|
حكاية غزة، تلك الحكاية التي بدأت مع نشوء القضية ولم تزل تتوالى فصولها معها
مروان عبد العال
الحوار المتمدن-العدد: 2541 - 2009 / 1 / 29 - 06:01
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
غزة، حكاية تروى بالدم وترتوي بالنصر بقلم: مروان عبد العال* تحضرنا اليوم حكاية غزة، تلك الحكاية التي بدأت مع نشوء القضية ولم تزل تتوالى فصولها معها.
كأنما روح فلسطين أودعت في غزة، فهي خزان التشرد وشريان الدم وشموخ الهوية وكبرياء يلامس السماء، وعليها تجسد خلود المكان، فكانت بحقّ تاريخ الجرح الفلسطيني، وعلى أرضها قبل ثلاثة آلاف سنة، رست مراكب أول القبائل التي أعطت لفلسطين أسمها . وفي الحرب الصهيونية المجنونة على مدار الأسابيع الثلاث، احتشدت على أبوابها كل البدايات.
هل يصدق أحد أنها حرب ضد الصواريخ؟ أم أن هذه العملية الأضخم بتاريخ إسرائيل وبهذه الفظاعة دفعت العدو بأن يصب جام حقده على تاريخها، بل ضد الإنسان الذي مازال يغلي في عروقه حلم الاستقلال والحرية، فكان الهدف قتل الحلم في عقول أهلها. تمنى العدو يوما أن يبتلعها البحر، لم تغرق غزة في بحرها، فأغرقها في دمها، والذي جعل كوندليزا رايس تقول سبب الحرب هو الميل العنفي للفلسطينيين في غزة !
تروى بالدم لأنها تستحق بجدارة أن تكون حاضنة الهوية الأولى لفلسطين، فيها كانت أول حكومة لعموم فلسطين عام 1948 برئاسة أحمد حلمي باشا و بقرار من الجامعة العربية وأعلن أول دستور فلسطيني، وفيها تشكّلت أول كتائب الفدائيين والتي عرفت باسم ( الكتيبة 141 ) عام 1955 ، بقيادة المقدم المصري مصطفى حافظ، الذي سقط على أرضها شهيدًا، وفي غزة كان أول تأسيس لجيش التحرير الفلسطيني، وانتخب أول برلمان فلسطيني عام 1962.
وقبل احتلالها عام 1967 انتخبت غزة أول مؤسسة لمنظمة التحرير الفلسطينية ، هيئة التنظيم الشعبي الفلسطيني. وفي صفحة الكفاح والمقاومة، سطّرت أروع آيات البطولة، كتبت على رملها الدافئ وبالدم كل البدايات. في المنطقة الأكثر كثافة سكانية ( ثلاثة آلاف نسمة ) بالكيلومتر الواحد، وعلى أرض تتقلّص باستمرار، من لواء غزة قبل الاحتلال عام 1948 كانت مساحتها 51% من مساحة فلسطين إلى قضاء غزة حتى احتلالها عام 56، وبعدها قطاع غزة.
ليس غريبًا أن تكون أول المقاومة، أول الشهادة وأول الرصاص وأول الحجارة. انتفضت على مشروع التوطين في بداية الخمسينات والذي كان يجري التخطيط له شمال غرب سيناء، يومها ظلت التظاهرات مستمرة وشكلت قيادة دائمة لها، حتى حضر الزعيم الخالد جمال عبد الناصر، وألقى كلمته الشهيرة في مدرسة الزهراء، وأعلن دفن المشروع التوطيني وإلى الأبد.
ومن غزة قاد مصطفى حافظ أول عمليه فدائية عام 1955 تهز الكيان الصهيوني، شارك فيها 300 فدائي ودامت العملية نحو ستة أيام، في منطقة رتشيون لتسيون البعيدة عن تل أبيب 15 كلم فقط، وسقط فيها 12 شهيد، واحتلت غزة عام 1956 في العدوان الثلاثي، وسقط فيها 1100 شهيد، ارتكبت فيها المجازر كما حصل في خان يونس حين كان قائد الفرقة الجنوبية في الجيش الإسرائيلي الضابط ارئيل شارون، وبقيت تقاتل، ويومها قال بن غوريون عن غزة، أنها شوكة في خاصرة إسرائيل، وان العدوان الثلاثي، كان بسبب تأميم قناة السويس فقط كذريعة لتأمين غطاء دولي، ولكن غزة هي الهدف.
وغزة دائما تتبنى المقاومة وتقيس بمعيارها حركة الأحزاب والقوى والتنظيمات فيها، انفضت عن الإخوان المسلمين عندما نادت بالإرشاد وتذرّعت بالتحوّل الإسلامي لتقوم بالمقاومة المسلحة، وكذلك عن الشيوعيين الفلسطينيين عندما نادى تنظيم غزة بالمقاومة السلبية وليس العنفية، لتستلم مقاليد القيادة بعد الاحتلال عام 1967 قوتين بارزتين ، مارستا المقاومة المسلحة مستفيدة من المرحلة الفدائية الأولى وهي قوات التحرير الشعبية وحركة القوميين العرب، والتي تحولت بعدها إلى الفصائل الوطنية الفلسطينية فتح والشعبية، حتى تحول القطاع زمن جيفارا غزة إلى حالة ملتبسة ، كأنه محتلا وليس محتلا في آن معا، فاعترفت قيادة الاحتلال، بسيطرة المقاومة على غزة ليلاً وبسيطرة حاكمها العسكري نهارًا.
حتى انفجار الانتفاضة الأولى عام 1987 فكانت الشرارة من مخيم جباليا، لتعم كل الأراضي المحتلة وتشتعل لعدة سنوات. ثم استفحلت أزمة العمل الوطني وخاصة في تداعيات التجاوب مع خيار التسوية السياسية، ومن ثم الانخراط فيها، فتقدم دور القوى الإسلامية بانطلاقة جديدة مبنية على خيار المقاومة وممارستها في مواجهة العدو. حتى تأخذ دورًا رياديًا فيها. وكانت غزة خزانها في العمل الاستشهادي .
لم تفاجئنا غزة، بصمودها وتلاحمها ومقاومتها، كانت أقوى من النار، روح التاريخ المختزن فيها كان مدرسة الكفاح الأولى ، فهي تعلم وقادرة على منع الاحتلال - كما كانت دائما - من أن يقطف نصرا، حتى لو قطف ما شاء من دمها. وكثر الحديث عن النصر والهزيمة، وحتى مؤسسات وخبراء العدو يغرقون في السؤال نفسه. إسرائيل في هده الحرب الغير متكافئة أو العملية الأضخم كما يسموها هم، لقد هزمت إسرائيل نفسها.
لم تحقق أهدافها المعلنة، لم تعزل حماس عن الفصائل ولا المقاومة عن مجتمعها ، استنفذت الغطاء الدولي وانكشف الصمت والتواطؤ العربي، غرقت في الدم الفلسطيني، فهزمت نفسها أخلاقيًا وإعلاميًا وجماهيريا وعسكريا، بل إنها اليوم تبحث عن تعويض خسارتها في أروقة الأمم والمحاكم الدولية وشوارع العالم، وفي ضمير الإنسانية ، كدولة خارج القانون، وتسير عكس التاريخ، وكأنها تطلق آليات موتها الداخلي، لتستعيد القلق التاريخي لديها، الذي يجدد الشعور العميق بعدم شرعية وجودها .
هزمت إسرائيل نفسها، وهي تعيد تجديد خيار المقاومة في أعماق كل مواطن عربي، فتهزم وهم التسوية الذي زرعته ورعته لسنوات، وكرست احتلالها تحت ظله. فأعادت انتشارها تحت مسمى السلام وإشاعة كذبة أنها الضحية.
لذلك غزة مرحلة تأسيسية إن أحسنا استثمار صمودها وتحويل رد فعل الحركة الجماهيرية في كل مكان إلى فعل تغييري ، على الأقل للخروج من نقائصنا، وثغراتنا وأمراضنا المزمنة، بما يستحق وقفة تقويم ومراجعة وبناء رؤية جديدة لمرحلة جديدة. كي لا نبخل بالنصر على من لم تبخل بالعطاء وهي تستحق النصر، وحماية تضحياتها السخية، وصمودها الجبار، أن نمنع العدو من تحقيق إنجاز سياسي عبر تحصين النصر، فهو أعلن وقف النار من طرف واحد، كي يبقى يمتلك المبادرة العسكرية بلا التزامات دولية، لذلك فالعدوان مازال قائما ، وهو يسعى لوقف النار ووضعنا تحت مرمى النار، كي يقايض كل خطوة بتنازل سياسي. وهو الآن يعطى للإدارة الأمريكية الجديدة سيولة سياسية جديدة كي يبدأ عهدًا يحتاج لاندافعة جديدة بعدما شابه من عقبات سابقة وتشوهات في العراق وأفغانستان، وهي قادمة بهجوم سياسي مباغت هذه المرة، لا يستند إلى الصواريخ والدبابات، ولكن إلى المبادئ والتحالفات كما قال باراك أوباما، لاستعادة وجه امريكيا عبر طبقة سميكة من المساحيق التجميلية، لذلك النصر الحقيقي هو الخروج من حالة الانقسام الفلسطيني، عبر الإقرار بسقوط الأوهام، وبأن العدو لا يريد إلا سلطات منقسمة ومهترئة ولا قيمة لها إن لم تكن سورا واقيا لكيانه واحتلاله، وخطوتها الأسلم هي بناء قياده فلسطينية موحدة كضرورة وطنية في مواجهة التحديات وحماية النصر وإدارة الصراع وفق الوقائع الجديدة، وإعمار ما هدمه العدوان، وليس العود على بدء بالحديث عن شكل الحكومة وعدد الوزراء، ونختلف ان كانت حكومة وفاق أم حكومة وحدة وطنيه. بل الأساس هو القيادة الوطنية والسياسية التي تؤسس لبناء وطني شامل. تدير عبر هيئات وطنية لعملية الاعمار والبناء والتحرك الدبلوماسي والسياسي.
غزة تستحق النصر، فهل ننصرها بوحدتنا؟ وصد محاولات العدو بانتزاع نصر سياسي، وباستعادة م. ت. ف كحركة تحرر وطني وجبهة وطنية عريضة، تمنع التلاعب بقضيتنا واستعادة أحلام البعض في الإلحاق والضم، فكبرياء غزة يستحق كبرياء سياسي ومقاومة سياسية، تحسن استخدام أوراق القوة التي شكلتها معركة الكرامة الجديدة في غزة، على المستوى الشعبي الفلسطيني والعربي والعالمي. ألم يكن هدف العدوان ترسيخ الإنقسام الفلسطيني؟ وترسيمه بقرارات دولية.. لذلك لن يكون النصر لغزة ولفلسطين والمقاومة بلا الوحدة، وحدة الميدان والمقاومة شيء رائع على أرض غزة، ولكن وحدة تستعيد وحدة الشعب والقضية والأرض، هي الغاية الأسمى وهي حكاية النصر الذي ينتظره جرح غزة.
*عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين
#مروان_عبد_العال (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
إلى روح وثيقة مكة : نقطة نظام!
المزيد.....
-
أمريكا تكشف معلومات جديدة عن الضربة الصاروخية الروسية على دن
...
-
-سقوط مباشر-..-حزب الله- يعرض مشاهد استهدافه مقرا لقيادة لوا
...
-
-الغارديان-: استخدام صواريخ -ستورم شادو- لضرب العمق الروسي ل
...
-
صاروخ أوريشنيك.. رد روسي على التصعيد
-
هكذا تبدو غزة.. إما دمارٌ ودماء.. وإما طوابير من أجل ربطة خ
...
-
بيب غوارديولا يُجدّد عقده مع مانشستر سيتي لعامين حتى 2027
-
مصدر طبي: الغارات الإسرائيلية على غزة أودت بحياة 90 شخصا منذ
...
-
الولايات المتحدة.. السيناتور غايتز ينسحب من الترشح لمنصب الم
...
-
البنتاغون: لا نسعى إلى صراع واسع مع روسيا
-
قديروف: بعد استخدام -أوريشنيك- سيبدأ الغرب في التلميح إلى ال
...
المزيد.....
-
لمحات من تاريخ اتفاقات السلام
/ المنصور جعفر
-
كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين)
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل
/ رشيد غويلب
-
الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه
...
/ عباس عبود سالم
-
البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت
...
/ عبد الحسين شعبان
-
المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية
/ خالد الخالدي
-
إشكالية العلاقة بين الدين والعنف
/ محمد عمارة تقي الدين
-
سيناء حيث أنا . سنوات التيه
/ أشرف العناني
-
الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل
...
/ محمد عبد الشفيع عيسى
-
الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير
...
/ محمد الحنفي
المزيد.....
|