الحياة يا أم جنان .
ثروت : هذه قسمة العبد وليست قسمة الله . وإلاّ فكيف يمكن لعالم مشهور أن تكون موارده شحيحة هكذا ؟
نوري : أصبح الموظفون من طبقة الفقراء الذين تحل عليهم الصدقة فعلاً ، والبركة في التجار الذين تنمو ثرواتهم في كل الظروف ( وهو ينظر إلى مهدي مبتسماً ) أليس كذلك يا أبو صالح ؟
مهدي : ليس جميع التجار يا نوري .. بعض التجارات اليوم بائرة وربحها قليل كتجارتنا مثلاً 0صارت تجارة الألبسة في دكاكين الأسواق القديمة بائرة بعد أن فتحت " بوتيكات "حديثة في الشوارع الجديدة .
ثروت : ولماذا لا تفتح أنت أيضاً يا أبو صالح "بوتيكا" في أحد الشوارع الحديثة ؟
ناجي : والله إنها لفكرة يا أبو صالح .
عباس : تجارة الألبسة في" البوتيكات "الحديثة غدت مربحة جداً بالفعل يا أبو صالح .
مهدي : المشكلة أن إيجار مثل تلك الدكاكين مكلف للغاية .
ناجي : من الممكن مساعدتك في ذلك يا أبا صالح .
مهدي : وكيف يا ناجي ؟
ناجي : أحد عملائي من المقاولين يبني عمارة جديدة في شارعنا وستكون قاعدتها محلات وأسواق ، وبإمكاني أن أدبّر لك الأمر معه .
مهدي : ( باهتمام)و هل لك تأثير حقيقي على هذا الشخص يا ناجي ؟
ناجي : أعتقد ذلك خصوصاً وأن لديه مصلحة عندنا .
مهدي : مصلحة عندنا ؟ وكيف ذلك ؟
ناجي : ( بلهجة مترددة ) هذا المقاول هو الذي تقدم بعرض لشراء بيتنا .
الحجية : ( بلهجة مجفلة) شراء بيتنا ؟ والله عال !
ناجية : ( بلهجة مرتاعة) وهل بيتنا معروض للبيع يا ناجي ؟ من أخبره أن بيتنا للبيع ؟‍
ناجي : ( بلهجة مترددة) لم يخبره أي أحد ، ولكن المقاولين وتجار العقارات من أمثاله يتصلون بجميع أصحاب البيوت القديمة في هذا الشارع ويعرضون عليهم شراء بيوتهم ، وخصوصاً وأن الكثيرين من أصحاب البيوت في شارعنا أصبحوا راغبين في بيع بيوتهم لما يدفعون لهم فها من أسعار عالية .
ثروت : ومن الذي لا يرغب في بيع بيته ما داموا يدفعون له الألوف المؤلفة ؟
الحجية : ( بلهجتها المنزعجة وهي تسمر أنظارها على وجه ناجي) أفلم تقل له يا ناجي أن بيتنا ليس للبيع ؟
ناجي : ( بلهجته المتلعثمة) قلت له إنني سأشاور العائلة يا أمنا الحجية ( وهو ينقل نظراته في الوجوه ) وكان لا بد لي أن أشاوركم في الأمر فقد عرض عليّ مبلغا مرتفعاً جداً.. مائة وخمسين ألف دينار .
الحجية : ( بلهجتها الحازمة) أبوكم لم يبن هذا البيت ليتاجر به بل ليكون سقفاً يظللنا .
ناجية : ( بلهجة متخاذلة وكأنها تحدث نفسها ) وهل بيتنا يقدر بمال ؟
ثروت : وهل هناك بيت لا يقدر بمال يا ناجية ؟ .
نورية : ( بلهجة خشنة) بيت الأهل لا يقدر بمال.
زهراء : كل البيوت سواء.. كلها مبنية بالأسمنت والطابوق والحديد والأخشاب .
فريدة : هذا من وجهة نظركم أنتم المهندسين المعماريين يا زهراء .. أما بالنسبة للآخرين فهي تعني شيئاً أخر . وكما يقول المثل : " المكان في المكين" .
الحجية : لا عاب فمك يا فريدة .
ناجي : ( بعد لحظة ، ملتفتاً إلى مهدي) ما رأيك يا أبو صالح في السعر الذي عرضه المقاول وأنت ابن سوق ؟‍
مهدي : أقول الحق إنه سعر مرتفع للغاية ، لم يخطر على بالي يوماً أن بيتنا يسوي هذا المبلغ .
ناجي : ( ملتفتاً إلى حليم وهو يبتسم ) وأنت ما رأيك يا أخانا الدكتور بهذا السعر ؟
حليم : ( وهو يهز رأسه في لا مبالاة) سواء عندي .
ناجي : ( ملتفا إلى نوري) وما رأيك أنت يا نوري ؟
نوري : ( بلهجة مترددة ) يبدو السعر مرتفعا جداً في الحقيقة .
ناجي : لاحظوا أن مثل هذا السعر المرتفع قد لا يتوفر في المستقبل ، فليس من المستبعد أن تصدر أمانة العاصمة قانوناً باستملاك البيوت القديمة في هذا الشارع إذا ما تناقص عددها وأصبحت تشوه شكل الشارع الجديد .
فريد : ليس من حق أمانة العاصمة أن تصدر مثل هذا القانون وتشرد الناس من بيوتهم يا ناجي .. لا يمكن أن يحدث مثل هذا الإجراء فلا علاقة له بالمصلحة العامة .
ناجي : على كل حال قد تضيع مثل هذه الفرصة الثمينة .
ثروت : وهل هناك عاقل يفلت هذه الفرصة من يديه ؟
ناجي : ( وهو ينظر إلى الأم مبتسماً) فما رأيك أنت يا أمنا الحجية بهذا العرض ؟
الحجية : ( في تهكم لاذع ) وهل نسيتم أن أختكم ناجية وأنا نعيش في هذا البيت ؟
ناجي : ( في شيء من الارتباك ) كيف ننسى ذلك يا أمنا الحجية ؟ لا يمكن أن نسلم البيت للمشتري ما لم نهيء لكما السكن الذي يريحكما .
مهدي : ( في حماس ) بيوتنا كلها في خدمتكما يا أمي الحجية .
الحجية : ( بلهجة حازمة ) لو كان الأمر متوقفاً عليّ وحدي لكان أي بيت من بيوت أولادي هو بيتي ، لكن أختكم ناجية لن ترتاح في أي بيت أخر غير بيتنا .
ثروت : ولماذا لا ترتاح في بيت آخر يا خالتي الحجية ؟! إنها سترتاح أكثر لو عاشت في أي بيت من بيوتنا ( ملتفتة إلى ناجية ) أليس كذلك يا ناجية ؟
ناحية : ( وهي ساهمة مذهولة ) أنا تعودت على بيتنا يا ثروت ، ولا أحسبني سأتعود الآن على بيت آخر ( وكأنها تكلم نفسها ) وأنا أحب كل ركن من أركان بيتنا وكل حجارة فيه .
ناجي : إذا لم يعجبك يا ناجية أن تعيشي في أي بيت من بيوتنا فبالإمكان شراء بيت صغير باسمك بما سيتوفر لك من مال وأنا مستعد لتولي هذه المهمة بما لدي من خبرة .
مهدي : ( في حماس) وإذا أردت أن نبني لك بيتاً جديداً يا أختي ناجية فأنا حاضر للقيام بهذا الواجب .
زهراء : وأنا سأصمم لك خريطة جميلة تتناسب ووضعك يا ناجية .
الحجية : ( بلهجتها الحازمة) أختكم لا تفضل أي بيت على بيتنا الذي نعيش فيه .
ناجي : (وهو يضحك ضحكة مغتصبة ) ولكن أفلا ترين يا أمّنا الحجية أن آراءنا جميعاً متفقة على بيع البيت وأن أمامنا فرصة للانتفاع بمائة وخمسين ألف دينار ؟
نورية : ( تدمدم ) إذا كانت ناجية تفضل البقاء في البيت فما أهمية المئة وخمسين ألف دينار بالنسبة لنا ؟ لا أحد منا بحاجة إلى المال .
عباس : ( في استياء) لا تتحدثي بلسان غيرك يا نورية .
ثروت : ( بلهجة خشنة) صحيح يا نورية00 لماذا تتحدثين بلسان غيرك ؟ إذا كنت لست بحاجة إلى المال فنحن بحاجة إليه .
فريدة : ليس بيننا في الحقيقة من هو محتاج إلى المال كما قالت نورية.
ثروت : ( بلهجة عدائية) تحدثي عن نفسك يا فريدة ولا تتحدثي بلسان غيرك . ما شاء الله على زوجك الذي يريح من مكتبه ألوفاً مؤلفة .
زهراء : ( لفريدة) بالتأكيد يا فريدة ، فلا يصح أن تخلطي ظروفك بظروفنا .
ثروت : كلنا بحاجة إلى ثمن البيت .. كلنا بحاجة إلى المال .
الحجية : ( بلهجة خشنة) ولماذا تتحدثين أنت بلسان أبنائي يا ثروت ؟ من قال إنهم بحاجة إلى المال ؟ ! كلهم في خير من فضل الله .
ثروت : (في تحد ) ولماذا لا أتحدث بلسانهم إذا كانوا هم لا يتحدثون ؟! ألا تهمني القضية كما تهمهم ؟! أيجب أن أسكت وأظل على بساط الفقر لأن ناجية قد لا ترتاح في بيت آخر ؟ لماذا يتوجب أن تكون مصلحة ناجية فوق مصلحتنا جميعاً ؟! هل من العدل أن نحرم من فرصة تحسين حياتنا لمجرد أنها لا ترغب في العيش في بيت آخر ؟! هذا ليس عدلاً منها .
الحجية : (لثروت) وهل ترين أن من العدل أن تفرقي بيننا ؟! خافي الله يا ثروت .
عباس : (وهو يتحرك للنهوض) إذا كنت ترين يا خالتي الحجية أن وجودنا غير مرغوب فيه وأنتم تناقشون هذه القضية العائلية فأنا مستعد للانسحاب .
ناجي : اجلس يا عباس فأنتم جزء من العائلة وما يهمنا يهمكم .
مهدي : صدقت يا ناجي (متوجهاً إلى عباس ) كيف تقول هذا الكلام يا أبو فاضل ؟ أنتم جزء من العائلة .. ما الفرق بيننا وبينكم ؟
ثروت : طبعاً مصلحة أزواجنا هي مصلحتنا .. هل هناك فرق بيننا ؟
فريدة : ولكن قد يكون من الأفضل أن نترككم لوحدكم فعلاً لتقرروا هذه القضية .
نورية : لا يا فريدة .. وجودك ضروري فأنت لا ترضين بغير العدل .
فريدة : (تلتفت إلى ناجية وتخاطبها برقة ) هل أنت واثقة يا ناجية أنك لن ترتاحي في أي بيت آخر ؟ سأضعك بوسط عيني لو اخترت أنت وخالتي الحجية أن تعيشا في بيتنا .
مهدي : (بحماس ) ولماذا في بيتكم يا أستاذة أم حارث ؟ .. بيتي أولى بهما .. هل لديّ أعز منهما؟
ناجية : (وهي مطرقة كاسفة الوجه ) تسلمي لي يا فريدة . لكن بيتنا هو سلوتي الوحيدة في الحياة .
ثروت : (وهي تطلق ضحكة متهكمة ) ونحن يتوجب علينا أن نضحي بمائة وخمسين ألف دينار من أجل سلوة ناجية ( وهي تخاطب ناجية بخشونة ) هذا ظلم .. أنت تظلميننا بعنادك هذا يا ناجية .. ليس من العدل أن تفرضي إرادتك على الجميع .
الحجية : (بخشونة) ناجية تظلم غيرها يا ثروت ؟ هل هناك إنسان ظلم أكثر منها ؟ خافي الله يا ثروت .
ثروت : (بلهجة متحدية ) إنها ليست الوحيدة بين البشر التي قضى الله أن تحدث لها تلك الحادثة 0 فلماذا يجب أن ندفع نحن الثمن ؟ هناك أناس مظلومون أكثر منها وإن لم يكونوا مقعدين . ولكنك أنت التي تعظمين الأمر لكي يكون الجميع في خدمتكما .
الحجية : (بسخرية ) هل تحسديننا على حياتنا هذه يا ثروت ؟
ثروت : ولماذا لا أحسدكما ؟! فأنتما تعيشان كالملكات والكل في خدمتكما .
نورية : (في غلظة) لست أنت المسؤولة عن خدمتهما يا ثروت .
حليم : ( في شيء من الانزعاج ) هل اجتمعتم هنا من أجل المهاترة ؟ .. كنت أحسبكم متفقين على بيع البيت .. معلوماتي خاطئة إذن , وأنا لا وقت لدي للإصغاء إلى مثل هذه المهاترات ( وهو ينظر في ساعته ) لابد لي أن أذهب الآن .
ثروت : ( بلهجة غاضبة ) هكذا أنت دائماً .. تهرب إلى كتبك لتلقي المسؤولية على غيرك .
مهدي : (منزعجاً ) كيف تتركنا يا أخي الدكتور ونحن في وسط المعمعة ؟
حليم : لكنني لست مستعداً أن أستمع إلى مثل هذه المهاترات يا مهدي .
عباس : (وهو يخزر نورية ) لن تحدث أية مهاترة إذا أغلقت نورية فمها لنصف ساعة فقط .
نورية : (في هياج ) ولماذا أغلق فمي ؟ أما يكفيني أنني أغلقته دائماً منذ عشت معك ؟ .. أتستكثر عليّ أن أدافع عن حقوق أختي ؟ .. أيجب علي أن أقر طول عمري أن ما تراه أنت هو الصواب ولا صواب غيره ؟
عباس : (في حدة) وهل كلامك هذا هو الصواب ؟ هل من الصواب في شيء أن يحرم الجميع من مثل هذه الفرصة ؟
نورية : فهل من الصواب إذن أن نحرم أختنا المنكوبة من سلوتها الوحيدة في الحياة ونبيع البيت لكي نكسب مالاً ؟
ثروت : إنه ليس بيتها وحدها .. إنه بيت الجميع .
نورية : ( لعباس مواصلة كلامها بحدة ) ماذا يحدث لو تأجل شراء الأجهزة "لعيادتك" ؟ ماذا يحدث إن لم يزد دخلك من "العيادة" ؟ .. نحن نعيش عيشة طيبة .
مهدي : (في شيء من الصرامة) أترجاك يا نورية00 لا داعي لهذا الكلام .
عباس : ( لنورية في غضب ) أظنك تعرفين أنني لا أهلك نفسي بالعمل وأشقى في جمع المال لكي أنفقه على أهلي بل لأنفقه عليك وعلى أولادك .
نورية : وأنا لم أطلب منك يوماً أن تهلك نفسك في العمل . هل تراني سعيدة بذلك ؟ أنا والأولاد لا نكاد نراك . طول وقتك وأنت في "العيادة" . أنت لا تعيش بيننا . حتى في يوم العيد لا تعرف الإجازة . صارت حياتنا لا معنى لها .
عباس : هذه هي حياة الأطباء وإن لم تعجبك فالباب يفوّت جملا ( يهب واقفاً في غضب) .
مهدي : (وهو يتشبث به ) لا يا أبو فاضل .. المسألة لا تستأهل منك هذه الحدة . هدئ نفسك أترجاك ..
عباس : (بلهجته الثائرة ) أرجوك يا أبو صالح .. أتركني أذهب .. الأفضل أن أذهب .
مهدي : لا والله , حلفت . لا يمكن .. نورية لا تقصد شيئاً بقولها .
عباس : (بلهجته الغاضبة ) ألم تروها كيف تتحدث وكأن بيع البيت سيعود بالمصلحة عليّ أنا بالذات أو كأنني سأضع فلوسه في جيبي ؟
ناجي : لا تهتم بكلام نورية يا عباس فنحن نعلم أن هدفك هو مصلحة الجميع 0 وإن بيع البيت لا يفيدك بقدر ما يفيدنا نحن جميعاً .
(يعود عباس إلى الجلوس وهو ينفخ غاضباً )
زهراء : بالتأكيد يفيدنا جميعا , فنحن سيكون في إمكاننا أن نفتح مكتبنا الهندسي الخاص بنا .
ثروت : ونحن سنتمكن من تغيير أثاث بيتنا بأثاث محترم وسنستثمر ما يبقى من نصيبنا في الشركات المساهمة ليزيد دخلنا .
ناجي : (وهو يلتفت باسماً إلى ناجية) فما رأي أختنا ناجية في القضية ؟
ناجية : (تطرق وقد أخذت الدموع تسح على وجنتيها )
الحجية : (غاضبة) أهكذا يهون عليكم بهذلة أختكم ؟! هل ما تفعلونه يرضي الله ؟
نورية : (وقد اغر ورقت عيناها بالدمع) لا تبكي يا ناجية .. كل شيء فداك .
ناجية : (وهي تحاول مسح دموعها ) إنني أبكي على أبي يا نورية .. تذكرت أبي .
الحجية : (وهي تهز رأسها غاضبة ) ابك يا ناجية ابك .. ابك أباك .. الله يرحمك يا حاج هاشم .. الله يرحمك .
(صمت مع توتر في الجو )
حليم : (فجأة ) لا تحزني يا ناجية .. لن يتم إلا ما ترغبين فيه .
ثروت : (بلهجة عدائية ) ما معنى كلامك هذا ؟ هل تريد أن تحكم علينا بالفقر طول عمرنا ؟
حليم : (بلهجة هادئة ) لسنا فقراء .. نحن نعيش في مستوى طيب .
ثروت : (بلهجتها الثائرة ) ماذا تعني ؟ ألسنا في حاجة إلى المال إذن ؟
حليم : إذا كنت تشعرين أنك بحاجة إلى المال ونحن في وضع طيب فستظلين كذلك مهما كسبت من مال .
ثروت : وماذا حصلنا من العلم غير أمثال هذا الكلام ؟ ولكن هذا ليس غريباً منك .. فمتى أدركت الصعوبات التي نعانيها في حياتنا ؟! فأنت لست مسؤولا عن تدبير شؤون العائلة . كل ما يهمك هو كتبك 0 أما حياتي وحياة الأطفال ومطالبهم فلا علاقة لك بها . متى سألت عن احتياجاتي واحتياجات الأولاد ؟
حليم : ( بهدوء) وهل ينبغي لي إذن أن أترك مشاغلي وأتفرغ لمشاغل البيت ؟! ثم أنك المتصرفة الوحيدة في المرتب تفعلين به ما تشائين .
ثروت : (وهي تضحك ضحكة متهكمة ) المرتب ؟! من يسمعك تقول هذا يتصور أنك تأتيني بالألوف المؤلفة . (وهي تهز رأسها بأسى ) ولكن متى كنت مهتما بالألوف ؟! لعلك لو اهتممت بها لاستطعت الحصول عليها قعلا . لكن هذه الأمور لاتهمك . كل ما يهمك هو أن تؤلف الكتب وأن تزيد شهرتك . ولا أدري ماذا نفعنا علمك وماذا أفادتنا شهرتك .
فريدة : هدئي نفسك يا ثروت .
ثروت : (ثائرة) ولماذا أهديء نفسي ؟! أليس ما أقول هو الحقيقة ؟ كل ما يهمه هو الشهرة . فماذا أفادتنا هذه الشهرة ؟ (وهي تضحك بمرارة) قالوا لي إنني سأربح الصيت والغنى بزواجي منه فإذا هي أكذوبة كبيرة .. قالوا لي إنني سأتزوج من عالم مشهور يربح الألوف المؤلفة من كتبه وإذا شهرته لا تكاد تؤكلنا خبزاً .. (وهي تضحك ضحكة متهكمة مرة ) لقد حسدنني جميع زميلاتي في الجامعة عليه !!
حليم : (بهدوء) هذا هو حال المشتغلين بالفكر منذ وجدوا ولم يكونوا يوما من الأغنياء0 ومن يبحث عن الغنى عليه أن يفتش عن حرفة أخرى .
مهدي : لا تحتدي يا أختي أم جنان .. أترجاك .
الحجية : (بلهجة قارصة ) خلها تتكلم يا مهدي .. خلها تكشف عما في قلبها.
ثروت : (تتوجه إلى الحجية بشراسة) سأكشف عما قلبي . وأنت أول من يجب عليه أن يعرف ما في قلبي .. أنت التي تتظاهرين بحب أبنائك وأنت لا تحبين في الحقيقة إلا نفسك ولا تبحثين إلا عن مصلحتك وراحتك وكل ما تفعلينه ليس فيه إنصافا .
حليم : (يقاطعها بلهجة هادئة ) على مهلك يا ثروت .. على مهلك .
الحجية : (بلهجة مجروحة ) الله يجازيك يا ثروت .. الله يجازيك .
ثروت : (تنظر إلى حليم بشراسة ) اسمع . يجب أن تعلم أنني لن أسكت بعد اليوم على فرعونيتك . وإذا كنت تتصور أنني سأبقى صابرة على ضيمي فأنت غلطان . وسترى أنني سأترك لك وحدك يوماً هذه الشهرة التي لا تؤكل خبزا وأعود إلى بيت أبي لأعيش معززة مكرمة . ماذا تعني لي شهرتك ؟ لاشيء .
حليم : (بلهجة هادئة ) لا أعتقد أن مستوى حياة أبيك الضابط أفضل من مستوى حياتنا .
ثروت : (وهي تصرخ مهتاجة) وماذا تعرف أنت عن مستوى حياة الضابط ؟ أبوك لم يكن ضابطاً كما أتصور . فاعلم أن بيتنا كان مزوداً بأفخر الأثاث .. وكان يتردد على بيتنا ثلاثة جنود لخدمتنا . وكان أبي يحضر الفاكهة قبل أن يذوقها سائر الناس0 وكنا نأكل أشهى الأطعمة0 وكنت أشتري من الملابس ما أشاء 0 فماذا وفرت أنت لي من مستوى ؟ قل لي .. ماذا وفرت لي ؟
حليم : (بهدوء) وفرت لك ما في إمكان أستاذ الجامعة أن يوفره لعائلته من مستوى وهو مستوى لائق .
مهدي : لا تحتدّي يا أختي أم جنان .. أترجاك0 سنحل القضية بالشكل الذي يرضيك .
حليم : (بلهجة حازمة ) لن تحل القضية إلا بالشكل الذي يرضي ناجية فهذا من حقها علينا .
الحجية : (تخاطب حليم وقد أضاء وجهها ) طول عمرك وأنت قليل الكلام يا حليم , لكنك إذا تكلمت نطقت بالكلام الفصل .
ناجي : (في غلظة) ولكن اسمح لي أن أقول لك يا دكتور أنك تعبر عن رأيك الشخصي وليس عن رأينا جميعاً . ونحن لسنا ملزمين برأيك0 وأنت تعلم أننا شركاء في البيت وحقوقنا متساوية فيه .
(يلوح التوتر على وجوه الجميع )
حليم : (بعد لحظة يبدو فيها وكأنه فوجئ بهذا الموقف ) أو ربما على العكس يا ناجي .. فلعلك أنت الذي تعبر عن رأيك فقط (ملتفتا إلى مهدي ) ما رأيك في القضية يا مهدي ؟
مهدي : (بلهجة مرتبكة) يجب أن نحل هذه القضية بدون أن يحدث خلاف بيننا يا أخي الدكتور . ولكن لا يصح أن نضيع هذه الفرصة من أيدينا . وأنا متأكد أن أختي ناجية لن تقف ضد مصلحتنا .
حليم : (بلهجة حازمة ) إذن فاعلموا أنني مصمم على الرفض .
ناجي : (بلهجة حادة) لا . أنا لا أسمح بذلك . وما دام البعض يعجبه أن يستبد برأيه فأنا لست مستعداً لقبول هذا الاستبداد . إنني رتبت أمري على بيع البيت . وإذا لم يوافق البعض فسأطلب من دائرة العقار وضع البيت في إزالة الشيوع حتى لو خفّض ذلك من سعره .
مهدي : (منزعجاً) لا يا أخي يا ناجي , لا داع لهذه الخطوة . يجب أن نتفاهم . هذه الخطوة ستضر بمصالحنا وتخسّرنا كثيراً .
حليم : (مخاطباً ناجي بلهجة حازمة ) افعل ذلك وسترى ما أتخذه من خطوات قانونية لمنعك من بيع البيت .
مهدي : (بانزعاج) لا يا أخي الدكتور . لا أظن أنك ستحاول أن تفرض علينا رأيك .
ناجي : (لحليم بلهجة ساخرة ) وأية خطوات قانونية ستتخذ من أجل ذلك يا دكتور ؟ لعلمك أنك غير قادر على منعي قانونيا . صحيح أنك تفهم في اختصاصك ولكنك لا تفهم في القانون , والقانون هنا ليس في صفك . واسمح لي أن أقول لك أيضاً أنه ليس من حقك أن تفرض رأيك علينا .
مهدي : (بلهجة مرتبكة ) أترجاك يا أخي الدكتور أن تنظر إلى المسألة من زاوية مصلحة الجميع . فأنت تعلم أن بيع البيت مفيد لنا جميعا ومن غير المعقول أن نجمد كل هذا المال .
حليم : (وهو ينظر في برود إلى مهدي ) لكنك سمعت يا مهدي أن بيع البيت سيكون مضرا بناجية والحجية .
مهدي : (في استنكار) ولكن ليس من المعقول أيضاً أن تقف ناجية والحجية ضد مصلحتنا جميعاً .
حليم : (وهو ينظر حواليه باحتقار) هكذا ؟! لم يبق إذن موجب لبقائي . (ينهض فجأة ويغادر الغرفة مسرعاً ) .
الحجية : (تغمغم وعيناها سارحتان في الفضاء ) الله يرحمك يا حاج هاشم .. الله يرحمك !
(يخيم صمت ثقيل )
مهدي : (بعد لحظة في أسف) أخونا الدكتور زعل .
ناجي : (في استهزاء) أخونا الدكتور يحب أن يفرض آراءه علينا حتى في القانون باعتباره يفهم في كل شيء وكأن عملنا ليس هو القانون .
فريدة : (وهي تنظر إلى ناجي في أسف ) يا لخسارة القانون الذي تنطق باسمه يا ناجي .
ناجي : (ملتفتا إلى فريدة في حدة ) كفاك لغواً يا فريدة فإنني سئمت تعليقاتك السخيفة . وما هذه التعليقات سوى تغطية لفشلك في المحاماة.
فريدة : (باحتقار) يشرفني أن أكون محامية فاشلة على أن أكون محامية ناجحة مثلك .
ناجي : أنا محام ناجح رغم أنفك0 ولولا نجاحي لظللت تعيشين على راتب قد لا يكفيك إلى آخر الشهر .
فريدة : راتب شحيح أكسبه بضمير مستريح خير عندي ألف مرة من المال الذي تناله أنت من القضايا الباطلة .
مهدي : (وهو ينقل أنظاره بين وجه فريدة وناجي في ألم) أترجاكما .. لا داعي لهذه الحدة .
ناجي : (لفريدة في سخرية) أنت دوختنا بالكلام عن الحق والباطل وكأنه ما من أحد يعرف الحق والباطل غيرك .. وما ذلك إلا تشبهاً بأبيك العظيم !! ولكن لعلمك إن أباك لم يكن يعد من القضاة الناجحين . اسألي أي محام ضليع وسيقول لك ذلك ,0وكان يغطي ضعفه في القانون بتشدده وحنبليته .
فريدة : (في أنفة) أبي ليس بحاجة إلى شهادة من هم أمثالك في كفاءته ونزاهته .
ناجي : (وهو يضحك ساخراً ) طبعاً .. هذه النزاهة التي جعلت أسرته تعيش في كفاف ! (في غطرسة) ولكن عليك أن تفهمي جيداً أنني لا أنوي أن أكون من تلامذته ومريديه .
فريدة : ( في احتقار ) ليس كل إنسان يستطيع أن يكون من تلامذة ومريدي أبي , ولا كل إنسان يستطيع أن يسير سيرته في الحياة , ويكفيه فخراً أنه لم يخضع يوماً لإغراء السلطة ولم يتهمه أحد في ذمته .
مهدي : ( في حزن وألم ) مالنا وهذا الكلام ؟ نحن جئنا لنتفاهم لا لنتخاصم .
فريدة : (تلتفت فجأة إلى ناجية وتقول بلهجة حازمة ) لا تهتمي لما يقولون يا ناجية . أؤكد لك أنه لن يقدر أحد مهما كان أن يخرجك من بيتك فالقانون في صفك .
ثروت : (بلهجة غاضبة) ما معنى هذا يا فريدة ؟! أتشعلين النار في الحطب لمجرد أن تظهري بمظهر المدافعة عن الحق ؟
زهراء : ما أكثر المهازل التي ترتكب باسم الدفاع عن الحق .. لم يبق إلا أن نعرض هذه القضية على محكمة العدل الدولية .
فريدة :(وهي تنقل عينها بين ثروة وزهراء ) لا شك أن طمعكما أعماكما عن رؤية الحق . وأنا آسفة لذلك .
زهراء : (في تهكم) وكيف لنا أن نعرف الحق ؟! نحن لم ندرس القانون مثلك .
ثروت : (بخشونة) اسمحي لي أن أقول لك يا فريدة أن ما تتظاهرين به من دفاع عن الحق ليس سوى نفخة كذابة بل ما هو سوى نفاق .
زهراء : (في هزء) وكما يقول المثل ليس هناك جمرك على الكلام !
نورية : ليست فريدة هي التي يقال عنها منافقة 00طول عمرها وهي تدافع عن الحق .
فريدة : (تلتفت إلى ناجية وعلى وجهها تعبير صارم) أنا مستعدة يا ناجية للاستقالة من وظيفتي والترافع عن قضيتك أمام المحاكم .
ناجي : (في تهكم شديد) ستشرمّيها يا فطحلة القانون .
الحجية : (بلهجة عميقة وأنظارها معلقة بوجه فريدة) ما خاب ظني فيك يوماً يا زينة النساء !
نوري : (ينتفض في جلسته فجأة ويهتف بلهجة قاطعة ) أنا أيضاً لن أوافق على بيع البيت يا ناجي مادامت ناجية غير موافقة .
ناجي : (وهو يرمقه بنظرات ساخرة) وأنا ارتعبت لعدم موافقتك !!
نوري : (وعيناه مسمرتان على وجه ناجي ) واعلم أنني سأقاوم مشروعك في بيع البيت بك ما أملك من إمكانات .
ناجي : (في تهكم ) وماذا تملك من إمكانات أيها المهندس الخائب ؟
نوري : (في صرامة) لا تتجاوز حدودك يا ناجي ولا تغلط .
ناجي : أظنك أنت الذي يجب ألا تتجاوز حدودك فأنت لا تحسن سوى اللغو .
مهدي : (في انزعاج) ما هذا يا ناجي ؟ ما هذا يا نوري ؟! هل من المعقول أن يكلم أحدنا الآخر بهذا الشكل ؟!
الحجية : (كاسفة الوجه وعيناها سارحتان في الفضاء ) الله يرحمك يا حاج هاشم .. الله يرحمك .
نوري : (لمهدي) أفلا تراه كيف تجبّر ؟! لا بد له أن يعرف حدوده . كلما زادت فلوسه ازداد غروراً وجشعاً , وكأن من الأمور المشرفة أن تكثر أموال الإنسان ! كل شخص يمكنه أن يجمع من المال ما يشاء إذا تخلى عن المثل .
ناجي : (بلهجته المتهكمة) وأنت ماذا فعلت بمثلك أيها المصلح العظيم ؟! ماذا فعلت أيها المناضل سوى الشقشقة اللسانية التي لا تكلفك شيئاً ؟! لو كان فيك خير حقاً لكان شأنك شأن المناضلين الحقيقيين القابعين في السجون .
نوري : على الأقل أنا لا أسرق الآخرين كما يفعل البعض .
ناجي : (في هياج) وهل أنا الذي أسرق الآخرين أيها البليد ؟ والله لو لم تكن في بيتي لعرفت كيف أؤدّبك .
نوري : (هائجاً) أدّب نفسك قبل أن تؤدبني .
مهدي : (في انزعاج شديد) ما هذا يا نوري ؟! ما هذا يا ناجي ؟! ماذا جرى لنا ؟!
ناجي : (لمهدي) ألم تسمعه كيف يتكلم بلا أدب ؟!
نوري : الذنب ليس ذنبك . الذنب ذنبي إذ وافقت على حضور هذه المهزلة .. لم يعد هناك داع للاستمرار فيها (وهو ينهض ملتفتا إلى زهراء ) هل ستأتين معي يا زهراء ؟
زهراء : (وعلى وجهها تعبير مشمئز ) ولماذا ؟
نوري : لأنني لست مستعداً للاستمرار في هذه المهزلة .
مهدي : اجلس يا نوري .. اجلس 00 أترجاك .
(يعاود نوري الجلوس وهو مكفهر الوجه)
زهراء : (لنوري بلهجة غاضبة ) هل تتفضل وتشرح لي معنى سلوكك هذا ؟
نوري : لا أعتقد أنني أحتاج إلى شرح .
زهراء : (بغضب متزايد) كيف لا تحتاج إلى شرح ؟ علام اتفقنا ؟! ماذا عن مشاريعنا وأحلامنا التي بنيناها على بيع البيت ؟!
نوري : أولاً إنها مشاريعك وأحلامك وليست مشاريعي وأحلامي . وثانياً إن هذه المشاريع والأحلام يمكن أن تؤجل وليس هناك مبرر للاستعجال في تحقيقها , خصوصاً إذا قامت على تعاسة الآخرين 0 وليس من العدل أن نقيم سعادتنا على تعاسة ناجية يا زهراء .
زهراء : (بلهجتها الغاضبة المشمئزة) وهل من العدل أن تضيع هذه الفرصة مني لأن لك أختاً مقعدة تريد الاستئثار بالبيت ؟! وإلى متى سأظل أنتظر مثل هذه الفرصة ؟ هل بإمكانك أن تخبرني إلى متى ستبقى هذه الصخرة معلقة بأعناقنا ؟
الحجية : (بلهجة أليمة ) خافي الله يا زهراء . خافي الله .
نورية : (بغضب) أختنا ليست صخرة معلقة بعنق أحد .
ثروت : (بتهكم) يظهر أن هذه الصخرة ستظل معلقة بأعناقنا طول عمرنا يا زهراء .
الحجية : (بلهجة قاسية) لا عتب عليك يا زهراء .. إذا كنت لا تبالين بأمك فكيف ترعين ذمة للآخرين ؟!
زهراء : (إلى الحجية في غضب وتهكم ) الحق معك يا حجية , فالأمهات من أمثالك يضربن لنا مثلا عالياً في التضحية .. كل همكن أن تسخّرن أبناءكن لخدمتكن وكأنهم عبيد لكن .
الحجية : (بلهجة مجروحة) الله يسامحك يا زهراء .. الله يسامحك .
مهدي : (في امتعاض ) لا داعي لهذا الكلام يا أستاذة زهراء .. أترجاك لا داعي لمثل هذا الكلام .
نوري : (غاضباً) انتبهي لنفسك يا زهراء ولا تشتطي في الكلام .
زهراء : (تلتفت إليه في ثورة جامحة ) أنت لست أثقف مني حتى تعلمني كيف أتكلم , وما آراؤك الفارغة التي تتشدق بها سوى ستار لعجزك وتقاعسك .
نوري : (في سخرية بالغة ) أأنت إذن صاحبة الأفكار والآراء النيرة ؟! هل تعتقدين حقاً أنك تتميزين بذكاء يؤهلك لمثل هذه المكانة ؟! لو كان لك مثل هذا الذكاء لتفوقت في الجامعة ولما ورد اسمك في آخر قائمة الناجحين !
زهراء : (وقد غلبها الغيظ والغضب ) على كل حال أنت معذور فأنا التي ارتضت لنفسها هذا المصير بارتباطها بك .
نوري : بل هو خطئي أنا إذ ربطت حياتي بحياة إنسانة أنانية مغرورة مثلك0
مهدي : (وهو يصفق يديه أسفاً) لا حول ولا قوة إلا بالله !
زهراء : (وهي ترمق نوري بنظرات مجروحة وتهز رأسها ) لا بل هو خطئي وليس خطأك 0 لقد تصورت أنك يمكن أن تتغير وتصبح شخصاً طموحاً , لكنني كنت مخطئة في تصوري . وبالتأكيد إن طموحاتي في الحياة غير طموحاتك . (وهي تهز رأسها متأملة ) وعليّ أن أخطط حياتي من جديد في ضوء هذه القناعة .
نوري : وأنا أيضاً عليّ أن أخبرك بأنني سئمت غرورك ونظرتك الأنانية الضيقة إلى الحياة وأن مثلي لا يشرّفه أن يربط حياته إلى الأبد بإنسانة مثلك .
مهدي : (في حزن وألم ) هل من المعقول أن يجري هذا لنا ؟! هل يمكن أن تحدث كل هذه الخلافات بين الإخوة وعوائلهم ؟!(يلتفت إلى ناجية ونظر إليها ي تقريع قارص) وهل يعقل أن تكوني أنت يا ناجية سببا في خلق الخلافات بين الإخوة وعوائلهم؟ مع الأسف .. مع الأسف ؟!
الحجية : (تهز رأسها وهي تحدق في الفضاء وعلى وجهها تعبيرها الكاسف ) الله يرحمك يا حاج هاشم .. الله يرحمك .
(صمت متوتر )
ناجية : (ترفع رأسها فجأة بعد أن كانت مطرقة طوال الوقت وتقول بلهجة حاسمة ) أنا موافقة على بيع البيت .
الحجية : (تلتفت إليها في انزعاج ) ماذا ؟! ماذا تقولين يا ناجية ؟!
فريدة : لا تستسلمي لضغوطهم يا ناجية .. أنت صاحبة حق .
نوري : ونحن معك إلى النهاية يا ناجية فلا تتخاذلي .
نورية : كلنا معك يا ناجية .
ناجية : ( بلهجة حاسمة ووجهها جامد كالصخر ) هذا رأيي النهائي (ملتفتة إلى الحجية ) وأرجوك يا أمي أن توافقي أنت أيضاً لأجل خاطري .
الحجية : (تتأملها مليا بعيون زائغة ثم تحني رأسها مهزومة ) أمرنا إلى الواحد القهار .
ناجية : (لمهدي بلهجة جامدة ) ما بقي سبب للخلاف بينكم يا أبو صالح .
مهدي : (يهتف في فرح ) هذه أختنا ناجية .. ناجية العاقلة طول عمرها (ينهض ويقبل رأسها ) .
عباس : بارك الله فيك يا ناجية .
ناجي : أنا كنت واثقا أن ناجية لا تقف ضد مصلحتنا .
مهدي : ( متلفتا حواليه بسرور) شكراً لله .. ما بقى سبب للخلاف بيننا .. طول عمرنا ونحن على قلب واحد .
ناجية : (بلهجتها الجامدة وهي تنظر أمامها بعيون لا تطرف ) إن شاء الله يا رب يديم المحبة بينكم ولا يجعل أي سبب للخلاف بينكم .
مهدي : (بفرح وحماس ) بوجودك يا أختنا ناجية .. بوجودك ووجود أمّنا الحجية .
ناجية : (بعد لحظة ) أنا تعبانة .. سأستريح في الغرفة المجاورة .
فريدة : (وهي تنهض) سآتي معك يا ناجية .
ناجية : (وهي تحرك كرسيها) لا , لا يا فريدة .. لا داعي .. أنا أعرف طريقي (تخرج) .
(يسود صمت متوتر وقد لاح الارتياح على الوجوه)
مهدي : (في سرور) شكراً لله .. لم يعد هناك أي خلاف يستدعي الزعل بيننا .. مع الأسف إن أخانا الدكتور خرج وهو زعلان .
ثروت : (بلهجة شبه ساخرة) لا تشغل بالك من ناحية الدكتور يا أبا صالح فليس لديه وقت للزعل , سيدفن رأسه في الكتب وينسى كل شيء عن هموم الدنيا .
ناجي : (وهو يرمق فريدة بنظرة جانبية) أخونا الدكتور مفكر كبير وهو يدرك جيداً أن الإنسان لا يحاسب على ما يقوله وقت الغضب 0 وإلا فما الفرق بين الإنسان المدرك والإنسان غير المدرك ؟
نوري : (وهو يسارق زهراء النظر) نحن جميعاً انسقنا وراء الغضب وتفوّهنا بعبارات خشنة لا نقصدها .. وفي الواقع لم يكن الأمر يستدعي كل ذلك .
عباس : صح , ولا يمكن أن يزعل أي واحد منا من الآخر لتفوّهه بعبارات طائرة وقت الغضب .
مهدي : صدقت يا أبو فاضل .. قاتل الله الغضب .
ناجي : (يلتفت إلى الأم بعد لحظة ) وأرجوك يا أمّنا الحجية ألا تزعلي مني وأن تفهمي غرضي0 فأنا لم أقصد إلا مصلحة الجميع بما في ذلك مصلحة ناجية 0 وستظهر لك الأيام أنني كنت على صواب .
الحجية : (تهز رأسها وهي تحدق في الفضاء وقد بدت مكسورة الخاطر ) الله يرحمك يا حاج هاشم .. الله يرحمك .
مهدي : (ينهض ويجلس بجانب الأم ) أترجاك يا أمي الحجية ألا تتكدري .. نحن جميعاً في خدمتك وخدمة ناجية وسنفعل كل ما تأمران به .
الحجية : (تهز رأسه صامتة وهي تحدق في الفضاء وعلى وجهها تعبيرها الكاسف) .
مهدي : (ينحني على كتفي الأم ويقبلها ) أترجاك يا أمي الحجية ألا تزعلي علينا .. لن يأتيني النوم الليلة ما لم تقولي لي أنك راضية عني .. أنا لا أبيع رضى الوالدين بذهب الدنيا كله .
الحجية : (تتمتم وعلى وجهها تعبيرها الكاسف) الله هو الذي يعلم ما في الصدور يا مهدي . (تلتفت إلى فريدة بعد لحظة ) نادي على ناجية يا فريدة .. أريد أن أستريح في بيتي .
فريدة : (وهي تنهض) حالاً يا خالتي . (تخرج)
عباس : (بعد لحظة ) خالتي الحجية لا تزعل من أحد .. كل ما هناك أنها متأثرة الآن .
نوري : وكيف يطاوعها قلبها على الزعل منا ؟!
نورية : (تدمدم ) ندوس علي قلبها ونريدها ألا تزعل منا .
ناجي : أمّنا الحجية لا تزعل على أحد بالتأكيد .
مهدي : (وهو يربت على كتف الأم ويرنو إليها بنظرات ضارعة وقد بدا عليه التأثر الشديد) أترجاك يا أمي الحجية أن تسامحينا .. قولي لنا أنك لست زعلانة علينا .. نحن مستعدون لأن ننفذ أي رغبة من رغباتك مهما تكن .
الحجية : (تلتفت إلى مهدي وتتأمله طويلاً بنظراتها الكسيرة ثم تهز رأسها ) ما انكسر لا يصلّح يا مهدي 0
(تظهر فريدة وقد لاح الاضطراب على وجهها )
فريدة : (بلهجة مضطربة) ناجية ليست في غرفة الاستراحة .. وذهبت أتفقدها في الحمام فوجدت بابه مغلقا .. وناديت عليها فلم يرد عليّ أحد .
(يبدو الاضطراب على الجميع وتسودهم حالة من الفوضى والذعر ثم يهبون متدافعين وهم يتصايحون بأصوات وجلة :" ناجية .. ناجية .. ناجية "
( تظل الستارة مرفوعة وتنطلق موسيقى حزينة حادة 0يخلو المسرح كليا لكن الضجة تترامى من الداخل تمازجها أصوات باكية . ثم تبدأ الستارة بالهبوط التدريجي حينما تتوقف الموسيقى)
-ستارالختام-




















#شاكر_خصباك (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خواطر فتاة عاقلة
- العنكبوت
- الخاطئة
- رسائل حميمة
- انطوان تشيخوف -دراسة نقدية-
- الرجل الذى فقد النطق
- امرأة ضائعة
- صراع -مجموعة قصصية-
- بيت الزوجية -مسرحية-
- ذكريات ادبية
- القهقهة ومسرحيات اخرى
- الطائر
- كتابات مبكرة
- مسرحية -الغرباء-
- عالم مليكة
- البهلوان ومسرحيات اخرى
- هيلة
- مسرحية-القضية-
- اوراق رئيس
- مسرحية -الدكتاتور-


المزيد.....




- -الهوية الوطنية الإماراتية: بين ثوابت الماضي ومعايير الحاضر- ...
- بعد سقوط الأسد.. نقابة الفنانين السوريين تعيد -الزملاء المفص ...
- عــرض مسلسل البراعم الحمراء الحلقة 31 مترجمة قصة عشق
- بالتزامن مع اختيار بغداد عاصمة للسياحة العربية.. العراق يقرر ...
- كيف غيّر التيك توك شكل السينما في العالم؟ ريتا تجيب
- المتحف الوطني بسلطنة عمان يستضيف فعاليات ثقافية لنشر اللغة ا ...
- الكاتب والشاعر عيسى الشيخ حسن.. الرواية لعبة انتقال ولهذا جا ...
- “تعالوا شوفوا سوسو أم المشاكل” استقبل الآن تردد قناة كراميش ...
- بإشارة قوية الأفلام الأجنبية والهندية الآن على تردد قناة برو ...
- سوريا.. فنانون ومنتجون يدعون إلى وقف العمل بقوانين نقابة الف ...


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - شاكر خصباك - التركة