فدوى أحمد التكموتي
شاعرة و كاتبة
الحوار المتمدن-العدد: 2539 - 2009 / 1 / 27 - 05:23
المحور:
الادب والفن
الفصل الأول
لقد أشعلت شمعة الضياء في وجهي , بعد أن اكتساه سواد الليل الدامس , وأحزان العمر تحيط به و لم أكن أتصور أن مثل هذا اليوم سيكون لي أبدا, بيد أن الحياة سخرتها لي , أشعر الآن بشيء من الاطمئنان والأمل بالغد المبهم أمامي , التقينا صدفة لم تكن في الحسبان,ولم يكن لأحد منا يد على ذاك اللقاء, كان في المرة الأولى عبارة عن كشف الهوية, ولكن في المرة الثانية كان عبارة عن كشف ما يخفيه كل منا من مشاعر وأحاسيس, لقد تعرفتُ عليها في أيام فصل الربيع, حيث الشمس الذهبية تغطي السماء,وحيث الورود الحمراء تتفتح لكل العاشقين,كانت سمراء البشرة, جيدها مكلل بعناقيد من ورود النرجس والياسمين,طويلة القامة,خفيفة الظل,كنت كلما نظرت إليها أستشف من ملامحها أشياء تخفيها, لم أستطع سآلها عن ذلك,بدأت أتصفحها بين أوراق ودفاتر حياتي وعن مغامراتي النسائية التي لا حدود لها ولا مغزى منها سوى شيء واحد,أن الرجل كلما دخل إلى غرفة قلب المرأة سيكتشف عددا من المفاتيح التي لا حدود لها, وكل مفتاح له بابه الخاص, وكل باب له باب وهكذا...
أما هي فشيء آخر, تختلف جذريا عن اللواتي أعرفهن وعرفتهن, تحدثنا طويلا عن كل شيء, عن الحياة, عن الموت, عن الأمل, عن الغد, عن الرجل, عن المرأة... فبادرتني بالحديث قائلة : ماذا تعرف عن الكنز الذهبي المفقود ؟ لم أفهم ما تريد أن تقصد بكلامها, فضحكتْ ضحكة استغراب وتعجرف أقصد ماذا تعرف عن المرأة ؟ أجبتها بتحفظ لأني أدركت من البداية أنني أمام شبكة ذهبية وأخطبوط ماسي بري , يعرف جيدا السباحة في بحر الحياة, قلت لها : أعرف أنها مركز الحنان والعطاء والرأفة والرحمة, فقالت لي وكأنها قرأت أفكاري, وأنني كشفتها عن حقيقتها أنها ذاهية النسوة , هذا ما تعرف عني, أقصد عن المرأة ؟؟!! أنتَ الذي لا تعرف الهدوء أبدا في السباحة داخل قلب المرأة وتعرف هذا فقط أنت مازح معي لا محال...
زاد إعجابي بها واستغرابي لأنها أدركت بسرعة البرق أني تكلمت معها بتحفظ فقلت لها , لا ولكن أعرف أنه يوجد نموذج لايمكنني ذكره لكِ لأنكِ فوق اللواتي يبعن ولا يعرفن قيمة الشيء المباع ولا البيع في حد ذاته, أدارت وجهها المليح عني وقالت لي: المهم ما رأيك في المرأة التي تسبح بعقل الرجل في الحياة حتى تتأكد أنه لم يبق يمتلكه وفي الأخير تبيعه بآخر...!!! أدرت وجهي منها ولم أستطع النطق أبدا , وصمتُ هنيهة وقلت في نفسي, آه إني الآن اكتشفت نوعا آخر على الذي أعرفه ولكنه صعب علي, أعترف بهزيمتي أمام نفسي على يد امرأة, آه منك يا حواء, سأفعل شيئا يغضبها مني حتى أتركها أو تتركني بلغتها وأتخلص منها نهائيا سوف أطعنها في كونها أنثى , فقلت لها كأني غاضب جدا : إن مثل ذاك النوع الذي ذكرتِه لي , بالنسبة لي إنها غانية , لا تستحق العطف أو الرحمة أبدا بل تستحق الموت والاحتقار والدونية, أتقولين هذا يا امرأة , أأنتِ من هذا النوع , ما عرفتك بهذه الأخلاق الفضيلة يا حواء!!! اللعنة على تلك الساعة التي جمعتنا ... فأدرتُ جسمي عنها ومشيتُ بضع خطوات لكي أرى ردة فعلها, فأجابتني ببرودة جلد الأفعى: هذا رأي أحترمه جدا بل أكثر من ذلك أؤيده, أنا معك في كل كلمة قلتها لي, كنتُ أحسبك ستجاملني وتنمق كلماتك حتى تستطيع أن تكسبَ مودتي كما يفعل كل رجل أمام امرأة, ولكنك أنت جعلت من كل كلمة تخرجها لها مغزى وهدف,حتى أستطيع أن أطردك من مملكتي وبالتالي تكون قد حققت مرادك . ردتْ علي وتوجهتْ إلى الحديقة وقطفت منها وردة حمراء, وناولتها لي, وقالت: خذ مهر التعارف وكشف الهوية, أخذتها منها بدون شعور,لأني كنت في استغراب تام على سرعة ذكائها وفطنتها على فهم الأشياء , مع أني ضليع في كسب قلوب العذارى , ومهنتي في الطبيعة وطبيعة كل رجل هو أن يدخل حواء في شبكته, هو أخطبوط له أيادي كثيرة ومتنوعة , تتغير حسب الظرف وحسب الزمان وحسب المكان , وحسب نوعية حواء, ولكن بالنسبة لهذه المرأة لم أرى مثلها من قبل, لم أرى في حياتي التي كانت عبارة عن غوص بلا حدود في قلوب العذارى, تمنيت لو أن الأرض تنشق وتبلعني وأموت ماديا ولا أُنَزَّلْ في هكذا موقف, ليتني ما عرفتها ويا ليتني ما كنت أريد البحث عن نوع آخر مخالف تماما عن ما أعرفه وأكنه, ثم قالت لي وهي تأخذ يدي وتذهب بي إلى كرسي في حديقة العشاق, عشاق السمر, أتعرف أنني أعجبت بك من أول نظرة رأيتكَ فيها, رغم أني سمعتُ عنك الكثير, أتعلم أنكَ احتلتَ مكانا مميزا في قلبي...
كانت تحدثني وتنظر في عيني وتسبح بسحر مقلتيها بي إلى الأفق البعيد المدى , لدرجة لم أعي بنفسي وأردتُ أن أقبلها, لكنها امتنعت وأمسكتُ بيديها وقبلتها وقلتُ لها : كما أنا بدوي كنتُ في أول الأمر أردتُ التسلية , وكنت أبحثُ عن واحدة منهن تملأُ حياتي, ولكن لما تحدثت معكِ وتحاورنا اكتشفتُ أنكِ تختلفين عن اللواتي أعرفهن وعرفتهن كثيرا في كل شيء, إنني لستُ معجبا بكِ فقط ولكنكِ امتلكتِ وجداني وسيطرتِ على نفسي ومشاعري لدرجة أني أكاد أن أفقد صوابي, إني أحبكِ يا حواء, أريدكِ لي أنا فقط لمشاعري وأحاسيسي, لفؤادي , لا أريدكِ للهواء ولا للنسيم, أريدكِ لي وحدي, أقول هذا وأردده و تغمرني فرحة كبيرة جدا لأنها اعترفتْ لي بإعجابها بي, لأن الرجل منا عندما يشعر أن هناك امرأة ولهانة به وتعشقه يشعر بالسمو والتعالي, يشعر أنه مطلوب... يحس أن الرجل فيه تحرك ...
كنتُ أريد في تلك اللحظة من الزمن أن أمسكَ بيديها وأطير بها في الفضاء الخارجي حيث لا يوجد أحد غيرنا, وأصرخ بأعلى صوتي أنها لي وأحبها , فقالت لي بصوت منخفض جدا يكاد أن يكون لمطربة آخر الزمان لم تسمعها أذن إنسان ومن فمها تخرج موسيقى تفوق كل السيمفونيات التي دونها كبار الموسيقيين العظماء, إنني أحبك بل أعشقك وأريد أن أكون أمةً بين قدميك تفعل بي ما تشاء حتى إن أردتَ قتلي فأنا رهن إشارتك ولكن .. , قاطعتها وفي نبرات صوتي فرحة كبيرة, اطلبي ما تريدين المال, الذهب أي شيء.., قالت لي: وهي تمسك يدي لا أريد لا المال ولا الذهب, أريد شيئا بسيطا جدا, أريد عقلك فقط, أريدك أن تقسم لي بالثالوث المقدس, وبالقرآن الشريف, وبالتوراة الحكيمة, أنكَ ستفكر في أنا وحدي ولا أحدا غيري, حتى في نفسكَ فأنا أريد عقلكَ أن ينشغل بي وحدي ولا أي شيء في الوجود, قلتُ لها : سأقسم لكِ كما تريدين المهم أن أكونَ أنا عبدكِ ولستِ أنتِ أَمَتي, لأنكِ سيدتي وسيدة مملكة عقلي الذي خلقه الله, أنتِ فقط خلقتِ لأشغال كرسي العرش عرش فؤادي, تملئيه بحنانكِ وسحركِ وكلامكِ وجاذبيتُكِ, فأردتُ أن أقبلها مرة أخرى ثم رفضت فقالت لي : ليس الآن , لكن عندما أريد فعل ذلك سأفعلهُ يا عبدي ... فضحكتْ وضحكتُ معها كثيرا لدرجة أننا سبحنا بدموع فرحنا, فقالتْ لي بسخرية : يالكَ من غبي إنني لا أحبك بل أسقطتُ عليكَ راية عدم التعقل, جعلتكَ تفقدُ صوابك, وتجعل مني ملكة عقلك, كم أنت مغفل يا رجل ... لم تستوعب أذني ما سمعته وتقدمتُ إليها راكعا قلتُ لها أنتِ تمزحين معي لا محالا , حتى تتأكدي من حبي وعشقي لكِ, كل هذا ولم يكفيكِ وتريدين المزيد, إنكِ جعلتيني أنسى اسمي حتى اعتقدتُ أن اسمي حطام وشظايا اسم كان, أنتِ يا حبيبتي حواء تمزحين معي, كم أحبكِ يا حواء, قالت وهي في ثورة جامحة : بل كم أنت غبي يارجل , لم تصدق ما سمعته مني , إنك بالنسبة لي سوى قِدْرٍ مصفح من الحديد أملؤه حين أريد أو أبقيه فارغا, إنك سقطتَ في شباكي وفخي, ألم أقل لك في البداية ما رأيك فيمن تسبح بعقل الرجل في الحياة وحين تتأكد أنه لم يبقى يمتلكه تبيعه بآخر في النهاية , لأنني عندما رأيتك كنت أريد أن أطبق عليك آخر تجاربي , لقد تراهنتُ مع قريناتي من بني جنسي في هذا الأمر وأكدن لي عدم نجاحه , لكن ثبثَ لدي العكس, ولكن قدرة الله فيما خلق وعلمه به أكد أشياء كثيرة , أو لم تقرأ القرآن الكريم في سورة يوسف الآية 28 * إنه من كيدكن إن كيدكن عظيم *.
قلت لها وفي نبرات صوتي ترجي وتوسل : رحماكِ بي يا حواء , لقد صنعتُ لكِ ما تريدين , ووضعتُ عقلي بين يديكِ , فرحماكِ بي , ألطفي بعبدكِ هذا, أتوسل إليك يا حوائي, فأمسكت يدها بقوة أعاصير الطبيعة الهائجة وركعتُ لها ... ,فنظرتْ إلي نظرة احتقار وذل ونثرت يدي بقوة بركان هائج, وزخات المطر العنيف, فبادرتني بالحديث قائلة : لا ترجوني يا هذا , فأنا لم أفعل شيء سوى طبيعتي في الحياة التي سخرها رب العالمين,وزرع في كل نفس امرأة ما رأيت الآن, أقول لك هذا واذهب عني واتركني أبحث أو أن يبحث عني أحد من جنسكم وسأسقيه من نفس الكأس , أقول لك الحقيقة , مع أني وبني جنسي لم تصدقن أبدا, ولكن بالنسبة لي سأتجاوز هذا كله وأخرج عن نطاق مهنتي في الطبيعة, إنك جعلتني أعرف الخوف والرهبة مع أننا نحن -معشر النساء- لانعرف معنى هذا أبدا , إن المرأة منا حين تريد شيئا ستصل إليه حتما, إنها مكونة من بلورات ذهبية وماسية , كلما تقترب من بلورة تكتشف أخرى وهكذا , اذهب عني يا رجل, وخذ هذا الدرس, مع أني متأكدة أنك لن تفهمه قط في الوجود, إن الطبيعة خُلِقت بهذا الشكل, خلقت المرأة قوية في الحيلة, ذاهية عاطفيا, ضعيفة جسميا, وخلقت الرجل , قويا جسميا, ضعيفا وطفلا عاطفيا أمام المرأة بكل المقاييس, نابغ ذهنيا, مكابرا ولكن لا جدوى منه كبريائيا ...
هذه هي الطبيعة ولايمكن تغييرها يا رجل , إلا إذا غير الخالق نظام الكون, خذ هذا الدرس واتركني وحدي واخضع لنظام الطبيعة ولإرادة الكون والخالق ...
وهي تحدثني مر أحد الرجال حولنا, وبدأ ينظر إليها كأنها الوحيدة في ذاك المكان, فغادرتني وذهبت إلى حال سبيلها ...
ومرت أيام وأيام وأنا صرتُ مجنونا بها , أعشقها أبحث في كل الدروب عنها , عساها تغفر لي وترحم ضعفي أمامها , حتى في أحد الأيام جاءني ذاك الرجل الذي كان ينظر إليها وقال لي : إنها من نصيبي , أنا الذي سوف أجعلها تسقط في خيوطي وحتى أتأكد أنها صارت ملهمتي و عاشقة لي وأتركها, فقلت له : لا جدوى من ذلك , فأنا كنت زير نساء وذاهية الرجال في الإيقاع بهن, ولكن صنعن قانونا أو تجارب على حد قولها وسوف تخسر كثيرا كما خسرتُ أنا فقدتُ عقلي, وصرتُ مجنونا بها, فقال لي :أتراهن معك , قلت: على ماذا ؟ قال : إذا كسبتُ المعركة ماذا ستصنع لي, قلت له: سوف تجعل من بيني جنسنا أرقى من حواء في الوجود واللاوجود, وسوف ترفع رأسنا عاليا بعد أن حطمته فكرة وحيلة حواء, قال لي : سوف ترى يا قريني من بني جنسي ...
وللحديث بقية ....
#فدوى_أحمد_التكموتي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟