|
صراع الاحزاب بحرية و سلام تنافس مقبول لقطف ثمار الديموقراطية المنشودة
عماد علي
الحوار المتمدن-العدد: 2541 - 2009 / 1 / 29 - 09:57
المحور:
ملف: الانتخابات والدولة المدنية والديمقراطية في العراق
لا يمكن ان نصف اي مجتمع بالديموقراطي الحقيقي المتكامل ان لم نرى فيه الصراعات المتعددة الجوانب بحرية ضامنة و سلام مستقر، بعيد عن التشدد و الغاء الاخر ، و انما الاستناد على التنافس الفعال من اجل الغايات المؤدية الى تقدم و تنمية البلد . مرٌ اوربا خلال تاريخه بالعديد من الحروب و خاصة في القرن السابع عشر، الى ان استقروا على الصراع السلمي ضمن النظام الديموقراطي، و من ثم بدات رحلة النهضة و الاصلاح و التنوير و التحديث ، و وصلوا الى الثورة الصناعية العارمة ، مما دفع الوضع الاقتصادي و الاجتماعي داعما للمناخ الديموقراطي و مجسدا له ،و انتصروا في هذا الجانب و امٌنوا الطريق للتنافس والصراع السياسي السلمي و استقرار الاوضاع ،من اجل ضمان مستقبل اجيالهم . الا انهم لحد اليوم لم ينقطعوا عن محاولاتهم و جهودهم لتطوير و تقدم حالهم يوما بعد اخر ، طيل هذه السنين ، و هم ملمون باستمرار و منهمكون في عملية تطوير المجتمع و الاصلاح المستمر من الناحية المدنية و العلمانية والمساواة و محاولة ضمان العدالة الاجتماعية ،وحل قضايا القوى التحررية ، و هم مستمرون في اصرارهم على حل كافة الاشكاليات التي تتعرض طريق الديموقراطية في بلدانهم من كافة جوانبها السياسية والثقافية و الاجتماعية لحد اليوم. ان نظرنا الى الوضع العراقي و ما يحدث فيه بعد اسقاط الدكتاتورية ، نتاكد باننا في الخطوة الاولى من الطريق الطويل ، و ما شاهدناه خلال هذه الفترة هو اجراء عدة انتخابات في ارضية غير مخصبة للديموقاطية الحقيقية ، و يمكن ان نسميها القفز على المراحل اللازمة لتجسيدها ، و ما نتلمسه من خفض مستوى الوعي الديموقراطي ، و عدم تخصيب الارضية المطلوبة لتطبيق العملية الديموقراطية بشكلها الشمولي ، لكون الديموقراطية عملية تاريخية طويلة ، و لم ينضج الوضع العام لقطف ثمار الديموقراطية بهذه الفترة القصيرة و ما يشوبها من الاشكاليات نتيجة عمل الاحزاب و الشخصيات المؤمنة بالافكار الغيبية ، و لم يتفهم المواطن لحد اليوم و بشكل جدي مضمون مفهوم الديموقراطية و متطلباتها وكيفية تطبيقها و الياتها و دوره فيها ، و فوق هذا و ذاك ، لو نتمعن في المستوى الثقافي للمجتمع العراقي نرى ان الاكثرية الساحقة ملتزمة بالعقليات الغيبية البعيدة عن متطلبات الديموقراطية ، و مرتبطة بالعادات والتقاليدالبالية المعيقة لابسط خطوات الديموقراطية و القرارات و الحقوق و الارادة المرتبطة بها . في هذا الوسط المزدحم والخليط من العقليات انبثقت الاحزاب و التيارات ، و حتما تحمل في كينونتها صفات المجتمع و ثقافته و تفكيره و ما يتضمنه من كافة الجوانب. و عليه ان سائر الاحزاب والتيارات تتشدق بانها ديموقراطية العقل و المنهج و التطبيق ، الا اننا نعلم ان الديموقراطية ليست بشعارات براقة اومناهج واجندات جميلة و خطابات و كلمات رنانة ، و لم تفز الاحزاب التي تتسم بالديموقراطية التي تدعيها ، في الانتخابات كجزء هام و ركيزة اساسية في العملية الديموقراطية ان لم تتوفر لديها القدرة المادية و الاعلام و ثقة الجماهير ، بعقليتها التي تؤمن بما تاسست من اجله من العقائد و الثقافات ، و بقيادة خبيرة و متمكنة في الوضع العراقي الراهن و ما يتصف به ، و الخطوة المعتمدة التي تفرضها واقع العراق اليوم و هي الخاطئة كما اعتقد ، و كل ما يهمه الشعب في هذه الفترة و لحد كبير و هو عكس ما تتطلبه الارضية الرصينة للديموقراطية ، و هي الرموز و الشخصيات التي لديها القدرة على استيعاب الاعداد الغفيرة من ابناء الشعب ، و توجههم حسب ارادتها كيفما ارادت ،و هذه من الشروط الواجبة اليوم ،و ليس غدا، لنجاح اي مكون او طرف في العملية الانتخابية التي بداها العراق ، و هي عملية متعرجة لحد اليوم لعدم اكتمال مرتكزاتها ، وهذا ما يحتاج الى جهد و وقت و ارادة و اصرار لتعديلها و تصحيحها . و هناك من الاحزاب التي تمتلك ضروريات اليوم و ما تلائم العملية الانتخابية ، و هذا لا يمكن ان نعتبره انه يمتلك عناصر الحكم الديموقراطي ، او هو القادر على ترسيخ الديموقراطية و ليس غيره ، لا بل منهم من يعيق العملية الديموقراطية ، و هو الذي يعتمد اليوم عليها للفوز في الصراع المحتدم،و من الممكن ان لا يناسب هذا الحزب الفائز لمرحلة اخرى ، و هو لديه مقومات النجاح لليوم فثقط ، و لكن في وضع و مستوى ثقافي اخر، و خبرة شعبية اخرى ،و اقتصاد و وضع اجتماعي اخر، يمكن ان لا يكون الفارس المقدام الذي يطاع اليوم لطول المرحلة ، و حتى يمكن ان نقول ربما انه لا يمكن ان يثبت اعمدته في المراحل الاخرى، و ان فاز في هذه المرحلة من الانتخابات ،يمكن ان يهمشه التقدم التاريخي المنتظر . و الحزب الذي لم يكن لديه السمعة و القدرة والمكانة لدى الراي العام ، يكون مشواره اصعب اليوم ، ويحتاج لعمل و فعالية و وقت للوصول الى ارضية مناسبة لتنافس الاخرين على الساحة، و الذين تلائموا مع ما موجود على الارض سوف يفلحون و ان كان مؤقتا . الوضع الحالي في العراق يحتاج الى العمل، و هناك من يكيٌف نفسه مع ما يعتقده المجتمع و يسير عليه لمدة، بافعاله ، و الا ليس للشعارات والخطابات والانتقادات المتعددة الجوانب للسلبيات المنتشرة في البلاد اثر يذكر على سير العملية الانتخابية ونتائجها ، و كل ما يهم هو الانتمائات الدينية والعرقية و العشائرية لحد اليوم!! اذن كل ما نحس به ، اننا لم نتلمس الصراع الديموقراطي الطبيعي للاحزاب في الساحة ، و كل ما نراه هو اداء لواجبات سياسية باسم الفكر الغيبي في اكثريته . و المهم في الامر ان الذي يُبعد التشدد و الافكار الغيبية والسلفية و يهمه تطبيق الديموقراطية الحقيقية الصحيحة كما هي ، استنادا على المنافسة السلمية غير التضليلية و اعتمادا على مضامين الديموقراطية نفسها و جوهرها ، يمكن ان يُهمش في الفترة المقبلة لاسبابه المعلومة ، و سوف يفوز من يصبر و يصر على الصحيح في المراحل المقبلة . و ان كانت الاحزاب الدينية المذهبية تعتمد على افكار و معتقدات مثالية و روحية ، الا ان اتباعهم للديموقراطية كالية ستؤدي في النهاية الى التوجه نحو الاعتدال و العلمانية و المدنية و المساواة و حقوق النساء مهما تعنتوا ، ان صدقوا في داخلهم و آمنوا بالديموقراطية ، و ليس امتطاتها لفترة من اجل اهداف مخفية . اذن الصراع السياسي المحتدم بين الاحزاب في هذه الايام يجري بحرية تامة وسلام مفرح لحد اليوم ، وهو من اجل الاهافف البعيدة المدى، ويمكن قطف ثمارها في الوقت المناسب ، و طريق النضال طويل ، الاهم هو التقدم لمرحلة اخرى ، وكل خطوة الى الامام هي لمصلحة المجتمع المدني الديموقراطي ، و من اجل الحداثة و ضمان و تجسيد الحرية و صرف الجهود اللازمة للاقتراب من ضمان العدالة الاجتماعية ، وهذا ما يبدا بضمان الارضية الواسعة لتطوير العلمانية و التقدمية و تساعد على التنمية المنشودة للبلد .
#عماد_علي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
صورية تركيب ومهام برلمان اقليم كوردستان
-
الوعود الخيالية في خطابات وبرامج مرشحي مجالس المحافظات
-
سبل استنهاض الشعب العراقي من الاحباط الذي اصابه
-
الفساد فاض عن حده المعقول في اقيم كردستان (3)
-
عدم تاثير مواقف الاحزاب الصغيرة على سياسة اقليم كوردستان
-
الفساد فاض عن حده المعقول في اقليم كردستان (1)
-
الفساد فاض عن حده المعقول في اقليم كردستان (2)
-
ماذا يحدث للمواطنين العراقين في السعودية
-
سيطرة عقلية الثورة وليست عقلية السلطة على القادة الكورد منذ
...
-
اية نظرية فكرية تتوافق مع الواقع في الشرق الاوسط
-
ازدواجية قادة الشرق الاوسط في التعامل مع الاحداث
-
المخاطر التي تواجه علاقة الحكومة العراقية المركزية مع اقليم
...
-
توفير عوامل قوة شخصية المراة في المجتمع
-
ضرورة الحوارات السياسية من عدة ابواب في العراق اليوم
-
وضوح عناصر تعبئة المواطنين مفتاح لاختيار الاصلح في الانتخابا
...
-
كيف و متى تترسخ الثقافات التي يحتاجها العراق الجديد
-
عدم ادانة ايران رغم قصفها المستمر لقرى اقليم كوردستان !!
-
المرحلة التاريخية الراهنة تتطلب منا الافكار و الحوار
-
حرب غزة بين الايديولوجيا و التكنولوجيا و افراز قوى اقليمية ج
...
-
العراق بحاجة الى بلورة خارطة طريق معتمدة لحل المسائل العالقة
...
المزيد.....
-
رقمٌ قياسيّ لعملة فضية نادرة سُكَّت قبل الثورة الأمريكية بمز
...
-
أهمية صاروخ -MIRV- الروسي ورسالة بوتين من استخدامه.. عقيد أم
...
-
البرازيل.. اتهام الرئيس السابق جايير بولسونارو بالضلوع في مح
...
-
اكتشاف عمل موسيقي مفقود لشوبان في مكتبة بنيويورك
-
وزيرة خارجية النمسا السابقة: اليوم ردت روسيا على استفزازات -
...
-
الجيش الإسرائيلي يوجه إنذارا إلى سكان الحدث وحارة حريك في ال
...
-
أين اختفى دماغ الرئيس وكيف ذابت الرصاصة القاتلة في جسده كقطع
...
-
شركة -رايان- للطيران الإيرلندية تمدد تعليق الرحلات الجوية إل
...
-
-التايمز-: الغرب يقدم لأوكرانيا حقنة مهدئة قبل السقوط في اله
...
-
من قوته إلى قدرة التصدي له.. تفاصيل -صاروخ MIRV- الروسي بعد
...
المزيد.....
المزيد.....
|